بهت في القرآن المكرم


 

بهت في القرآن المكرم

 

بهت لغة:

 بهت أصل واحد هو الدهشة والحيرة، والبهتان الكذب، يقول العرب: يا للبهيتة أي للكذب. وبهته بهتاً أي أخذه بغتة. وبهت الرجل أي دهش وتحير. وقال الرسول في بعض اليهود: إنهم قوم بهت ([1])

 

بهت في القرآن:

بهت في القرآن لا يعني الكذب ولا الغش، بل يعني الصمت الذي تسببه الحيرة والدهشة والصدمة، فإذا كان الشخص يختلق عليك فأنت تُبهت من شدة كذبه عليك، وإذا جادلت أحدهم وأتى لك بحجة جعلتك تلوذ بالصمت فأنت هنا قد بُهت كما حدث مع النمرود.

وقد تُبهت ليس لقوة الكذبة وخطورتها، بل لأنك لم تكن تتوقع أن هذا الشخص يغدر بك، فقد يكون كلامه صحيح، ولكنه أفشى سرك رغم أنه خليلك ولم تكن تتوقع أن يفعلها. أو أن يصارحك خليلك أنه لا يحبك ويكن لك الشر رغم أنك توده وترجو له الخير كله، فحينها تُبهت أي تلوذ بالصمت وتعجز عن الرد للدهشة والحيرة.

والقرآن اشتق هذا المعنى وقصد به الكذب خاصة إذا كان شديداً وجاء من صديق، فعندما تحدث القرآ، عن الزوج الذي يبهت زوجته أي يجعلها تلوذ بالصمت من شدة الصدمة وذلك باتهامها بالزنا كي يسترد مهرها بغياً وكذباً.

{ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْءًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }  [النساء: 20].

وقد بُهت النمرود لعجزه عن الرد على إبراهيم، أي لاذ بالصمت من شدة الدهشة والحيرة {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }  [البقرة: 258].

ولعل الكذب والافتراء الذي يسبب صمت الآخر، وعجزه عن الكلام -البهتان- هو أشد وأعظم أنواع الإثم الذي يوجب النار، وهو أكثر البهت حدوثاً. وهو أكثر البهت صدمة ودهشة عند المتضرر.

{وَمَن يَكْسِبْ خَطِيءَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيءًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}  [النساء: 112].

وعندما اتهم بعض اليهود مريم بالزنا، لاذت السيدة الجليلة بالصمت من هول التهمة فسماه القرآن بهتان، فصار عيسى من يتحدث عنها ويدافع منذ أن كان في المهد.

{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَٰنًا عَظِيمًا }  [النساء: 156].

وعندما تبدأ الساعة يعجز البشر عن الكلام من شدة الدهشة والصدمة أي يصابون بالبهت.

{ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ}  [الأنبياء: 40].

ويوجه القرآن البشر إلى السمو بأخلاقهم، بإسكات من يتكلم في النساء، واتهام المتكلم بالبهتان، الذي يعني ما يسبب الصمت والدهشة، ويقصد به اتهام ذلك الشخص بالكذب الشديد القذر، على تلك المرأة.

{ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٌ }  [النور: 16].

وفي سورة الأحزاب تزايد عدد المنافقين ممن يتكلم في المؤمنين والمؤمنات، ويسببون في أذاهم، باتهامهم في علاقاتهم مع النساء، فبين القرآن أن تلك التهم تسبب البهتان أي تجعل المؤمنين والمؤمنات يعجزون عن الرد لأن الكلام مؤذ جداً لهم.

{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }  [الأحزاب: 58].

وقد قرن المصحف بين الشرك وقتل المرأة لطفلها والسرقة والزنا وبين البهتان، ذلك لشناعة البهتان والذي يعني اتهام إمراة بالفاحشة، مما يسبب في تحطيمها، فتلوذ بالصمت أي بهتت من ذلك الافتراء. وقد كان الأمر فوضى بالمدينة، حتى جاء القرآن ووضع تشريعاً بجلد الرامي للمرأة.  

{يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْءًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}  [الممتحنة:12].

الخلاصة:

سنجد القرآن يحدد بدقة معنى البهت، وهو أن يلوذ أحدهم بالصمت والدهشة والحيرة، من شخص آخر، بسبب أنه اختلق عليه أمراً شنيعاً، أو أفشى سره أو صارحه بأمر ما، أو تجادل مع شخص أعلم منه وأذكى، أو مصيبة حلت بجواره فعقدت لسانه.

وقد خصص القرآن مفردة البهتان التي تعني إتهام المرأة بالفاحشة، وشدد من العقاب فعقاب الرامي بالفاحشة مقارب لعقاب الزاني والزانية، ثم يتوعده المولى يوم القيامة بالنار.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (1/ 307): «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (1/ 244): «تاج العروس من جواهر القاموس» (4/ 452):

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -