تفسير قوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن

 



تفسير قوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن

 

نزل هذا النص الكريم مرتين في سورتي النساء ومحمد

{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ}  [النساء: 82].

{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ}  [محمد: 24].

ويقصد بالتدبر الاتباع والطاعة وليس التأمل التفكر

وسنبدأ بسورة محمد، ففي هذا النص يوجه القرآن جماعة من الذين آمنوا، من اليهود العرب الذين تحولوا إلى الإيمان بالدين أن يتدبروا القرآن أي يتبعونه وليس أن يفسرونه أو يتأملونه، فهم كما تقول السورة لم يتمسكوا بأوامر القرآن بقوة

ففي البداية طالب هؤلاء الذين آمنوا (شبه المنافقين) بسورة مؤكدة يوجب فيها القتال

﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ﴾ [محمد: 20]

ثم يبين لهم خطورة عدم اتباع القرآن

ﵟأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ﵞ [محمد: 24] 

ثم يبين لهم خطورة فعلهم وأسبابها  

ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰﵞ [محمد: 25]

ثم يبين الحقيقة في عدم تدبر القرآن أي اتباعه، وهو أنهم يتبعون قوماً منهم ممن كرهوا ما أنزل الله، أي يقصد الجماعات التي تجذر فيها النفاق وتفشى.

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ﴾ [محمد: 26]

ثم يبين النص أن تلك الحرب التي تحدث حين بعد حين مع الكفار هي اختبار للذين زعموا الإيمان

﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ﴾ [محمد: 31]

وفي سورة النساء

تحكي نفس المشكلة، وهي عدم رغبة المنافقين بالمشاركة في المعارك فيقول ابتداء

﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ﴾ [النساء: 81]

ثم يأمرهم بتدبر القرآن أي اتباعه

﴿أَفَلَا ‌يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ ﴾ [النساء: 82]

ثم يأمر القرآن الرسول بعدم اكتراث لهذه الفئة الرخوة المحبطة، فلا يكلف الرسول إلا المؤمنين وليس الذين آمنوا

﴿فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا﴾ [النساء: 84]

ثم تستمر السورة في الحديث عن المنافقين وكيفية التعامل مع الجماعات المسالمة والأخرى العدائية من غير المؤمنين.

وبهذا يتبين لنا أن التدبر هو اتباع أوامر القرآن فقد لا غير

ملاحظة أخيرة:

نزلت آية تدعو الكفار للتدبر أيضاً، أي الاتباع، ولكن لم تسمِه بالقرآن، بل وصفته بالقول

{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ }  [المؤمنون: 68].

وذلك لسببين في ظني، أولاً، لأن المؤمنين الدعاة كانوا يناقشون الكفار في الأفكار، فلم يكن يتاح لهم تلاوة القرآن دائماً، فهي مجرد أقاويل أي أفكار وعقائد تتداول مع الكفار، وخاصة أن القرآن لا زال لم يكتمل بعد ولم تنزل إلا القليل من السور.

والسبب الثاني أن الكفار لم يعترفوا بالقرآن مطلقاً، فالطلب منهم أن يتدبروا القرآن يعتبر مزاحاً بالنسبة لهم، فكيف يتبعون القرآن الذي لا يؤمنون به. أما في النصين السابقين الذي يأمر بتدبر القرآن، أي اتباعه فهو موجه إلى اليهود الذين تحولوا إلى الإسلام ولم يتمسكوا به بقوة لكلفة تشريعاته عليهم.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -