تفسير قوله تعالى مستكبرين به سامرا تهجرون

 


 

تفسير قوله تعالى مستكبرين به سامرا تهجرون

هذا النص الكريم يتحدث عن كفار مكة، وهذا الكلام سيوجه لهم يوم القيامة

ﵟلَا تَجۡـَٔرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ٦٥ قَدۡ كَانَتۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ تَنكِصُونَ ٦٦ مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ ٦٧ أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَﵞ [المؤمنون: 65-68] 

       فيذكرهم بما فعلوا مع الرسول ومع دعاة الرسول، فعندما يذوقون العذاب يطلبون العون من أي أحد، فلا ينصرهم ناصر. ثم يبين لهم النص ما كانوا يفعلونه في الدنيا، فإذا تليت آيات الله فروا وتركوا الرسول ودعاته لوحدهم، وقد اشتكى الرسول في آيات أخرى من ذلك

{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا }  [الفرقان: 30].

حتى في أثناء الليل ووقت السمر الذي تخلو فيه النفس من المشاغل والمشاكل، فإن تلك المجالس السمرية يهجرونها، أي يقاطعونها بالكلية.

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَٰمِرًا تَهْجُرُونَ }  [المؤمنون: 67].

لقد كان القوم في البداية، يستمعون للقرآن في ذلك الوقت من الليل، فأمره المولى أن يقيم الصلاة أي يعقد مجلس السمر، ويقرأ القرآن حتى وقت الفجر فهناك من يشهد معه يستمع ويسأل والرسول يرد.

{ أَقِمِ الصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }  [الإسراء: 78].

وهذا الوقت أي الليل والسمر والفجر هي أوقات مناسبة، ذلك أن كل إنسان يستطيع أن يستمع للرسول والقرآن دون أن يكتشفه الآخرون، فيستطيع أن يستمع دون ضغط أو استنكار من الكفار.

وحتى هذا الوقت مناسب للجن فقد جاءت مرات تستمع للقرآن، وقد ذكر القرآن مرتين منها.

{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }  [الأحقاف: 29].

{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا }[الجن: 1].

نعم لم تبين الآيات وقت استماع الجن للقرآن، ولكن في الغالب كان في الليل، وهذا الوقت أمره المولى بتلاوة القرآن لصفاء ذهن السامع وخلوه من المشاغل.

ﵟ‌قُمِ ‌ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ٢ نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا ٣ أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًاﵞ [المزمل: 2-4]

وقد بينت بداية السورة حال المؤمنين فقالت:

ﵟقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢ وَٱلَّذِينَ هُمۡ ‌عَنِ ‌ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ٣ﵞ [المؤمنون: 1-3]  .

أي المؤمنون يتكلمون بصوت منخفض مع الآخرين لكي يقنعوهم بالدين الجديد وجماله وعذوبته وإذا تعرضوا لللغو أي التهديد فهم لا يكترثون للتهديد ولا يردون، فالناس سيجابهون الدين الجديد بالخشونة والصدام، لغرابته عليهم ومصادمته لعقائدهم، فيجب اللين معهم بالصوت الخفيض والرد بالسلام لاي تهديد، وهذه هي الصلاة مع الآخرين. كذلك هم عندما يحضرون مجالس الرسول الدعوية، يخشعون أي يخضعون للدعوة ويخنعون ويسلمون لكل ما يقوله.

وقد بينت سورة أخرى حال المؤمنين، وكيف أنهم يسهرون الليالي للدعوة إلى الدين الجديد.

ﵟكَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا ‌يَهۡجَعُونَ ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ﵞ [الذاريات: 17-18]

ثم بينت السورة حال استكبار فرعون وقومه ضد موسى

ﵟفَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ ٤٦ فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَﵞ [المؤمنون: 46-47]

ثم بين النص أن كفار مكة مثل فرعون غرتهم قوتهم وسلطانهم فاستكبروا

ﵟأَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَﵞ [المؤمنون: 55-56]

فنظروا باستحقار للمؤمنين وللرسول، ولهذا هجروا ذلك السامر الذي كان يسمر بالقرآن يدعوهم للدين الجديد.

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَٰمِرًا تَهْجُرُونَ }  [المؤمنون: 67].

بل حرضوا العامة على عدم الاستماع إلى القرآن وتهديد من يتلوه عليهم

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }  [فصلت: 26].

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني 

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -