السري
في القرآن المكرم
السري لغة:
السُرى أي سار عامة الليل وليس بعضه. والسّرّاءُ
الشديد. والساريةُ السحاب يسري ليلاً. والسارية هي الأسطوانة من حجر أو آجر.
وسارية صحابي كلمه عمر عن بعد. السرْوة أدق ما يكون من نصال السهام. وسرى السيف أي
سلّه. وسرى عِرق الشجرة في الأرض أي دب تحتها. والسَروة دودة تقع في النبات فتأكله
وذلك باختراقه. والسِرو الجراد أول ما ينبت حين يخرج من بيضه. سَرْو الشِرب تنقية
أنهار الشِرب وسواقيه. وانسرى الهم انكشف ([1])
السرى
في القرآن:
قبل أن نبحر في النصوص المكرمة، نلاحظ أن
السري ذا معنى واضح وجلي لكن أهل المعاجم لم يتنبهوا إليه، وهو أن السري هو التنقل
في الخفاء، ولا يستلزم أن يكون في الليل، وقد يكون في النهار، فإذا تنقل الإنسان خفية
ودون أن يراه أحد في وضح النهار فقد قام بفعل السري، فالسري هو سير في خفاء.
ومن ذلك قولهم سرى عرق الشجرة في الأرض،
أي دب تحتها، وهذا مؤكد فهو يسير بجذوره تحت الأرض في خفاء دون أن يراه أحدٌ من
الناس. والسَروة هي الدودة التي تكون في جوف النبات فتأكله دون أن يراها أحدٌ
لأنها في جوف الثمار، فهي لهذا سَروة لأنها تتحرك في خفاء داخل الثمرة.
وهذا ما تأكده النصوص المكرمة ما سوف
نرى:
ففي أشهر آية
{سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ} [الإسراء : 1]
يرى السخاوي أن ذكر أن إسراء نبي الله
ليلاً، ليس للتوكيد كما ذهب البعض، بل ليبين أن مدة الرحلة من مكة إلى القدس
تستغرق أربعين ليلة، قد اجتازها النبي في ليلة واحدة. أما الراغب فيرى أن معنى
الآية أي ذهب بعبده في سراة من الأرض([2])
والصحيح أنه ذكر الليل ليؤكد أن سير
الرسول الخفي كان في الليل، لسبب يجب أن ندرسه وسوف نشرح هذه الآية الكريمة في
مقال منفرد لعدم إطالة الشرح.
سري لوط:
{
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود : 81]
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}
[الحجر : 65]
كذلك ذكر القرآن قصة لوط وكيف أنه خرج من
بيته متخفياً، فقد سار في خفاء، وكان خير معين له في ذلك التخفي هو الليل. وخروج
لوط في تخفي حتى لا يمنعه أحدٌ من الخروج أو لا يتبعه أحدٌ من قوم لوطٍ.
سري موسى وقومه:
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ
أَسْرِ بِعِبَادِي} [طه : 77]
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ
بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء : 52]
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}
[الدخان : 23]
وعندما تحدث عن خروج موسى بقومه من أرض
مصر، ذكر مرتين أنه إسراء ولم يحدد الوقت وفي مرة بين أنه إسراء في الليل. والذي يؤكد
أن موسى كان يسير في الليل ويتوقف في النهار، فيأتي عند الأودية يتخفى فيها في
النهار ثم يكمل سيره في الليل حتى وصل البحر. ولو سار في النهار للاحظ من يسكن في
تلك المنطقة حركة موسى فشاع خبره وعلم به فرعون، إذ أن فرعون لم يكن مستعداً
تماماً للقتال، فقد جمع من المدائن المجاورة جنوداً حتى يتفوق على موسى فقد كان
الناس يخشون موسى وسحره كما يتصورون، استطاع موسى أن يتمهل في تنقله حتى يستطيع
السير بتخفي، وحتى يرتاح الأطفال والنساء.
السري تحت مريم:
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي
قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم :
24]
وهذا عيسى الرضيع يكلم أمه وقيل جبريل ([3]) إن الله جعل في تلك اللحظة والساعة تحت قدميها سرياً، وفسروها على
أنه نهر أو جدول ([4]) وهذا يتفق تماماً مع جذر السري، فكما قلنا إن السري هو السير بخفاء،
وهذا السري الذي تحت مريم هو جدول ماء يمشي مخفي عنها، وقد أخبرها عيسى بذلك فما
كان منها إلا أن حفرت فظهر لها الماء، الذي كان يسير في خفاء تحتها.
وهو يفسر سبب حزنها فهي أنجبت عيسى دون
الحاجة إلى تسعة أشهر كما بقية النساء، لكنها مع هذا، فهي حزينة فلا ماء ولا طعام،
وهي في حاجة إلى الطعام والشراب كي ترضع وليدها، فجعل الله الماء يسري من تحتها في
تلك اللحظة، وجعل النخلة تنتج الثمار في تلك اللحظة في غير موسمها، أو قد تكون
النخلة صغيرة يسهل هزها أو قد يكون الروح القدس يساعدها على هز النخلة، وبهذا زال
عنها هم الجوع والعطش خاصة بعد أن كلمها ابنها الرضيع.
سري يوم القيامة:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر : 4]
فمهما كان المقصد من الآية، فإنها تشير إلى
سري الناس في الليل، وقد ذهب بعضهم إلى أنه المقصد موسى وقومه، ورجحت أنه سري في يوم
القيامة حيث يسير الناس ليلاً في خفاء عن بعضهم، ولا يهمنا هنا إلا أنها السير
ليلاً في خفاء، أنظر تفسير سورة الفجر.
السري في التراث:
نرجح أن السرية وجمعها سرايا اشتقت من
هذا الجذر، لأنها تسير في خفاء، لمراقبة الطرق والقبض على المتربصين، فلو كانت
مكشوفة لبطلت فائدتها، بل كان الرسول أيضاً، يخبرهم أنه ذاهب لغزو العدو الفلاني
ثم يتجه إلى عدو آخر، حتى تفشل مخابرات العدو، فالجيوش تنال مزيد من النجاح إذا
كانت تحركاتها مخفية ولهذا سميت سرية.
الخلاصة:
السري هو سير في خفاء، ويكون في النهار أو في الليل، ولكن الليل أفضل لسهولة
التخفي، إذا كان الساري عاقلاً مدركاً يريد السفر والتنقل دون أن يشعر به أحدهم،
ولكن السري يكون في كل من يتحرك حتى ولو لم يكن عن إرادة أو وعي، مثل سري الدم في جسمنا، لأنه يتحرك دون أن نراه فهو يسير في
خفية. كذلك الدودة التي في جوف الفاكهة هي تسير هنا وهناك، ولهذا تسميها المعاجم بالسروة لأنها تتحرك في خفاء.
وقد أمر المولى بأن يسري لوط ليلاً حتى
ينجح في سريه، وكذلك موسى، وسرى محمد في الليل. والأمر في غاية البساطة فلو كان
السري يعني المشي ليلاً لما ذكر أنه سري بالليل فهو حشو ومعاذ الله أن يكون في
القرآن حشواً.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك