السير
في القرآن المكرم
السير لغة
السير أصل يدل على مضي وجريان. والسير هو
الجلد لامتداده كأنه يجري. والمُسير من الثياب الذي فيه خطوط كأنه سُيور. والسير
الذهاب ليلاً أو نهاراً على عكس السري الذي هو ليلاً فقط. وسار القوم أي امتد بهم
السير في جهة. والمسيرة هي المسافة التي يسار فيها. وسيره من بلده أخرجه وأجلاه. والسيارة
القافلة السائرة ([1])
السير في القرآن
لم توفق المعاجم كثيراً في فهم معنى
السير في القرآن، وإن اقترب بعضهم من المعنى، وهو أن السير يركز على طول المسافة
وليس على غرض التنقل أو سرعته أو طريقته، بل يركز فقط على طول المسافة.
وقد تنبهت وفاء برهان ([2]) إلى هذا المعنى، لكنها ظنت أن السير مشقة وكلفة وليس كالمشي الذي هو
متعة، وهذا لم يشر إليه القرآن، فهذا الجذر يتحدث فقط عن طول المسافة المقطوعة كما
نعتقد.
فالمولى يوجه الناس إلى السفر الطويل إلى
تلك الأراضي التي أهلكها الله للنظر والعبرة، فاستخدم جذر السير، ذلك أن تلك
الآثار متناثرة في كل مكان وهي بعيدة عن المناطق الحضرية، لأن الناس هجروها وفضلوا
الابتعاد عنها، لهذا السفر إليها هو سير طويل المسافة.
{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [آل عمران:
137].
{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }
[الأنعام: 11].
وسميت القافلة بالسيارة، لأنها تقطع
مسافات طويلة
{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَٰعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } [المائدة: 96].
وإخوة يوسف وضعوه في الجب الذي يمر به
السيارة، أي القافلة التي تسافر مسافات بعيدة جداً، وهي خطة جيدة، حتى يبتعد عنهم
يوسف أقصى ما يمكن
{ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا
يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن
كُنتُمْ فَٰعِلِينَ } [يوسف: 10].
{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ
فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَٰبُشْرَىٰ }
[يوسف: 19].
كذلك الانتقال بواسطة البحر، اعتبره
سيراً لأنه في الغالب يقطع مسافات طويلة
{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ } [يونس: 22].
وقد
طلب الكفار تعجيزاً للرسول أن ينزل قرآن تسير به الجبال، أي تقطع مسافات بعيدة فيرون
ذلك أمام أعينهم فيؤمنوا.
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ
الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ}
[الرعد: 31].
وتحدث القرآن عن سير الجبال يوم القيامة،
وهو قطعها لمسافات طويلة، حتى تصبح للناظر من بعيد كأنها سراب، وهي التي ستجعل
الأرض بارزة أي في مكان المحشر، لأنها ستنضم لبعضها البعض، وهذا لا يشمل كل الجبال
حتماً بل بعضها، فلم يقل النص كل الجبال، فهناك جبال ستندك يوم القيامة ولكن ليس
كل الجبال، بل هناك جبال ستنشأ من جديد
{ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا } [الطور:
10].
{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا
} [النبأ: 20].
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى
الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف:
47].
وعصا موسى كانت تسعى، فهي تنتقل، فأمره
الله ألا يخاف وليأخذها فستعاد إلى سيرتها الأولى، أي ستتحرك كما كانت تتحرك
سابقاً وهي حركة صفرية لأنها عصا، فالمولى يقول له ستعود جماداً لا تتحرك كما كانت
سابقاً تتحرك حركة صفرية.
{ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا
سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ } [طه: 21].
وموسى
بعد انتهاء المدة سافر بأهله مسافات طويلة جداً، فإذا كان متجهاً ناحية مصر ليقابل
هارون خارج أسوار المدينة، فهذا يعني أن المسافة بين مدين ومدينة فرعون بعيدة
وتعتبر سيراً.
{فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ
بِأَهْلِهِ} [القصص: 29].
والسير
يحتاج إلى أيام وليالٍ على أقل تقدير، وقد يكون أكثر من ذلك
{ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا
فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ }
[سبأ: 18].
الخلاصة:
إن السير هو قطع المسافات الطويلة، ولا يشير
إلى الوسيلة ولا الطريقة ولا السرعة ولا إلى الهدف، فهو يركز على المسافة فقط.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك