أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

السعي في القرآن المكرم

 



السعي في القرآن المكرم

 

السعي لغة:

يسعى أي عدا، وكذلك عمل وكسب، ومن تولى أمر قومٍ فهو ساع عليهم. وأكثر ما يقال ذلك على ولاة الصدقة. وسعى أي قصد. وفسروا فاسعوا إلى ذكر الله أي اقصدوا أو أمضوا. وسعى لهم أو عليهم أي كسب لهم. وسعى أي مشى بسرعة. وقيل السعي هو الجري والاضطراب. وسعى به أي وشى إلى الوالي. وأصل السعي المشي ([1])

 السعي في القرآن

كبقية المفردات فإن السعي له جانب حسي بدأ منه أصل الكلمة، وجانب معنوي، ولنبدأ بأصل المفردة وهو الجانب الحسي الذي انبثق منه المقصد المعنوي.

آيات السعي الحسي

{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } [البقرة : 260]

فهذا النبي المكرم إبراهيم، يربي طيوره الدواجن، لكي تعتاد على صوته فإذا وزعهن على الجبال ونادهن جئنه سعياً. وبهذا يتبين لنا أن السعي هو التحرك نحو مقصد واضح، وهنا يشترط النص أن تكون الحركة نحو الناظر وهو هنا إبراهيم، فالنص يخبره أن تلك الدواجن سيسعين أي يتجهن إليك، والسبب مفهوم فقد كان يطعمهن ويعتني بهن، فعندما سمعن صوته يناديهن أقبل نحوه وهو السعي لأجل الطعام والأمان.

كذلك يتحدث النص التالي المكرم عن رجل جاء يسعى إلى النبي محمد المكرم، فالنص يقول جاءك أي توجه نحوك مباشرة، وغرضه هو الرسول وسماع ما يقوله عن الدين الجديد، وطرح الأسئلة.

{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس : 8]

وفي هذا النص التالي:

{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه : 20]

يتبين لنا أن موسى شاهد العصا تتحول إلى حية، وتتجه نحوه، لأنه قال تسعى ولو قال تتحرك أو تنتقل أو غيرها من الجذور لما علمنا اتجاهها، وهي تتجه نحوه ليس لكي تخيفه، بل لأن الله وجهها، فكأن موسى هو من يحميها ويعتني بها لأنها عصاه التي تنفعه، فاتجهت إليه.

كذلك في هذا النص المكرم:

{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه : 66]

فموسى شاهد عصي السحرة، أنهن يتجهن نحوه، لأنه قال تسعى، ولهذا كاد الخوف أن يظهر فيه، فثبته المولى. { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ }  [طه: 67].

ونلاحظ أن السعي الحسي يكون دائماً في خط مستقيم، لأن أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم، وهذا يوفر الوقت والجهد، فالسعي هو التوجه إلى نقطة معينة بخط مستقيم

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى } [القصص : 20]

{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس : 20]

ولهذا سمي السعي بمكة بهذا الاسم، لأنه انتقال بين نقطتين هما جبلي الصفا والمروة، وهو يسير في خط مستقيم. وهو مثلما فعلت الحية بالاتجاه نحو موسى بخط مستقيم.

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } [الصافات : 102]

والفائزون بالجنة، يدلهم نور يسعى إلى مكان الجنة، وهذا يعني أنه يسير بخط مستقيم أو هو يدلهم على أخصر الطرق التي بلا أخطار، ولهذا سمي بالصراط المستقيم، فهم لا يضيعون بسبب هذا النور الذي يدلهم على الطريق الصحيح، وهو يسعى أي ينتقل من محل وقوفهم إلى محل الجنة وبخط مستقيم.

أو لعل المعنى أن هذا النور قد ارتبط بهم، فهو يسير معهم حيث يسيرون، فهو يسعى أي يتجه إليهم كلما ابتعدوا عنه قليلاً، فلا يفارقهم البتة. نعم هو نار غير كاف ولكنه يؤدي الغرض، لهذا طلبوا إتمام النور عند دخولهم الجنة.

{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم : 8]

{ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [الحديد : 12]

آيات السعي المعنوي

السعي المعنوي، هو الأعمال التي ننفذها لكي نصل إلى هدف نريده، فهو ليس سرعة انتقال، بل هو خطوات نتبعها وننفذ فيها أعمالاً حتى يتكون الشيء الذي نريده.

فخراب المساجد يحتاج إلى سعي أي خطوات وأعمال ننفذها حتى نصل إلى هذا الغرض

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } [البقرة : 114]

وخراب الأرض يحتاج إلى أعمال تنفذ حتى يتكون الفساد الذي يدمر الأرض السياسية، فالسعي هو مجموعة أعمال منتظمة تحقق الفساد.

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة : 205]

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة : 33]

وقد يكون السعي هو عمل الخطوات حتى يصل إلى الهدف وهو تشكيك الناس في القرآن، كالتكذيب وإلقاء التهم على الرسول بكونه ساحر ومجنون وكاهن. وهكذا تستمر الأعمال من أجل الوصول إلى الهدف وهو ترك الناس للرسول.  

{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحج : 51]

{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ : 5]

ويتحدث القرآن عن سعي الآخرة، ويقول إن لها سعي خاص بها، كالصدقة والنصرة للمؤمنين، والقتال في سبيل الله، وغيرها من أعمال مذكورة في القرآن وهذه الأعمال هي السعي الموصل إلى الهدف وهو الجنة.  

{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [الإسراء : 19]

{ لِتُجْزَى  كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه : 15]

{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء : 94]

{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم : 39]

وسوف نرى سعينا يوم القيامة، وهذا يعني أن السعي هو العمل أو هو نوع من العمل وهو الذي سنحاسب عليه.

{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم : 40]

{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ }  [الزلزلة: 7].

وهذا فرعون {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات : 22]

فما الذي سعى له بالضبط؟

﴿‌ثُمَّ ‌أَدۡبَرَ یَسۡعَىٰ ۝٢٢ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ۝٢٣ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ ﴾ [النازعات: 22-24] 

فقد استمر فرعون في عناده وكفره ومحاولة التشكيك في موسى، فجمع السحرة من أجل الإضرار بموسى، ولكن سعيه فشل فلم يصل إلى بغيته.

والسعي إلى ذكر الله يعني التوجه من الأسواق إلى مكان التجمع وقد يكون المسجد أو غيره، وهذا التوجه مقصود وله غرض وهدف وهو ذكر الله لهذا استخدم الجذر سعى.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة : 9]

وبينت سورة الليل، أن السعي المعنوي هو أعمال الخير أو أعمال الشر، تلك الأعمال التي نفعلها عن قصد وغرض وغاية.

{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل : 4]

﴿إِنَّ ‌سَعۡیَكُمۡ ‌لَشَتَّىٰ ۝٤ فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ۝٥ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ۝٦ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ ۝٧ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ۝٨ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ﴾ [الليل: 4-9] 

فالسعي هنا العطاء والتقوى، والتصديق بالأنبياء، من أجل إرضاء الخالق الرازق. وقد يسعى الظالم بالبخل والاستغناء وتكذيب الأنبياء، من أجل الحفاظ على مصالحه في الدنيا

{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان : 22]

 أما الآية

{لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية : 9]

فهي تشير إلى أن النفس المؤمنة يوم القيامة تسعى إلى الجنة، أي تنتقل من موقع الحساب والحشر إلى الجنة وهي تريد دخول الجنة، فإذا دخلت الجنة التي تسعى إليها رضيت لما فيها من نعيم. أو أن المقصود بالسعي هنا سعي الدنيا، فقد سعى المؤمن في الدنيا، فنال الثواب ورضي به.

﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَئِذࣲ نَّاعِمَةࣱ ۝٨ ‌لِّسَعۡیِهَا ‌رَاضِیَةࣱ ۝٩ فِی جَنَّةٍ عَالِیَةࣲ ۝١٠ لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَٰغِیَةࣰ ۝١١ فِیهَا عَیۡنࣱ جَارِیَةࣱ ۝١٢ فِیهَا سُرُرࣱ مَّرۡفُوعَةࣱ﴾ [الغاشية: 8-13] 

الخلاصة:

يتبين لنا أن السرعة هي مجرد حركة ولا علاقة لها بالهدف والغاية، أما السعي الحسي فهو التحرك إلى نقطة هي هدفنا. أما لو كان السعي يقصد به أمور معنوية، فإنه يعني الأعمال التي ننجزها كي نصل إلى غايتنا، وأن مصيرنا يوم القيامة سيقوم على السعي الذي يسميه القرآن بالعمل، ذلك لأن معظم الأعمال تكون لغاية وهدف ولهذا هي سعيٌ.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2377) تاج العروس (38/ 279)


ali
ali
تعليقات