البلد في القرآن المكرم
بلد لغة:
أصل واحد. يقال وضعت الناقة بلدتها
بالأرض أي بركت. وتبلد الرجل أي وضع يده على صدره عند تحيره في الأمر. والأبلد
الذي ليس بمقرون الحاجبين. والبلدة النجم. وبلدة الأسد أي صدره. والبلد صدر القرى.
والبلد القبر. والبلدُ الأثر وجمعه أبلاد. وبلد الرجل بالأرض أي لزق بها. والبالد
الذي يقيم بالبلد. والبلد ما لم يُحفر من الأرض ولم يوقد فيه. وبلّد السحاب أي لم
يمطر. وبلد الفرس أي لم يسبق. ورجل أبلد أي غليظ الخلق. والبليد الغبي ([1])
البلد في القرآن
البلد في القرآن هو المساحة الجغرافية
التي يظهر فيها الماء والزرع، فتصلح للحياة فيها، فإذا ظهر الزرع والماء، سميت هذه
المساحة بالبلد، لأن الناس تلبد فيها أي تستقر وتعيش، وهذا ما حدث مع مكة، فقد مر
بها إبراهيم فدعا أولاً أن تكون بلداً أي يظهر فيها الماء والمزروعات، وهذا ما حدث
فقد تفجرت فيها عيون زمزم وصلحت فيها الزراعة
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَٰتِ} [البقرة: 126].
فلما تحولت تلك المنطقة إلى بلد، أعاد
إبراهيم الدعاء لها لكي تكون آمنة فقد كانت في خيال إبراهيم بلداً ثم صارت حقيقة
وصار يسميها بالبلد أي بأداة التعريف، لوجودها وظهورها واقعاً.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ
الْأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35].
ثم استمرت إلى زمن الرسول يتوفر فيها الماء والزرع
{ لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ
} [البلد: 1].
{ وَ أَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ
} [البلد: 2].
{ وَ هَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
} [التين: 3].
فإذا انقطع الماء انقطع معه الزرع فصار البلد ميتاً، فإن أرسل المولى
المطر له عادت له الحياة
{ سُقْنَٰهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا
بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَٰتِ } [الأعراف: 57].
{ فَسُقْنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
كَذَٰلِكَ النُّشُورُ } [فاطر: 9].
وهناك بلد طيب يكثر فيه النبات الطيب، وبلد خبيث لا يخرج النبات إلا
بشح وصعوبة
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ
بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا
نَكِدًا} [الأعراف: 58].
ثم يتحدث القرآن عن تقلب الكفار في
البلاد، أي تنقلهم جيئة وذهاباً بين بلدانهم الزراعية التي فيها الرزق والماء، فهم
في غنى وغرور، يظنون أن آلهتهم راضية عنهم وأن رب السماء لم يهبهم هذه الخيرات إلا
أنه يفضلهم.
وإذا وجاءت سيرة قومٍ مع ذكر البلاد بصيغة
الجمع، دل ذلك على كثرة الخير عندهم فهم لا يحكمون بلدة واحدة، بل عدة بلدان زراعية،
ولهذا دائماً يجيء ذكر الكفار مع البلاد وليس البلد. وبهذا يتبين لنا أن المدينة
الكبيرة تحوي عدة بلدان داخلها.
{ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَٰدِ }
[آل عمران: 196].
{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَٰدِ
} [الفجر: 11].
{فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَٰدِ
} [غافر: 4].
{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَٰدِ
} [الفجر: 8].
وقد ورد هذا الجذر مذكراً في معظم المرات،
وورد مؤنثاً في خمس آيات. ولم يتبين لنا سببها، فحتى مكة وردت مرة باسم بلد ومرة
باسم بلدة.
{وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
ورَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15].
{لِّنُحْۦِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا
وَ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَٰمًا وَ أَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان:
49].
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91].
{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ
بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ } [الزخرف: 11].
{رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَ أَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 11].
الخلاصة:
أن البلد هي المساحة الجغرافية التي يظهر فيها الماء والزرع، والتي
يقطنها الناس ويبنون فيها ويستقرون، فإذا انقطع الماء مات الزرع وهرب الناس، فصار
يطلق عليها بلد ميت أو بلدة ميت.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك