أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الأرض في القرآن المكرم

 


الأرض في القرآن المكرم

الأرض لغة:

لعل الأرض لها علاقة بالخصوبة والنماء؛ فيقولون: أرض أرضة أي زكية وكريمة للنبت والخير، والأراضة هي الخصب وحسن الحال. وما آرض هذا المكان أي ما أكثر عشبه. ويقال امرأة ريضة أي امرأة تنجب الأطفال. ويقال جدي أريض أي سمين ([1]) ولهذا سميت الأرض بهذا الاسم لأنها كثيرة العشب كثيفة الجرم وغنية ومتنوعة بالخيرات، رغم صغر حجمها.

والفساد لغة هو الجدب في البر، والقحط في البحر. وفسد الشيء بطل واضمحل، وتفاسد القوم تدابروا وقطعوا الأرحام ([2]) ولهذا نجد استخدام الفساد مع الأرض يعني دمار عمرانها كما سوف نرى.

والعثو قد ذُكر في القرآن خمس مرات فقط، ولا يذكر إلا مع الفساد في الأرض. ولغة فالعثو من العثة وهي الدابة التي تعبث بالصوف وتأكل بعضه. وعثته الحية أي نفخته ولم تنهشه، وعثعث متاعه، أي بذره وفرقه، ورجل أعثى كثير الشعر، وشاب عُثى الأرض، أي هاج نباتها ([3])

معنى الأرض في القرآن:

الأرض هي تلك المساحة الجغرافية والجيولوجية والفلكية التي تُرى من الخارج على شكل كرة وكوكب مثل بقية كواكب المجموعة الشمسية التي هي جزء من مجرة درب التبانة. وقد وردت النصوص في تلك الأرض أنها مخالفة للسماء فكأن السماء خلاف الأرض ومن هذه النصوص:

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَٰشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}  [البقرة: 22].

{بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَٰنِتُونَ}  [البقرة: 116].

ولا يوجد معن آخر للأرض، فالأرض هي الأرض، ولكن القرآن لقب المكان الجغرافي الذي تقام عليه الدولة بلقب الأرض أيضاً، لأنه يقام على الأرض وليس خارجها. وهذا الجزء هو ما يهمنا في دراستنا، حيث سنجد أن الأرض يقصد بها ببساطة تلك المساحة الجغرافية التي تقع عليها الدولة، والتي يسميها القرآن القرية كما شرحنا في مفردة القرية. ومعظم النصوص جاءت تتحدث عن الأرض كحدود للدولة.

الأرض هي حدود الدولة:

عشرات النصوص التي تتحدث عن الأرض يقصد بها المكان الجغرافي الذي وقعت فيه الدولة والتي يسميها القرآن القرية، فإذا تحدث عن الأرض عند الحديث عن الكفار مثلاً فإنه يقصد حدود دولتهم التي أقاموها على تلك البقعة من الأرض.

وإليك بعض النصوص:

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 128]

فهذا موسى يتأمل أن يرث بنو إسرائيل أرض الفراعنة بعد زوالهم، بشرط أن يتقوا فهذا هو شرط المولى للوراثة، فلا يقصد موسى كل الكرة الأرضية، بل يقصد جزء منها وهي حدود دولة الفراعنة.

{وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة : 60]

وهنا يوجه موسى بني إسرائيل بعدم العبث بالدولة إذا تمكنوا، فالعبث بالأرض لا يقصد الكرة الأرضية، بل يقصد به حدود الدولة الجغرافية، فإن حدث عبث وفساد سياسي تدمرت القرية أي الدولة.

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة : 205]

وهنا يحذر الكبير المتعال من الفساد في الأرض، ولا يقصد بها إلا الحذر من تدمير طرق التجارة في حدود الدولة الجغرافية، أو بث الرعب أو غيرها من المفاسد السياسية المعروفة التي تدمر الدولة بعد حين.

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة : 251]

وهنا يبين المولى أن دفع الناس بعضهم ببعض، يساهم في حفظ حدود الدولة من الفساد، ذلك لأن هذا الدفع يمنع من الطغيان والتمادي، فهو قانون وضعه المولى لكي يحفظ الدول من الانقراض.

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ [الأنعام: 6]

وهنا يبين النص أن المساحة الجغرافية لدولة قريش وإن كانت عظيمة، فإن هناك من كان أعظم منهم في المساحة الحدودية للدولة.

وفي الآيتين المكرمتين:

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }  [الرعد: 41].

{ بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَءَابَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَٰلِبُونَ }  [الأنبياء: 44].

فهي تبين تآكل دولة قريش جغرافياً، فقد بدأت بعض القبائل الموالية لقريش والخاضعة لها بالخروج عليها أو رفض أوامرها، فبدأت أرضها بالنقصان أي تقلصت حدود دولتهم وبدأت تتآكل.

وفي الآيتين العظيمتين:

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام : 165]

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْءًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَٰسِقُونَ }  [النور: 55].

فهنا يبين النص أن بعض الدول تصل إلى مرحلة الخلافة، وهي دولة واسعة الحدود وكبيرا جداً، مقابل دولة الإمامة، فإبراهيم كون دولة الإمامة، بينما داود فقد أتاح الله له دولة الخلافة فجعله خليفة، ونجد ذلك في دولة الإسلام في زمن الخلفاء، فاتسعت الدولة بما يشبه المعجزة، بل كان معجزة ذكرتها التوراة. والخلافة وعد من الله للمؤمنين طالما كانوا موحدين.

وفي الآية

{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}  [الروم:  41]

والفساد قد يظهر في البر التي هي الأرض السياسية وفي البحر، أي الفساد السياسي، من قطع الطرق والإرهاب وتعطيل التجارة البحرية، أو حتى الحروب البحرية العبثية.

الضرب بيد من حديد على المفسد

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة : 33]

وهنا يبين النص حكم من يتلاعب بحدود الدولة (الأرض) ويفسد طرقها وتجارتها وأمنها، ففيه يقع أشد العقاب، لأن في الإفساد بالدولة دمار كل شيء، بل اعتبره القرآن كأنما قتل الناس جميعاً{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة : 32]

وقد ذهب المفسرون وعلى رأسهم ابن عباس على أن الآية

{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّٰلِحُونَ }  [الأنبياء: 105].

أن الأرض هنا تعني الجنة ([4]) وهذا وهم كبير، فالأرض هي الأرض السياسية أو حدود الدولة، فإذا كانت هناك دولة قائمة فإن المولى يسقط الجماعة المفسدة، ليحل محلها الجماعة الصالحة سواء كانت تلك الجماعة من خارج النخبة لتلك الدولة أو كانت نخبة جديدة من خارجها.

وفي الآيات التاليات

 {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف : 127]

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة : 11]

{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف : 56]

يتبين أن الطبقة الفاسدة الحاكمة، ترى أنها تعمل صالحاً في الدولة ولا تفسد، فهي تقوم بأعمال في جغرافيا الدولة، كقطع الطريق، أو منع التجارة، أو وضع ضرائب ضخمة أو زيادة الأسعار والتلاعب بالبضائع، أو منع الحريات الدينية، وتظن أنها تحسن وتعمل صالحاً.

هل الأرض السياسية هي مكة والحجاز؟

ونلاحظ أن القرآن إذا تحدث عن الأرض من ناحية سياسية، فهو يقصد منطقة جغرافية محددة، تكونت فيها دول قامت فيها ثم اندثرت وهي منطقة الحجاز، امتدت من اليمن جنوباً إلى الشام شمالاً، إذ تشير الآثار إلى ذلك كقوم عاد وثمود، وشعيب ونوح ولوط وإبراهيم وقريش وبني إسرائيل، فهذا المكان هو مرتكز حكمهم وكانت مكة من ضمن مناطق سيطرتهم، ويحتاج الأمر إلى بحوث تنقيبية تاريخية لتظهر تلك الأماكن التي اختفت عن أعين الناس إلا في بعض المناطق. وعندما بحثت وجدت ابن كثير يورد رواية ([5]) تقول إن الأرض هي مكة. وحتى لو كانت الرواية مختلقة فهذا يعني أن بعضهم قد أدرك أن المقصود بكل تلك القصص عن تلك الأمم البائدة هو موقع محدد، هو بلاد الحجاز الممتد من اليمن إلى الشام. ويؤيد ذلك أننا نعلم أن آدم ليس معلوماً عند كل الشعوب، وأنه نزل لكي يتولى الحكم حيث تفسيرنا للخلافة هو الحكم الواسع جداً، فعندما قضى الله أن يكون آدم خليفة قرر أن يكون في مكة كعاصمة ولهذا جاءت الأخبار بأن أول من بنى الكعبة هو آدم.

كذلك سنجد أن داود وسليمان كانا هنا في الحجاز يحكمان، وأن ثمود امتدت دولتها كذلك عاد وقوم نوح، وقوم شعيب، وقوم لوط، وحكم إبراهيم وإسماعيل، وغيرهم من الأمم التي أرادت السيطرة على الحجاز ومكة. واستمرت هذه الرغبة في الدول الإسلامية كصراع العباسيين والفاطميين ومن بعدهم المماليك والأيوبيين والعثمانيين وكلٌ يريد أن تكون الحجاز من ضمن دولته.

وهذا سر عجيب من أسرار السماء، كيف جعل المولى الناس يحرصون على حكم هذه المنطقة حتى لا يصبح هناك فراغ سياسي مما يسبب الفساد والفوضى، ويسبب هجرة الناس لمكة والحجاز.

على أن الأرض السياسية لا تعني الحجاز وحده، بل تنطبق الآيات على كل أرض سياسية أي على كل حدود الدول من قوانين أو تشريعات التي ذكرها القرآن وشرع لها.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 



([1]) المعجم الاشتقاقي المؤصل (2/ 810)

([2])  المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1671)

([3]) مقاييس اللغة (4/ 230) المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1404)

([4]) «موسوعة التفسير المأثور» (14/ 690)

([5]) تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 217)


ali
ali
تعليقات