أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الشفق في القرآن المكرم

 





الشفق في القرآن المكرم

شفق لغة: 

أصل واحد يدل على رقة في الشيء. وأشفقت من الأمر أي رققت وحاذرت. والشفق الرديء من الأشياء. وشفقت على الزاد أي بخلت به. والشفق هو النُدأة التي تُرى في السماء عند غروب الشمس وهي الحمرة، وسميت بذلك لرقتها. والشفق هو النهار أيضاً. كما يرى مجاهد في تفسيره. وقال مجاهد الشفق هو الحمرة. وقال الزجاج هي حمرة السماء عند المغيب. وأشفق العطاء أي قلله. شفّق الملحفة أي جعلها شفقا في النسج. والشَفَقُ أي الرديء من الأشياء ([1])

الشفق في القرآن

مررت على معظم التفاسير القديمة التي تبين أن الإشفاق هو الخوف والخشية ([2]) وهذا بعيد حتماً، لأنه يعني الحشو فيكون المعنى: المؤمن يشفق من خشية الله، أي يخشى من خشية الله. فهل هذا يعقل يا أولي الألباب؟

ولا يمكن أن يكون الإشفاق أحاسيس ومشاعر، لأن الأحاسيس والمشاعر هي للكائنات الحية، فكيف للجبال والأرض والسماء أن تشعر وتحس فتشفق من حمل الأمانة؟

فإذا جمعنا النصوص كلها ورفضنا التناقضات، يتبين لنا أن الإشفاق هو الابتعاد والتزحزح وعدم العمل، وبهذا تُفهم كل النصوص، والإشفاق قريب من التقوى، فنحن نتقي أي نضع أرجلنا بحذر، خشية الاقتراب من المحظور، كذلك الإشفاق هو الابتعاد عن الشيء خشية من الله أو خشية من نار جهنم أو خشية من الساعة التي تسبق دخول النار.

أنظر الآيات المكرمات:

{ وَوُضِعَ الْكِتَٰبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَىٰهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49]

ففي هذا المشهد يستلم المجرمون كتاب أعمالهم لكنهم يشفقون منه، أي يمتنعون عن النظر إليه، ويحاولون الابتعاد عنه لهول ما يرونه من أعمال بشعة قاموا بها في الدنيا فقد ذكرنا سابقاً أن كل البشر نسوا ما عملوه في الدنيا، فجاء الكتاب ليذكرهم به.

وفي النص التالي ما يؤكد عدم رغبتهم برؤية أعمالهم

{تَرَى الظَّٰلِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا} [الشورى: 22].

وفي هذه الآية

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ }  [الأنبياء: 28].

نجد الملائكة رغم رغبتها الشديدة في الشفاعة، لكنها تتحرج وتشفق أي تبتعد عن الشفاعة خشية من الله.

وفي هذه الآية:

{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }  [الأحزاب: 72].

نجد الكائنات التي لا تشعر ولا تحس، تشفق، أي تبتعد ولا تعمل، عندما يُعرض عليها حمل الأمانة، لكن الإنسان هو من تلقفها وحملها. وسوف نشرح معنى الأمانة في مقال آخر إن شاء المولى.

وفي الآيات التاليات

{ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ }  [الطور: 26].

{ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ }  [الأنبياء: 49].

{ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ }  [المؤمنون: 57].

فهي تتحدث عن المؤمنين أنهم لخشيتهم من الساعة وخشيتهم من الله فقد كانوا مشفقين في أهليهم أي عندما كانوا في الدنيا مع أهلهم، أي كانوا يبتعدون عما هو محرم ولا يرضي الله، خشية من الله وخشية من دخول النار.

أما الآية التالية

{ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَىٰكُمْ صَدَقَٰتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا الزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }  [المجادلة: 13].

فهي تتحدث عن ضعفاء الإيمان زمن الرسول، وأنهم يشفقون من تقديم الصدقة، أي يتجنبون الأمر ويبتعدون عنه.

بقيت الآية الكريمة

{ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ }  [الانشقاق: 16].

فإذا صح أن الشفق هو ذلك اللون المائل للحمرة في السماء عند الغروب، فهذا يؤكد المعنى لأن ذلك الشفق بعيد عن الناس، أو يبتعد عنهم.

الخلاصة:

أن الإشفاق هو بمنتهى السهولة واليسر يعني الابتعاد، فالكائنات العاقلة المسؤولة تبتعد عما يغضب الله، خشية من الله وخشية من الساعة وخشية من نار جهنم، كما تبتعد الملائكة عن الشفاعة خشية من الله، كذلك الجبال والأرض والسماء تبتعد عن حمل الأمانة ويبدو لعدم قدرتها على حمل الأمانة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (3/ 197) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 1154)

([2]) «تفسير الطبري» (18/ 38 ط التربية والتراث) «تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن ط دار التفسير» (17/ 165) «تفسير البغوي - طيبة» (5/ 177)


ali
ali
تعليقات