أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

رغب في القرآن المكرم

 



رغب في القرآن المكرم

الرغب لغة:

 أصلان أحدهما طلب في الشيء والثاني سعة في شيء. فالرغبة في الشيء هي الإرادة له. ورغبت عن الشيء أي لم أرده. والمعنى الآخر مثل الرغيب وهو الواسع الجوف، فيقال حوض رغيب. والرغيبة هي العطاء الكثير والجمع رغائب. والرغب سعة البطن وكثرة الأكل. ورجل رغيب الجوف أي أكول. والرَغَاب الأرض اللينة. والرغبةُ هي الحرص على الجمع، والطمع في الشيء. ورغب إليه في الشيء أي سأله إياه. ورغب إليه أي ابتهل وضرع وطلب ([1])

 رغب في القرآن

قبل أن نبحث في النصوص المبجلة يستحسن أن نعرج على الجذور القريبة من جذر رغب، فحينها قد يتضح لنا المعنى جلياً بإذن الله، فهناك جذر آخر قريب من رغب وهو رغم، ومن معانيه أن يفعل الفعل مكرهاً. وراغم فلان قومه أي نابذهم وخرج عنهم. والمراغم هو المذهب والمهرب. ويقال ما لي عن ذلك الأمر مراغم أي مهرب ([2]) .وهناك جذر آخر ابن عمهما وهو رغن ومعناه الإصغاء إلى الإنسان والقبول له والرضا به. ولا ترغنن له في ذلك، أي لا تطعه في ذلك ([3])

وبهذا يتضح لنا معنى رغب بإذن الله، فرغب فعل الشيء برضى وقبول، فإن جاءت الجملة على صيغة (رغب إلى) فيعني اتجه إلى الشيء برضى وقبول، فإن جاءت معه عن (رغب عن) فتعني اتجه إلى عكس الشيء برضى وقبول أيضاً، مثل أن ترغب عن ملة أهلك أي تسلك طريقاً مخالفاً لهم برضى وقبول، لا رغماً، فرغب عكس رغم، فرغب أن تفعل الشيء برضى وقبول، بينما رغم أن تفعل الشيء نفسه بغصب وإكراه.

ولا يصح أن نعتقد أن رغب يعني المشاعر مثل اشتهى وأراد، بل هي فعل مخلوط بشعور، فهو توجه إلى الشيء مع رضى وقبول لذلك التوجه، فنؤكد أنه فعل مع شعور وليس شعور خالص أو دافع. وسنلاحظ الفرق بين (رغب عن) وبين رغم، فإن رغب عن تعني فعل عكس الشيء برضى وقبول، بينما نجد أن رغم فعل الشيء نفسه بإكراه وغصب، فلا يصح المبادلة بينهما.

ولنفحص الآيات المكرمات:

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130].

فهنا يتحدث النص عن جماعة من أهل الكتاب الذين يسلكون طريقاً غير ملة إبراهيم ويفعلون ذلك برضى وسرور وتعمد، وأن هؤلاء الفعلة هم سفهاء.

وفي الآيات الموقرات:

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَٰغِبُونَ }  [التوبة: 59].

{ عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ }  [القلم: 32].

{ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب }  [الشرح: 8].

سنجد النصوص تأمر بالتوجه إلى سلوك الطريق نحو الله وهو الرغب، ولكن برضى وقبول وتعمد، فلا يصح التوجه إلى الله بعدم رضى وقبول فحينها يتحول الرغب إلى الرغم، وهذا غير مقبول عند الله، فيجب أن يكون التوجه رغبة لا رغمة.

أما الآية التالية:

{وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ}  [النساء: 127].

فقد جاء مع الرغبة فعل من الأفعال وهو النكاح، ليوضح بدقة طبيعة الرغبة وهي السلوك نحو الشيء كما قلنا برضى وقبول، فهنا تم تحديد التوجه وهو النكاح فلهذا استخدم الحرف أن. والنص هنا يشير إلى أن هؤلاء الصحابة كانوا يتجهون فعلاً إلى نكاح هؤلاء النساء الأرامل، برضى وقبول وسرور، وليس مجرد شعور داخلي دون تحرك وفعل، كما تصوره لنا معاجم اللغة. فالقوم حزموا أمرهم على النكاح بكل رضى وسرور، وليس مجاملة أو شعور بالواجب، أي الأمر رغبة لا رغمة.

وفي الآية العظيمة

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} [التوبة: 120].

فهي مثل السابقة، فقد تحدد الفعل هنا وهو التخلف، فالرغبة هنا واضحة تماماً، وهي التوجه نحو التخلف عن الرسول، أي التوجه نحو التخلف برضى وسرور.

وبقيت الآية المكرمة

{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَٰرِعُونَ فِي الْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَٰشِعِينَ }  [الأنبياء: 90].

فالآية تبين سبب استجابة الله لزكريا الذي كان يطلب أمراً من المستحيلات – ولا مستحيل على الله- وهو أن ينجب وقد تهالكت زوجته وبلغ هو من العمر عتياً، فبين المولى أن زكريا كان يسارع في الخيرات أي يبادر وينطلق إلى عمل الخير للناس، بلا كلل ولا تعب.

كما كان يدعو الله رغباً، أي راغب إلى ربه أي متجه إليه أي هو في طاعة له وينفذ أوامره بكل رضى ورغبة. على عكس من يدعو ربه وهو نافر عنه ومشغول بغيره، لا يتذكره إلا عند الحاجة. فإن حال زكريا مختلف، فهو دائم الرغبة إلى الله أي دائم التوجه إليه. كذلك يدعوه رهباً وهو له خاشع.

فكل هذه الأسباب جعلت المولى يستجيب لزكريا فهو يفعل الخيرات ويسابق، وهو يدعو الله رغبة أي وهو متجه له دوماً برضى وقبول، وهو يدعوه رهباً وهو له خاشع.

الخلاصة:

الرغبة ليست شعور يدفعك للعمل، بل هو توجه وفعل، يصاحبه شعور بالرضى والسرور على ذلك العمل. ورغب عكس رغم، فرغب فعل الشيء برضى، بينما رغم فعل الشيء بإكراه. ولا يتساوى (رغب عن) مع رغم، لأن رغب عن فعل عكس الشيء لكن برضى وسرور، بينما رغم فعل الفعل بإكراه.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (2/ 415) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 823)

([2]) «مقاييس اللغة» (2/ 414)

([3]) «مقاييس اللغة» (2/ 414)


ali
ali
تعليقات