الخوف والخيفة في القرآن المكرم
الخوف لغة:
أصل يدل على الذعر والفزع.
وخاوفني فلان فخفته أي كنت أشد خوفاً منه.
وتخوفت الشيء أي تنقصته. والخافة خريطة من أدم يوضع فيها العسل. والخيف جلد
الضرع حين يخلو من اللبن. وناقة خيفاء واسعاهما. وتخوف السفنُ وهو ما تُبردُ به
القسي. وفلان يتخوف المال أي يتنقصه. والخيف ما ارتفع عن موضع مجرى السيل. والخيف
السكين. والخيفاء حشيش ليس له ورق ([1])
الخوف في القرآن:
تكرر هذا الجذر 124 مرة في 112 آية، وفي
معرفة معناه فتح كبير لفهم كثير من نصوص القرآن المكرم. وسوف نكتشف من خلال هذه
الدراسة أن الخوف لا يعني ذلك الشعور المؤذي الذي نشعر به عند مواجهة الخطر، بل يعني
ببساطة هو توقع الخطر والشر والضرر، فالخوف يكون في العقل، بينما الشعور الذي يلحقه
ويليه والذي نشعر به في النفس فالقرآن يسميه الخيفة وليس الخوف. ولندرس النصوص
ليتبين لنا:
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
فِي الْيَتَٰمَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم} [النساء: 3].
فمن توقع في نفسه عدم القسط في الأيتام
وهذا شر وضرر، فيستحسن أن يتزوج النساء لكي يرعين هؤلاء الأيتام.
{وَالَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34].
والذي يتوقع الشر والمتمثل في نشوز زوجته
فليعظ ويهجر ويضرب.
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا
فَابْعَثُوا حَكَمًا} [النساء: 35].
وإن رجحتم وتوقعتم حدوث الشقاق بين
الزوجين، فيجب القيام بخطوات وقائية تتمثل في الإصلاح بينهما، قبل وقوع الشقاق.
{يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
وقد حذر المولى ضعفاء الإيمان من أن
يستبدلهم بقومٍ يحبون الله، ولا يتوقعون الشر المتمثل لومة لائم عليهم. وفي هذا رد
عليهم فقد ذكرت الآيات السابقة توقعهم أن تصيبهم دائرة السوء. فهؤلاء المحبين لله
حتى اللوم لا يتوقعونه، لأنهم في حفظ الله.
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ
رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الأنعام:
15].
والرسول يبين للكفار توقعه وترجيحه أن
يتعذب لو عاند الله.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ
فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ
وَلَهُمْ فِي الْءَاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[البقرة: 114].
أما منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه
وسعى في خرابها، فكان يفترض بهم أن يحسبوا نتائج أفعالهم المشينة متوقعين ومرجحين
أن فعلهم هذا سيؤدي بهم إلى النار. والآية تتحدث عن حرب دينية بين اليهود
والنصارى، كلٌ يرى نفسه المؤمن كما تقول الآية التي سبقتها، فبدلاً من هذا
الاقتتال وتدمير المساجد، كان يجب أن يتذكروا
الآخرة والحساب.
{ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَٰنُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 175].
وفي هذا النص يوجه المولى الذين آمنوا
وليس المؤمنين، أن لا يتوقعوا الشر والضرر من الكفار لعدم قدرتهم على ذلك وعليهم
أن يخافوا الله أي يرجحوا الضرر من الله لو عصوه، فالله أقدر وأقوى من هؤلاء
الكفار، وما يحدث لهم هو وسوسة الشيطان يخوف من يسمع له. أي يرجح ويؤكد بطش الآخرين.
{إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48].
وهذا الشيطان يرجح أن ينال العقاب من
يخالف أمر الله. فهو يرى ما لا يرون، أي يرجح ويتوقع أن يكون هناك عقاب شديد،
ولعله يقصد الدنيا قبل الآخرة.
{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً
فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
} [الأنفال: 58].
والمولى يوجه الرسول أنه في حالة أن الرسول يتوقع خيانة من
قوم ويرجح ذلك فعليه أن يرسل لهم تهديداً يمنعهم من الخيانة.
{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 28].
وإن خاف أي توقع المؤمنون أن منع
المشركين من دخول المسجد الحرام سيؤدي إلى عيلة أي نقص في الموارد الاقتصادية، فإن
توقعكم وارد وغالب، ولكن سيفتح الله لكم أبواب الرزق الأخرى.
{إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ
رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [يونس:
15].
أي إني أتوقع وأرجح إن عصيت ربي أن أنال
العذاب واستحقه.
{ فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِمْ أَن
يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ
وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ } [يونس:
83].
أي أن تلك الذرية التي آمنت بموسى، كانت
تخاف أي تتوقع الشر من فرعون والمتمثل في فتنتهم أي تعذيبهم حتى يرجعوا عن دينهم.
{ أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
} [هود: 26].
وهذا نبي الله يخاف، أي يتوقع الشر
والعذاب يوم القيامة، ولكن ليس عليه، بل على قومه.
{ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَءَايَةً لِّمَنْ
خَافَ عَذَابَ الْءَاخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ
يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود: 103].
والآيات التي يرسلها الله للناس لن
يستطيع تحسسها والإيمان بها إلا من كان يخاف الآخرة، أي من كان يتوقع ويرجح مجيئها،
فمن ظن بها فقد دخل الإيمان قلبه واستطاع أن يرى آيات الله.
{ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَٰفِلُونَ
} [يوسف: 13].
وهذا يعقوب يخبر أولاده أنه يخاف أي يقول
لهم أنا أتوقع شراً وهو أن يأكل الذئب يوسف.
{ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا
وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ } [الرعد: 12].
وهذا البرق يرينا الله إياه لسببين خوفاً
أي توقعاً للشر، أي يحذرنا من السيول والأمطار الغزيرة القادمة فيجب أن نحتاط على
زرعنا ومخازننا، كذلك طمعاً أي تفاءلاً بما يجلبه من خير فكأن الخوف يشبه التشاؤم
بوقوع الشر والطمع هو التفاؤل بوقوع الخير.
{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ
فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [النحل:
47].
قبل هذه الآية تحدث النص عن أخذ الناس،
حتى لو كانوا غافلين أو كانوا مسافرين ومتنقلين، ثم ذكر أخذهم على تخوف، فحتى لو
كانوا في توقع للشر وترجيح له، أي هم في حذر فإنه قادر على الضرر بهم مهما بالغوا
من احتياطات، لكن الله رؤوف رحيم.
{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ
عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء: 57].
والمؤمنون يرجون رحمة الله أي يرجحون
وقوع الخير، أي متفائلون، ويخافون عذابه أي يتوقعون عذابه وأنه حاصل يوم القيامة
على الكفار والمعاندين.
{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْءَايَٰتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ
بِهَا الْأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا
وَمَا نُرْسِلُ بِالْءَايَٰتِ إِلَّا تَخْوِيفًا
} [الإسراء: 59].
أي أن الآيات التي يرسلها الله للبشر، هي
لكي يحذروا، فيكون توقع الشر والضرر عليهم راجح ومؤكد، فيتعظوا وليس إرسال الآيات
هكذا اعتباطاً وإنما لمصلحتهم لعلهم يخافون، أي لعلهم يرجحون وقوع الشر عليهم لو
لم يؤمنوا.
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا
جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا }
[الإسراء: 60].
وقد تكلم الرسول من الكفار عن رؤيا رآها،
ونرجح أن المقصد رؤية الرسول هزيمة الكفار في معركة بدر ﵟسَيُهۡزَمُ
ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٤٥ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ
أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ ﵞ ([2])
وقد أيدت الروايات هذا الرأي فقد روي عن
الرسول كلامه عن أماكن مصارع الكفار. فعندما حذرهم الرسول من مصرعهم في معركة مع
المؤمنين، زادهم الأمر طغياناً ولم ينفع التخويف أي ترجيح وتوقع القتل.
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَٰلِيَ مِن وَرَاءِي
وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا } [مريم: 5].
وهذا زكريا يخاف الموالي، فهل من المعقول
أنه يخاف من النساء اللاتي يرعاهن؟ لا بالطبع ولو أراد النص أن يبين مشاعر زكريا
لقال: خفت على الموالي، ولكن هو يخاف أي يتوقع الشر والضرر عليهن من بعده، في
مجتمع ذكوري قاس جداً، يعطي كل الورث للذكور دون البنات والزوجات، لهذا سيتضررن
بشدة بعد موته، ولهذا تمنى أن يأتي ولد ذكر يرثه ويمنع الأقارب من نهش الميراث،
لهذا هو كان خائف أي كان يتوقع الشر منهم.
{ يَٰأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن
يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَٰنِ وَلِيًّا } [مريم: 45].
وهذا إبراهيم يخاف أي يتوقع وقوع الشر في
أبيه بسبب عناده، وعندها سيصبح ولياً للشيطان بلا رجعة، أي سيظل يعكف عند الشياطين،
يدعوهم بزوال العذاب عنه ظن أنهم ينفعونه، فيصبح ولياً للشيطان.
{ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن
يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ }
[طه: 45].
{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي
مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 46].
وهذا النبي موسى يبين أنه وأخوه هارون
يخافان أي يتوقعان الشر من فرعون. فرد عليهما المولى ألا يخافا، أي لا يتوقعا الشر
والضرر من فرعون فإن الله معهما بالسمع والنظر، فلن يمسهما سوء مطلقاً.
{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَٰفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ} [طه: 77].
وكذلك عندما خرج موسى وقومه أمره بالتوجه
ناحية البحر، وأن يضرب بعصاه البحر فتتحول الأرض إلى يابسة بلا ماء، ولا تخف
دركاً، أي لا تتوقع الشر والمتمثل في إحاطة فرعون وجنوده بك.
{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا } [طه: 112].
أما المؤمن الذي يعمل الصالحات فيجب ألا
يتوقع الشر والمتمثل في الظلم، ويقصد يوم القيامة وليس في الدنيا.
{ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ } [النور:
50].
ويتحدث النص عما يعانيه المنافق من
ارتياب وشكوك ومن ضمن شكوكه، أنه يخاف أن يحيف الله عليه، أي يتوقع الشر والمتمثل
في حيف الله عليه.
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
} [الشعراء: 12].
{ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن
يَقْتُلُونِ } [الشعراء: 14].
وهذا موسى يرجح ويتوقع أن يكذبه قوم
فرعون، مما يسبب تلعثمه، فطلب أن يكون معه أخاه هارون. كما خاف أن يقتلونه أي توقع
ورجح أن يفعلوا ذلك {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ}([3]) ولولا حماية الله له فقد
أيده بروح القدس الذي حصنه وحماه من القتل.
{ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ
وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفْ
إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } [النمل: 10].
وهنا موسى يشاهد عصاه تتحول إلى جان،
فيولي مدبراً، فيأمره الله ألا يخاف أي ألا يتوقع الشر من الله لأنه رسول وليس شخص
عادي. أو أنه لا يجب أن يخاف موسى أي يتوقع الشر ويرجحه في حضرة الله الذي لديه
القدرة على حمايته. وتحول العصا كان بأمر الله والله لا يأمر إلا بخير لرسله. وفي
آية وضحت الأمر فقالت: {يَٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ
إِنَّكَ مِنَ الْءَامِنِينَ}([4])
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا
تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
} [القصص: 7].
وأم موسى تراقب جنود فرعون وجواسيسه،
وتخاف على ابنها أي تتوقع وترجح أنه سيكشف أمره فيقتل. ولو كان معنى الخوف ذلك
الشعور، فهي من المؤكد في خوف دائم. ولكن هو يتحدث عن ترجيحات وتوقعات، ولو أنها
رجحت لألقت به، ولكن صار الأمر حقيقة فقد داهموها فقذفت به، وقد شرحنا الفرق بني
القذف والإلقاء.
{ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا
مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَٰكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ
تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَٰلِكَ
نُفَصِّلُ الْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
[الروم: 28].
وهذه الآية تضرب المثل فتقول للكفار، هل تخافون
أي تتوقعون الشر وترجحونه والمتمثل في أن يشارككم عبيدكم في أموالكم كما يشارككم قومكم
فيه وهم أنداد لكم؟ بالطبع العبيد ضعفاء ولا حيلة لهم، كذلك لله المثل الأعلى، فلا
شريك له في ملكه لا جن ولا ملائكة ولا بشر، فكلهم عبيد.
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ
إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ
فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [غافر: 26].
وهذا فرعون يقترح على النخبة وأهل الدين
أن يقتل موسى بحجة أنه يخاف أن يبدل الدين، أي يتوقع ويرجح أن هذا ما سيحدث، فقد
بدأ الناس يصدقون موسى ويشعرون بقوته وضعف فرعون.
{ وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن:
46]
وفي هذا النص المبجل، لا يخرج عن سابقيه،
فهو يعد من يتوقع ويرجح مجيء يوم القيامة بجنتين إذا كان قد عمل الصالحات، حيث سيقوم
الناس فهو المقام ونسب إلى الله لأن الله هو من يقيم الناس ذلك اليوم من قبورهم،
كلهم دفعة واحدة.
صيغة (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38].
عشرات الآيات نزلت تحمل هذه
الصيغة، وعند دراستها جميعاً تبين أنها تتحدث عن يوم القيامة وقت الساعة، حيث كثير
من الناس في رعب يتوقعون الشر يأتيهم من كل مكان، إلا المؤمنين فلا خوف عليهم، أي
لا يتوقعون أي شر يحيق بهم، فكل واحد فيهم يحمل نفس مطمئنة، وكما أنه لا ينالهم
الحزن فهم في رضى وسرور وهذا قبل دخول الجنة وقبل الحساب. وأكدت ذلك عشرات الآيات
التي تبين أن الملائكة هي التي تطمئن المؤمنين يوم القيامة.
ما الخيفة؟
وردت الخيفة في القرآن خمس مرات، وتبين
الآيات أنها إحساس داخلي في النفس، يظهر بعد الخوف أي يظهر بعد توقع الشر والضرر،
أي هي ردة فعل النفس من توقع الشر والضرر، وهي التي نسميها بالخطأ (الخوف) بينما
يسميها القرآن الخيفة، فالخيفة هي الشعور الذي ينتابنا داخل النفس ويرافقه في
الغالب الحزن، وإليك شرحها:
{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا
وخِيفَةً ودُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْءَاصَالِ وَلَا
تَكُن مِّنَ الْغَٰفِلِينَ} [الأعراف: 205].
أي حين تذكر الله في نفسك أذكره مع توفر
شعورين هما التضرع والخيفة، والخيفة كما قلنا الشعور الذي نسميه -خطئاً بالخوف-
عند ذكره تعالى، كذلك تضرعاً وأرجح أنها تذللاً.
{فَلَمَّا رَءَا أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا
إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [هود: 70].
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ
وبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28].
كذلك أوجس إبراهيم من الملائكة خيفة أي
تحسس وشعر بما نسميه خطئاً بالخوف، لهذا قالوا له لا تخف أي لا تتوقع الشر من
قبلنا الذي يجعلك تشعر بالخيفة.
{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
} [طه: 67].
وهذه الآية تؤكد أن الخيفة تكون في
النفس، فهي مشاعر، فموسى أوجس أي تحسس وشعر في نفسه الخيفة من عصيهم المتحركة.
الخلاصة:
الخوف هو توقع وترجيح الخطر والضرر والشر،
وليس ما نعتقده بأنه مشاعر، فتلك المشاعر يرمزها القرآن بالخيفة، فالخيفة هي
الشعور الذي نشعر به في أنفسنا من شيء نراه خطراً علينا أو فيه ضرر وشر. وبهذا نستطيع
فهم كل النصوص التي ورد فيها مصطلحي خوف وخيفة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك