البأس والبئس والبأساء في القرآن المكرم
البأس لغة:
البأس عند اللغويين، هو العذاب وهو الشدة
في الحرب، وبؤس الرجل بأساً إذا كان شديد البأس، وبئيس أي شجاع، وعذاب بئيس أي
عذاب شديد، وبئس الرجل يبأس أي اشتدت حاجته فهو بائس. وبئس الرجل فلان، أي هو رجل
مذموم، ويوم بؤس عكس يوم نُعم. ولا تبتئس أي لا تحزن، والبأساء الشدة، والبؤس هو
الشدة في العيش. ولا بأس عليك أي لا خوف عليك لأن أصل البأس هو الحرب. وإذا قال
الرجل لعدوه: لا بأس عليك. فهو يقصد تأمينه ونفي قتله ([1])
البأس في القرآن الكريم:
البأس هو قوة البطش في المعارك، والذي
يسبب الألم والحزن، فكل بأس في القرآن هو ذلك البطش الذي يحصل في المعارك، فداود
صنع حماية للجندي من قوة البأس {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} ([2]) ونبهنا المولى إلى قوة
الحديد في المعارك {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}([3]) وقوم سبأ زعموا أنهم أقوياء في المعارك {قَالُوا نَحْنُ أُولُو
قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}([4]) والجماعات اليهودية زمن الرسول كانوا في قتال دائم، بل شديد
{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا} ([5]) والمولى القدوس العظيم، في معارك مع الكفار الظلمة ينصر فيها
المستضعفين {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}([6]) وقد يأتي الله بجنوده من الملائكة في أي وقت {أَفَأَمِنَ أَهْلُ
الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ}([7]) أو في الضحى {يَأْتِيَهُمْ
بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ}([8]) والبأس الذي هو قوة الضرب
في المعارك يكون نوعاً من أنواع العقاب
{وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}([9]) فالمنهزم عوقب بالبأس.
البئس في القرآن:
ولأن المعارك (أي البأس) قد تسبب أشد
الحزن والألم والذل، فقد اشتقت منها النتيجة وهي البئس، فالمنهزمون يصابون بالبئس
وهو حزن شديد وألم وذل ويتم وتشرد، فلهذا كان البئس ابن البأس؛ فهي الحياة الشديدة
الألم، ولهذا كان مصير أصحاب النار هو البئس وهو الذل والألم والحزن؛ فبين القرآن
حال النار فقال: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}([10]) وقال أيضا:{ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}([11]) وقال عن حال الجماعة التي تورد إلى النار {وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ}([12]) فهم يعيشون حياة بائسة.
ووصف التنابز بالفسوق وذكر أنه بئس وهو
عكس نِعم، لأنه يؤدي إلى البؤس؛ لأنه يجعل الحياة مع الآخرين مضطربة ومشحونة في خصام
مع الآخرين {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ}([13]) .
ووصف المولى من يحمل التوراة ولا يطبقها
بالبئس {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا
كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}([14]) لأنهم جماعة فيهم سفاهة وقلة عقل وحكمة، فحياتهم بائسة مثل حياة
الحمار الذي يحمل أثقالاً ولا يجني منها شيئاً. وخطورة السكوت عن المنكر في أن
تصبح الحياة بائسة {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ
مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([15]) لأن النتيجة هي الحياة البائسة التي تشبه حياة من يُهزم في المعركة،
لأن المنكر هو كل عمل غير أخلاقي مما يسبب الشقاء للمجتمع.
البأساء:
وقد ذكرت البأساء أربع مرات في القرآن
وهي الحياة الفقيرة جداً التي تسبب الألم والحزن فهي مشتقة من البأس، وقد ذكرت
الضراء دائما مع البأساء، لكن البأساء أشد منها، فالبأساء كما تقول المعاجم هي
الفقر الشديد أو الحاجة، ولعل البأساء هي الحياة التي تجعلنا في ضعف ومسكنة وذل
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُم بِالْبَأْسَاءِ
وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}([16]) بل تجعل الحياة لا تُحتمل.
الخلاصة:
البأس هو قوة البطش في المعارك، البئس هو
الحياة الشديدة الضنك التي لا يتحملها الإنسان وفوق قدرته على التحمل. أما البأساء
فهي الظروف والعوامل التي تسبب الحياة البئيسة. والبأساء أشد من الضراء، فمكن
للإنسان أن يتعايش مع الضراء كما شرحنا سابقاً.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك