أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

يخشى وخشية في القرآن المكرم

 

 


يخشى وخشية في القرآن المكرم

خشي لغة:

أصل يدل على خوف وذعر، فالخشية هي الخوف. وخاشاني فلان فخشيته أي كنت أشد خشية منه. وخشيت أي علمت. والخشو هو التمر الحشف. والخشي من اللحم هو اليابس. ونبت خشي أي يابس. يقول الراغب: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى ([1])

يخشى في القرآن:

ورد هذا الجذر ثمان وأربعون مرة، في أربعين آية في أربع وعشرين سورة. وبهذا يلزمنا أن نعرف معناه بدقة، لما له من فائدة في فهم مئات الآيات المكرمات. وقد ذهبت المعاجم كما رأينا إلى أن الخشية تعني الخوف والذعر، وقد تعني العلم، وقد تعني الخوف مع التعظيم. لكن وفق مذهبنا فإن يخشى وخشية لا تحمل إلا معنى واحد مثل بقية المفردات والجذور.

وقبل أن نبدأ فقد تبين لنا في مفردة الخوف أن الخوف يعني توقع الشر وترجيحه، بينما الخيفة فهي الشعور الذي يصاحب هذا التوقع. وهنا سيتبين لنا بإذن الله أن الشخص يخشى الشيء يعني أنه يحسب حسابه، ومفردة (حسب) وردت في القرآن وتعني حساب الخير والشر، ولكن يخشى تعني حساب الشر، أي أن الشخص الذي يخشى هو الذي يعمل حسابه من شر سيحدث لو صار كذا وكذا.

ولنبدأ بالآيات المكرمات:

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور : 52]

في هذا النص المكرم، يبين حال الفائز بالجنة وهو من يطع الله ويخشاه ويتقيه، أي من يستجيب لأمر الله، ويعمل حساب غضبه وعدم رضاه، ويتقي ما يغضبه أي يتحاشى ما يغضبه.

وفي الآية:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة : 150]

تحول أهل المدينة اليهود من قبلتهم تجاه المقدس إلى القبلة تجاه مكة، كان له نتائج عنيفة، أو هكذا توقع اليهود الذين آمنوا بالرسول، وهذا ما كانوا يخشونه أي كانوا يحسبون حساب غضب مجتمع المدينة، فأمرهم المولى بأن يحسبوا حساب الله لا حساب أهل المدينة من بقية اليهود.

وفي الآية:

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران : 173]

لعل مفردة الناس هنا هم الفرس والروم، أو لعلهم قريش وبقية قبائل الحمس، فقد جمع قادتهم المقاتلين لكي يقاتلوا أهل المدينة المؤمنين، فقام الناس بإخبارهم أن هؤلاء قد جمعوا لكم فاخشوهم أي احسبوا حسابكم، فردوا عليهم أنهم يحسبون حساب الله وليس حساب الناس.

وفي الآية:

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء : 9]

يأمر المولى أن يحسب الشخص حساب أولاده من بعده، خاف عليهم أي توقع الضرر عليهم لو مات، فليتقي الله أي يتجنب غضبه ولتكن وصيته واضحة لهم، فلا يتركهم هكذا، بل يخشى حالهم من بعده أي يحسب حسابهم.

وفي الآية:

{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء : 25]

فتتحدث عن العنت وسوف نشرحه لاحقاً، فإن على الشاب أن يحسب حساب العنت، فليتزوج من الجاريات والفتيات، إذا لم يكن قادراً على الزواج من المحصنات اللاتي لهن مكانة اجتماعية أعلى، فإذا حسب حساب العنت ووجد أنه شر عليه، فليتزوج بجارية، فإن كان قادراً على الصبر فهذا أفضل.

وفي الآية:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء : 77]

وهناك جماعة من المؤمنين، ضعفاء النفس ونرجح أنهم من اليهود الذين آمنوا ولم يكتمل إيمانهم، كانوا يخشون الناس أي يحسبون حسابهم أكثر من حسابهم لله، لهذا اعترضوا وناقشوا أمر القتال.

وفي الآية المبجلة:

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة : 52]

       هناك منافقون يسارعون في علاقتهم بالكفار، ويتعذرون أنهم يحسبون حساب أن تصيبهم دائرة أي يتعرضون لهزيمة، فعلاقتهم بهؤلاء الكفار تحميهم. وفق تحالفات جاهلية معروفة، فبين لهم النص المكرم أنه عسى أن يأتي فتح كبير أي معركة كبيرة فتزيل كل خطر عليهم فلا يحتاجون إلى تلك العلاقات مع الكفرة.

وفي الآية العظيمة:

{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة : 24]

توجه المؤمنين نفس التوجيه وهو قطع العلاقات مع المشركين الفجار، ومنعهم من دخول مكة، حتى لو كانوا يحسبون حساب كساد تجارتهم.

وفي الآية العزيزة:

{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف : 80]

يشرح الخضر أنه قام بقتل الغلام لأنه حسب حساب طغيانه وكفره على والديه، لهذا قام بتصفيته.

وفي الآية الموقرة:

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه : 77]

يوجه المولى النبي موسى، أنه سيحدث أن يلاحقكم فرعون فلا تتوقع الشر(تخاف) المتمثل في أن يدرككم فرعون، ولا تحسب حساب هذا الأمر(تخشى) أي حتى مجرد حساب الشر لا تجعله يخطر ببالك.  

وفي الآية:

{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر : 28]

فهمها كان المقصد من العلماء هنا، سواء أكانوا علماء الطبيعة أو علماء الكتب المقدسة، فإنهم أكثر البشر خشية لله، أي يحسبون حساب الله وغضبه، لهذا قال النص إن الله عزيز غفور، أي عزيز عن إيمانهم وغفور لذنوبهم.

وهذا تستمر بقية الآيات المكرمات في تأكيد المعنى وهو أن الفعل يخشى تعني يحسب حساب أمر فيه شر وضرر، بينما الخوف وهو يتوقع ويرجح الشر والضرر.

الخشية في القرآن: 

بينا في المقال السابق أن الخوف ينتج عنه شعور هو الخيفة، وهو ذلك الشعور الذي يجعلنا نقترب من الشعور بالرعب. وهنا فإن من يخشى من شيء ما، يحس ويشعر في داخله بالخشية وهي ما نسميه بالقلق، مثل المسافر في الصحراء يخشى العطش والجوع أي يحسب حساب العطش والجوع، فتتحكم به الخشية أي يشعر بالقلق، فيظل دائم التفكير ويسوس بهذا الشأن.

ففي آية الإملاق:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء : 31]

ومن هذه الخشية خشية الإملاق، أي الشعور بالقلق من قلة الطعام مع كثرة الولادات، وقد كانت هذه الظاهرة موجودة عالمياً في مناطق كثيرة، وكانت توجد في زمن الرسول

وفي آية الإنفاق:

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء : 100]

يشعر معظم البشر، بالقلق من الإنفاق حتى لا يناله الفقر، فهو في قلق لا يريد أن ينفق ويتصدق، فقد أن حسب حساب الفقر، أي خشي الفقر، فشعر بالخشية أي بالقلق من الإنفاق.

وفي الآيتين:

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء : 28]

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون : 57]

فلشعور الملائكة والناس بالقلق، وهو الخشية فإن الملائكة تشفق أي تتجنب الشفاعة بحدود ضيقة لمن ارتضى لهم أن ينالوا الشفاعة. وكذلك فإن البشر بسبب القلق من غضب الله مشفقون أي يتجنبون المحرمات.

وفي الآيتين:

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 74]

{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]

فكما هو ظاهر، فإن الجبال تخشى الله، أي تحسب حساب غضبه، فيخشع الجبل ويتصدع ويهبط ويتفجر بالأنهار ويتشقق بالعيون، ولا نعلم كنه وسر هذا الأمر لعجزنا عن سبر غور هذه العوالم، إلا إذا اعتبرنا أن للجبال والحجارة عروق وأعصاباً بكيفية تناسبها، هي التي تسري فيها الخشية أي قلقها الخاص فيحطمها ويفجرها ويسقطها.

 

الخلاصة:

من خلال دراسة معظم نصوص جذر خشي، يتضح لنا أن خشي تعني حسب حساب أمر فيه شر وضرر، فتسبب لصاحبه في الشعور بالخشية أي القلق، فهو قلق لأنه خشي من شيء أي حسب حساب شيء فيه شر وضرر. وجذر يخشى يختلف عن جذر يخاف، فيخاف أي يتوقع ويرجح الضرر، وهو قريب منه، بينما يخشى فهو مجرد يحسب حساب الشيء، فيشعر بالخشية أي القلق.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 



([1]) «مقاييس اللغة» (2/ 184) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (1/ 559)


ali
ali
تعليقات