الاسم لغة:
الاسم حسب تعريف علماء اللغة هو ما دل على معنى في
نفسه، ويقسمون الاسم إلى اسم علم أو اسم عين مثل جعفر وصالح، وهناك اسم معنى مثل
العلم أو الجهل، وهو الذي لا يقوم بذاته فهو يحتاج إلى مزيد من التعريف ([1]) واللقب حسب تعريفهم، هو النبز أو الصفة المعيبة في شخص ما ([2]) واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى {وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ}([3])
اسم العلم:
يقولون إن اسم العلم هو رمز الشخص الذي يعرفه الناس
به منذ مولده، فإذا دققنا النظر، نجد أنه لا فرق بين اسم العلم أو اللقب أو اسم
المعنى، فكلاهما يعنيان صفات الشيء أو الشخص، لكن اسم العلم أطلقه أهل الشخص عليه
منذ مولده، وأما اللقب فقد أطلقه الناس عليه بعد تميزه في صفة من الصفات، فمثلاً اسم
العلم صالح من الصلاح، واسم مساعد من المساعدة واسم علي من العلو، وهكذا، أي يرجون
أن يكون صالحاً أو مساعداً. وهذا المنحى
ليس عند العرب وحدهم فاسم (ويليم) مثلاً، لا يعني رمزاً بلا معنى أو صفة، فهو يعني
الحامي أو العازم أو المصمم.
أما الصدّيق فهو لقب أطلقه الناس على أبي بكر رضي
الله عنه، بعد أن سمعوه من الرسول، فقد كان لقبه القديم هو عتيق، كذلك الفاروق لقب
أطلق على عمر، وقيل إن أهل الكتاب هم من أطلقه عليه بعد أن عدل بينهم. وقد تطلق
ألقاب قبيحة على الإنسان مثل الأحمر أو القصير، أو الأعرج، ولعلنا نلاحظ أن اللقب
قد يضاف إليه أل التعريف، وقد شرحنا معنى اللقب في مقال سابق.
ولو تصفحنا القرآن المكرم، لن نجد مصطلح صفة أو نعت
في طول القرآن وعرضه، وإنما نجد أمامنا جذر اسم فقط، الذي يعني ما اصطلح عليه علماء
العربية بالصفة أو النعت، وهذا الخلط سبب سوء فهم لنصوص كريمة كثيرة.
ونلاحظ أيضاً، أن اسم العلم لا يقوم بذاته مثله مثل
اسم المعنى، فلو ذكرنا اسم شخص وليكن جعفر، سنحتاج إلى مزيد من المعلومات حتى
نحدده بدقة، فمن جعفر هذا؟ فإن قيل إنه جعفر بن عدنان، قلنا فمن هو فهناك الكثير؟
فإن حددت قبيلته ولتكن باهلة مثلاً، فسنطلب المزيد من المعلومات مثل مكان سكنه
وعمله حتى نصل إلى تعيينه بدقة، فالزعم أن اسم العلم قائم بذاته وهم ظاهر.
وقد يقول قائل: إنني سميت ابني باسم هارون تيمناً
بهارون الرشيد الخليفة المعروف؛ فنقول إن هذه التسمية وإن كانت فاقدة للمعنى عند الذي
سماه؛ فإن أصلها كان تسمية لمعنى أو هي صفة، فهارون تعني الجبل
عند اليهود، أو قد تعني الهرة تصغيراً، فهو يحمل معنى في أصله، بل كل أسماء
الأعلام كذلك تحكي عن صفة، قد نعرفها ليومنا هذا، أو جُهل معناها مع تقادم العصور.
ولكن العلماء سببوا اضطراباً كبيراً في فهم مصطلح
(اسم علم) وفرقوا بين مصطلح الاسم ومصطلح الصفة أو النعت، بينما هما في الحقيقة
شيء واحد، فلو تصفحنا المصحف المكرم، فلن نجد أي شيء يتحدث عن (الصفات) فكيف
يتجاهل القرآن الكريم هذا المصطلح الهام جداً؟
وعند تدقيقنا في النصوص الكريمة سنجد أن الاسم لا
يعني إلا الصفة فقط لا غير، فالاسم هو الصفة الدائمة التي لا تتغير، فصارت كأنها
وسماً وعلامة على تلك الكينونة. وسوف نحاول استقراء كافة النصوص التي ورد فيها
مصطلح اسم ومشتقاته.
نعم يوجد في القرآن الجذر وصف، لكن مطلقاً لا يقصد ما
نظنه من وصف الأشياء أو ما نسميه أيضاً بالنعت، فذلك الجذر في القرآن له علاقة
مباشرة بالكذب والاختلاق وسوف ندرسه في حينه، لهذا يجب عدم التعويل على المعاجم
وعدم القبول بشرحها إلا بعد الحذر.
والصواب الذي سوف ينير بصيرتنا في فهم النص الكريم هو
أن نقول بأن أسماء الناس هي مجرد ألقاب حسنة أو قبيحة تم تلقيبهم بها، وربما الأفضل
أن نقول بأنها ألقاب أو رموز وليست أسماء، فالاسم هو ما نطلق عليه صفة أو نعت، أما
ما يقصده الناس بالاسم فهو لقب أو لنقل رمز، فعند ولادة الطفل يختار له أهله أفضل
الألقاب والتي هي أيضاً صفات يرجون أن يكون عليها ولدهم، يقولون عن ذلك الفعل
(تسمية) فهم سموه أو جعلوا له وسماً يُعرف به، فهو على سبيل المثال: ناصر من
النصر، أو كريم من الكرم، أو خالد من الخلود وهكذا.
ولأن الناس يعتادون على نطق ذلك اللقب فقد صار وسماً
على ذلك الطفل حتى يكبر، وقالوا: اسمه مبارك، أو سعد، على سبيل المثال، فظن الناس
بأن اسم تعني رمزاً وعلامة، وافقدوا مصطلح (اسم) معناه الحقيقي، الذي لا يعني إلا
الصفة فقط لا غير.
فالصواب أن نقول لقب فلان أو رمزه وليس اسم فلان، إلا
إن كنّا ندرك أن القرآن يقصد بالاسم مجرد الصفة والنعت، لأننا سنرى من خلال النص
أن الاسم يعني الصفة فقط لا غير، وقد يلقب الناس أحدهم بعد أن يكبر فيتميز بصفة
فريدة أو صفة قوية وظاهرة، فيصبح اسمه الجديد ويترك الناس اسمه القديم الذي سماه
أهله به. ويُفترض أن نقول لقبه وليس اسمه لكن ذكرت ذلك للتوضيح.
الاسم في القرآن الكريم:
فإذا عرفنا أن اسم هو ما نسميه صفة أو نعت، يتلاشى
الغموض الكبير في نصوص كثيرة، ونفهم معناها بكل بساطة، فمن ذلك:
أسماء آدم التي تعلمها:
مما جعل المسلمين يسيئون فهم النصوص بسبب سوء فهمهم
لمصطلح اسم، أنهم ظنوا بأن الله جل جلاله قد علم آدم كل الألقاب في هذا الكون أي
كل الرموز (الألفاظ) التي يطلقها البشر على الكائنات من حولنا، فهذا خشب وتلك
زرافة وذاك نعامٌ، وهكذا، ولو كان ذلك صحيح، فبأي لغة كانت تلك الأسماء هل باللغة
الصينية أم العربية أم الفرعونية المندثرة؟
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ} [البقرة : 31]
{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي
أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة : 33]
حتماً إن الله علم آدم صفات الكائنات وليس ألقابها،
ويعود السبب في ذلك إلى قدرته العقلية التي جعلته قادراً على التمييز بين الأشياء أو
التشابه بينها، فصار يعرف بها الأشياء ويميزها عن بعض، ثم يجمع الأشياء المتفرقة
فيجد التشابه بينها، لهذا استطاع أن يعرف صفات تلك الكائنات ([4]) لهذا تبين للملائكة بأن آدم قد تفوق عليهم بقدراته؛ أما ما
يتصوره المسلمون أن آدم حفظ ألفاظ ورموز فهذا والله هو الضلال الشديد.
وقد يسأل سائل ما الفائدة من معرفة تلك الصفات لتلك
الكائنات؟
فنقول إن آدم قد اجترح عقله قدرات ترشحه لقيادة تلك
الجموع من الكائنات، فقد صار عليما بها، يعرف كيف يقودها، فمع تلك المعرفة الهائلة
ومع سجود الملائكة أي صاروا تحت أمره وِإشارته، فكان لزاماً أن يصبح الخليفة الذي
يحكم منطقة واسعة جداً من الأرض، ويقود تلك الجموع إلى الرشد، وبهذا استقل الإنسان
وخرج من مرحلة الطفولة، التي كان يقاد فيها من قبل الملائكة.
أسماء الله:
من أكبر البعد عن فهم النص الكريم، الظن أن هناك
أسماء لله وأن هناك صفات له، فزعموا أن لله أسماء وصفات، ثم زعموا أن أسماء الله
هي صفاته، بينما صفاته لا يصح أن نقول عنها أسمائه، فمثلاً من أسمائه عندهم:
الحكيم، القدوس العليم، وهي عندهم صفاته التي هي الحكمة والقداسة والعلم. أما
الصفات فمنها الاستواء والمجيء الإتيان ... إلخ.
وهم هنا يخلطون بين صفاته العلي الكريم، وبين أفعاله،
فالاستواء فعل فعله الله جل جلاله في ذلك الزمن القديم {الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى}([5]) وكذلك المجيء الذي سيحدث يوم القيامة{وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}([6]) فهو فعل لله سيفعله في المستقبل. كذلك بقية ما يطلقون عليه
صفات فهي أفعال له جل جلاله.
وقد شرحنا الفرق بين الفعل والعمل وبينا أن المولى
العظيم يفعل ولا يعمل، وبينا أن الفعل يفعله الفاعل لأول مرة، فإن فعلها ثانية صار
عملاً، فلهذا المولى استوى على العرش لمرة واحدة ولم يكررها، فهو الكبير المتعال
يفعل ولا يعمل، ولمزيد من التوضيح أنظر المعجم القرآني في مقال فعل وعمل.
أما الصفات فهي ما نسميها الأسماء ولم يذكر المولى
لفظة صفة مطلقاً، بل ذكر لفظة اسم دائماً كما سوف نرى في النصوص الكريمة، فكل اسم
هو صفة، وليس لله لقب أو رمز، بل لله صفات هي الطريق الوحيد إلى معرفته الكبير
المتعال.
ولو نظرنا لبعض الآيات سنلاحظ:
-
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ([7]) أي ندعو
بصفات الله والتي قطبيها الرحمانية وهي القدرة والتمكن والتربية، والرحمية والتي
هي الشفقة وإزالة الضرر والعذاب.
-
{وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}([8]) واسمه كما تبين لنا، هي صفاته، أي تسبيح الله بذكر تفاصيل
الصفات التي نعرفها عنه كالعظيم والكبير، والمتعال، والرازق، والكريم.
-
{وَلِلَّهِ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}([9]) أي له الصفات الحُسنى فكل صفة حسنة يستحسنها عقل الإنسان
السوي هي صفة لله. وسوف نلاحظ أن القرآن يختزل شبه الجملة (أسماء الله الحسنى)
بمفردة واحدة هي الحمد، فالحمد هو اختصار لشبه الجملة السابقة، فالحمد ليس ثناء
ولا شكر، بل ذكر تلك الأسماء وتأملها وتدبرها، وسوف نشرح هذه المفردة في حينها
بتفصيل.
-
{هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}([10]) والله الواحد الأحد الفرد الصمد، ليس مثله أحدٌ في الصفات
فليس له سمي يشابهه في الصفات، وإنما البشر يقلدون ويحاولون، فمثلاً لا يصح أن
نقول الكريم على البشري، بل نقول فقط كريم، لأن صفة الكرم فيه مزعزعة ومهزوزة قد
تعصف بها الظروف.
-
{قُلِ
ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُ}([11]) أي أدعوا بما تشاؤون فكلها صفات الله الدائمة، والتي تصف لك
حقيقة الله من زاوية معينة.
-
{فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}([12]) أي أنطق بصوت مسموع ومتكرر، صفة الله وهي العظيم. ومرة أخرى يقول
أنطق بتكرار صفة الله العلي {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}([13])
-
اسم الله الأعظم: ويجلبون المرويات ويزعمون أن هناك اسم أعظم لله ([14]) ، ويفرقون بين أسماءه، تقليداً لليهود ([15]) الذين لديهم اسم أعظم لا ينطقونه، لكن المسلمين يزعمون أن له
اسم أعظم لو دُعي به لاستجاب، فالقرآن يقول أن كل أسماء الله حسنى وأي اسم دُعي به
استجاب { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} ([16]) أي أن كل صفات الله
حسنى فأي صفة دعوتموه بها سيستجيب لكم إذا كنتم تستحقون الاستجابة.
ونلاحظ أن ليس هناك أحدٌ في الكون يتساوى
مع الله في التسمية أي الصفة، ولهذا جاءت أسماء البشر بدون آل التعريف بينما جاءت
أسماء الله بأل التعريف، وذلك لأن صفات الله ثابتة وسرمدية، بينما نحن فصفاتنا
التي نتصف بها هشة ومترددة وقد تنتكس في أي لحظة.
أسماء الملائكة:
يذكر المولى بأن عرب الجاهلية كانوا يعتقدون أن
الملائكة هم بنات الله، فهم وفق تصورهم إناث، {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} ([17]) فالنص المكرم هنا
يوضح أن العرب يتكلمون عن الملائكة لا يقولون الكريم مثلاً أو السريع، بل يقولون الكريمة،
أو السريعة، أو المحبة أو المنتقمة، تأنيثاً لهم؛ مما يؤكد بأن التسمية هي الصفة
وليست ألقاب أنثوية؛ فلم يقولوا: تلك الملائكة خديجة أو عائشة أو فاطمة، من تلك
الألقاب البشرية، بل هي صفات.
ومن تلك المسميات: العزى، واللات، ومناة {أَفَرَأَيْتُمُ
اللَّاتَ وَالْعُزَّى} ([18]) ولم أجد في كتب المعاجم
اللغوية شرحاً لتلك الأسماء الملائكية، ولعل العزى مثل قولنا العزيزة، فهي تعز من
يعبدها، أما اللات فقد تكون من الترجي، وكذلك مناة التي تستجيب للأمنيات.
ويبين المولى أن الكفار اختلقوا أسماء أي صفات اجترحوها
للملائكة ما أنزل الله بها من سلطان { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا
أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ}([19]) وهذا يعني أن الملائكة ليس لها أسماء مثلنا ولا ينادون بعضهم
بتلك الأسماء وإنما ينادون بالوظائف، فالقرآن يخبر أن أحدهم هو الروح القدس،
والآخر هو الروح الأمين، وهي وظائف وليست صفات.
{وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 87].
{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } [الشعراء: 193]
أما أسماء الملائكة المذكورة في القرآن كجبريل وميكال
ومالك، فهي أسماء بشرية أطلقت على تلك الكائنات المكرمة، فجبريل هو اسم للروح
الأمين أطلقه اليهود عليه، ولم يشأ القرآن أن يجادلهم في أمر يصعب عليهم فهمه،
كذلك ميكال، أما مالك فهو اسم أطلقه أصحاب النار على خازن النار، ولعلهم يقصدون
صفة الملك أي هو يملك النار.
ولهذا نبين أن الملائكة لا تحتاج إلى أسماء، بل هي
تنادى بالوظائف التي تقوم بها، أما الأسماء أي الصفات والنعوت، فهي من اختصاص
البشر، لأن البشر يعلمون كل الأسماء دون سائر الكائنات، التي تعلم شيئاً من
الأسماء.
اسم إبليس:
من المؤكد أن إبليس ليس حالة طارئة، جعلت
المولى يناديه بهذه الحالة، بل هو صفة متجذرة فيه، أو وظيفة تخصص بها، أي ما نسميه
علامة أو لقب ولا ندري من أطلقه عليه، وما تقول به المعاجم من أن معنى إبليس من
البلس وهو اليأس أو بمعنى المطرود، فلا نرى صحة ذلك فقد ناداه الله بلقب إبليس قبل أن يطرده
وقبل أن يصاب باليأس.
على أننا نلاحظ أن إبليس كائن غير بشري،
فقد يكون في غير حاجة إلى تلك الألقاب والرموز والتي نعرفها بالأسماء، فهو لا
يحتاج إلى اسم، فهم من عالم آخر غير عالمنا ولهم طرق تواصل تختلف عن تواصلنا،
فحاله مثل حال الملائكة التي تُعرف بأعمالها وليس بأسماء خاصة بها، فإذا صح أن
الجن لا يتسمون مثلنا، فهذا يعني أن إبليس هو وظيفة كان يعمل بها، وليس اسماً
قديماً له، ونعلم أن الأسماء (الصفات) لا يعرفها كلها إلا آدم والبشر، أما بقية
الكائنات فتعرف القليل منها، ولهذا صار يسمى بوظيفته الجديدة وهي الشيطان، فهو
كبير الشياطين فهو الذي يقوم بدور الإضلال والإغواء.
اسم محمد:
من أعظم الأدلة على أن مصطلح اسم هو صفة وليس رمز
وعلامة، اسم نبينا المكرم محمد؛ فعندما بشر به النبي عيسى لم يقل اسمه محمد وكان
من المفروض أن يقول ذلك، لكن عوضاً هذا قال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ}([20]) فكان من المفروض أن يكون نبينا لقبه أحمد، بيد أن التاريخ
والقرآن ذكرا أن لقبه هو محمد.
وهنا نتوقف قليلاً لنقول: إن الرسول لو كان كاذباً
ومؤلفاً للآيات لقال في الآية اسمه محمد تطابقاً مع لقبه الذي اشتهر به بين الناس،
ولكن ولأنه صادق لا يكذب فقد قرأ القرآن للناس كما هو وقال أحمد وليس محمد.
وقد سبب هذا إشكالاً عند المسلمين وفرحاً عند
المتربصين من أهل الإلحاد، بينما الأمر بسيط، وواضح، فالنبي عيسى عليه السلام أخبر
الناس في زمنه بأنه سيأتي نبي من بعده، صفاته الحمد، أي أن الناس سيثنون على صفاته
من كرم وجود وبطولة ورحمة؛ فهو الكامل في أخلاقه، فعيسى يخبرهم بصفات ذلك النبي
الجديد، إنه أحمد: أي محمود الصفات مميز بين الناس فلا يغش ولا يخدع ولا يكذب
...إلخ
وقد أطلق النبي عيسى على النبي الجديد صفة أحمد، وليس
محمد، لأن اللهجة مختلفة بين لهجة بني إسرائيل أو لهجة السريان العربية وبين لهجة
العرب الحجازية، فأحمد عند السريانية أو الآرامية هو نفسه محمد عند عرب الحجاز؛
ولو كان النبي عيسى يتكلم العربية الحجازية لقال محمد ولم يقل أحمد.
مرويات عن اسم الرسول محمد:
وفي حديث
منسوب إلى كعب الأحبار أنه قال:" التَّوْرَاةُ مَكْتُوبٌ فِيهَا: مُحَمَّدٌ
عَبْدِي الْمُخْتَارُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ
بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو
وَيَغْفِرُ " ([21]) وهذا يعني شرح صفات هذا النبي الجديد فهو محمود الصفات ولهذا
نال هذا الاسم محمد من قبل الناس، فقد كان اسمه قثم كما سماه أهله ثم صار محمد عند
العرب وأحمد عند أتباع عيسى لاختلاف لهجتهم الآرامية السريانية.
وهناك حديث آخر منسوب إلى الرسول يزعمون فيه أنه قال
إن له خمسة أسماء أي صفات: "لي خَمْسَةَ أسماءٍ؛ أنا محمد، وأحمدُ، وأنا
الماحي الذي يمحو اللهُ بِي الكفرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ الناسُ على
قَدَمِي، وأنا العاقِبُ" ([22]) وهذا يعني ببساطة أن محمد هو محصلة صفاته الكثيرة فهو كثير
المحامد.
ولا يهمنا عن دقة هذه المرويات، لكن الراوي مدرك أن
محمد يعني ببساطة الصفات المحمودة التي ميزت قثم عن غيره. وقريش بعد أن سمت قثم
بمحمد لما يحمله من صفات عظيمة، عكست الاسم أي الصفة وصار بعضهم يناديه مذمم ([23]) نكاية به ومحاولة لإسكاته.
وهناك دليل تراثي يبين أن تسمية الرسول بمحمد كانت
سماوية وليست أرضية فيقول الرسول: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ،
وَسُمِّيتُ مُحَمَّدًا، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ
الأمم " ([24])
وإذا قلنا إن التسمية سماوية لا يعني أنها لم تُعرف
في الأرض، فلطغيان صفاته الكثيرة الجميلة، أطلق عليه الناس اسم محمد كما قررت
السماء، فصارت السماء والأرض تسميه بمحمد، وهذا قبل أن تنزل عليه النبوة.
وفي رواية أن شخصاً من أهل عمان كان عند أحد الأصنام
الذي نطق بأشعار فيها إشارة لظهور نبي، فتوجس ثم حضر أحد رجالات الحجاز فقال له:
"ظَهَرَ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ أَحْمَدُ، يَقُولُ لِمَنْ أَتَاهُ: «أَجِيبُوا
دَاعِيَ اللَّهِ»" ([25]) وحتى لو لم تصح
الرواية، فإن مؤلف الحديث اختلط عليه الأمر، وأراد أن يبرر اختلاف حروف أحمد عن
محمد، لكي يقول إن الرسول كان يسمى أحمد أيضاً، بينما الحقيقة أنه لم يكن ينادى
بذلك، بل نودي بقثم، ثم نادوه بمحمد على لهجة أهل الحجاز والذي يساوي أحمد على
لهجة السريان.
وقد غضبت أم جميل من الرسول عليه السلام فقالت: تعس
مذمم ([26]) وهي تقصد أن لقبه الذي لقبه الناس به، فيما بعد، كذلك كانت
قريش كلها تلقبه بمحمد ([27]) قبل أن تغضب عليه.
لقب الرسول قديماً قثم وليس محمد:
وقد يتساءل أحدهم: لم أطلق أهل المولود عليه لقب
محمد، هل كانوا يعلمون الغيب أم أن وحياً ألهمهم إلى تلك التسمية؟ حقيقة لا يوجد
أي دليل على أن أهل الرسول قد لقبوا المولود الجديد باسم محمد، بل تذكر الروايات
أن هناك لقباً آخر هو (قثم) ([28]) وتعني المعطي([29]).
وهذا اللقب
رغم أنه لقب جليل، إلا أنه لا يليق بصفات ذلك الشاب، فهو لم يكن كريماً ومعطاء
فقط، بل كان متسامحاً وحكيماً وعاقلاً، ومصلحاً، لهذا صار الناس يلقبوه، فيما بعد بالحمد
أي الشخص الذي تكثر فيه الصفات الحسنة، فهو لهذا محمد، فإن أردته في الكرم فهو أول
المبادرين وإن أردته في النجدة فهو أول الجسورين، وإن أردته في اللين واللطف
والتسامح فهو سيد تلك الصفات، لهذا تعجب الناس من خلقه فصاروا يسمونه محمداً، فهو
يجمع الصفات التي تكاد تصل إلى استحالة اجتماعها في شخص واحد؛ فهو لقب متأخر وليس
لقب لقبه به أهله، وقد ذكرت السيدة الجليلة خديجة زوجة محمد بعض صفاته، فقالت: "إنك
لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"([30]) فمن الطبيعي أن يلقب
بمحمد، لما يحمله من صفات جليلة محمودة.
وهناك بعض الأدلة التي تؤكد أن لقبه الأول الذي لقبه
به أهله هو (قثم) فمن ذلك أن أباه عبدالله كان يكنى بأبي قثم ([31]) بل تقول الروايات: بأن ملكاً من الملائكة خاطب الرسول فقال
له «أنت قُثَم وخلقك قيم ونفسك مطمئنة» ([32]) فلعل الملك خاطب الرسول بلقبه الأول الأصيل الذي أطلقه أهله
عليه، وربما يكون أول لقاء بين الرسول المكرم وأحد الملائكة.
بل يزعم المؤرخون بأن سبب تلقيب الرسول بلقب (قثم) هو
من قبل جده عبدالمطلب؛ لأنه أنجب غلاماً لقبه قثم وقد مات في التاسعة من عمره فحزن
لذلك أشد الحزن فلقب المولود الجديد لابنه عبدالله الذي هو حفيده، بلقب القثم ([33])
كما أن لقب قثم كان متداولاً في قريش، فأحد أعمامه
كان يلقب بقثم كذلك ابن عمه قثم بن العباس، فهو اسم متداول ومعروف ([34]) بل إن قثم بن العباس كان شبيهاً بالرسول المكرم، فلعل ذلك
سبب تسميته بقثم تشبيها بابن أخيه قثم بن عبد الله (محمد الرسول) وذلك لحب الناس
له لأخلاقه العظيمة.
يقول العباس في مدح ابنه قثم الذي اتصف بالكرم وهو
معنى قثم.
يَا ابْنَ شَيْبَةَ ذِي الْكَرَمْ ... فَحُزْتَ
بِالْأَنْفِ الْأَشَمْ ([35])
وسنجد في كتب التراجم لقب أو رمز قثم مذكورا في
شخصيات مشهورة منها قثم بن عوانة الكلبي ([36]) بعكس لقب محمد، فهو
غير معروف عند العرب قبل الإسلام إلا في ثلاث أشخاص كما تذكر المصادر، وتزعم
الروايات بأن سبب تلقيبهم بهذا اللقب هو طمعهم في أن يكون أحد أبناءهم هو النبي
المنتظر، فقد كان آباءهم مطلعون على قصة عيسى وكلامه في النبي المنتظر وذهب بعضهم
إلى أن عددهم يصل إلى خمسة عشر رجلاً؛ بيد
أن هذه الروايات متهافتة وضعيفة، ذلك أن تلك الشخصيات وثنية، فكيف لهم بمعرفة تلك
المقولة التي قال بها عيسى عليه السلام، ثم حتى لو أن تلك المقولة قد وصلتهم؛ فلن
يطبقوها فهم أهل وثن ولا يؤمنون بالنصرانية، وقد كان من المفروض أن ينتشر هذا
اللقب (محمد) بين النصارى وليس بين الوثنيين، بل كان من المفروض أن ينتشر لقب
(أحمد) وليس (محمد) وبين النصارى فقط، ولم تجد علينا كتب التاريخ بلقب أحمد أو
محمد بين نصارى الشام أو غيرهم من النصارى ([37]) والسبب في عدم انتشار ذلك اللقب في النصارى، هو أن عيسى يقصد
الصفة وليس يقصد الرمز واللقب، وقد أدرك النصارى ذلك فصاروا يبحثون عن صفات إنسان تكون
محمودة لكي يؤمنوا به.
ويذكر الذهبي بيتاً يمدح فيها أهل الصفة وأنه يحق لهم
الفخر لصحبتهم الرسول أحمد القثم وهذا يعني بأن لقب (قثم) قد كان متداولاً بين
المسلمين بكثرة أو على الأقل عند طبقة المثقفين أو عند قبائل العرب الوثنية
سابقاً.
(لأهل الصّفة الماضين فَخر ... بِصُحْبَة أَحْمد
القثم النذير) ([38])
الخلاصة:
أنني أتعجب
من تشنيع أهل الإلحاد على لقب قثم، واعتبروا ذلك دليلاً على عدم نبوة الرسول
الكريم، بينما هو أكبر دليل على نبوته، فمحمد هو لقبه الحديث الذي صار معروفاً به،
فلم يعد أحداٌ يعرف لقبه القديم إلا القليل من أقاربه وأصحابه، ولو كان الرسول
يريد خداع الناس حقاً لنعت نفسه بلقب (أحمد) حتى يتطابق حرفياً، اللقب الجديد مع
ما قاله النبي عيسى عليه السلام، بينما نجد النبي عيسى عليه السلام يتحدث عن صفات
ذلك النبي الجديد وأنه أحمد ومحمد، أي كثير الصفات الحسنة، مما جعل الناس من حوله
يلقبونه بهذا اللقب؛ فصاروا لا يعرفونه إلا به.
وببساطة فإن هذه الألقاب على الأنبياء، سماوية وليست
أرضية، وهي من عند الله؛ فالله يجعل فلاناً بهذا اللقب لما يتميز به من صفات،
فيعقوب لقبه أهله بلقب إسرائيل، ولكن نسله تكاثر في الأرض فقد صح أن يلقب بيعقوب،
لهذا نجد في القرآن الكريم يطلق عليه يعقوب وهي الصفة التي جعلها الله فيه فتكاثرت
ذريته، كذلك عيسى الذي لقب بالمسيح لأنه يمسح الأمراض، ونفس الحال اسم محمد الذي
جعله الله لهذا الشخص بعد أن لقبه أهله بقثم، فصار الناس ينادونه بمحمد حتماً
مقضياً، بسبب أخلاقه الحميدة المتعددة.
اسم مريم
يذكر القرآن الكريم أن مريم لقب أطلقته أم مريم على
بنتها {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ([39]) وجزماً هذا اللقب أُعطي لها تيمنا بمعناه، أو تشبهاً بسيدة
سبقتها. وقد زعموا أن معنى مريم هي السيدة الحزينة وهذا بعيد، فمن البعيد أن تطلق
أم مريم عليها هذه الصفة التي لا تليق بالمؤمنين بالله، وذهب بعضهم إلى أن مريم
مشتق من اللهجة المصرية (مري) وتعني المحبوبة ([40]) وهذا منطقي ومعقول. وهو
يتفق مع لفظة (مرام) العربية التي تعني المرغوب أو المطلوب ومنه المحبوب، فمريم
على هذا الأساس هي المحبوبة، وقد كانت مريم اسم على مسمى؛ فهي محبوبة ولها قبول
وألقى فيها الله محبة؛ حتى أنه لدرجة أن أقاربها عملوا قرعة لكي يتشرفوا بأنس
صحبتها {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ
مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ([41]) ذلك أن المولى جل جلاله هو الذي اعتنى بها {فَتَقَبَّلَهَا
رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا
رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ([42])
اسم النبي يحيى:
ابتداء نقول: أنه لم يكن للنبي يحيى لقب واحد، فقد
كان يلقب عند المسلمين باسم يحيى وعند الصابئة باسم يهيا، وعند النصارى باسم يوحنا
([43]) فلو كان نطق اللقب
مقدساً لما اختلف الناس في ذلك اللقب الذي نسميه اسماً، ولصار اسمه العلم المتفق
عليه يحيى عند كل الجماعات بل شنع أهل الكتاب على المسلمين في هذا الأمر وقالوا:
بأن اسم يحيى موجود سابقاً من قبل في بني إسرائيل، فكيف يقول القرآن الكريم {لَمْ
نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا } ([44]) وجوابنا على هذا
التشغيب هو أن الاسم لا يعني اللقب، بل يعني الصفة التي يتميز بها فقد تميز ذلك
النبي بصفة دون سائر الناس من قبله، وقد وصف في القرآن بصفات غريبة فهو حصور وسيد
ونبي وصالح، وحكيم منذ صغيره، وحنون وزكي وتقي، وبر بوالديه ولم يكن جباراً ولا
عصي، وسلام عليه من مولده إلى موته فلن يمسه أحد بسوء.
وتقول الروايات اليهودية بأن أمه التي
سمته بهذا الاسم أو اللقب، أو الصفة، ذلك أن اليهود كانوا قد اجتمعوا لكي يعطونه
لقباً (اسما أو صفة) واتفقوا على تسميته باسم أبيه وهو زكريا، لأن زكريا لم يكن
يستطيع النطق، فأصرت أليصابات على ذلك اللقب ([45]) فصار معروفاً عندهم بهذه
الصفة أو الاسم، لكن القرآن يشير إلى أن هذه التسمية ربما كانت توجيهاً من
الملائكة لزكريا ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ
بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ ([46])
نعم
قالت الملائكة أن صفته يحيى ولكن لم تأمر زكريا بأن يطلق عليه هذا اللقب أو الرمز،
فهي تخبره بقدرات ابنه، وربما صحت الرواية التي تقول أن أمه هي التي وصفته بهذه
الصفة، ففي الغالب أن زكريا أخبرها بالقصة.
وسوف ندرس معنى هذه التسمية التي نالها يحيى، في مقال
آخر لعدم التطويل، ولكنها من المؤكد أنها تعني صفة في يحيى لم تكن في غيره من قبل،
ولعلها أحياء الموتى.
اسم عيسى:
اسم المسيح: قيل لأنه يمسح على المرضى فيشفون، وقيل
هو من المشخ أي المسح وهو الذي تم مسحه بالزيت المقدس ([47]) وهو معتقد يهودي؛
فكل من يُمسح بهذا الزيت المقدس يصبح مفرغاً لله ومكرساً حياته للمعبد، ولم يكن
اليهود يمسحون إلا الكهنة والملوك والأنبياء؛ وقد يكون الاسم لهذين السببين معاً.
أما عيسى فيقال بأنه مأخوذ من إيسوس اليونانية، لأن
اليهود والنصارى لا يلقبون عيسى بهذا اللقب، بل يقولون يشوع في اليهودية ويسوع في
النصرانية ([48]) وهي تعني الله يخلص أو المخلص. ولم تسعفنا المعاجم العربية
بتفسير لهذا اللقب، واعتبروه اسما عبرانيا. ولعل الصواب في اللغة العربية وهو
عيسى، وقد كان بعض النصارى القدماء يطلقون على أبنائهم اسم عيسى وليس يسوع مثل
عيسى بن يحيى.
أما القرآن الكريم فيحدثنا عن صفة هذا المولود الجديد
الذي أنجبته مريم، فيصفه القرآن بأنه مسيح وعيسى {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ} ([49]) فهو مسيح وهو عيسى، وهكذا صار الناس يلقبونه، فمرة يقولون
المسيح ومرة يقولون يسوع أو عيسى عند المسلمين، وذلك ما اشتهر به في العالمين،
لصفات فيه جعلته كذلك مطابقاً للقبه الذي لقبته أمه به بناء على توجيهات الملائكة،
فهو يمسح على الناس يعالجهم وهو يسوع لأنه خلصهم من الضلال.
وبهذا نجد أن عيسى ومسيح هو صفة أو نعت وليست مجرد
رمز ولقب لا معنى له، بل هو صفة اتصف بها وكانت سماوية حصل عليها من السماء، وكانت
دائمة فيه حتى مماته أو اختفاءه.
هل إبراهيم يعني أبو الرحمة
لم يبين لنا القرآن من أطلق هذا الاسم على ذلك النبي
العظيم، وتقول المراجع ([50]) إن إبراهيم اسم عبري، فلعل معناه أب رحيم، كما تشير اللغة
الآرامية، وتقول المراجع أنه بحسب التوراة فهو أب الجمهور أو أبو الأمم.
وتزعم الكتب المقدسة أن اسمه السابق كان أبرام والذي
يعني الأب العالي أو الرفيع كما في اللغة الكلدانية. وفي القرآن ورد الاسمين ففي
سورة البقرة ورد باسم إبراهم في كامل السورة بينما في بقية السور فورد مع حرف
الياء إبراهيم. ونرجح أن سورة البقرة موجهة خصيصاً لقوم من اليهود لا يعرفون هذا
النبي إلا بهذا الرسم.
كما نرجح أن إبراهيم صفة لها معناها وأن المولى لم
يناديه بهذا الاسم إلا لصفة فيه تميزه عن الناس، وقد يكون معنى الأب الرحيم معقول،
فقد كان كذلك فعلاً حتى أنه حاول تأجيل العذاب عن قوم لوط لعلهم يرجعون.
اسم يعقوب:
هذا اللقب أطلقته الملائكة على حفيد
إبراهيم {فَبَشَّرْنَٰهَا بِإِسْحَٰقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَٰقَ يَعْقُوبَ}([51]) ومن الواضح أنه اسم على مسمى أو صفة على موصوف، فقد كان يعقوب قد
أنجب عقباً كثيراً بلغوا 12 ولداً ناهيك عن البنات اللاتي لم يتحدث القرآن عنهن.
ونرجح أن نسل إبراهيم قد اندثر إلا من
يعقوب هذا، فقد تكاثر نسله وطغى وبقي اسمه محفوظاً بسبب أولاد يعقوب. ولهذا استحق
هذا اللقب الذي لقبته به الملائكة، فهو مشيئة الله العظيم الكريم، ونرجح أن
إسماعيل لم ينجب كما سوف نرى في بحث مستقل.
ونجد في التراث أن ليعقوب اسم آخر وهو
إسرائيل، وهذا اسم سمته به أمه أو أبوه، فالملائكة عندما تكلمت مع سارة جدة يعقوب
بينت أن هذا الحفيد سيمتاز بصفة وهي التكاثر وكثرة العقب، ولم توجه سارة إلى
تسميته باسم يعقوب، أو ربما ماتت قبل أن تراه، فسماه أبوه باسم إسرائيل الذي يعني
المجاهدة مع الله.
وقد يكون اسم يعقوب جاءه من التعقب، لأن
الناس عقبوه وساروا على طريقه، من خلفه، فهم عقبه، وهم من ذريته ومن غيرهم، وقد
سمي يعقوب بإسرائيل وكان هناك بني إسرائيل وهم من تبنى طريقته ومن نسبوا أنفسهم
له، فهو الأب الروحي لهم، نعم ربما جل هؤلاء من ذرية يعقوب، ولكن هناك من دخل فيهم
ونسب نفسه إليهم، ولكن المحصلة أن هؤلاء كلهم من كان من ذريته أو من غيرهم قد
عقبوه.
اسم يوسف:
يوسف اسم عبري كما يقولون، وهو من
العطاء، فمعناه الله يمنح ويضاعف، فلعله جاء بعد عشرة أبناء ليعقوب، فكأنه يشابه
اسم عطا الله في العربية.
اسم موسى:
هو اسم عبري كما يزعمون ويعني المنقذ أو
المنتشل، وفي الفرعونية يعني الذي وجد بين الماء والشجر، ولا نعتقد بذلك لعدم وجود
هذا الاسم في الآثار والحضارة المصرية. ولا نعلم هل أمه التي أسمته بذلك أو أمه الفرعونية،
وربما لو بحثنا في الأسماء العربية المقاربة له سنعرف المعنى.
اسم هود:
هود اسم عربي له عدة معاني، فقيل من
التوبة والهداية. وهناك معن آخر وهو من التهويد أي المشي الرويد. والهوادة هي
الصلح والميل ([52])
اسم يونس
اسم عربي مأخوذ من الأنس، فهو شخص أنيس،
لين المعشر، يحب الناس عشرته، وحتى عندما خرج من عند قومه لم يدع عليهم، بل ذهب
مغاضباً.
اسم نوح:
قيل اشتق من النوح أي البكاء بشدة وحزن، وقيل،
بل اسمه الأول يشكر أو عبد الغفار ثم دُعي بنوحٍ، لكثرة نوحه على نفسه وقومه. وترى
المعاجم أن النوح هو التقابل بين شيئين وسمي البكاء بالنوح لتقابل النساء يبكين ([53]) ولا نظن أن نوح لقب بهذا لكثرة نوحه، ونرجح أن الله سماه بذلك لصفة
فيه لا يوجد لها مثيل ونرجح أنها المكث والإقامة فقد مكث في قومه ألف سنة إلا
قليلاً، وربما جاءت من المقابلة، لأنه قابل قومه ولم يغادرهم.
خلاصة الكلام:
إن اسم لا يعني إلا ما نسميه بالخطأ صفة
أو نعت، فالاسم هو النعت الذي ننعته للأشياء، ومع مرور الزمن يصاب النعت بالجمود
ويفقد قوته ويصبح كأنه لقب أو رمز مجرد من أي شيء.
والقرآن عندما يذكر الاسم يقصد ببساطة
الصفة أو النعت، فاسم الله أي صفته، ومحمد هو صفته التي ثبتت فيه وتجذرت، وعيسى
المسيح، صفته التي تجذرت فيه، ويوسف ويعقوب ونوح وهود وصالح، ومريم كلها أسماء أي
صفات تجذرت فيهم وقد ثبتها المولى فيهم فتميزوا بها فصاروا اسم على مسمى.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
([4]) نرجح أن تلك الكائنات كانت جماعات بشرية
لها ما يميزها من صفات عن الأخرى، وأن آدم لقدرته على التمييز بسبب اجتراح عقله
بهذه القدرة، صار مؤهلاً للخلافة وقيادة تلك الجموع البشرية، بدلاً من الملائكة
ولهذا اعتذرت الملائكة بداية عن تولي بشري الحكم، فهي التي كانت تحكم تلك الجموع
البدائية، فلما تفوق عليها آدم بالعلم صار هو المؤهل.
([47]) شرحنا في مقال سابق أن المقدس يعني
المحمي وأن القدوس يعني الحامي وأن الأرض المقدسة تعني المحمية، وكان من المفرض أن
يقولوا الزيت المبارك أو المبجل وليس المقدس وكتبتها هنا كما ذكروا لعدم الإرباك.
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك