أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

العودة في القرآن المكرم

 



العودة في القرآن المكرم

عود لغة:

أصلان صحيحان يدل أحدهما على تثنية في الأمر والآخر على جنس من الخشب. فالعود هو تثنية الأمر عوداً بعد بدءٍ، أي بدأ ثم عاد. والعيادة هي أن تعود مريضاً. والعيد ما يعتاد من خيال أو همّ. والعادة هي الدُربة، والسجية. ويقال للشجاع: بطل معاود. لأنه يعاود فعله الشجاع مهما رأى من أهوال. والعيد من هذا الباب لأنه يعود كل عام أو لأنهم يعودون إليه، أو لأنهم قد اعتادوه. وفحل معيد أي معتاد للضراب. وهناك الأصل الثاني وهو عود الخشب والعود الذي يتبخر به، وهو لا يعنينا هنا لأنه لم يرد في القرآن ([1])

العودة في القرآن:

العودة في القرآن لا تعني الرجوع الجغرافي والانتقال من نقطة جديدة إلى نقطة قديمة، بل اختص هذا الجذر بالفعل والسلوك والتمظهر بالشكل، فكل تكرار لأفعال قديمة قد توقفت فترة، هو عودة كما سوف نرى، وكل تحور إلى شكل قديم هو عودة.

العودة إلى الذنب:

{وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].

{إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15].

أي إن عدتم يا بني إسرائيل لسلوككم السياسي الفاسد، عدنا إلى تعذيبكم. وفي الآية الثانية تقول: بعد أن نكشف العذاب ستعودون إلى سلوككم المجرم السابق.

العودة إلى الحالة القديمة:

{قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ} [طه: 21].

{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39].

أي يا موسى أحمل عصاك التي تحولت إلى حية، ولا تخف، سنعيدها إلى سلوكها الأول وهو الصلابة وعدم الحركة، فهنا الحية عادت إلى شكلها وحالها السابق.

والقمر يكرر الشكل ويعيده، فهو يظهر بدراً وهلالاً، ثم يظهر كالعرجون القديم، فالفعل هنا والسلوك هو الظهور بشكل العرجون القديم، فقد عاد بعد انقطاع.

العودة إلى ركوب البحر

{ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ }  [الإسراء: 69].

أي كما أركبكم البحر سابقاً، وأنجاكم من مخاطره، فإنه قادر على أن يركبكم البحر مجدداً، فهنا الإعادة للفعل وهو أن يركبكم البحر.  

الخروج من النار

{كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 22].

{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَىٰهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20].

محاولة الخروج من النار يقابلها إدخالهم فيها من جديد وهذا هو الفعل الذي يعاد ويتكرر. وقد شرحناها سابقاً عن تنقلاتهم بين مناطق النار وهي جهنم والجحيم والحميم.

وفي آية العيد

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّٰزِقِينَ} [المائدة: 114].

العيد من العودة، أي تكرار السلوك وإعادته، وقد اختص يوم الاحتفال والفرح والاجتماع باسم العيد، لأنه تعاد فيه الأفعال وتكرر.

المعاد ليس من الإعادة

{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ }  [القصص: 85].

شرحنا هذه الآية في مقال سابق، وبينا أن هذا هو كلام الكفار، يسخرون من الرسول في فكرة الحياة بعد الموت، ومعاد هنا ليست من الإعادة كما تصوروا، بل من الموعد، فكفار قريش يسخرون ويقولون الله سيردك إلى موعد مقرر. وقد أوردنا هنا لأن التفاسير أخطئت في تفسيرها.

إعادة صناعة البشر:

{وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}  [الأعراف: 29].

أي خلقكم من قبل من غير أم وأب في الزمن الأول، فإنكم تُخلقون من جديد من غير أب ولا أم يوم القيامة وقد وردت إعادة البشر في عشرات الآيات ونكتفي بهذا السرد.

{ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}  [يونس: 34].

{فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}  [الإسراء: 51].

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}  [الأنبياء: 104].

{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}  [العنكبوت: 19].

{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}  [الروم: 11].

{ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا }  [نوح: 18].

العودة في الملة:

ورد هذا المعنى في أربع آيات، فبعد النزاع بين الكفار والمؤمنين، خير الكفار الرسل والمؤمنين بين الإخراج من القرية أو العودة في الملة، والعودة في الملة تعني إعادة السير على نفس طريق الكفار، أي العودة إلى نفس تصرفات وطقوس وأفعال ملة الكفار.

{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88].

{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم} [الأعراف: 89].

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف: 20].

العودة إلى تكرار الكلام:

وتكرار الكلام من العودة بعد انقطاع، وقد ذُكرت في عدة آيات مثل الاستفتاح على المؤمنين، الظهار على الزوجات، أو النجوى أو البهتان على النساء بالزنا.

{إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْءًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].

{وَالَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}  [المجادلة: 3].

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَٰجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَٰنِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}  [المجادلة: 8].

{ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }  [النور: 17].

الكفار لا أمل فيهم:

وأصحاب النار يطلبون الخروج منها، ويطلبون أن يردوا، ولا يهم ما مقصدهم من الرد هل يقصدون الخروج من النار، ودخول الجنة أو المكوث في منطقة لا جنة ولا نار، أو يقصدون الرد إلى الحياة الدنيا، فلا يهم المهم أنهم يطلبون هذا الرد، ويزعمون أنهم سيعملون غير ما عملوا سابقاً لكن أوضح القرآن أنهم سيعودون إلى نفس الأفعال.

{بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ} [الأنعام: 28].

{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ} [المؤمنون: 107].

الخلاصة:

أن العودة ليس لها علاقة بالرجوع الجغرافي الحسي أو الرجوع المعنوي، بل هو تكرار الفعل أو تكرار السلوك، أو تكرار الشكل، فقد كان الشخص أو الشيء يفعل شيئاً أو على الشكل معين، ثم انقطع عنه فترة ثم عاد إلى الشكل الأول، أو التصرف، أو السلوك، أو الفعل.

فالقمر عاد إلى العرجونية، والأشرار عادوا إلى الشر، والحية عادت إلى تخشبها، وأصحاب النار عادوا إلى العذاب في النار بعد انقطاع، والمولى أعاد خلق البشر مثل خلقتهم القديمة، وتكرار الكلام بعد انقطاع هو عودة أيضاً.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (4/ 181) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1418)


ali
ali
تعليقات