أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

العقب في القرآن المكرم

 



 

العقب في القرآن المكرم

عقب لغة:

عقب أصلان أحدهما يدل على تأخير الشيء وإتيانه بعد غيره، والآخر ارتفاع، وشدة، وصعوبة. وكل شيء يعقب شيئًا فهو عقيبه، مثل الليل والنهار. والتعقِبة هي الدرك. والمُعاقِبُ الذي أدرك ثأره. وعاقبة كل شيء آخره. وعاقبت الرجل أي جازيته على ما فعل. وتعقبت ما صنع فلان أي تتبعت أثره. ولو كان له عقب تكلم أي لو كان عنده جواب. وإبل معاقبة أي تلك التي تذهب للماء حيناً وللمرعى حيناً ([1])

العقب في القرآن:

مفردة مفهومة وواضحة، فكل شيء يعقبه شيء بعده، فالظلم يعقبه ألم، والعمل الصالح يعقبه فلاح. ثم صاروا يظنون أن معنى عقاب هو الجزاء، بينما هو ما يعقب الأشياء وما يعقب الأفعال، والجزاء يعقب الأفعال، فصاروا يظنون أن العقاب تعني الجزاء.

وهناك علاقة سببية بين الاثنين فإذا كان ص يعقب س، فإن س هي السبب في ظهور ص فهو مجرد نتائج. وهذا الايضاح مهم في التفريق بينه وبين الجذور الأخرى كالتتبع أو التلو وغيرها من جذور.

 

 

فإذا فعلت شيئًا، فإن له نتائج مترتبة تأتي بعده:

{ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }  [آل عمران: 137].

{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }  [الأعراف: 128].

{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }  [الأعراف: 167].

فللكذب عقابه الذي يعقبه، وللتقوى عقابها الذي يعقبها، والله سريع العقاب، أي لا يؤخر العواقب، بل يدفعها سريعاً كنتيجة للعمل الصالح أو الطالح.

عقب إبراهيم:

{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }  [الزخرف: 28].

إبراهيم أعقبه الناس، أي ساروا بعده على نفس الطريق، كما يزعمون، فخشي أن ينحرف القوم من بعده، لهذا جعل كلمة التوحيد ملزمة فيمن يعقبه من ذريته وغيرهم، حتى لو انحرفوا قد يأتي جيل ويصحح طريقهم لو أنهم كرروا كلمة التوحيد. {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَائِكَ إِبْرَٰهِمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ([2]). وكان تعقب الناس لإبراهيم لسبب هو دعوته التي بثها في الناس، وهي دعوة عظيمة وجليلة، لم يكن لها مثيل، فهي السبب في هذا التعقب.

يعقوب من العقب:

ولعل الناس تبعوا يعقوب وطريقته فسمي بذلك لأن الناس عقبته، خاصة من كانوا من ذريته، وقد وصفهم المولى بأنهم بني إسرائيل، فليعقوب اسم آخر هو إسرائيل، وقد كني القوم ببني إسرائيل لأنهم اتبعوه فكان كأنه أب لهم أو ما نسميه بالأب الروحي.

عاقبة الدار:

{ قُلْ يَٰقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّٰلِمُونَ }  [الأنعام: 135].

وردت شبه الجملة (عاقبة الدار) في عدة نصوص ويقصد بها الدار الآخرة، لأنها تعقب الدنيا، فالدار هي الدنيا وعاقبتها التي تعقبها هي الدار الآخرة، وهي عاقبة وليست عشوائية، أي الآخرة هي نتيجة الدنيا، فما قمت به من أعمال ستجده في الآخرة، فالتتبع هنا سببي وليس عشوائي.

 عاقبة الكفار:

{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }  [الأعراف: 84].

{وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }  [الأعراف: 86].

{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الظَّٰلِمِينَ }  [يونس: 39].

تحدد هذه الآيات المبجلات الفعل الذي قاموا به، والذي سبب لهم عاقبة وخيمة، فقد قاموا بالجرم وقاموا بالإفساد وقاموا بالظلم، فأعقب فعلهم هذا دمار بلادهم، كنتيجة طبيعية فهناك علاقة سببية بين أفعالهم وبين ما تلاه من عذاب وهو العقاب.

الانقلاب والرد والنكص على العقب:

{أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ}  [آل عمران: 144].

{يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَٰسِرِينَ }  [آل عمران: 149].

{فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ تَنكِصُونَ}  [المؤمنون: 66].

وقد شرحنا معنى (رد وانقلب ونكص) في مقالات سابقة، ولكن كلها يجمعها هو العقب، أي أن المعنى هو الرجوع من حيث أتينا على نفس خط السير، فإذا كنّا نعمل شيئاً  أو نتجه إلى عمل شيء، ثم عكسنا الاتجاه، فقد قضينا على العمل الأول، ولهذا ستظهر نتائج جديدة وغير ما نقصده، فبدلاً من أن تكون النتيجة (العقب) سارة مثلاً، فإنها تصبح ضارة، لأننا عكسنا الاتجاه.

الملائكة معقبات:

{ لَهُ مُعَقِّبَٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }  [الرعد: 11].

المؤمن الطيب له ملائكة تتعقبه فتحميه من أمر الله، فيصيب أمر الله قوماً دون قومٍ. ولهذا هي ملائكة معقبات، لأن أفعلنا الطيبة هي التي حمتنا فكان نتيجتها أن تعقبتنا الملائكة وخلصتنا، فكأن أعمالنا الطيبة هي السبب والنتيجة هي تعقب الملائكة لنا.

نكث عهود الله:

{ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }  [التوبة: 77].

والذين عاهدوا الله أنه إذا أغناهم سينفقون، فلما أغناهم امتنعوا، فأعقب فعلهم هذا، دخول النفاق في قلوبهم إلى يوم يلقونه، بسبب مخالفتهم للعهود مع الله. فعدم الإنفاق هو السبب والنتيجة التي تعقبت السبب هو النفاق.

عاقبتم وعوقبتم:

{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ }  [النحل: 126].

المولى يحرر يد المؤمنين، في أن ينتقموا ممن أساء لهم، فكما أساء لكم الكفار فلكم الحق في الرد بالمثل دون زيادة، بل الأفضل الصبر، لكن النص يبين أن الكفار أيضاً لم يفعلوا ذلك من فراغ، بل هو عقاب، أي كان نتيجة لتصرفات المؤمنين لأن النص ذكر أنه عقاب على المؤمنين.

فما هو العمل الذي استحق عليه المؤمنين العقاب؟

بكل وضوح إنه الدعوة إلى الله كما تشير الآيات التي سبقتها، فهذا أمر لا يطيقه الكفار، ويرونه اعتداء على دينهم المبجل، في أطهر بقعة وأعظمها وهي مكة، فكان فعلهم ليس من ذات أنفسهم وبطراً، بل هو عقاب على المؤمنين على نشر الدعوة.

ما العقبة؟

{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }  [البلد: 11].

العقبة من العقاب، لأنها مؤلمة وضد هوى النفس، فكأنها عقاب، والعقاب كما شرحنا ما يعقب الأعمال الشريرة أو الخيرة، ويكون جزاء من الله على الأفعال، لكنها تشير عندهم على الأعمال الشريرة أكثر من الخيرة. وقد اعتاد الناس على هذه المفردة فصارت تشير إلى كل صعوبة تواجه الإنسان، فحتى الجبال صارت عقبة لصعوبتها.

وهذه العقبة لها نتائج ولهذا سميت عقبة، فلو كانت بلا نتائج لسميت صعوبة مثلاً أو شدائد أو غيرها، ذلك أن تلك العقبات تؤدي إلى دخول الجنة وهي فك رقبة أو إطعام الفقراء، فهي عقبة يعقبها دخول الجنة.

ما عُقبى ثمود؟

{ وَلَا يَخَافُ عُقْبَٰهَا }  [الشمس: 15].

شرحنا مفردة الخوف في مقال سابق، وبينا أنه توقع الشر والضرر، وأنه يُنتج مشاعر هي الخيفة والتي يخطأ أهل اللغة ويظنونها الخوف، فالخوف يظهر في العقل نتيجة تقليب الأمور، وتوقع الأشياء، فإن توقع الإنسان الشر كان خائفاً وظهرت مشاعر الخيفة في فؤاده.

والنص يتكلم عن الإنسان الذي لا يخاف أي لا يتوقع الشر والضرر غروراً وكبراً وضلالاً، لأنه لم يزك نفسه بل دساها (قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ) ([3])  فها هو الإنسان يشاهد آثار الدمار في كل مكان وبلدة، ومع هذا لا يخاف عقباها، أي لا يتوقع شراً وضرراً عُقباً لأفعاله الشريرة، رغم أنه يشاهد الآثار.

الخلاصة:

نجد أن هذا الجذر يتكلم عن الفعل ورد الفعل، وأن أي فعل ينتج عنه جزاء حسن أو سيء. فالنتيجة تعقب السبب، فالتعقب لا يقصد أي تتبع، بل هو عقب سببي، فلولا الفعل الأول ما كانت النتيجة لتتبعه، فلولا الظلم مثلاً ما حل الدمار.

وإبراهيم تبعه الناس، وكان تعقباً، وذلك لقوة دعوته ومطابقتها للحق المطلق. كذلك تبع الناس يعقوب، والذي هو إسرائيل، وقد سمي يعقوب لأن الناس تعقبوه، وسمي أتباعه بني إسرائيل، ومعظمهم من ذريته. وسبب تتبعهم له أنه جدهم المشترك، بالنسبة لأغلبهم أو لأنه مثل إبراهيم كانت دعوته على الصراط المستقيم.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])  «مقاييس اللغة» (4/ 77) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1496)

([2]) [البقرة: 133].

([3]) [الشمس: 9-10]


ali
ali
تعليقات