أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الشقاء والعنت في القرآن المكرم

 



الشقاء والعنت في القرآن المكرم

شقو لغة

شقو أصل يدل على المعاناة وخلاص السهولة والسعادة. والمشاقاة أي المعاناة والممارسة. وشاقاه أي عالجه في الحرب.  وشقأ ناب البعير أي بدا. وقد يوضع الشقاء موضع التعب. وليس كل تعب شقاوة. وأشقى من رائض مُهر. أي أتعب لأن المهر يرفض الترويض بداية ([1])

الشقو في القرآن

عندما نقرأ هذه الآية المبجلة قد نظن أن شقي عكس سعيد وأن شقي تعني حزين

{ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }  [هود: 105].

بينما الحقيقة أن السعيد قام بفعل يناقض فعل الشقي هو الذي سبب السعادة له، والنص لم يذكر هذه الفعل وإنما ذكر النتيجة والتي تتمثل في السعادة. لكن يجب أن نلاحظ أن الشقاء سيولد الحزن حتماً.

فما هو هذا الفعل الذي سيولد السعادة؟ والذي هو في الغالب نقيض الشقاء؟

من خلال دراستنا لآيات يوم القيامة والتي كررنا الكلام عنها في كتابنا وفي المقالات أن البشر ينقسمون إلى قسمين قسم يصل إلى المحشر بيسر وسهولة، تحفه الملائكة وتبشره بالجنة، وينزل في طريقه في منازل جنان مؤقتة، فلهذا هو سعيد، بينما الآخر فهو شقي يصل إلى المحشر بشق الأنفس، لهذا هو في شقاء، لأنه لا يصل إلى هدفه إلا بشق الأنفس. وبهذا يتبين له وللملائكة أنه من أهل النار لهذا قالت الآية التالية:

{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }  [هود: 106].

وهذا زكريا يؤكد أنه دائماً يدعو ربه في طلب أمر من الأمور، فلا يكون شقياً أي لا يصل إلى مطلبه بصعوبة، بل بسهولة فالله يستجيب له دائماً. أي كأنه يقول: يا رب عمري ما دعوتك إلا استجبت لي بيسر وسهولة وسرعة.

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا }  [مريم: 4].

وهذا إبراهيم يكلم قومه في بداية شبابه، أنه لا يدعو تلك الأصنام ولا يطلبها، ولكن يطلب الله ويتمنى أن يكون مستجاب الدعوة ولا يعاني الشقاء في الوصول إلى أهدافه. وسنلاحظ أن إبراهيم أكثر نبي استجيب له كما يقول القرآن، فكان أقل الناس شقاء مع دعاء ربه، فقد تيسرت حياته وسهلت بعد اختبارات شديدة.

{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا }  [مريم: 48].

وهذا عيسى يتحدث عن نفسه وحياته وطبيعته، فهو بر بأمه ولم يكن جباراً، ولم يكن شقياً، وذلك لأن التجبر يولد الشقاء، وسوف نشرح مفردة جبر في مقال آخر، ولكن نقول هنا أنه يولد الشقاء، أي يجد المتجبر حياته شقية، فلا يصل إلى ما يريده إلا بشق الأنفس. وذلك لأن المتجبر به نرجسية وجنون عظمة، ويطلب من الأهداف ما كان غير واقعي ولا معقول.  

{ وَبَرًّا بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا }  [مريم: 32].

وهذا القرآن يؤكد للرسول أن القرآن نزل عليه ليس لكي يشقى، بل لكي يذكر الناس

{ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ }  [طه: 2].

فقد صار الضغط على الرسول كبيراً وصارت حياته صعبة، فهو في شقاء فلا يصل إلى غرضه إلا بشق الأنفس نتيجة تفنن الكفار في أذيته. وقد قدم القرآن الحل له في عدم الشعور بالشقاء وهو الصبر، فما هي إلا سنوات حتى زالت تلك المصاعب.

ﵟفَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ ﵞ [مريم: 65] 

فالصبر هو الذي يزيل ألم الشقاء ويحوله إلى سعادة أو رضى وقبول.

شقاء آدم:

وهذا آدم يخبره المولى أنه لن يشقى في جنته، ذلك لأن كل ما يريده في متناول يده، فلا شقاء يتعرض له.

{ فَقُلْنَا يَٰءَادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ }  [طه: 117].

وعندما عصا آدم ومن معه من قومٍ، بين لهم أنه من يتبع هدى الله فلن يشقى، وهذا يعني أنه في البداية سيشقون ثم بعد ذلك بعد التوبة والهداية سيذهب عنهم الشقاء.

{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ }  [طه: 123].

وقد بين القرآن بعض هذا الشقاء وهو العداوة بين البشر

{ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }  [الأعراف: 24].

 

وفي الآية الكريمة:

{ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ }  [المؤمنون: 106].

فهي تتحدث عن كلام أهل النار، فهم يريدون الوصول إلى المحشر قبل أن تحيط بهم النار، فأحاطت بهم النار، فأرادوا التبرير عن سبب دخولهم النار، وهو أنهم كانوا أشقياء، أي وصلوا إلى هدفهم بصعوبة شديدة وتأخر، كما أنهم ضلوا طريق الجنة، فلهذا قالوا نريد أن نخرج من النار، فإن عدنا إلى هذه النار فنحن ظالمون.

والذي يؤكد أن هؤلاء القوم من الذين لم يستعيدوا الذاكرة بعد، مل كل البشر، أن الآيات التالية توضح حالهم وزمنهم، فهناك من يسألهم عن مدة مكثرهم في الدنيا، فلا يعرفون، كذلك يذكرهم بسخريتهم من المؤمنين وضحكهم عليهم. أنظر للآية وما بعدها لتفهم النص المكرم.

وهناك آيات تؤكد أن ضلالهم هو ضلال طريق مادي وليس ضلال فكري، فالأشقى سيضل الطريق أيضاً بأن يجعل الجنة بجانبه وهو يظن أنه ملاقيها، بل سيصلى النار.

{ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى }  [الأعلى: 11].

{ لَا يَصْلَىٰهَا إِلَّا الْأَشْقَى }  [الليل: 15].

أما الآية المكرمة:

{ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَىٰهَا }  [الشمس: 12].

قد بين القرآن بأن ذابح ناقة صالح هو الأشقى، وذلك لأنه جبار كما رأينا في كلام عيسى بالأعلى، فلأنه جبار، فيصبح شقياً، حياته شاقة مليئة بالرعب والخوف، خالية من الرضى والسرور، لأنه لا يستطيع الوصول إلى أهدافه غير المعقولة إلا بشق النفس الشديد.

الخلاصة:

إن الشقاء هو الوصول إلى الهدف بصعوبة شديدة، وأن هذا نعت يطلق على أهل القيامة، حيث يصل بعضهم بيسر وسهولة إلى المحشر، بينما هناك من يصل بعد وقت طويل وتعب شديد، وهو الشقي منهم، وهناك الأشقى وهو أكثر وقتاً والأكثر تعباً.

عنت في القرآن المكرم

عنت لغة:

أصل يدل على مشقة ولا يدل على صحة وسهولة. ويرى الخليل أن العنت هو المشقة تدخل على اللسان. وعنِت فلان أي لقي مشقة. وتعنت فلان فلانا أي سأله عن شيء فيه مشقة ولبس عليه. ويرى ابن دريد أن العنت هو العسف والحمل على المكروه. ويرى الزجاج أن العنت هو المشقة الشديدة. ويرى المبرد أن العند هو الهلاك. والعنوت هو الحز الذي في القوس تُدخل فيه حلقة رأس الوتر. وعنِت العظم أي وهي وانكسر. وعنِتت يده ورجله أي انكسرت. وعنت الدابة أي حملت ما لا تحتمل فظلعت ([2])

 

العنت في القرآن

العنت هو التشدد على البشر، بكثرة المصائب والكوارث وصعوبات الحياة وشقائها، على من يخالف أمر الله فيعاند ويفسق ويضل.

ففي هذه الآية المكرمة

{ فِي الدُّنْيَا وَالْءَاخِرَةِ وَيَسْءَلُونَكَ عَنِ الْيَتَٰمَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }  [البقرة: 220].

فلو شاء المولى لأعنتكم، أي لجعل حياتكم في صعوبة وضنك، بسبب ما يفعله بعضكم مع اليتامى، فالحذر الشديد من العبث مع الأيتام حتى لا يجعل الله حياتكم في عنت أي مشقة وشدة.

وفي الآية:

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْءَايَٰتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }  [آل عمران: 118].

قال فيها أهل التراث أقوالاً منها: قول إسماعيل السدي الذي يرى أن ما عنتم أي ما ضللتم. ويرى مقاتل بن سليمان المعنى ما أثمتم لدينكم. ويرى مقاتل بن حيان أنه هؤلاء ودوا ما عنت المؤمنون في دينهم. ويرى بن جريج أن المقصد أنهم يودون أن تعنتوا في دينكم ([3])

ولو أن القوم أكملوا قراءة الآيات من السورة، لتبين لهم المقصد، فهؤلاء المنافقون اليهود يتمنون أن تكون حياة المؤمنين صعبة، لهذا شرح المعنى في النصوص التالية وبين حالتهم النفسية فقال:

﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾ [آل عمران: 120] 

فالقوم يتمنون عنت الحياة على المؤمنين، من شدة الغيظ، فإذا مس المؤمنين العنت فرحوا، فإن مسهم الخير ماتوا من الغيظ.

وفي الآية:

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَٰتِ الْمُؤْمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ الْمُؤْمِنَٰتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُم بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَٰتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }  [النساء: 25].

أي لمن لا يرغب بالتعنت أي الشدة على النفس ولا يريد الصبر فعليه الزواج من الفتيات الجاريات، فإن وجد الصبر سهلاً يسيراً فعليه بالصبر لحين توفر الظروف للزواج من المحصنة، فالحرمان الجنسي هو عنت أي شدة على النفس لا يطيقها إلا من صبر، فإن صبر صار الأمر ليس عنتاً بل أمر عادي عنده.

وفي الآيتين:

{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }  [التوبة: 128].

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّٰشِدُونَ }  [الحجرات: 7].

فأرجح أن المقصد بالعنت هو التشدد الذي ينزله الله على من ينافق أو يتخاذل أو يخالف أمر الله ويتمثل هذا التشديد (العنت) في شدة الحياة وصعوبتها وشقائها، كعقاب لهؤلاء المتخاذلين الذين لا يأخذون الأمر بقوة ويقولون ما لا يفعلون.

الخلاصة:

العنت هو الشعور الذي يشعر به الإنسان، نتيجة كوارث أو مصائب أو أمر مخالف لخلقته وطبيعته.

خلاصة المبحث:

يتضح لنا أن الشقاء هو صعوبة الوصول إلى الأهداف، سواء بطول الوقت المستغرق أو بالجهد المبذول، وقد يزيد الشعور بالشقاء، على من لم يكن جلِداً، فيتضاعف لديه الإحساس بالصعوبة.

أما العنت فهو ذلك الشعور الذي يظهر مع صعوبة الحياة ومشاكلها، وكلما زادت قوة الشقاء أي صعوبة الوصول إلى الهدف، كلما زاد الشقاء فزاد العنت، أي زاد الشعور بقسوة الحياة وصعوبتها.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])  «مقاييس اللغة» (3/ 202) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 1157)

([2]) «مقاييس اللغة» (4/ 150) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1537)

([3]) «موسوعة التفسير المأثور» (5/ 477)


ali
ali
تعليقات