الاطمئنان في القرآن المكرم
طمن في اللغة
طامنت منه أي سكنت. وأطمأن الرجل أي سكن.
والطمن هو الساكن. وأطمأن إلى كذا أي سكن إليه ووثق به. وذهب سيبويه إلى أن اطمأن
مقلوب من طأمن. وطمأن من الأمر أي سكن. وطمأن الشيء أي سكّنه. والطمأنة أي
الاطمئنان. والمِطمئنُ أي المستوطن في الأرض. واطمأنت الأرض أي انخفضت. وأرض
مطمئنة أي منخفضة. وفيه تطامن أي سكون ووقار. وطمأن ظهره وطأمنه أي خفضه وحناه ([1])
طمن في القرآن
ورد هذا الجذر قليلاً، فقد تكرر 13 مرة،
في 12 آية، في 11 سورة. والشكر لله أن هذا الجذر واضح لا غموض فيه، فهو عكس التقلب
وعكس الاضطراب، فإذا استقر الشيء بعد تقلب وبعد اضطراب وحركة، فقد اطمئن.
اطمئنان القلب:
{ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ
بِهِ قُلُوبُكُمْ} [الأنفال: 10].
{ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ }
[الرعد: 28].
{ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَٰنِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَٰنِ} [النحل: 106].
أكثر ما ورد في القرآن هو اطمئنان القلب،
فبعد اضطرابه وتقلبه لأنه يقلب الأمور في كل اتجاه، لكنه مع الإيمان يطمئن قلبه، فيقترب
من السكون بعد اضطراب. وحركة القلب سببها: الحيرة والخوف والقلق والمشاعر السلبية.
وهو رأي كثير من أهل التراث فالاطمئنان هو سكينة القلب ([2])
القرية آمنة مطمئنة:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ
ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا} [النحل: 112].
يتحدث القرآن عن بعض القرى الآمنة أي
الدول المستقرة، فلا خطر عليها من غزو خارجي، ومطمئنة أي لا كوارث فيها من زلازل
أو براكين أو عواصف، فأهلها قد سكنوا واستقروا فيها.
الملائكة مطمئنة:
{ قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَٰئِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم} [الإسراء: 95].
هذا يؤكد أنه لا توجد ملائكة في الأرض
تمشي مطمئنة، إلا للحظات فقط كما بينت قصة ضيف إبراهيم، لكنهم طير يطيرون في
السماء فهم يسكنون السماء.
لماذا قال النص يمشون مطمئنين؟
عند دراستنا للمشي تبين أنه أنواع كثيرة،
فهناك المشي السريع وهناك التهادي وهو المشي الضعيف وهناك التفيد وهو المشي بخيلاء،
والمرأة بدحت أي مشيت مشية حسنة. والقميثل هو المشي القبيح. والوظف هو المشي باهتزاز.
والهرع هو المشي المضطرب السريع.
وهكذا، فالقرآن يؤكد أن الملائكة لو كانت
على الأرض لمشت ولكانت مشيتها مطمئنة، أي فيها سكينة ووقار يليق بها وبطبيعتها،
فهي لا تخاف ولا تخشى، فلا يوجد أحدٌ يملك قوتها على ظهر الأرض. ومع كل هذا كانوا
سيحتاجون إلى رسل يرشدونهم لبعدهم عن مناطق الوحي المباشرة.
الطمأنينة بعد الرحلة
{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوٰةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا
وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا
الصَّلَوٰةَ إِنَّ الصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَٰبًا مَّوْقُوتًا
} [النساء: 103].
تتحدث هذه الآية وما قبلها وما بعدها، عن
رحلة وحركة المؤمنين لنشر الدعوة، في وقت حرج شديد الخطورة، فإذا اطمئن المؤمنون
أي نزلوا عن رواحلهم واستقروا وثبتوا في مكانهم فيمكنهم الصلاة، بعد الاطمئنان في
الأرض، ولن يصلوا إلى درجة السكن التام إلا في مساكنهم في بلدانهم.
الرتابة تؤدي إلى الاطمئنان
{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ
هُمْ عَنْ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ } [يونس:
7].
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ
انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ} [الحج: 11].
الاطمئنان في هذه الآية معنوي، فقد
استقرت أنفسهم وسكنت للحياة، ولم تعتبرها رحلة سفر، فلا ترغب في الانتقال عنها
والاستعداد للدار الآخرة. وهذا على عكس الآية الثانية التي تبين أنه لو نال بعضهم
الخير اطمئن به، أي استقرت نفسه وكادت
النفس المطمئنة:
{ يَٰأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
} [الفجر: 27].
شرحنا هذه الآية عدة مرات، ونقول هنا
أنها تتكلم عن الإنسان المؤمن، الذي سار على الصراط المستقيم، واستقر في جنات
مؤقتة إلى حين الحساب، فهو في أرض ثابتة ساكنة، بينما الآخرون ففي أرض مضطربة.
وقد يكون المقصد اطمئنان القلب، فهو شبه ساكن
مستقر، لأن الملائكة تبشر تلك النفس بالجنة، لهذا لا يكترث ذلك المؤمن لكوارث
الأرض في ذلك الزمن.
{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَٰئِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت: 30].
الخلاصة:
أن الطمأنينة هي حالة الاستقرار التي
تأتي بعد اضطراب وحركة، وهي قريبة من السكينة، لكن السكينة حركة صفرية، بينما
الاطمئنان فيه بقايا حركة، فإذا كانت الحركة في القلب نتيجة اضطراب بسبب الحيرة أو
الخوف أو أي مشاعر أخرى، فإن اطمئنان القلب هنا معنوي وهو استقراره بعد اضطرابه
وتقلبه.
وإذا كانت الحركة مكانية، مثل تقلب الناس
وتنقلهم، فإن الاطمئنان هنا هو قريب من السكون، لكن الحركة مازالت مستمرة وإن بدت تخفت
وتقترب من التوقف دون أن يحدث التوقف فعلاً.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك