الملأ
لغة:
ملا الرجل أي صار مليئاً أي ثقة عند
الناس. والملأ أشراف الناس ورؤسائهم والذين يرجع إلى قولهم. وأملأ جمع ملأ. وأطلق عليهم الملأ لأنهم ملاؤا بالرأي والغنى.
وتمالأوا على الأمر إذا اجتمع رأيهم عليه. ولما طُعن عمر بن الخطاب قال: أكان هذا
عن ملإ منكم. أي أكان هذا عن تشاور من أشرافكم. وقد سخر أحد المقاتلين والمرجح أنه
منافق، من مقتلة قريش في بدر فقال: ما قتلنا إلا عجائز صلعاً. فرد عليه الرسول:
أولئك الملأ من قريش لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك. أي هم أهل الشرف والرأي وجمع
الكلمة.
وفي حديث: أحسنوا الملأ فكلكم سيروي. أي
أحسنوا الخلق والعشر. وتملأت من الطعام وتمليت العيش ملياً أي طويلاً. والملأ هم
الجماعة عموماً. والملأ هو الطمع والظن. والملأ هم القوم ذوو الشارة والتجمع. وما
أحسن ملأ بني فلان، أي ما أحسن أخلاقهم وعشرتهم. والمليء هو المقتدر الغني. وشاب
ماليء العين أي كان فخماً حسناً. وفي حديث: إذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع. أي
لو أراد أحدكم أن يتبع شخصاً فليتبع الثقة الغني. والملأة هي الإزار. وفي حديث
الاستسقاء: فرأيت ملأ دماغه. أي أثاره وهيجه وألقى في ذهنه فكرة أو عزماً. وملأ
عينه أي سره. ومالأته على الأمر أي ساعدته عليه وظاهرته وشايعته ([1])
الملأ
في القرآن
ورد لفظ الملأ في القرآن ثلاثين مرة. ومن
خلال تلك النصوص يظهر لنا أن الملأ هم النخبة المقربة من الحاكم والسلطان،
يستشيرهم فهم الهيئة الاستشارية، كذلك ينفذون أوامره مباشرة بدون وسيط، فهم
مستشارون وهم منفذون لأوامره المباشرة لهم.
ما
الفرق بين الملأ وبين أولي الأمر؟
هناك فرق بين أولي الأمر وبين الملأ
فالملأ هم الهيئة الاستشارية للحاكم والمنفذة لأوامره المباشرة، بينما أولي الأمر
فهم رؤساء الجماعات، والعشائر، والقبائل، والأحزاب. وقد يكون أحدهم من الهيئة
الاستشارية للحاكم، ومن الموظفين الذين عنده الذين يقومون بأعمال مباشرة بدون
وسطاء، فحينها يكون من أولي الأمر ومن الملأ.
الملأ
موظفون فقط:
ويبين القرآن أن في الملأ من البشر، من
هو كافر ومن هو غير كافر، فالملأ ليس عيباً بذاتهم، بل بموقفهم من الحق ونصرته،
وإن كان في غالبهم يحرصون على كتم الحق الجديد لأن مصالحهم تتضرر.
{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِن قَوْمِهِ} [الأعراف: 66].
والكفر كما سوف نشرح هو محاربة الدين
الحق ومحاولة تغطيته، وكتمه وتشويه سمعة حامليه، فهناك منهم من يحارب الفكر الجديد
محاربة فكرية، وقد يحمل بعضهم السلاح إذا كان على وظيفة تنفيذية، فقد دلت الآيات
على أنهم هيئة استشارية وقد يكونون أيضاً من ضمن الحكومة كقائد الجيش ووزير
المالية وهو أمر مرجح.
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ
أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ
قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ
} [الأعراف: 127].
فهم يوجهون الحاكم إلى خطورة أهل الدين
الجديد وذلك بأنهم سبب في الفساد في الأرض أي سبب في الخراب السياسي للدولة، وسبب
في تفرق الناس عن دين الدولة.
ملكة
سبأ تستشير الملأ
{ قَالَتْ يَٰأَيُّهَا الْمَلَؤُا أَفْتُونِي
فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } [النمل: 32].
ملك
مصر يستشر الملأ في رؤياه:
{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ
سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ يَٰأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيَٰيَ إِن كُنتُمْ
لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43].
الملأ
مجرمون:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ بِءَايَٰتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا
قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [يونس: 75].
وشرحنا سابقاً في المعجم القرآني معنى
مجرم وبينا أنه الذي يشرعن للفجور ويحرض على الظلم والاعتداء ويدفع العامة والسلطة
إلى الظلم والبطش، وهذه صفات الملأ فهم لا يقتلون ويعتدون بأنفسهم، بل بالتحريض
والفتوى، فيبدو أن ملأ فرعون كان هيئة استشارية في غالبه.
وهذه الآيات ضمن تحريضاتهم وتهديداتهم
وفتاويهم:
{إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ } [الأعراف: 60].
{إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَٰذِبِينَ
} [الأعراف: 66].
{أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } [الأعراف: 75].
{لَنُخْرِجَنَّكَ يَٰشُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَٰرِهِينَ } [الأعراف: 88].
{لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَٰسِرُونَ
} [الأعراف: 90].
{إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٌ }
[الأعراف: 109].
{مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا
الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}
[هود: 27].
{مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24].
{مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ
مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} [المؤمنون:
33].
ملأ
سليمان:
{ قَالَ يَٰأَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [النمل: 38].
وقد طلب سليمان من الملأ أن يحضر له عرش
ملكة سبأ، وهذا الملأ ليس ملأ بشري فقط، بل مكون من الجن والملائكة، وقد تسابق
اثنان منهم في سرعة جلب عرش بلقيس.
هل
الملأ خليط؟
من الواضح أن الملأ خليط من أجناس
مختلفة، أو وظائف متنوعة، فملأ سليمان كان خليطاً من البشر والجن والملائكة. وكذلك
كان ملأ فرعون خليط من أقوام مختلفين فقد كان فرعون يحكم عدة مدن، فاحتاج إلى مجلس
استشاري، من وزراء وعسكر ورجال دين.
معنى
الملائكة؟
لو نظرنا إلى لفظة الملائكة، سنجد أنها
جاءت من لفظة مركبة من ملأ ومن كه. وكه كما تقول المعاجم، قد تكون
من كهل والتي تعني الهرمون. وهذا صحيح في الملائكة فهم لا يموتون، بل خالدون كما
تقول الآيات. وهذا يعني أن ملائكة تعني الملأ الخالدون الذين لا يموتون.
وقد يكون معنى كه من كهن، أي الذي يعرف
أخبار الغيب، لأن الله يطلعهم على الغيب فهم ملأ يحملون صفة الملأ، وهم كه أي فيهم
صفة الكهانة وهي معرفة الغيب. ولهذا سماهم القرآن الملأ الأعلى، لأنهم يسكنون في
السماء العليا ([2]) أو الملأ الأعلى الذي هو أكثر قوة وقدرة كما سوف نشرح في معنى
الأعلى في مقال آخر.
{ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ
وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } [الصافات:
8].
{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ
إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ص: 69].
فإذا صح تصورنا أن الملائكة هي كلمة
مركبة من جذرين هما ملأ وكه، اقتربنا من معرفة معنى الملأ بحول الله قوته. وقد
يستغرب البعض كيف كان البشر يعرفون أن الملائكة هم الملأ الخالدون، فنقول إن
الآيات تشير بشكل واضح أن الملائكة كانوا هم رسل الله المباشرين للبشر، كما أشار
إلى ذلك قوم نوحٍ ومن تلاهم من أقوام.
{مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰئِكَةً مَّا سَمِعْنَا
بِهَٰذَا فِي ءَابَائِنَا الْأَوَّلِينَ }
[المؤمنون: 24].
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ
مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا}
[هود: 27].
{مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ
مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33].
حتى ظهر آدم، فبعدها تولى البشر أمرهم
بأنفسهم بمشيئة الله وإرادته، بعد أن تطور العقل البشري كثيراً وظهر آدم الذي نُفخ
فيه، بل صار لديهم من العلم والقدرة على التعلم ما يفوق ذلك الملأ الأعلى الذي هم
الملأ - كه أو ملأ - كهن، وقد شرحنا ذلك في مفردة قدس في المعجم القرآني.
أو قد يكون السبب في انقطاع الرسل من
الملائكة، أن البشر دائماً يؤلهونهم لما فيهم من صفات عجيبة وغريبة وهائلة، فكان
لزاماً أن يصبح الرسول من البشر، لعلهم لا يؤلهون الرسل، ومع هذا نجد من بيننا من
يعبد بشري مثله، يأكل الطعم ويمشي في الأسواق.
هل
كان إبليس من الملأ الأعلى؟
ﵟمَا كَانَ
لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ
إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ ٦٩ إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ
مُّبِينٌ ٧٠ إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن
طِينٖ ٧١ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ
سَٰجِدِينَ ٧٢ فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ ٧٣ إِلَّآ
إِبۡلِيسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧٤ قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا
مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ
ٱلۡعَالِينَ ٧٥ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ
مِن طِينٖﵞ [ص: 69-76]
فهذا الجزء من القرآن يخبرنا أن الملأ
الأعلى كان عبارة عن ملائكة وإبليس وربما معهم كائنات أخرى لا نعلمها، فخلق المولى
آدم وأمرهم بالسجود له، فحدث الخصام بين الملائكة وإبليس، وربما تأثر الملائكة
برأي إبليس، لكنهم سجدوا على أية حال استجابة لأمر الله، بينما رفض إبليس السجود، فالأمر
وجه إلى كل الملأ الأعلى، الملائكة وإبليس وربما غيرهم.
ولهذا عندما أخبرهم المولى بعد ذلك أنه
سيجعل آدم خليفة في الأرض أي حاكماً لمنطقة واسعة وهي منطقة الحجاز وما جاورها،
اعترضوا بحجة أن هذا الكائن يسفك الدماء ويفسد في الأرض السياسية، ومن المحتمل
أنهم تأثروا باعتراض إبليس، فبعد أن أمرهم المولى بالسجود لآدم، وهو أمر غريب
بالنسبة لهم، فهم متفوقون عليه خلقاً وخُلقاً، ومع هذا سجدوا ثم يأتي ليخبرهم، الكريم
العظيم الحليم، أنه سيكون هو الحاكم لأرض كبيرة المساحة.
وهذا ما كانوا يكتمونه، أي تأثرهم بما
قاله إبليس من اعتراض، فعندما تبين لهم أن آدم أعلم منهم اقتنعوا بأمر الله ولم
يعد هناك تحفظ ضده، وذلك لطبيعة الملائكة الطاهرة.
وبهذا فإننا نرجح أن إبليس كان من
الملائكة أي كان من الكائنات التي تحولت إلى ملأ-كه أي الملأ الخالدون، رغم أن
أصله كان من الجن أي مادة صنعه، لكن المولى حوله إلى ملك، ولكن بقيت فيه أفكار
الجن وتصرفاتهم، وفي التراث يزعمون أنه أكثر من يعبد الله، وكان قاضياً ينزل من
السماء يقضي بين الجن ([3]) لهذا سأل الله أن يمهله وينظره، وهذا يعني أنه من الأساس هو خالدٌ،
فلو كان يموت مثل بقية الجن والإنس، لسأل الله أن يفعل فيه فعل الجعل أي يحوله إلى
ملك أو كائن لا يموت{وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلًا}([4]) لكنه طلب فقط أن ينظره ويتركه في حاله التي هو عليها أي صفة الخلود،
نعم زالت عنه صفة الملائكية لكن بقيت فيه صفة الخلود، فلم يعد من الملأ الأعلى.
ولهذا نقول إن الملائكة أساساً وظيفة
ترقى إليها بعض الكائنات من الإنس والجن وربما غيرهم، فهم الملأ الأعلى الخالدون
أو العالمون بالغيب، وهم كذلك فعلاً فهم خالدون وهم عالمون بالغيب على قدر ما
يخبرهم الله به، من أمور غيبية لا يعرفها سكان الأرض.
وفي كل القرآن لا نجد أن المولى قال إنه
خلق الملائكة، بل يستخدم الجذر جعل
ﵟوَلَوۡ
نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰٓئِكَةٗﵞ [الزخرف: 60]
ﵟجَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ
رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ ﵞ [فاطر: 1]
وفي الآيتين المبجلتين:
ﵟأَمۡ
خَلَقۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِنَٰثٗا وَهُمۡ شَٰهِدُونَﵞ [الصافات: 150]
ﵟوَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ
ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚﵞ [الزخرف: 19]
لا يقصد أن الملائكة يُخلقون، بل يقصد أن
بداية وأصل خلقهم كانت إناثاً من البشر أو من غيرهم، ثم حولهم المولى إلى ملائكة،
فلهذا هم ملائكة إناث كما يتصور الكفار، ويبين لهم المولى في كل الآيات أن
الملائكة ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، فقد تحولوا إلى شيء جديد بالجعل.
وقد يحدث العكس فيحول المولى الملائكة
إلى بشر بالجعل، فلو تحول النبي إلى ملك، ثم أنزله الله إلى الأرض لحوله إلى بشري
من جديد على صفة الذكورة وليست الأنوثة، ولكان مثلهم تماماً، يحتاج إلى ما يستور أعضاءه
الجنسية بالملابس.
{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَٰهُ
رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9].
هل تحول عيسى وإدريس
إلى ملائكة؟
ﵟلَّن
يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ
ٱلۡمُقَرَّبُونَۚﵞ [النساء: 172]
ﵟقَالَ ٱللَّهُ
يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﵞ [آل عمران: 55]
ﵟبَل رَّفَعَهُ
ٱللَّهُ إِلَيۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗاﵞ [النساء: 158]
ﵟوَرَفَعۡنَٰهُ
مَكَانًا عَلِيًّا ﵞ [مريم: 57]
في هذه الآيات المبجلات، يرد فعل الرفع في
عيسى وإدريس، فهل تحول هذان الكريمان إلى الملائكية كغيرهم ممن تحولوا؟
وراد جداً وربما يكون بعض الأنبياء كذلك
مثل يحيى وإدريس، والتراث يشير إلى ذلك فيزعمون أن عيسى لم يمت وأنه صعد إلى
السماء، وأنه سيعود ليقتل المسيح الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير. ولا يهمنا في
هذا الخبر إلا أن القوم يقرون بصعوده إلى السماء.
ولو صح أن معنى الرفع هو الصعود إلى
السماء، فهذا يعني أنه قد تحول إلى ملك من الملائكة، لأن السماء كما يتبين لنا وفق
معلوماتنا الحالية لا تصلح للحياة البشرية، بل إن الصعود للأعلى مميت للبشر لعدم
وجود هواء، والملائكة لا تحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من هواء وطعام وماء.
فبهذا يكون صعود عيسى ورفعه هو تحول إلى
الملائكية مثل غيره من الملائكة، ونستبعد أنه سيعود في الأرض آخر الزمان، لأن
الحوار الذي دار مع الله يوم القيامة يؤكد أنه لم يعد يعرف شيئاً عن الأرض ﵟوَكُنتُ
عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ
ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ ﵞ ([5])
وقد شرحنا معنى التوفية وأنها لا تعني
الموت مطلقاً، بل تعني الوعد باللقاء، فقد لقاه الله ووفى له ما وعده به ولا نعلم
ما هو، وربما يكون التحول إلى الملائكية.
والطبري يروي أن الرسول إلياس قد تم تحويله إلى كائن ملائكي فصار لا يشتهي الطعام
والشراب وصار له ريش وألبسه الله النور، ثم يقول عنه: " فكان إنْسِيًّا مَلَكيًّا،
أرضيًّا سماويًّا" ([6])
وفي القرآن ذُكر إلياس مرتين فقط، مرة مع
عيسى ويحيى وزكريا،{ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّٰلِحِينَ
} ([7]) ونحن نعلم أن يحيى لم يمت بعد كما تقول الآيات ﵟوَسَلَٰمٌ
عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗاﵞ ([8]) كذلك عيسى بن مريم يقول
عن نفسه {وَالسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ
حَيًّا }([9])
فنرجح أن هؤلاء الأربعة قد تحولوا إلى
الملائكية. كذلك إدريس الذي رُفع إلى السماء كما ذكرنا سابقاً.
وعند أهل الكتاب هناك نبي اسمه اخنوخ صعد إلى السماء ولم يذق الموت ([10])
وقد زعم المسلمون أنه نفسه النبي إدريس ولا ندري صحة هذا الأمر، لكن النبي إدريس
ذُكر أنه رُفع، مثل عيسى، ومثل اخنوخ وما يهمنا أن الأمر ليس بمستحيل وقد ورد في
كتب التراث وكتب أهل الكتاب.
مادة
صنع الملائكة مجهولة:
والذي يؤكد أن الملائكية هي ترقية أو
تحول لكائن من الكائنات، أننا لا نعلم مادة صنعهم فقد عرفنا أن الجن خلقوا من نار،
وأن البشر خلقوا من طين، ولكن الملائكة، لم يرد في القرآن أي خبر عن مادة خلقهم، نعم
هناك أخبار عن كونهم من نور، وهذا فيه تشبيه بالله فالله نور والملائكة نور، مما
يشي أنه تقليد للنصارى واليهود، ونظريات أفلوطين
فالحقيقة أن الملائكة لم يخلقوا من الأساس،
بل تحولوا من كائن بشري أو جني أو غيرهما، إلى الملائكية، وقد شرحنا أن مادة تكوين
الملائكة بعد تحولهم إلى الملائكية مجهولة ينعتها القرآن بأنها جسد بينما ينعت
هيكل الإنسان بأنه جسم، ولعل جسد من التجسد فتلك المادة التي تحولوا إليها، لديها
قدرة كبيرة على التجسد أي التشكل حيث يشاء الملك.
الخلاصة:
أن الملأ هو المجلس الاستشاري، والمجلس
المقرب من الحاكم والسلطان، الذي يتلقى أوامره من السلطان مباشرة بدون وسيط،
فينفذها إذا كان في موضع السلطة التنفيذية. والملائكة هم الملأ الأعلى أي الهيئة
الاستشارية والتنفيذية. وهم كائنات تحولت إلى الملائكية، من البشر والجن وربما
غيرهم أيضاً. فهم لا يُخلقون، بل يتحولون من طبيعتهم السابقة إلى الملائكية، وتسمى
هياكلهم بالجسد، وقد يكون عيسى وإدريس وإلياس ويحيى من هؤلاء، وعيسى قد انقطع عن
الأرض ولا صلة له بها، ولن يعود إليها.
وإبليس كان من الملائكة كوظيفة وترقية،
وكان من الجن في أصل خلقه، ثم لما عصى زالت عنه الملائكية فلم يعد من الملأ
الأعلى، ولكن بقيت فيه صفة الخلود أو الحياة الطويلة جداً، بناء على طلبه من الله
العظيم، حتى يكمل شره على كل البشر وهو الوسوسة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
([1]) «الصحاح
تاج اللغة وصحاح العربية» (1/ 73) «الغريبين في القرآن والحديث» (6/ 1769) «الغريبين
في القرآن والحديث» (6/ 1770) «النهاية في غريب الحديث والأثر» (4/ 351) «مجمع بحار
الأنوار» (4/ 604) «تاج العروس من جواهر القاموس» (1/ 435) «تكملة المعاجم العربية»
(10/ 98) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 2111)
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك