أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

هاروت وماروت في القرآن

 



هاروت وماروت في القرآن

هاروت وماروت في اللغة:

هرو لم يوضع على قياس، وأصول الكلمة متباينة. وهروته بالهراوة أي ضربته بها. وهريت العمامة أي صفّرتها. والهرو لا أصل له في العربية عند العلماء، باستثناء أحدهم الذي قال: هروت اللحم أي أنضجته. والهُراء هو المنطق الفاسد. وتهرأ اللحم أي طبخ حتى يتساقط عن العظم. وهرأهُ البرد أي أصابته شدته. والهرت هو سعة الشدق. والهريت هي المرأة المُفضاةُ. وهاروت اسم ملك من الملائكة وهو اسم أعجمي عند بعضهم لأنه ممنوع من الصرف ولو كان من الهرت لانصرف.

 ومرى الناقة مرياً أي مسح ضرعها لتدر. وأمرت الناقة أي در لبنها، والمرية ما يحلب منها. ومرى الشيء استخرجه. ومريت الفرس أي استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره. ومراه حقه أي جحده.

وماروت اسم أعجمي وهو رفيق هاروت. وقيل من المرت ويعني الكسر، أو من المروتة وهو اسم المصدر من المرت. ويرى الصاغاني أنه أعجمي لأنه ممنوع من الصرف، ولو كان من المرت لانصرف. والمرمريت هو الداهية. ومرت الخبُز أي مردته. ومارت شهر من الشهور الرومية ([1])

هاروت وماروت عند أهل التراث:

 

قصة هاروت وماروت:

تعجبت الملائكة من ظلم بني آدم فأشار إليهم المولى أن يختاروا ملكين منهم، ينزلان إلى الأرض مع بني آدم، فتصدر هاروت وماروت، فنزلا وحكما بين الناس بالعدل. فنزلت عليهما الزهرة في صورة امرأة، في خصام، فحكما ضدها، فلما ولت شعر كل واحد منها بشيء في قلبه، فناداها من جديد وحكما لها، لما أثارته فيهما من شهوة. ثم حاولا العروج إلى السماء فلم يستطيعا، فجاءا إلى رجل صالح من البشر لكي يدعو لهما فدعا لهما، فخيرا بين عذاب الدنيا أو الآخرة، فاختارا الدنيا. فكان عذابهما أنهما معلقان في الحديد في مدينة بابل ([2])

رأي أهل التراث في السحر والتفريق:

يرى مجاهد بن جبر أن السحر مصدره الشياطين، بينما التفريق بين المرء وزوجه فهو من عمل هاروت وماروت، ويرى قتادة مثل رأي مجاهد. وسأل أحدهم القاسم بن محمد عن الملكين هل يعلمان ما أنزل عليهما أم ما لم يُنزل عليهما؟ فقال: لا أبالي.

ويرى خالد بن أبي عمران أن الملائكة منزهة عن هذا العمل، وأن الصحيح أنه لم ينزل عليهما شيء. أما إسماعيل السدي فيرى أن الإنس يتعلمون من الملكين هذا التفريق بالسر وعن طريق سماع الملائكة تتكلم فيما بينها.

ويرى الربيع بن أنس أن الله لم ينزل على الملكين السحر. بينما يرى مقاتل بن سليمان أنه فعلاً اتبع الكفار ما أُنزل على الملكين، كما اتبعوا الشياطين لتعلم السحر. ويرى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن الملائكة والشياطين يعلمون الناس السحر فعلاً.

 ويقرأ ابن عباس والحسن البصري ويحيى بن أبي كثير الملِكين وليس الملَكين أي هما رجلان كانا في بابل، ويقول الحسن أنهما علجان، لأن الملائكة لا يعلمون، كذلك اتفق معه الضحاك بن مزاحم، والعلج هو غير العربي من الروم وأشباههم.

بل أضاف عبد الرحمن بن أبزي من عنده كلمات ليؤكد أنهما بشريان وليس ملكان فقرأ الآية هكذا (ومَآ أُنزِلَ عَلى المَلِكَيْنِ داوُدَ وسُلَيْمانَ) أي يرى أن هاروت وماروت هما داود وسليمان. وانضم علي بن أبي طالب إلى الفريق الذي يقول إنهما ملكان من السماء، كذلك اتفق معهم مقاتل بن سليمان.

 وحدد عطية العوفي شخصيتا هاروت وماروت فهما جبريل وميكائيل، كذلك اتفق معه عبد الله بن عباس فهما جبريل وميكائيل. وذهب محمد الباقر إلى أن السِجل هو ملك من الملائكة وأن هاروت وماروت من أعوانه ([3])

 وهناك رواية أن امرأة يهودية ذهبت إلى بابل للتعلم السحر، فنصحها الملكان هاروت وماروت بألا تكفر، لكنها أصرت فأمراها أن تبول الرماد فاستجابت لهما، فخرج من فرجها فارس إلى السماء، فلما عادت إليهما سألتهما عن الفارس، فقالا لها ذلك هو إيمانك. ثم قالت كيف أعمل للسحر. قالا: تخيلي فقط ويكون ما تتخيلين ([4])

هاروت وماروت في الثقافة الزرادشتية:

لاحظ اللغويون العرب أعجمية اسم الملكين هاروت وماروت، واقترح المستشرق الألماني بول دي لاغارد صلتهما بالمَلَكين هاروتات (Haruvatāt) وأميريتات (Ameretāt) في الديانة الزرادشتية، ولاحقاً توصل كلير تيسدال لنفس الاستنتاج، ثم تلقى المجتمع العلمي ذلك بقبول واسع، في حين يرفض المسلمون هذه العلاقة لاختلاف قصة وأدوار الملكين القرآنيين عن الدين الزرادشتي واختلاف موضع القصة القرآنية (في بابل) ([5]) وصار اسمهما حاليا في الفارسية خرداد ومرداد. وهاروتات عند الزرادشتية هو مظهر الكمال الإلهي وموكل بالمياه. أما أمرتات فهو رمز السرمدية وحارس النبات ([6])

هاروت وماروت في القرآن:

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَٰنُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَٰطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَىٰهُ مَا لَهُ فِي الْءَاخِرَةِ مِنْ خَلَٰقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }  [البقرة: 102].

لم يُذكر هذان الجذران أو اللقبان إلا في هذا الموضع، فإذا صح أنهما ملَكان من الملائكة وهذا ما تؤكده حركة الفتح في حرف اللام، فهما ملَكان يعيشان في الأرض وهذا ليس بمستحيل، بل يعيشان على هيئة بشر ويلبسان مثل البشر ﴿وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكࣰا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلࣰا وَلَلَبَسۡنَا عَلَیۡهِم مَّا یَلۡبِسُونَ ﴾ ([7]) وقد يكونان من البشر الذين تحولوا إلى الملائكية ﴿وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَٰۤئِكَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَخۡلُفُونَ ﴾ ([8]) فمن المؤكد أنهما ملكان على صورة بشرية ويرتدون الملابس.

ونرجح أنهما اسمان يهوديان، مثل طالوت وطاغوت وجالوت، وقد شرحنا في جذر (اسم) أنها تسميات بشرية وليست حقيقية، ولم يجادل القرآن في ذلك مثل جبريل الذي ليس له اسم وإنما وظيفة وهي الروح الأمين، وميكال الذي ربما له علاقة بالمكاييل، فهو المسؤول عن نزول المطر بمقدار.

فحتى لو كانت أسماء يهودية فهي في الأخير عربية، أو اشتقت من العربية القديمة، فلو عرفنا معنى هاروت وماروت، ربما استطعنا فهم وظائفهما، فالملائكة كما ذكرنا بلا نعوت مثل البشر، بل يطلق عليهم اسم وظيفتهم، كما شرحنا سابقاً.

والمعاجم العربية لم تفدنا بشيء ذا قيمة حول معاني هاروت وماروت، وربما من يعرف في علم اللغات السامية يفيدنا في فهم المعنى، وربما الكشوفات الأثرية تظهر الحقيقة.

واعتراض بعض أهل التراث كان اعتراضاً أخلاقياً، فكيف للملائكة أن تعلم الناس السحر والتفريق بين الزوجين. ولا يُعقل أن يتفرغ ملِكان بشريان للبشر يعلمونهم السحر، ثم كم سيعيشان حتى يستمرا في ذلك التعليم؟ إنهما بالتأكيد من ملائكة لا يموتون يأتيهم كل حين من يريد التعلم؟

ماذا يعلم الملكان؟

من الواضح أنهما لا يعلمان السحر، فالسحر خداع البصر فقط، وهذا ربما اختصت به الجن، وليس الملائكة، فماذا يعلمان؟

يعلمان أموراً أخرى، ولكنها سلاح ذو حدين، فلهذا يحذران المتعلم من استخدام تلك العلوم فيما هو ضار، وتلك هي الفتنة، ويبدو أن المتعلم لا يقاوم الشر، فيستخدم تلك العلوم فيما هو شر وضرر. مثل استخدامنا للسيف دفاعاً عن الحق أو لرد الحق وأهله.

وقد ذكر القرآن واحداً من تلك الأعمال وهي التفريق بين المرء وزوجه، وبين أن هناك صعوبة فليس دائماً ينجح الأمر، ولا يكون إلا إذا شاء الله للمفرق أن ينجح في عمله، ويقصد النص الكريم التقليل من شأن هذه العلوم ونتائجها وفوائدها.

ونحن نعلم أن مهام ألقاء الحب قد وُكلت إلى بعض الملائكة، مثلما حدث مع موسى الذي ألقى الله فيه الحبُ، فأحبه كل من رأه، وذلك لأن ملكاً قد أحاطه بحيث يحبه كل من يراه، فإذا كان أمر الحب بيدهم فإن أمر الكراهية بيدهم عقلاً، فمن عرف كيف يدخل الحب يعرف كيف يدخل الكراهية.

بل إن المولى قد أسس الإنسان على ذلك الحب الدائم وسماه ووصفه بالسكينة

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}([9])

{وَمِنْ ءَايَٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}([10])

فهناك تشابه وانسجام وتناغم بين الذكر والأنثى، فمن ذات النفس الواحدة خُلق الذكر والأنثى، فعلاقة الحب بين الذكر والأنثى قوية وصلبة ولها أصول وجذور عميقة في النفس قبل أن تتحور إلى ذكر وأنثى، فلهذا تأثير المفرق غالباً يكون ضعيفاً مع تلك القوى الصلبة المستندة إلى أصول حقيقية.

ولا ندري ماذا يفعل المفرق بين الزوجين، وهل يستعين بالجن بعد أن أخذ المعلومات من الملائكة؟ فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتصل المفرق بالجن مباشرة ويطلب منهم التفريق؟

يبدو أن الجن ليس لديهم تلك المعرفة الكافية، فيستعينون بالمفرق لكي يدلهم؟ أو لعل الاتصال بالجني، فن لا يعلمه إلا الملائكة ومنهم هاروت وماروت، فهذا ما يتعلمونه وهو القدرة على الاتصال بالجن.

إذا لا بد أن تلك المعلومات تجعل المفرق قادراً على التحكم بالجني المسؤول عن مهمة التفريق، فيصنع الجني أثره وقوته على المرء أو على زوجه، فيحدث النفور ثم الفراق.

وهذا الجني شيطان بكل تأكيد، حريص على حدوث الفراق والنفور، لأن زعزعة البيوت تدمير للنشء وتدمير للزوج والزوجة، وهذه من أهداف الشياطين الواضحة.

ثم تشير الآية إلى أن الشخص يتعلم من الملَكين أمور أخرى ضارة به وليست نافعة، وكذلك يعلم هذا الشخص أن عمله هذا سيكون وبالاً عليه يوم القيامة، بل يعلم أيضاً أنه يبيع نفسه مقابل أن يشتري هذا العلم.

هل هاروت وماروت خرافة؟

فسرنا الآية الكريمة على اعتبارها تحكي حقيقة، وأن هناك ملكين يعلمان الناس التفريق وأشياء أخرى، وهذا ليس بمستغرب ولا عجيب، فكثير من أمور الحياة هي اختبار لنا ويسميها القرآن ابتلاء، بل حتى الأموال والأولاد والأزواج هي اختبارات لنا، بل يصفهم بأنهم عدو، فمن الممكن أن يكون هذان الملكان من تلك الاختبارات، لفئة معينة من البشر، ممن تخوض في هذه الأمور.

فإذا كانت القصة مجرد خرافة يهودية، فإن القرآن يحكها مثل كثير من خرافاتهم التي وردت في القرآن والتي فندها القرآن مثل قصة تحريم إسرائيل على نفسه الطعام، فبين القرآن كذب ذلك.

لكننا نرجح أن الكلام هنا حقيقي، وأن هناك ملكين يعلمان التفريق وليس السحر للراغبين، وأنهما يتنقلان إلى كل عاصمة عظيمة، وأنهما ربما هما من يعرضان أنفسهما على هؤلاء، وأنهما خالدان لا يموتان، وأنهما قد يعلّمان التفريق جيداً، ولكن المفرق لا يصيب دائماً لأن التفريق علم وفن، وقد يفشل المفرق في فنه، خاصة على الرجال الأشداء، ذوي العقول القوية والإرادة الصلبة، فالنص يقول على المرء ولم يقل على الرجل، وهناك فرق بين الرجل والمرء.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])  «مقاييس اللغة» (6/ 48): «تاج العروس من جواهر القاموس» (39/ 522): «تاج العروس من جواهر القاموس» (5/ 141): «معجم اللغة العربية المعاصرة» (3/ 2061): «تاج العروس من جواهر القاموس» (5/ 94):

([2]) «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» (1/ 248)

([3])  «موسوعة التفسير المأثور» (2/ 605): وما بعدها

([4]) «كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم» (1/ 939):

([5])

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%88%D8%AA_%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%88%D8%AA

([6]) تأثر الأدباء الفرس بالأدب العربي في القرون الإسلامية الأولى الشاعر منوجهري نموذجًا للمؤلف يوسف بوجلة ص 19 

([7]) [الأنعام: 9]

([8]) [الزخرف: 60]

([9]) [الأعراف: 189].

([10]) [الروم: 21].


ali
ali
تعليقات