أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

المشي في القرآن المكرم






 




المشي في القرآن المكرم

المشي لغة:

أصلان أحدهما يدل على حركة الإنسان والآخر يدل على النماء والزيادة. فالمشاء هو النتاج الكثير ومنه سميت الماشية بذلك، ولا نرى صحة ذلك فالماشية سميت بذلك لأنها دائمة المشي في حركة عشوائية. والمرأة الماشية هي التي تكثر الانجاب.

‌‌ والعرب تطلق على المشي ألقاباً على حسب نوع المشي، فالتهادي هو المشي الضعيف، والتفيد هو المشي بخيلاء، وإذا كانت مشية المرأة حسنة قالوا: بدحت المرأة. وعكسها القميثل وهو قبيح المشية، وإذا كان مشيك سريعاً لقبوك بالخشوف. أما الوذف فهو لقب لمشية فيها اهتزاز، أما المهوذل فهوالسريع في المشي، أما الهرع فهو المشي المضطرب السريع. وهناك ألقاب أخرى لمن يرغب بالعودة إليها فعليه بالمعاجم ([1])

المشي في القرآن:

لم يذكر القرآن هذا الفعل عبثاً، فهو لغرض توضيحي مهم، وهو إظهار طبيعة الماشي، سواء كانت النفسية أو المادية، فيصف للقارئ حقيقة الماشي المادية وأحواله النفسية، وخاصة النفسية منها.

المشي في الأماكن:

ذكر القرآن المشي مع بعض الأماكن، وكان ذلك لغرض، فلم يقل ذلك من فراغ!

المشي في المساكن:

{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ }  [طه:  128].

تعبر هذه الآية عن الحالة النفسية لهؤلاء القوم، فهم يمشون في مساكنهم، أي بينها وخلالها، لما يشعرون به من طمأنينة وسكينة، فهم في أمن من غزو العدو وفي رزق وفير، لهذا كانوا يمشون في مساكنهم بلا اكتراث من قوة الاستقرار، ثم بعد ذلك حدث هلاكهم وذكرنا أن الهلاك هو الموت المفاجئ بلا مقدمات، فالقرآن يحذر الناس من الخلد إلى الأرض والاعتماد على رغد العيش، والمتمثل في التسكع في المساكن ونسيان الآخرة.

المشي في الأسواق:

{ وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}  [الفرقان:  7].

{إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}  [الفرقان:  20].

المشي في السوق هو نوع من التسوق وفيه ترفيه للنفس، فتعجب الكفار كيف يكون هؤلاء مرسلين وهم بهذه الحالة البشرية الطبيعية، فيفترض أن يكونوا بلا أي رغبات كحال الملائكة.

وفي الأسواق لا يكون التنقل إلاً مشياً، من نقطة إلى أخرى. بحركة عشوائية ولهذا قال الكفار لبعضهم عندما سمعوا الرسول وأصحابه يدعونهم للدين الجديد وينتقدون دينهم القديم {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا}([2]) وهذا يؤكد أن الدعاة كانوا يذهبون إلى الأسواق حيث تجمع كبير للناس، فقالوا اتركوا محمد يكلم نفسه وامشوا في السوق ولا تردوا عليه ولا تسمعوا له.

المشي في الناس:

{وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَٰتِ}  [الأنعام: 122].

{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد: 28].

{ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }  [القلم:  11].

المشي في الناس مثل المشي في الأسواق ومثل المشي في المساكن، أي المشي بين الشيء وخلاله، فالذي عنده نور رباني يستطيع أن يمشي به بين الناس، فيدعوهم إلى النور وما فيه من حكمة وهداية وصلاح لهم.

وعكس المؤمن السيء الذي يمشي في الناس بالنميمة، فينقلها بينهم ويكررها على مسامعهم كما يكرر المؤمن الهداية على مسامع الناس.

المشي في المناكب:

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }  [الملك:  15].

شرحنا مناكب الأرض سابقاً وقلنا هي المرتفعات، إذ يظهر فيها شجر الفواكه والمزروعات، وفي الآية هنا يدعو المولى أن نمشي في تلك المناكب حيث نقطف الثمار، ونجني المحاصيل، في حركة عشوائية بطيئة وهي المشي والتنقل بين تلك الأشجار، فهذا المشي يجعلنا نجني الثمار بسهولة، فكأن النص يقول اشكروا المولى على هذه الحياة السهلة.

مشية الحياء:

{ فَجَاءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}  [القصص:  25].

قلنا إن المشي يفضح صاحبه، وأن طريقة المشية تبين نفسية الماشي، وهذه السيدة الجليلة زوجة النبي موسى، تمشي على استحياء، فتقدم رجلاً وتأخر أخرى، حياء من موسى، ولو كانت تركض لما عرفنا نفسيتها، ولكنه المشي يفضح صاحبه.

مشية الهون والمرح:

{ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَٰهِلُونَ قَالُوا سَلَٰمًا }  [الفرقان:  63].

ولأنهم عباد الرحمن الذي أمرهم بطاعته، فإنهم يمشون في الأرض هوناً، والهون عكس المرح الذي هو مشية الخيلاء والكبر، فمشيتهم هينة لينة، لأن قلوبهم قد لانت بذكر الله، ولأنهم يريدون نشر الدين لهذا يظهرون بصورة حسنة مشرقة عن الإسلام، ولهذا عندما يتهددهم الجاهلون يردون عليهم بالسلام.

بينما مشية المرح

{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا }  [الإسراء:  37].

{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }  [لقمان:  18].

وقد شرحنا جذر مرح وبينا أنه مشية الخيلاء والكبر، وأن غرض الماشي الأساسي هو إظهار غروره وكبره، حتى لو كان يريد الوصول إلى نقطة معينة، فرغبته بإظهار الغرور ألح عليه.

المشي السوي:

{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }  [الملك:  22].

ولو نظرنا للذي يمشي ورأسه بالأسفل، عرفنا حالته النفسية وهي الشعور بالضلال والضياع، لا يعرف ماذا يريد وماذا يجب عليه أن يفعل، وعكسه الذي يمشي ورأسه مستوي، فهذا يدل على سلوكه الصراط المستقيم، عارف بنفسه وعارف بخططه وأهدافه.

مشية الملائكة:

{قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا }  [الإسراء:  95].

أي أن هؤلاء الملائكة صاروا كأنهم من سكان الأرض، فهم يمشون مثلهم بكل هدوء، ومطمئنين أي يكادون أن يستكينوا فيها، فلو حدث هذا لنزلت عليهم الملائكة السماوية تطلعهم على أخبار السماء وأوامرها، فقد انقطعوا عنها في الأرض، لحاجتهم مثل البشر إلى ذلك.

مشية أخت موسى:

{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ}  [طه:  40].

لماذا كانت أخت موسى تمشي أليس الأولى أن تركض أو تسعى؟

لو فعلت ذلك لشك فيها القوم، فما سبب ركضها أو سعيها؟ إنها حكيمة أدركت أنه من الأفضل أن تمشي، وهذا فعلها منذ البداية فهي كانت تقص وراء موسى، وتنظر من طرف خفي. ثم لما أخذوا الرضيع، وسمعت صراخه وعجزهم عن إسكاته جاءتها الفكرة في اقناعهم بإن ترضعه أمها.

{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }  [القصص: 11].

فلو كانت تركض لشعر بها القوم، ولو كانت تسعى لشعر بها القوم، لكنها تتنقل عشوائياً بلا هدف واضح، وكأنها تعمل في المزرعة أو ترعى الأنعام، حتى استطاعت الاقتراب منهم ومعرفة مشكلة الرضيع.

المشي هدف بحد ذاته:

ونلاحظ أيضاً أن المشي متقطع، فبين أي مشية وأخرى هناك توقف واستراحة، ذلك لأن الماشي لا يسعى، فليس هناك هدف ملح يريد الوصول إليه، فهو في غير عجلة من أمره. وفي المشية أيضاً تعرجات فلا تسير على خط مستقيم، وهي أيضاً لمسافات قصيرة وليست كالسير الذي هو لمسافات طويلة. والعامة يقولون: دعنا نتمشى. أي نسير حيث ألقت بنا الأرجل، بلا هدف سوى الترويح عن النفس، أي أن المشي في الغالب هو الهدف بحد ذاته، وإن كان يتضمن أهداف صغيرة غير ملحة.

ومن يكثر المشي بلا هدف صار محل نقد ومعاتبة وهذا هو سبب نصيحة لقمان لابنه بأن يكون له هدف في الحياة يقاتل من أجله.

القصد في المشي:

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }  [لقمان:  19].

وهذا لقمان ينصح ابنه أن يقصد في مشيه، أي ألا يتسكع في الشوارع بلا غرض ولا هدف، فليكن مشيه كله سعي نحو هدف يصبو إليه، فلا يضيع وقته في التسكع، ولا يظهر المرح أي الغرور في مشيته ولا يظهر أي حالة نفسية تسيطر عليه.

الخلاصة:

المشي هو الانتقال من نقطة إلى أخرى بهدوء، وقد يكون بلا غرض أو هدف وقد يكون له غرض وهدف، لكن الماشي متأثر بحالته النفسية أكثر من تأثره بغرض أو هدف يريده، فهو قد يمشي بالهون أو بالمرح أو بالحياء، وقد يكون مكباً على وجهه من شدة الضلال، وقد يكون مطمئناً وقد يكون في أمن وسكينة.

فالمشي لا يخفي حالة الماشي النفسية، فهو ظاهر لمن يتأمله، ذلك أن الشخص مستغرق في حالاته النفسية أكثر من رغبته في الوصول إلى هدفه. ولا نجد ذلك في حركة السير، أو الركض أو السري أو الانقلاب أو الرجوع أو الرد أو غيرها من الحركات التي ذكرها القرآن.

فحالته النفسية هي التي جعلته في حالة مشي وليس ركض أو إسراع، فالمغرور يمشي مرحاً لأنه مستغرق في كبره وغروره، أكثر من رغبته في الوصول إلى هدفه، ولهذا يذكر القرآن المشي ويذكر الحالة النفسية أو قد يذكر أماكن المشي ليدلل على الحالة النفسية كما رأينا.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (5/ 325) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 2083) المخصص (1/ 302) الغريب المصنف (1/ 375)

([2]) [ص: 6].


ali
ali
تعليقات