أيوب في القرآن المكرم
مقدمة:
قصة أيوب قصة عادية قام أهل الكتاب
بتضخيمها، واختلاق سيناريوهات عجيبة، كذلك زاد المفسرون المسلمون في هذا الأمر،
فقد دفعت الآيات الغامضة عند هؤلاء المفسرين العجم إلى مزيد من التخيلات، والتي
أبعدت المسلمين عن فهم النصوص الفهم الصحيح والذي ظهر لنا بفضل الله وكرمه علينا.
قصة
أيوب عند أهل الكتاب:
كان أيوب رجل غني، ومقدر ومحترم في أرض
عوص في شمال الجزيرة العربية، وكان يساعد الفقراء ويدافع عن المستضعفين، وكان
رجلاً أميناً، وكان يشبه الكاهن عند جماعته فيقدم الذبائح عنهم، فوهبه الله عشرة
أولاد ([1]) فلم يكن نبياً عند أهل الكتاب، ولكن القرآن يصحح ذلك الخطأ.
تبدأ قصة معاناة أيوب عندنا شكك الشيطان
في طهارة وإيمان أيوب، فالشيطان في الملأ الأعلى يتحدث إلى المولى: "أمجاناً
يخاف أيوب الله؟" ([2]) فأتاح المولى للشيطان أن يختبر أيوب اختباراً مؤلماً.
أمتلأ جسم أيوب بالدمامل، وتكاثر الذباب
حوله، وخسر احترام من حوله، حتى الصغار استهزأوا به، فظن أن الله انقلب ضده ([3]) خاصة بعد أن قضى على أولاده العشرة دفعة واحدة، بل سلط الشيطان عليه
فقضى على كل مواشيه، وكذلك الخدم والرعاة ([4])
وأيوب لم يصبر كما تقول كتبهم، فقد مزق
ثيابه وقص شعره ورمى بنفسه على الأرض، وقد أقنعه الشيطان أن الله من فعل ذلك، لكن
أيوب رد وقال: "ليكن اسم يهوه مباركاً" ([5]) وعندما لم تنجح خطة الشيطان في أن يسخط أيوب على الله، طلب من الله
أن يصاب أيوب بالأمراض في عظمه ولحمه، فمنح الله الشيطان الصلاحية في إمراض أيوب،
دون أن يقتله ([6]) فتندهش زوجته من عدم سخطه على الله وتطلب منه ذلك، لكن أيوب لم
يستجب لها ([7])
لقد اسودت بشرة أيوب وصار كأنه هيكل
عظمي، فجاء أقاربه يواسونه والحقيقة أنهم جاءوا ليتشمتوا به ([8]) وقاموا بلومه وأن الله
يعاقب الأشرار، وأن أيوب مذنب ([9]) ورفض أيوب منطقهم فتمسكوا برأيهم ونصحوه أن يتوقف عن فعل الشر ([10]) بل حتى أولاده الذين هلكوا هم مذنبون مثله ([11]) بل زعم أحدهم أن أيوب مجرد دودة في نظر الله فليس له أهمية ([12]) فيرد عليهم أيوب ويقول لهم: " يعرف اللّٰه استقامتي" ([13]) لكن الله قال عنه: "ليس مثله في الأرض" ([14]) بل لكي يرد الله كرامته عند قومه، بعد زوال محنته، فإنه اشترط عليهم
لكي يقبل قرابينهم أن يصلي عليهم أيوب ([15])
قصة أيوب عند المسلمين:
نقل المسلمون كلام أهل الكتاب كما هو، بل
زادوا عليه كما سوف نرى، فأما نسبه فهو أيوب بن أموص الذي يرجع إلى إبراهيم عليه
السلام، وهذا يتفق مع القرآن. ومن تلك النقولات أن بني إسرائيل قالوا إن ذلك
المصاب، كان بسبب ذنوبه ([16])
وقال بعضهم: لو كان لربّ هذا فيه حاجة ما
صنع به هذا. ([17])
ويزعمون أن سبب عقابه هو دخوله على فرعون
ومداهنته. وقيل، بل لأنه لم ينصر المظلوم ([18]) وقالوا إن أول مصاب أيوب كان الجدري ([19]) وزعموا أن أحدهم تحدى إبليس في إغواء أيوب، فطلب إبليس من المولى أن
يدعه يغوي أيوب فتسلط على ماله وولده في البداية ([20]) ثم حاول أن يقنع أيوب أن
الله تخلى عنه وأخذ ماله وولده، فقام وشكر الله فهو المعطي وهو الآخذ.
فلما لم تنجح الخطة، طلب من الله أن يدعه
يتسلط على جسم أيوب، فأذن له، ولم يفلح أيضاً، فصرخ في أتباعه يريد حلاً، فأشاروا
عليه أن يستخدم زوجته لكي تغويه، فأعجب بالفكرة، وأقنعها في إغواء أيوب وأمرها بأن
تقنع أيوب أن يذبح للشيطان سخلة (ماعز) فاستجابت له، فحاولت اقناع أيوب، ولكنه غضب
ورفض وتوعدها بالعقاب، ولكن الله خفف عنها العذاب بعقاب رمزي بواسطة الضغث، وذلك
بسبب صبرها معه ([21])
وفي رواية أخرى أن زوجة أيوب مرت فوجدت
إبليس يعالج المرضى، فطلبت منه أن يعالج أيوب فوافق بالمجان شريطة أن يقول:
"أنت شفيتني" فأخبرت أيوب فتوعدها بمئة جلدة ([22]) وقيل إن الشيطان نصح زوجة أيوب بألا يسمِ
عند الأكل كي يُشفى، فأخبرت زوجها فتوعدها بالعقاب ([23]) وقيل إن أيوب خشي أن زوجته قد فعلت الفاحشة لكي توفر له الطعام،
فتوعدها قاسماً، بجلدها مئة جلدة فأمره الله بضربها بالضغث ([24])
ويزعمون أن أيوب أصيب بمرض أشد من الجذري
وزعموا أن النصب هو الضر في الجسم وأن العذاب هو ما أصابه في ماله ([25]) وأن الركض الذي قام به أيوب هو ضرب الأرض بقدمه، وتسمى الجابية
وفيها عيون شرب منها واغتسل ([26])
والضغث عندهم هو شجر الأثل وقيل، بل
الريحان الرطب، وقيل، بل الضغث هو الحزمة، وقيل، بل عيدان القت، وقيل بل عرجون في
شماريخ ([27])وقيل بل قبضة من السنبل، وقيل بل من الأسل وهو السمار، وقيل الضغث هو
الحزمة من السياط ([28])
وزعموا أن الشيطان حاول محاصرة أيوب وذلك
بجعل الناس تنفر من زوجته خشية انتقال المرض منه إليها، فرفضوا التعامل معها في
البيع والشراء ([29])
الرأي
الصحيح في قصة أيوب:
اختصاراً لوقت القارئ، فإننا نؤكد أن
معظم القصة التوراتية والتراثية باطلة وأن فيها تحريفات، وأن الصواب هو التالي:
-
أيوب مذنب فعلاً، فقد وردت قصته في سورة ص، وهذه السورة ذُكر فيها
داود وأنه أذنب وغفر الله له، وذُكر سليمان أيضاً وأنه أذنب وتعرض للفتنة وتاب، ثم
ذُكر أيوب الذي طلب الرحمة، والرحمة لا تُطلب إلا لرفع عقوبة. وعند ذكر الأنبياء الثلاثة
بينت السورة أنهم أوابين أي عائدون إلى الله لطلب المغفرة.
-
بينت السورة العلة في تلك الذنوب وهو الشيطان ودوره في إغواء الإنسي
ﵟقَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَﵞ ([30])
والأنبياء مثل بقية البشر يتعرضون لما
يتعرض له غيرهم وإن كانوا أسرع في الرجوع والتوبة، وذنوبهم ليست من الكبائر، كما
نظن.
-
لهذا قال أيوب أن الشيطان مسه{مَسَّنِيَ الشَّيْطَٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}([31]) فالشيطان لا يملك القدرة على فعل النصب والعذاب، وإنما إغواء
الشيطان الذي هو المس الفكري، هو الذي جعل أيوب يتعرض للعقاب، فصار مصاباً بالنصب
والعذاب، فقصة تسلط إبليس على أيوب باطلة جملة وتفصيلاً، فهو وسوس له فقط، مما
جعله يقترف الذنب الذي أدى إلى عقابه بالنصب والعذاب، ونظن أنه تناول طعاماً
ممنوعاً، أفسد جسمه.
-
أي أن الشيطان أراد النصب والعذاب لأيوب، وذلك بأن حثه على فعل
الذنب، وأيوب ليس شخص عادي، بل هو نبي مكرم، ومن يخطأ فيهم ينال عقاباً مضاعفاً عن
بقية البشر.
-
من الواضح أن أهل أيوب تركوه أو أنه أمرهم بالرحيل عنه، وهذا لأن
لديه مرضاً معدياً، فأمرهم بالرحيل عنه، { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ}([32]) ولم يتم إبادتهم كما تقول المرويات الإسلامية واليهودية، ويتفق معنا
في ذلك الحسن البصري فقال: لم يكونوا ماتوا، ولكنهم غيبوا عنه، فأتاه أهله ([33])
-
بين أيوب أن ما أصابه هو (ضُر) وشرحنا معنى هذه الكلمة وبينا أنها
وسط بين الأذى وبين البأساء، وقد طال أمد مرضه فلهذا نعته بأنه ضُر، ولو كان أذى
لما طال عليه، كما شرحنا في معنى الضر والأذى.
-
أصيب أيوب بمرضين هما النصب والعذاب. ونرجح أن النصب هو الشعور بالخمول
والتعب وأن العذاب هو الشعور بالألم.
-
وقد أمره الله بالركض (برجله) إلى جهة ماء بارد، أي يجري داخل ماء
بارد ثم يغتسل به، فيسبب له صعقة تؤدي إلى زوال النصب عنه أو زوال العذاب عنه. وقد
شرحنا في المعجم لماذا كان يركض برجله وليس بالمركوبات.
-
ثم أمره أن يأخذ ضغثاً (بيده) مثل أن يركض برجله. { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}([34]) وذلك لكي يعالج المرض الآخر ونرجح أن الماء كان يعالج النصب أي
الخمول، لأنه بارد، وأن الضغث كان يعالج العذاب.
-
وقد حدد النص الكريم اليد لكي يوضح الكمية المطلوبة، لعلاج مرضه. ونرجح
أنه أخذ ذلك الضغث بعد اغتساله من نفس المكان، فإذا صح أنه أخذه من ذلك المكان فمن
المحتمل أنه يكون نوع من الطين والتراب، أو نوع من النبات الذي ينبت حول العيون
والأنهار.
-
أما قوله {وَلَا تَحْنَثْ}([35]) أي لا تطلب الأصنام والأنصاب والخرافة، فقد دفعه من حوله لكي يسأل
تلك الوثنيات لكي يتعالج ونعلم أن الغريق يتعلق بالقشة، لكن أيوب صبر كما تقول نفس
الآية رغم أنه كان مريضاً لوقت طويل، ولم يتخل عن إيمانه ولم يلتجأ إلى الوثنيات،
بل انتظر وحي الله لكي يدله على العلاج، وأيوب في بيئة أعرابية كما تقول المرويات
لهذا تنتشر الخرافة والوثن، خاصة في زمن غارق في الجهل؛ فالمولى يعلمه الطريقة
العلمية السليمة لعلاج مرضه، ويصرفه عن الخرافات.
-
ثم بعد أن تعالج وذهب عنه المرض المعدي، رجع إليه أهله، وأهله لا
تعني أولاده وزوجاته فقط، بل تعني كل من يخدمه ويساعده في شؤون الحياة، فقد جاء
أهله وجاء معهم نفر آخرون وصاروا جميعاً أهله بعد أن تضاعفوا.
الخلاصة:
أيوب نبي كريم، من ذرية إبراهيم كما يقول
القرآن، ويبدو أنه ليس من ذرية إسرائيل، كان ثرياً وكان نبياً كريماً، وكان يساعد
الفقراء وينصر المظلومين. وذات يوم أصيب بمرض نتيجة فعل قام به أو طعام تناوله
وكان ممنوعاً، بعد أن أغواه الشيطان.
تحمل أيوب هذا المرض لفترة، ثم دعا ربه
بعد حين، فاستجاب له ربه ودله على طريقة علمية تزيل عنه المرض، فقد أصيب بالخمول
والإعياء الدائم، وأصيب بألم في منطقة من جسمه، فأمره الله باتخاذ الأسلوب العلمي للعلاج
وعدم استخدام الخرافة، فأمره أن يركض على ماء بارد ويغتسل به، لكي يعالج النصب،
كما أمره أن يضرب موقع الألم في جسمه بالضغث، فزال عنه المرض الثاني بإذن الله.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك