الصرر والصرصر في القرآن المكرم
الصرر
والصرصر لغة:
الصِرة شدة البرد. الصّرّةُ أشد الصياح. وجاء يصطر أي في ضجة وصيحة وجلبة.
والصرة بالفتح هي الشدة من الكرب والحرّ. وصرة القيظ شدته. والصرة العطفةُ. والصرة
الجماعة. والصرة تقطيب الوجه من الكراهة. والصرة شرج الدراهم. وريح صرٌّ وصرصر إذا
كانت شديدة الصوت. قال الزجاج صرصر متكرر، أما صر
فغير متكرر، مثل صل وصلصل فصلصل متكرر.
وقال الأزهري ريح صرصر أي شديدة البرد. وفسروا (ريح فيها صر) على ثلاثة
أقوال: فقالوا فيها برد أو تصويت وحركة أو فيها حر.
وصر النبات أي أصابه الصر وهو شدة البرد.
وصرت الأذن سُمع لها طنين. وصر الناقة أي شد
ضرعها. وصر الحمار بأذنه أي نصبها للاستماع. والصرار خيط يشد فوق الخِلفِ لئلا
يرضعها ولدها. والصّررُ هو السنبل بعدما يقصب. وأصرّ الزرع إصراراً إذا خرج أطراف
السفاء قبل أن يخلص سنبله. وأصررت على الشيء إذا أقمت ودمت عليه. وأصري يا نفس أي
أعزمي يا نفس. وصخرة صراء أي ملساء. وحافر مصرور ومصطر أي ضيق متقبض. وصرصرت الشيء
أي جمعته ([1])
الصرر
والصرصر في القرآن:
بداية نقول إن الصرصر هو تكرار الصر، مثل
الكبكب تكرار الكب، وجرجر تكرار الجر، وصلصل تكرار الصل، وهكذا. فإذا فهمنا الصر
فهمنا لزاماً الصرصرة. وقد انقسم أهل التراث في فهم معنى الصر، فزعموا أنه البرد
وقال آخرون، بل الحر، وقالت جماعة ثالثة هو الحركة! ونقول إنه غير الثلاثة فكلها
لم تصب المعنى الحقيقي
فما
هو الصر؟
الصر هو الصوت المتكرر أو الكلام المتكرر
لفترة وجيزة، وبصوت خفيض، أما الصرصرة فهو الصوت المتكرر لفترة أطول بصوت أعلى.
وإليك النصوص:
صرة
إبراهيم:
{فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ} [البقرة : 260]
قد أجمع المفسرون على أن صرهن أي قطهن
إلا شخص كناه الرازي بأبي مسلم، ولعله محمد بن بحر المعتزلي، فقد رأى أن صرهن أي
أملهن ([2])
والإمالة تكون بالإطعام مع تكرار صوت
معين حتى يعلم أن ذلك الصوت يعني وقت الطعام كما نعلم اليوم بمفهوم التعلم الشرطي،
فعندما وزع الطيور على الجبال وناداهم بتلك الكلمة التي تعني وقت الطعام، سعوا
نحوه كما تقول الآية وقد شرحنا ذلك في مقال مطول.
فما عمله إبراهيم هو الصرة وهو تكرار صوت
أو كلمة تسبق موعد الطعام، فتعلمت تلك الطيور الصوت المتكرر وعلمت أنه وقت الطعام.
صرة
زوجة إبراهيم:
{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ
فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات : 29]
وكذلك الحال مع زوجة إبراهيم، فعندما
سمعت كلام الملائكة، ضحكت في البداية والضحك يأتي بعد زوال الخيفة، فقد كانت هي
وإبراهيم في وجل من هؤلاء الزوار الغرباء. ثم بعد الضحك، أقبلت نحوهم وهي تكرر
كلمة هي الصرة، ولعلها قالت: يا ويلي يا ويلي أو واعجباه أو أي كلمة يقولها الإنسي
عند التعجب.
وهي كانت تقولها في صرة وليس صرصرة، أي
بصوت خفيض ودون تكرار مطول، وقالت لهم بعد ذلك عجوز عقيم، فكلموها بما يقنعها.
ريح
الصر وريح الصرصرة:
{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران : 117]
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا
فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16]
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا
فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }
[القمر: 19].
{ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ
عَاتِيَةٍ } [الحاقة: 6].
وردت الريح الصر في آية واحدة أما الريح
الصرصرة فوردت في ثلاث آيات كما بالأعلى. وتبين الآيات أن الريح الصر دمرت مزارع
القوم الظالمين فقط، بينما الريح الصرصرة فقد أصابت قوم عاد فأبادتهم عن بكرة أبيهم
إلا المؤمنين.
وبهذا يتبين لنا الفرق في شدة الريحين،
فريح الصح كان فيها صوت يتكرر وهو الصر، فهي ريح تصر أي تكرر صوتاً لها، بينما
الريح الصرصر، فهي تكرر الصوت لمدة أطول وبشدة كبيرة، وهذا يدل على قوتها الهائلة.
إصرار
الكافر:
{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ
يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
[الجاثية : 8]
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ
فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح : 7]
وردت آيتان في إصرار الكافر، وذلك أن
الكافر عندما يستمع إلى النبي وإلى الدعاة، يستغشي ثيابه أي يغطي نفسه بثيابه حتى
لا يرى الرسول، ويسد أذنه حتى لا يسمع كلام الرسول، لما فيه من حق مؤلم يبين بطلان
عقائده، كذلك يصر، أي يصدر صوتاً متكرراً حتى يشوس على كلام الرسول، فحينها لن
يسمع هو ولا غيره كلام الرسول لما يصدره من صوت متكرر. وهذا فعل معروف يفعله
الخصوم عندما تكون حجة الخصم قوية ومؤلمة.
الصر
على الحنث:
{ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ
الْعَظِيمِ } [الواقعة: 46].
الحنث نوع من الوثنيات التي تقال، ونرجح
أنه الطلب من الأصنام والأوثان أن ترزقهم أو تداويهم، فهم يقومون بما يشبه تلبية
الحج (لبيك اللهم لبيك.لبيك ....) فهو تكرار للكلام الوثني لقصد الطلب أو الحمد
والتسبيح للوثن.
الصر
على الفعل:
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
} [آل عمران: 135].
يقصد بهذا النص، أن الذي يفعل الفاحشة،
ثم يصر عليها، أي يذهب ويتفاخر بين الناس أنه فعلها فيكرر كلامه صراً، كلما ذهب
إلى تجمع بشري، فإن هذا هو الذي يعاقب، فإن لم يصر ولم يعلنها واستغفر فإن الله قد
يغفر له، وقد وردت الأحاديث تحذر من هذا وقد نعتته بالمجاهر، وبين الرسول أن
المولى يعفو عن الجميع إلا المجاهر (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافِىً إِلَّا المُجَاهِرُونَ)
([3])
الخلاصة:
إن الصر هو تكرار الصوت والكلام، لأي غرض
كان، ولأي سبب، فالريح إذا صرت فهي تشير إلى قوتها، فإن صرصرت، فهي تشير إلى شدتها
الهائلة، فإن صر المربي على طيوره ودوابه فهو لكي يعلمها صوته فتحضر وقت الطعام،
فإن صرت المرأة عند المفاجئة فقد كررت كلامها من قوة الصدمة. فإن صر الكافر عند
الرسول، فلكي يمنع نفسه من سماع كلامه ويمنع الآخرين فهو يكرر الكلمات أو الصوت لكي
يحدث التشويش. فإن صر المذنب أي كرر تفاخره بما فعل بأن يذيعه على من حوله، فقد
أوقع نفسه في المصيبة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك