الروح في القرآن المكرم
الروح
لغة:
أصل كبير يدل على سعة وفسحة واطراد، وأصل
كل ذلك الريح، وياء الريح أصلها واو، فقلبت ياء لكسرة ما قبلها. وروح الإنسان مشتقة
من الريح. الروح نسيم الريح. وأراح الإنسان إذا تنفس. وأروح الماء أي تغيرت رائحته.
والروح هو جبريل. والرواح هو العشي، لأن روح الريح تهب بعد الزوال. والمراوحة في العملين
أي يعمل في شيئين. الأروح الذي في صدور قدميه انبساط. وقصعة روحاء أي قريبة القعر.
ريح الغدير أي أصابته الريح. وأراح القوم أي دخلوا في الريح. ويقال للميت قد أراح.
وأراح الرجل أي رجعت إليه نفسه بعد الإعياء. وأروح الصيد إذا شم الصيد رائحة الصياد.
وأرحت على الرجل حقه إذا رددته إليه. المراح هو بيت الماشية. والراح الخمر. والراحة
الكف. وقدح أروح أي متسع. وراحة البيت ساحته ([1])
الروح
في المرويات:
تقول المرويات أن اليهود يريدون اختبار الرسول
عليه السلام، فنزلت آية الروح (يسألونك عن الروح) فردوا أنهم أوتوا علماً كثيراً وهي
التوراة. فرد عليهم القرآن بآية (لو كان البحر مداداً...)
وهناك
رواية أن اليهود يتعجبون كيف الروح تعذب وهي من الله؟ فنزلت آية الروح (قل الروح).
وابن السائب يروي أن قريش من استفسرت عن نبوة الرسول عند اليهود فطلبوا منهم أن يسألوه
عن ثلاثة ومنها عن الروح.
وهناك
رواية تُنسب إلى سلمان الفارسي يبين فيها أن الملائكة تسعة أجزاء، والروح والكروبيون
عشرة أجزاء، فالروح جزء والكروبيون تسعة أجزاء. وتنسب رواية إلى علي بن أبي طالب أن
الروح ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه منها سبعون ألف لسان، لكل لسان منها
سبعون ألف لغة، يسبح الروحُ، بتلك اللغات كلها، ويخلق الله من كل تسبيحة ملكا يطير
مع الملائكة.
وعن ابن عباس فإن الروح هو جبريل، واتفق معه
قتادة والحسن البصري. وفي رواية أخرى عنه أن الروح هو ملك. وعنه أيضاً أنه ملك واحد
له عشرة آلاف جناح، جناحان منهما ما بين المشرق والمغرب، وله ألف وجه لكل، وجه لسان
وعينان وشفتان. وله رواية أخرى أن الروح هو خلق من خلق الله، وصورهم على صور بني آدم
وما ينزل من السماء من ملك إلا ومعه واحدٌ من الروح.
وفي رواية أخرى أن ابن عباس دعا لصرف السائلين
عن البحث عن ماهية الروح بناء على الآية الكريمة السابقة. وفي رواية أن ابن عباس فسر
آية الروح مرة واحدة ثم توقف، وكذلك فعل قتادة.
ويقول سعيد بن جبير عن الروح: "لم يخلق
الله تعالى خلقًا أعظم من الروح غير العرش، لو شاء أن يبتلع السماوات السبع والأرضين
السبع ومَن فيها بلقمة واحدة لفعل، صورة خلقه على صورة خلق الملائكة، وصورة وجهه على
صورة الآدميين، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش"
وقال مجاهد بن جبر عن الروح: "الروحُ
خلقٌ مع الملائكة، لا تراهم الملائكة، كما لا ترون أنتم الملائكة، والرُّوح حرفٌ استأثر
الله تعالى بعلمِه، ولم يُطلِع عليه أحدًا من خلقه".
والحسن البصري يزعم أن الروح هو جبريل، لكن
في رواية أخرى عجيبة يزعم أن الروح هو القرآن. ويرى أبو صالح باذام أن الروح كهيئة
الإنسان وليسوا بناس. ويرى السُدّي أن الروح ملك من الملائكة في السماء السابقة، له
وجه إنسان وصورة ملائكة. ويروي سليمان الأعمش أن الروح لهم أيد وأرجل. ويرى مقاتل بن
سليمان أن الروح له صورة إنسان وهو أعظم مخلوق بعد العرش وهو حافظ على الملائكة ([2])
ولا نكترث لهذه الأقوال لأنها مجرد أقاويل
وآراء في أمر مغيب عنّا إلا ما ورد في القرآن الذي يمكن أن نستخلص منه بعض الحقائق،
ومن الواضح أنه تراث منقول من الإسرائيليات.
الروح
في القرآن:
قبل أن نبحث في الآيات، نلاحظ أن الروح مخفية
عن الأبصار، ولكنها مؤثرة وفاعلة، وهذا حال الريح، فهي غير مرئية ومؤثرة ونشعر بها،
كذلك الروح لها أثر ظاهر، ولكنها مخفية، وكما تقول المعاجم فإن الروح هي الريح.
ونستنتج من هذا أن العرب أطلقوا على ذلك الكائن
المؤثر اسم الروح، لأنه مخفي ومؤثر، تماماً كالريح، وهو ينساب وينفذ إلى أماكن لا ينفذ
إليها إلا الريح، بل أشد من الريح. وقد لاحظنا ذلك في قصة مريم، فقد توجب على الروح
إلى أن يتمثل لها على شكل بشر كي تراه ويكلمها، كذلك نلاحظ أنه ينفخ وهذا أيضاً فعل
الريح، فقد دخل شيء هوائي من الروح على مريم فامتزج مع كلمة الله، فصار عيسى. ولهذا
نقول إن نعته بالروح هو نعت صائب وصادق، فهو الريح الكونية الفاعلة والمؤثرة.
بعد أن عرفنا لماذا أُطلق عليه الروح،
وأنه مثل الريح في قوامه وفي تصرفاته، نبدأ بالإجابة عن الأسئلة التي يوفر القرآن
إجابة عنها؟
هل
الروح نوع من الملائكة؟
نلاحظ أن الروح تُذكر بتمييز عن
الملائكة، فتأتي واو المغايرة لتبين أن الروح غير الملائكة، لهذا نرجح جزماً أن الروح
يختلف عن الملائكة:
{تَعْرُجُ الْمَلَٰئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}([3])
{يُنَزِّلُ الْمَلَٰئِكَةَ بِالرُّوحِ}([4])
والوظائف التي يتولاها الروح لا تتولاها
الملائكة فهو الذي ينزل الوحي دون الملائكة {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الْأَمِينُ}([5]) وهو الذي يحمي الرسل دون
الملائكة {وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}([6]) ويوم القيامة يقف بتميز عن الملائكة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَٰئِكَةُ
صَفًّا}([7]).
فالروح ليس من الملائكة، وإن كان من جنس
الكائنات السماوية وكان مخفياً عن أبصارنا مثلهم، فهذا هو ما يتفق معهم فيه،
ويشاركهم في الأعمال الموكلة إليهم، لهذا فالروح كائن متفرد وربما منه أنواع قليلة
وقد نعت باسمين هما جبريل وميكال ولا ندري هل يوجد غيرهما أم لا، لكن اليهود
يذكرون ميخائيل والذي يعني عندهم من هو مثل الله. وهو أهم ملك من الملائكة السبعة
الكبار عند القوم.
هل
الروح أنواع؟
ذكر القرآن أن الروح ثلاث أنواع: روح القدس، الروح
الأمين، روح الله كما قال يعقوب. {وَلَا تَايْءَسُوا مِن رَّوْحِ
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَايْءَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ}([8]) أو قوله تعالى { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}([9]) وقد يكون الروح نوع واحد، لكن عند عمله بعمل معين يطلق عليه اسم يناسبه،
أو قد تكون نعوت متعددة مثل أن نقول فلان شجاع ومعطاء، فالروح أمين ومقدس في ذات الوقت،
وقد شرحنا معنى مقدس في مقال سابق وبينا أن المقدس هو الحامي، وأمين أي لا يخدع
ولا يمكر ولا يخالف الأوامر فالله أمره بإنزال الوحي على فلان، فيفعل ذلك ولن
ينزله على آخرين مخالفاً أوامر ربه.
وهو روح الله أي منسوب إلى ربه، لأنه
الوحيد الذي يملك تلك الروح، مثل عرش الله ومثل كرسي الله، ومثل خزائن الله ومثل
جلال الله ومثل إكرام الله.
هل
الروح هو جبريل؟
{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ
نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ} [البقرة: 97].
شرحنا سابقاً أن إطلاق النعوت على
الملائكة، فعل بشري، فالملائكة تنادى بوظائفها وليس بأسماء، وجبريل هو تسمية
يهودية للروح القدس والروح الأمين. كذلك ميكال هو تسمية بشرية. والنصوص القرآنية
تؤكد أن ما يطلق عليه البشر اسم جبريل هو ذاته الروح الأمين وروح القدس، كما رأينا
في الآية بالأعلى. وإن كان اليهود يرون أن هناك أربعة أو سبعة ملائكة كبار جداً أولهم
ميخائيل ويسمونه بالإنجليزية مايكل وبالفرنسية ميشيل، لأنه هو الملك الحامي لليهود
والمؤمنين، ولعله هو ميكال المذكور في القرآن، بينما جبريل هو المسؤول عن الوحي
عند أهل الكتاب.
لماذا كان يعادي
اليهود جبريل؟
{
قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ} [البقرة: 97].
لا يوجد في التراث اليهودي عداء مع
جبريل، بل التراث اليهودي كان يرى جبريل هو الكائن الثاني بعد الله، بل بعضهم زعم
أن الله هو جبريل ([10]) ، ولكن سبب عداوتهم لجبريل كانت مؤقتة بزمن الرسول. وتزعم الروايات
أن السبب في تلك العداوة هو غلظة وشدة جبريل ([11]) وفي رواية قالوا: "لو أن
ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم"([12]) وقد لاحظت ذلك مي المدهون
في كتابها الملائكة والجن فقالت: "ولا يوجد ذكر لعداوة اليهود لجبريل" ([13])
وكل هذا هراء، وهناك رواية مضحكة وإن
كانت أقرب للحقيقة من زميلاتها إذ تزعم أن اليهود قالوا: "إنّ جبرئيل لنا عدوٌّ،
أُمِر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا من عداوته إيّانا"([14])
والصواب الذي نجزم به، أن اليهود غضبوا
عندما نزل الوحي على رجل عربي وليس منهم، وأن المختار هو محمد العربي القرشي، وليس
من بني إسرائيل العرق النقي المدلل عند المولى، كما يعتقدون. وسبب غضبهم على
جبريل، أنه أنزل الوحي على هذا العربي، وهي تشبه روايات متطرفي الشيعة الذين قالوا
إن جبريل أخطأ فأنزل الوحي على محمد بدلاً من علي، فغلاة الشيعة يظنون أنه وقع
خطأ، بينما اليهود فيظنون أن جبريل متقصد، لأنه عدو لهم، أو أن العداوة قد بدأت
بينهم وبين جبريل منذ أنزل الوحي على العربي القرشي وتركهم، ولهذا نعت المولى
الروح بأنه أمين، فلن يخالف الأوامر وينزل الوحي على شخص آخر.
وقد يسأل سائل كيف لليهود أن يغضبوا من
جبريل وهم لا يؤمنون برسالة محمد؟
والجواب أن القوم أيقنوا أن النبوة صحيحة
وأن الرسول صادق، فلهذا بدت العداوة ولو كانوا يشكون في نبوة الرسول ما واجهوا
جبريل بالعداوة، فقد سلم القوم بصدق محمد وإن كانوا يتظاهرون بعكس ذلك حتى لا
يخسروا الأتباع.
لماذا سألوا عن الروح؟
{ وَيَسْءَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء: 85].
لم يحدد النص ماهية سؤالهم هل يسألون عن
ذات الروح، أم يسألون عن وظيفة الروح؟
بداية السؤال لم يكن من اليهود، بل من
كفار قريش، فلو مررنا بالسورة لن نجد إلا حجج وشبهات كفار قريش تتكرر فيها، فهذا
سؤال قرشي وليس يهودي.
وسؤال قريش عن الروح لا يقصدون الماهية،
بل السبب في نزوله عليك يا محمد وليس على آخرين وهذه الشبهة وجدناها في سور كثيرة {
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ }([15]) فكأن القوم يقولون لماذا يأتيك الروح ولا يأتينا، فبين لهم النص
المكرم أن الله هو الذي أمر وهو مجرد رحمة وقد يذهبه الله عن الرسول { وَلَئِن شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}([16]) وكل هذا يؤكد أن القوم لا
يسألون عن ماهية الروح بل عن سبب اتصاله بالرسول من دونهم ودون كل البشر.
لاحظ أنه لو كان السائل يهودياً، لكان
الجواب أن الروح هو جبريل، حيث يعرفون جبريل جيداً، لكن السائل من أهل الجاهلية
العرب الذين لا يعرفون جبريل، ناهيك عن أنهم لا يسألون عن الماهية كما ذكرنا، بل
عن سبب مجيئه إلى الرسول من دون الناس.
لماذا
قال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا؟
المقصود بالعلم هو العلم اللدني السماوي،
والكلام كما قلنا موجه إلى قريش، وقُريش ليس لديهم علم سماوي إلا قليل من بقايا إرث
إبراهيم وإسماعيل، في صحف لهما قد فُقدت، فلو كان الكلام موجه إلى اليهود فقد
أتاهم الله الكتاب والنبوة والوحي المستمر.
ولا يقصد بالعلم علم الطبيعة فما علاقة
ذلك بجبريل أو الروح؟ وإنما النص يقول لكفار قريش: من أين لكم أن تعرفوا الروح
الذي يأتي بالوحي، فهو مقطوع عنكم ولم يأتكم من العلم اللدني إلا قليلاً من
النقولات الشفوية.
هل
الروح يخلق؟
لم يرد أن الروح يخلق مثلما كان يفعل
عيسى{أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْءَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}([17]) وقد يكون قادراً على خلق الكائنات الحية، ولكنه لا يستطيع مع
الإنسان، فهو لم يخلق عيسى أو آدم، { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ
ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }([18]) فالله الذي خلق عيسى وآدم بدون أبوين، ولكنه ساهم في امتناع الحاجة
إلى الأب، وذلك ربما بواسطة النفخ الذي فعله، فكما نفخ الروح في عيسى بناء على أمر
الله كذلك نفخ في آدم { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا
لَهُ سَٰجِدِينَ }([19]) فبحسب النصوص عيسى جمع
القدرتين وهو الخلق والنفخ فيظهر الكائن، بينما الروح يقوم بالنفخ على كلمة الله
فيظهر الخلق.
وسوف ندرس جذر الخلق وجذر النفخ في مقال
آخر، ولكن نقول إن النفخ يكون بمقدار وبكيف، فنفخة آدم أظهرت آدم الذي لديه القدرة
على معرفة الأسماء كلها، بينما نفخة عيسى أظهرت عيسى الذي لديه تلك المواهب
الهائلة.
ما
أعمال الروح؟
-
ينزل بالوحي ويدفعه إلى الرسول البشري {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}([20])
-
يحمي الرسل حتى مماتهم {وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَٰتِ
وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}([21])
-
ينزل الروح مع الملائكة بأوامر كثيرة لم يحددها القرآن {تَنَزَّلُ الْمَلَٰئِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}([22])
-
النفخ في بعض البشر، لكي يحدث فيهم تطور كبير، فيختلفون عن الآخرين في
القدرات مثل النفخ في آدم وعيسى {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَٰجِدِينَ}([23])
-
كذلك يقف الروح مع الملائكة يوم القيامة{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَٰئِكَةُ
صَفًّا}([24])
لماذا
تنزل الملائكة بالروح؟
{ يُنَزِّلُ الْمَلَٰئِكَةَ
بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [النحل:
2].
يبدو أن النص به غموض:
هل الملائكة تنزل إلى الأرض بمساعدة
الروح؟
أم أن الملائكة تنزل مع الروح إذا كان
نزوله لغرض الوحي؟
أم أن الملائكة هي التي تُنزل الروح عند
الوحي، أي تساعده؟
نجزم أن الملائكة هي التي تنزل بمعونة
الروح، فالروح هو أكثر قدرة من الملائكة، ونزول الملائكة مع الروح لحماية الوحي من
تلصص الشياطين، فالقرآن يقول إن الروح هو الذي ينزّل القرآن {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ}([25]) وقد وصفه بالقدس كما شرحنا
سابقاً والتي تعني الحماية، فهو يحمي الوحي من تلصص الشياطين، وكذلك الملائكة
تعاونه، فتنزل معه.
كذلك فإن الملائكة عندما تعرج إلى السماء،
تعرج مع الروح
{تَعْرُجُ الْمَلَٰئِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}([26])
{ثُمَّ يَعْرُجُ
إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }([27])
وقد نعت الروح بالأمر {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ
يَعْرُجُ إِلَيْهِ}([28]) لأنه يحمل أوامر السماء، فينزل
إلى الأرض لتنفيذها، ثم يعرج بعد ذلك إلى السماء.
وحتى لو نزلوا بدون
وحي، فإن الروح تنزل معهم لتنفيذ أوامر أخرى
{ تَنَزَّلُ الْمَلَٰئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
}([29])
{ يُنَزِّلُ الْمَلَٰئِكَةَ
بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ}([30])
نعم هناك آيات تتكلم عن نزول الملائكة
دون أن تذكر الروح معهم، ولكن هذا لا ينفي هذا الأمر، فنرجح أن الروح هو الذي يمهد
للملائكة بالنزول، لما يملكه من قدرات عظيمة، فالملائكة مهما كان لديها قدرات، فهي
محدودة، وبمعونة الروح تستطيع النزول إلى الأرض.
بل حتى النصوص تؤكد أن الملائكة لا تنزل
من ذات نفسها، بل تتنزل أي هناك من ينزلها والذي يؤكد أن الروح هو الذي ينزلها
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَٰمُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَٰئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30].
{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَٰمِ
وَنُزِّلَ الْمَلَٰئِكَةُ تَنزِيلًا } [الفرقان:
25].
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ
اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَٰئِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى
اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } [البقرة:
210].
فالنصوص السابقة تتحدث عن نزول الملائكة يوم
القيامة، وهذا يعني نزولها بواسطة الروح لأنه ذُكر في آيات أخرى نزول الملائكة
والروح يوم الحساب.
الخلاصة:
الروح كائن سماوي أو فوق سماوي، ليس من
الملائكة، له وظائف وقدرات عظيمة منها نقل الوحي وحماية الرسول وتنزيل الملائكة، والحضور
يوم القيامة، وهو نفسه الروح القدس وهو نفسه الروح الأمين، على حسب العمل الذي يؤديه،
واليهود يعرفون من هو الروح وما وظائفه، ولكن كفار القريش لا يعرفون عن وظائفه إلا
القليل.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك