الفضل في القرآن المكرم
فضل لغة:
أصل صحيح يدل على الزيادة. والفضل هو
الزيادة والخير. والإفضال هو الإحسان. والمتفضل الذي يدعي الفضل على الآخرين.
والمتفضل المتوشح بثوبه. والفضل الذي عليه قميص ورداء وليس عليه إزار ولا سراويل.
وفضل الإزار ما يجره الإنسان على الأرض على معنى الخيلاء والكبر. وفواضل المال أي
ما يأتيك من غلته ومرافقه. وفضول الغنائم ما فضل منها حين تقسم. وفضل الشيء أي زاد
عن الحاجة وبقي. وأفضل منه أي أبقى منه ([1])
الفضل في القرآن:
الفضل هو الزيادة مقارنة بالآخرين، فإذا
أعطى المولى زيد مئة ريال وعمرو ألف ريال فإن عمرو حصل على فضل مقارنة بزيد، فلا
يمكن اكتشاف الفضل إلا بعمل مقارنة مع الآخرين. وقد يكون الفضل للفرد الواحد وقد
يكون للجماعة.
تفضيل بني إسرائيل:
مثل تفضيل بني إسرائيل أي أعطاهم زيادة عمن
حولهم من البشر {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَٰلَمِينَ} ([2]) وهذا ليس لسواد عيونهم، بل
بسبب دعوة إبراهيم لذريته بالملك{قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّٰلِمِينَ} ([3]) والملك يحتاج إلى دعم
اقتصادي فيلزم أن يكون المجتمع غنياً حتى يُنشأ دولة قوية. وكذلك دعا لذريته أيضا
بالهداية، { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا}([4]) والهداية تكون بإرسال الأنبياء إليهم والمصلحين، وإنزال الكتب. ولم
يستمر هذا الفضل أي الزيادة على الناس في بني إسرائيل، بل قام الله بتعذيبهم أشد
العذاب وشردهم وأجلاهم.
ولو دققنا النظر في تاريخ اليهود وغيرهم
من الأمم، سنجد أنهم نالوا الملك مثل غيرهم، وإن تميز سليمان بملك لا مثيل له،
فهذا فضل لواحد من أبناء بني إسرائيل، ولكن الفضل الحقيقي والظاهر ولا ينتطح فيه
قرنان، هو فضلهم في الدين أي زاد لهم في الدين عن غيرهم من الأمم، فقد أرسل إليهم
عشرات من الأنبياء والرسل والدعاة، وأنزل عليهم كثير من الكتب السماوية. فهذه هي
زيادتهم البينة عن غيرهم من الأمم، ومع هذا كانوا أسوأ الأمم.
تفضيل الأنبياء:
وحتى الأنبياء هناك تفضيل بينهم {تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن
كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}([5]) وهذا ليس ما يعتقده العلماء والعامة، بأن هناك رسول أحسن من رسول،
فلو كان الأمر كذلك لما ذكره المولى، هذه تصرفات بشرية وليست ربانية، ولكن المولى
يقصد أنه أعطى بعض الرسل خصيصة، زيادة عن الآخرين من الرسل، ليس لسبب شخصي ولكن
لظروف ذلك الرسول وظروف قومه، فعيسى -على سبيل المثال- احتاج إلى روح القدس وقد
شرحنا أن روح القدس هو روح الحماية، فقد حماه الله منذ مولده إلى أن رفعه، فروح
القدس حماه حتى لا يقتله سفلة اليهود، وأمده بمعجزات هائلة حتى يهز وجدان اليهود
لعلهم يؤمنون بعد أن قست قلوبهم.
الفضل بين الأشخاص:
والعطاء يكون لكل البشر {كُلًّا نُّمِدُّ
هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} ([6]) لكن البشر بينهم تفضيل {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ
بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}([7]) أي هناك عطاء مجاني لكل الناس، ولكن هناك من ينال المزيد من ذلك
العطاء، لحكمة لا نعلمها وقد حذرنا المولى من الحسد وتمني الزيادة التي عند
الآخرين.
العفو فضل للمؤمنين:
{وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:
152].
والعفو وهو محو الذنوب والخطايا هو فضل
من الله{وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}([8]) أي عطاء مجاني، ولكن هنا
ظهر بعلامة سلبية، فهو كالرصيد المدين، أو كالدين، فبدلاً أن يحق عليك سداد الدين
قام صاحب الدين بمحوه عنك أي عفا عنك، وكأنه دفع دينك من جيبه فهو عطاء، فإذا عفا
عنك صاحب الدين ولم يعف عن الآخرين فقد تفضل عليك، أي زادك عن الآخرين بهذا العفو.
ونحن لا نتكلم عن الأموال فقط، بل نتكلم عن الذنوب باعتبارها ديناً على فاعلها.
فالآية تقول إن الله قد تفضل على
المؤمنين، أي زادهم دون غيرهم من البشر بالعفو عن ذنوبهم، فمحا رصيدهم من بعض
الذنوب، ولم يفعلها مع غيرهم وبهذا فضلهم على الآخرين. أو أنه عفا عنهم بزيادة عن
الآخرين، أي محا ذنوبهم أكثر مما محا من ذنوب الآخرين.
فضل
الله على الناس:
وفي هذا النص وغيره{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} ([9]) نجد القرآن يبين أن الفضل
كان على الناس ولم يقل الإنس، ذلك أنه كما شرحنا فإن الناس هم علية البشر والنخبة
وأهل المال والترف والعلم، فالمولى قد فضلهم أي أعطاهم مزيد من الأشياء خاصة
المال، عن بقية البشر.
الفضل
على العالمين:
{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَٰلَمِينَ } [البقرة: 251].
إذا كان معنى العالمين هم كل الجماعات
البشرية، فعلى من فضلهم الله؟
في هذ النص شرحنا أن معنى العالمين هو كل
المجموعات البشرية، وهنا يبين النص أن قانون التدافع بين الناس أي بين النخبة، هو
السبب في حماية المجتمعات البشرية، من الفساد السياسي، فإن هذا القانون لا يعمل
إلا في المجتمعات البشرية، فهو فضل لهم أي زيادة، فيبدو
أنه لا يعمل في عالم الحيوان أو في عالم الجن.
التفضيل
يوم القيامة:
{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ
اللَّهُ الْمُجَٰهِدِينَ عَلَى الْقَٰعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 95].
وفي الجنة سيظهر التفضيل بين المجاهد
والقاعد، فالمجاهد سينال درجة زيادة عن القاعد، نعم القاعد ينال الحسنى مثل المجاهد،
ولكن سيزيد المولى المجاهد درجة وسيزيده أجراً عظيماً.
فضل
داود:
{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا
يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } [سبأ: 10].
وقد فضل الله داود أي زاده في القدرة
والقوة عن غيره من القادة، وبين المولى تلك الأفضال التي زاده بها وهي الجبال تؤب
معه، والطير في خدمته، والحديد تحت طوعه.
تفضيل
الأكل:
{ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَٰوِرَٰتٌ وَجَنَّٰتٌ مِّنْ أَعْنَٰبٍ
وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4].
وحتى الأطعمة هناك تفضيل بينها، فالخالق
العظيم جعل في بعضها فضل أي زيادة عن الأخرى، وقد يُقصد بالتفضيل هنا هو الزيادة
في الطعم واللذة، أو يقصد به الفائدة الغذائية، وقد يكون المقصد في الاثنين.
التفضيل
البشري:
بقي أن نقول إن قول أحدهم على سبيل
المثال: إنني أفضل الرياض على جدة. لا يخرج عن هذا المعنى، فذلك القائل يقصد أنه
يعطي مزيداً من النقاط لصالح الرياض على جدة، نعم يعطي جدة نقاطاً، ولكن يعطي
الرياض أكثر وهذا هو التفضيل، مما يجعله يختار العيش في الرياض بدلاً من جدة.
فالفضل هو أو التفضيل مجرد إعطاء المزيد من النقاط، لشيء أكثر من آخر.
الخلاصة:
التفضيل من المعاني الظاهرة جداً وليس ما
تظنه المعاجم وكتب الفقه والتفسير، وأنه مجرد إعطاء مزيد من النقاط لشيء دون آخر،
فالأنبياء هناك تفضيل بينهم أي أن المولى أعطى بعضهم مواهب وقدرات وعلوماً أكثر من
غيرهم. وأن المولى أعطى بني إسرائيل كثير من كتب الهداية وأرسل لهم عشرات الرسل
أكثر من غيرهم من الأمم. ولو عملت مقارنة بين شيئين ووجدت أحدهم يملك أكثر من
الآخر فهذا هو الفضل بكل بساطة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك