أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

تفسير سورة التكوير

 



تفسير سورة التكوير

 

هذا السورة الكريمة كغيرها من السور المكية تركز على يوم القيامة فتبين ما سيحدث للنجوم والشمس والأرض، فالعشار تعطل والبحار تسجر، والوحوش تحشر والنفوس تزوج. ولاحظ هنا عزيزي القاري أن تلك الأحداث العظيمة لا يعني فيها الترتيب والتتابع، فقد تأتي تباعاً وقد تأتي مع بعضها، فالسورة هنا تقدم لك مشاهد متنوعة ومناظر متعددة لذلك اليوم.

1 - إذا الشمس كورت

تفرق أهل التراث في تفسير كورت في عدة آراء في تفسيرها: فمنهم من قال أظلمت، ويرى ابن عباس أنها تعني أغورت، وله رأي آخر أنها تعني ذهبت. ويزعمون أن ابن عباس قال بأن تكوير الشمس وبقية النجوم سيكون في البحر. ويرى آخر أن التكوير هو الرمي، أي أن الشمس سترمى لحظة الساعة. ويرى سعيد بن جبير أن كورت من الكور الفارسية. ([1])

ويرى أصحاب المعاجم اللغوية أن الكور أصل واحد يدل على دور وتجمع. والكور هو الدوران مثل كور العمامة. ولهذا يرون أن تفسير (إذا الشمس كورت) أي جمعت جمعاً.  والكوز مثل الكور فهو تجمع فتكوز القوم أي تجمعوا ([2])

ويرى صاحب معجم مجمع بحار الأنوار أن التكوير يعني اللف والجمع أي يلف ضوء الشمس فيذهب انبساطه في الآفاق، فيرى أن المقصد هو زوالها. ([3])

وتبين لنا آية أخرى معنى التكوير {يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ}  [الزمر: 5] وحسب علمنا الحديث وتطوره فإننا نشاهد إحاطة الليل بالنهار على ثلاثة أبعاد فهو يختلف عن الإحاطة لأنها ببعدين فقط مثل إحاطة السوار للمعصم، ولكن التكوير يزيد عليه بأنه يغطي الشيء كله بثلاثة أبعاد، مثل أن تغلف شركات الحلويات منتجها بورق حتى لا يتعرض للفساد، ويقوم الطفل بفك الورق المكور على الحلوى. وبهذا يكون معنى الشمس وتكويرها هو إحاطتها بشيء من كل الجهات، فلا يصل ضوءها إلى الأرض ويحل الظلام الدامس فترة.

وقد يكون المقصد كما قال صاحب مجمع بحار الأنوار، أن الشمس سيجمع ضوءها فلا ينتشر في الآفاق، ربما بسبب زوال نشاطها النووي. وفي كل الأحوال فإنها يوم الساعة لن تكون ذات نفع للبشر، إلى حين.

وقد يكون المعنى أن الشمس الكروية قد تصبح قريبة فيراها الناس بشكلها الحقيقي ذي الثلاث أبعاد، على عكس ما نراها اليوم ببعدين وكأنها قرص خبز دائري.

لكن أرجح أن الشمس ستعمل كما هي لكن شيئاً سيعق انتشار الضوء إلى الأرض فيراها الناس قد كورت، لعل النجم الثاقب (الطارق) يحمل معه غبار كوني فيكور ضوء الشمس المنتشر، كذلك عندما يجتمع القمر مع الشمس فيحدث اختلالاً لضوء الشمس فلا يصل إلينا.

ومهما يكن من حقيقة ما سيحدث للشمس، فإن القرآن ينبهنا إلى حقيقة وهي أن لحظة الساعة سيحل الظلام على الأرض إلى حين، ولعله إلى حين إشراقة الأرض من جديد بنور ربها أي بنور آخر غير نور الشمس.

2 - وإذا النجوم انكدرت

        يرى الربيع بن خثيم أن انكدرت يعني تناثرت ويرى مجاهد بن جبر نفس الرأي. ويرى آخرون أن النجوم سوف تسقط على الأرض ([4])

ولأنهم لا يفرقون بين النجوم والكواكب فقد اعتبروها شيئاً واحداً، لكن نقول إن النجوم هي تلك الأجرام الكبيرة التي تشبه الشمس، وليس الكواكب الصغيرة التي لا يُرى منها إلا القليل في ذلك الزمن، فالقرآن يبين أن حال النجوم مثل حال الشمس، سيحل شيء على الأرض يجعل الناس لا يرونها إلا بكدر كما نرى الكائنات في النهر فإذا ألقينا حجراً تكدر الماء وانغبشت الرؤية.

ففي أول الأمر سيحدث هذا التكدر للرؤية بسبب النيازك والبراكين وتلوث الجو فلم تعد الرؤية الصافية ممكنة فهذا هو الانكدار، فالنجوم بعيدة ولم يصبها أي أذى، ولكن الذي أصيب هو الرؤية من الأرض. وتقول النصوص أن النجوم ستمر بمراحل أخرى { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ }([5])  فبعد الكدر سيحدث الطمس فلا يستطيع الناس رؤية أي شيء من تلك النجوم. ثم بعد ذلك سيحدث ما هو أشد {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ النُّجُومِ}([6]) فستدور الأرض وتلتف وتضطرب فلم تعد تلك النجوم مرئية مطلقاً حتى بعد زوال الضباب والدخان، ذلك أن الأرض أيضاً سوف تتحرك مع حركة الشمس وتتجه إلى العرش كما تقول الروايات (تحبس تحت العرش) ([7]) فكلاهما سيذهبان إلى العرش فلا يرى البشر إلا العرش ولا يرون النجوم والأبراج التي اعتادوا عليها.  
3 - وإذا الجبال سيرت

ونظراً لاقتراب ذلك النجم الثاقب من المجموعة الشمسية ومن الأرض، فإن الصفائح الأرضية ستتزعزع وتتحرك وبهذا تتحرك معها الجبال فهي التي تحملها، ولهذا الجبال لا تتحرك بنفسها، بل هناك من يحركها وهي الصفائح، وهذا قبل انهيارها الكامل، فتدك وتصبح كثبان رملية. وهذا لا يعني أن كل الجبال في الأرض سيحدث لها ذلك، ولكن كثير منها، أو يقصد بها جبال الجزيرة العربية خاصة، لأنها مكان الحشر كما نظن.

واستخدام جذر السير في حركة الجبال يوم القيامة، يعني أنها ستقطع مسافات بعيدة جداً، وقد شرحنا جذر (سير) وبينّا أنه يعني قطع مسافات طويلة.


4 - وإذا العشار عطلت

زعموا أن العشار هي الإبل ولن نطيل في النقل، ولكن هذا الرأي غير معقول لدينا، لكن نرجح أنهم أطلقوا على الإبل عشار، لأنها تعاشر الإنسان في حله وترحاله، فهي لا تستغني عنه وهو لا يستغني عنها.

والمعقول أن العشار من العشرة والألفة، كقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([8]) وهناك جن مستقل وجن يعاشر البشر {يَٰمَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ}([9])  والعشيرة من العشرة، وهي التي تعاشرك فتكون بجوارك وليس من القرابة، وفي الغالب تكون القرابة هم عشيرتك، لأن الإنسان يسكن بجوار قرابته في تلك الأزمنة.

فإذا صح هذا الكلام وأن العشار هو جمع عشيرة، فإن الإنسان في ذلك الزمن يكون فاقداً للذاكرة، فهو إما أنه مستغني عن البشر بسبب وفرة الطعام، فلا يعاشرهم ولا يعاشرونه، وهناك حديث يبين أن الساعة لا تقوم حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً ([10]) فالطعام وفير.

أو أن العشار تتعطل عند لحظة الزلازل والبراكين والكوارث العظيمة، فيجد الإنسان أن العشيرة التي كون معها علاقة جيدة بالقرب من قبره، قد أصبحت عبئاً عليه، فلهذا هو يفر منهم، حتى لو كانوا من أقرب الأقربين له، خاصة وأنه لا يعلم أنهم قرابته لفقدانه الذاكرة تماماً، فيتوحش في تلك الفترة ويفقد قدرته على التواصل مع عشيرته التي عاشرته بعد الخروج من القبور. وهذا هو الفهم الذي نرجحه.

وهذه الخاصية تُعطل لحظة الساعة، لفترة مؤقتة حتى يعود البشر يجتمعون من جديد عند المحشر، فتعود ذاكرتهم لهم، ويعاودون تقبل بعضهم خاصة أهل الجنة.

5 - وإذا الوحوش حشرت

والوحشية لن تصيب الجميع فالمؤمن الصالح سيظل يحتفظ بوقاره وسكينته وسوف تطمئنه الملائكة بألا يخاف وسوف يظل مكرماً حتى يصل إلى جنات مؤقتة يستظل بها حتى يأتي وقت حسابه.

وقد يقصد بالوحوش هي تلك الكائنات المتوحشة المفترسة، فهي محشورة فلا تضر الإنسان في ذلك الزمان، ولا تفترسه، حماية له حتى يأتي وقت حسابه وكلا الفهمين معقولين وممكنين، وإن كنت أرجح أن الوحوش هنا هي الكائنات المفترسة بناء على الآية الكريمة

{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَٰئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }  [الأنعام: 38].

6 - وإذا البحار سجرت

وذهب أهل التفسير إلى أن سجرت أي اشتعلت بالنار، وذهب ابن عباس إلى أن سجرت أي اختلط ماء البحار بماء الأرض، ويرى الربيع أن سجرت أي فاضت ويرى الضحاك أن سجرت أي غار ماءها ويرى الحسن البصري أن سجرت يعني يبست وفي رواية عنه يعني فاضت ويرى ابن السائب أن المعنى ملئت ([11])

ويذهب أهل اللغة أن السجر له ثلاث أصول وهو الاختلاط أو الامتلاء أو الاشتعال ([12]) وهناك آية في القرآن تبين حال البحار يوم القيامة {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}([13]) ونرجح أنه مرحلة من المراحل التي تتعرض لها البحار، فيحدث الانفجار، ثم يحدث السجر، ولن نعرف من يسبق الآخر حتى نعرف معنى السجر هنا.

ولنناقش تلك الآراء، فأما الزعم بأن البحار تُملأ فكيف يكون ذلك، نعم الوعاء يملأ أو الحفرة، ولكن البحار لا تُملأ، بل هي التي تملأ الأشياء، فنستبعد هذا المعنى. أما الزعم بأن البحار يبست، فهذا مثل سابقه لا يعقل، فالبحار لا تيبس، بل الأرض التي تيبس.

وإذا نظرنا للصورة كاملة، كما يبين القرآن في كافة السور، نجد أن البراكين التي تزحف من كل اتجاه بسبب تحرك الصفائح الأرضية، تلامس البحار، فيحدث فيها مثل الانفجارات، كما نشاهد ذلك في كل عصر، أو أن البحار ستنفجر فيها البراكين (تسونامي) فهي بحار متفجرة، فيهرب الناس منها. ثم بعد ذلك بعد أن تتعرض البحار للبراكين واللابات، تسجر أي تسخن، فتتبخر المياه وتصعد إلى السماء كما يصعد معها دخان ضار، لهذا ستمتلأ السماء (الغلاف الجوي) بهذا الدخان  { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ }([14])

وعند البحث في القرآن نجد السجر ذكر في البحار، وذكر في أصحاب جهنم {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ }([15])

فما الذي سيحدث لهؤلاء في النار؟

يعذبون ؟

يتألمون ؟

أم يسخن جلدهم فتتبخر رطوبتهم ؟

وهذا هو التسجير، فكما سجرت البحار أي تبخر ماءها، كذلك ستتبخر رطوبة هؤلاء من شدة الحرارة، لهذا سنجدهم في آية أخرى في عطش دائم وشديد وحتى الماء سيكون ساخن جداً يشوي الوجوه  {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ}([16])   ومع هذا سيشربون منها شرب الهيم { فَشَٰرِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ }([17]) وذلك لأنهم ببساطة سجروا أي تبخرت رطوبتهم، ولهذا نقول إن السجر هو تخبر الماء.
7 - وإذا النفوس زوجت

 أهل الرواية ينقلون عن الصحابة الكرام ([18]) مرويات تبين أن الزواج هنا ليس بين امرأة ورجل، بل بين الرجل وشبيهه، وهو قول منسوب إلى النعمان بن بشر وعمر بن الخطاب، ويطلقون عليهم لفظ الضرباء. واستدلوا بالآية الكريمة { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَٰجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ }([19]) ويرى ابن عباس أن الزواج هنا يكون بين الجسم والروح فهذه هي النفوس التي تزوج بالجسم. ويرى مجاهد بن جبر نفس رأي عمر وهو الأمثال من الناس يجمع بينهم. واستدلوا بالآية الكريمة { وَكُنتُمْ أَزْوَٰجًا ثَلَٰثَةً }([20]) بينما يرى عطاء ومقاتل بن سليمان، أن الزواج هنا بين المؤمن والحور العين، وسيزوج الكافر بالشياطين ([21])

الرأي المعقول في هذا النص:

لم أجد في طول القرآن وعرضه، أن الزواج يطلق على علاقة بين رجل ورجل، أو رجل وجماعة ، أو رجل وشيطان، أو جسم وروح.

وإنما كل النصوص الكريمة تطلق على العلاقة بين الذكر والأنثى أو لنقل بين الموجب والسالب -إن صحت التسمية- فهي علاقة بين هذين المتكاملين يكمل أحدهما الآخر، أما العلاقة بين الكائن بغير نظيره السالب، فيلقبها القرآن بالقرنة أو الخلة أو الصحبة. 

وأرجح أن النص الكريم يتحدث عمن تزوج في الدنيا، وكان الزوجان متفقان، فإن حالهما يوم القيامة على نفس الشيء، فمن كان ظالماً وزوجته تناصره، فهي معه في جهنم، ومن كان خيراً وزوجته من خلفه تؤيده، فهي معه في الجنة {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّٰتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ}([22])  وهذا النص يؤكد على استمرار العلاقة الزوجية يوم القيامة وما بعدها.{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَٰجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}([23])   

وهذا الزواج كما يظهر من سياق الآيات سيحدث عند الخروج من القبر أو عند المحشر، حيث يجتمع كل إنسان مع من عاش في زمنه لكي يتحاسبوا ويشهد بعضهم على بعض.

أما لماذا استخدم النص كلمة نفوس بدلاً من كلمة رجل أو إنسان، فذلك لأن النفس تشمل الذكر والأنثى، وليس المقصد النفس الروحانية كما قالت كتب التفسير، فالنفس كلمة شاملة للذكر والأنثى والرجل والمرأة وكل كائن بشري، ممن تزوج في الدنيا.

  
8- وإذا الموؤودة سئلت
9 - بأي ذنب قتلت

الملائكة تسأل الموءودة عن سبب قتلها، وهو سؤال واحد لا غير، لأن صفحتها نقية لم تعمل شيئاً. والموءودة لا تعرف الإجابة فقد ماتت في أيامها الأولى، هذا لو سلمنا أن الموءودة هي من تدفن في طفولتها، وهذا أمر لا نجد سبباً معقولاً لمخالفته، وقد يتعجب القارئ في هذا الزمن من مسألة وئد البنات، بينما نرى أن الأمر تجذر في الحضارة، وأنه يعود كلما خفت صوت الحق وتقهقر الصالحون.

10 - وإذا الصحف نشرت

نرجح أن المقصد بالصحف هنا هو كتاب أعمالنا، وطبعاً سيستلم الإنسان كتابه الخاص كتاب أعماله، ويستلم المصحف الذي آمن به ليكون حجة عليه، ليعمل مقارنة بين ما تقرره الكتب المقدسة (الصحف) وبين كتاب أعماله. وبهذا يحاكم الإنسان نفسه قبل أن يحاكمه الله { اقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}([24])
11 - وإذا السماء كشطت

السماء تكشط ثم تُشق ثم تُفتح، لكي تنزل الملائكة ويقوم الحساب، فبعد استلام الكتاب وينظر ما فعله بالدنيا، تنزل الملائكة ويحضر الله عز وجل لكي يحاسب البشر والجن.
12-وإذا الجحيم سعرت
13 - وإذا الجنة أزلفت

في أثناء الحساب تتجهز النار والجنة وتبلغ أفضل حالها، فبعد تدفق اللابات والبراكين من كل مكان، حيث تستقر في قيعان الأرض العميقة هناك ستكون جهنم، بينما الجنة تتزين وتتكون في الجبال لكي تستقبل أصحابها، وقد شرحنا في كتابنا دار السلام على أن الجنة والنار على هذه الأرض بعد تشكلها من جديد.
14 - علمت نفس ما أحضرت

يسير البشري فاقداً للذاكرة إلا من بعض المتقين الذين يعرفون القليل من ذكرياتهم، فإذا تسلم كتابه علم ما أحضر من أفعال وأعمال، وهنا نجد أن السورة قد تحدثت عن ذلك سابقاً (وإذا الصحف نُشرت) كما شرحنا بالأعلى، لكن النص هنا يبين أن النفس بعد أن اطلعت على كتابها صارت عالمة بما فعلت في الدنيا القديمة، ففي البداية تُنشر الكتب ثم يراها صاحبها فيعلم ما أحضر، أي ما عمله بالدنيا.
15-فلا أقسم بالخنس
16 - الجوار الكنس

يعود النص هنا إلى مرحلة سابقة عن الحشر والحساب، وهي لحظة انفجار الأرض وتحطم الجبال. وقد شرحنا معنى الخنس في المعجم، فتبين لنا أن الخنس هي اللابات البركانية التي تجري تحت الأرض فتسبب خنساً للجبال، أي تجعلها فطساء بعد أن كانت عالية مرتفعة. أو أن الخنس يعني أنها تعمل في خفية ودون أن يشعر بها أحد وكل ذلك تقول به المعاجم اللغوية، فالخنس يعني الفطس ويعني العمل بخفاء.

لكنها بالتأكيد تشير إلى اللابات البركانية لأنها كما تقول الآية التالية جوار كنس، أي تجري فهي تدمر الجبال وتفطسها أي تدكها، بعد أن يصبح أسفل منها فارغاً، ثم هي تكنس ما أمامها من أشياء وآثار قديمة للبشر، وحتى البشر تطردهم إلى المحشر { يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ }([25])  
17 - والليل إذا عسعس
18 - والصبح إذا تنفس 

اختلف أهل التراث في معنى عسعس، فابن عباس يرى أن عسعس يعني أقبل سواده، ويرى مجاهد أن عسعس تعني أظلم، وهو بنفس المعنى. وهناك روايات أخرى ترى أن عسعس يعني أدبر. ([26])

ونلاحظ من النص التالي، أن الليل سيعسعس، ثم بعد حين سيتنفس الصبح، وذلك بعد أن طال الليل لفترة طويلة وقد قدرناها بعشر ليال كما فسرنا في سورة الفجر، ثم بعد تلك العسعسة الطويلة سيتنفس الصبح من جديد، لكنه بعد الحساب سيعود الظلام من جديد وذلك عندما يتجه المؤمنون والكافرون نحو مثواهم الأخير.

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ }  [الحديد: 12].

{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَٰفِقُونَ وَالْمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ }  [الحديد: 13].

واستخدم جذر العسعسة مناسب، لأن الليل ليس سرمدي ومتصل في ذلك الوقت، بل هو يعسعس أي يذهب ويعود، لكن عودته أطول من ذهابه، فلا ينقطع الليل إلا قليلاً مع حلول أضواء البروق وأضواء البراكين واللابات، وكذلك بوجود نور خاص بالمؤمنين.
19 - إنه لقول رسول كريم
20 - ذي قوة عند ذي العرش مكين
21 - مطاع ثم أمين

زعم الكفار أن الرسول يستقي قرأنه من الشياطين، فأكد النص الكريم أن مصدر هذا القرآن هو الروح العظيم، وقد مكنه صاحب العرش أي الله قد مكنه وأعطاه تلك القدرات. وهو مطاع فالملائكة تطيعه لأنها تنزل معه { يُنَزِّلُ الْمَلَٰئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}([27]) وهو أمين فلا يعبث بالوحي المرسل من قبل الله.
22 - وما صاحبكم بمجنون
23 - ولقد رآه بالأفق المبين
24 - وما هو على الغيب بضنين
25 - وما هو بقول شيطان رجيم

في هذه النصوص الأربعة يتحدث المولى عن الرسول وحاله، فهو ليس بمجنون، وهو ليس يأتيه وحي شيطاني وهو ليس على الغيب بضنين

فما هو الضنين؟

شرقت المعاجم وغربت، بل اختلقت روايات وزيفت، لكي يحاولوا إثبات معنى معين لهذه المفردة الفريدة فلم يرد جذرها مطلقاً في القرآن إلا هنا.

واختصاراً تذهب المعاجم والروايات إلى التالي:

-      ضنين أصلها ظنين كما تقول عائشة التي تقول إن النساخ أخطأوا. نعوذ بالله من هذا الكلام، وهذا الكذب على أمنا عائشة. ([28])

-      وهناك من يرى بأن ضنين أي البخيل أو كتوم، أي أن الرسول ليس بخيل عليكم بهذا الوحي النفيس. وهذا تفسير ضعيف، لأن الرسول بالتأكيد ليس بخيل عليهم بالوحي، بل هو يكرر عليهم ويصر، فهذا الأمر ليس مخفي عنهم ولا محل جدالهم.

-       والرأي الثالث هو أن ضنين يعني متهم فهو ليس بمتهم بالوحي. وهذا أيضاً تفسير بعيد، فلو كان معنى ضنين هو المتهم، لقال وما هو ضنين بالغيب، وليس على الغيب.

والجواب الصحيح بإذن الله هو:

يتحدث النص عن سبب عدم قبول القرآن ووجود شبهات عند القوم، وهي أن يكون الرسول مجنون أو يكون صاحب الوحي شيطان وليس ملاك، أو يكون الرسول ضنين على الغيب.

ومن التهم الأساسية التي وردت في سور القرآن المكية هي أن الرسول مجنون أو مسحور أو كذاب، فهل (ضنين على الغيب) تعني كذاب؟ أم لها معن جديد؟

وارد ومعقول، ولكن هناك أيضاً معنى آخر وهو أنه ليس كاشف للغيب، وإنما هو وحي يأتيه من غير حول منه ولا قوة، فهو ليس كاهن يستطلع أخبار السماء.

{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ }  [الطور: 29].

{ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ }  [الحاقة: 42].

فالآية تقول: إن محمد ليس ضنين على الغيب، ولو تتبعنا مفردة الغيب في القرآن سنجد أن الغيب لله وحده، فلا يطلع عليه أحدٌ مطلقاً إلا من استثنى من رسول

يقول القرآن

{ عَٰلِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا }  [الجن: 26].

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}  [آل عمران: 179].

{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}  [الأعراف: 188].

{فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ}  [يونس: 20]

ومن كل هذا يتبين لنا أن القرآن يقول للناس أن الرسول لا يعلم الغيب ولا يطلع عليه، وأن القوم كانوا يضغطون على الرسول لكي يأتي لهم بأنباء الغيب كدليل على نبوته، وبهذا يكون معنى هذا النص المكرم:

-      ما صاحبكم بمجنون.

-      ليس لديه علم الغيب فيأتيكم بما تطلبون منه من غيبيات.

-      ليس ما يقوله مصدره الشيطان

 وبهذا يكون معنى ضنين هو عارف، أو قادر أو متمكن أو مطلع، على الغيب، لهذا قال بعدها إن هو إلا ذكر للعالمين.
26 - فأين تذهبون
27 - إن هو إلا ذكر للعالمين
28 - لمن شاء منكم أن يستقيم
29 - وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين
فإين تذهبون بخيالكم وظنونكم، إن هو إلا تذكير لكم بما حصل لكم في حياتكم السابقة من تعليم لكم (عالم الذر) فإن شئتم استقمتم، ولن تستقيموا إلا أن يشاء الله رب العالمين.

الخلاصة:

توجه السورة المكرمة إلى أحداث عظام ستحدث يوم القيامة، فعندما يفيق البشر من قبورهم، ويعيشون فترة على الأرض، تبدأ الأحداث فجأة فتكور الشمس وتنكدر النجوم والجبال تُسير والعشار تعطل، والوحوش تُحشر، والبحار تُسجر، والنفوس تزوج، والموؤدة تُسأل، والوحوش تُحشر، والصحف تنشر، والسماء تكشط.

وهكذا يعرض لنا ما سيحدث يوم القيامة بلا ترتيب، ثم يعود ليبين بداية هذا الحدث العظيم الذي سيكون عند حدوث القسم، أي يقسم الله بدمار الأرض، الذي يتمثل في القسم بالخنس، والذي هو براكين الأرض السفلية، فيأذن بانطلاقها وخروجها، وهي أثقال الأرض كما شرحنا في سورة الزلزلة.

ثم تعود السورة للتكلم عن الوحي وجبريل، وأن هذا القرآن ليس من وحي الشياطين ولا بكلام الكهان، بل هو من عند الله، وأن الرسول لا يستطيع جلب الغيب ومعرفته، فهو يتلقى الوحي ويخبر الناس به بلا تدخل منه، فمن يريد الإيمان، فأهلا وسهلاً ومن يريد الكفر فكما يريد.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

 



([1]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 728)

([2]) «مقاييس اللغة» (5/ 146)

([3]) «مجمع بحار الأنوار» (4/ 443)

([4]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 730)

([5]) [المرسلات: 8].

([6]) [الواقعة: 75].

([7]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 727)

([8]) [النساء: 19].

([9]) [الأنعام: 128].

([10]) «مسند أحمد» (14/ 427 ط الرسالة)

([11]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 736)

([12]) «مقاييس اللغة» (3/ 134)

([13]) [الانفطار: 3]

([14]) [الدخان: 10].

([15]) [غافر: 72] 

([16]) [الكهف: 29].

([17]) [الواقعة: 55].

([18]) أنظر هذه الصفحة وما يليها  «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 738)

([19]) [الصافات: 22].

([20]) [الواقعة: 7].

([21]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 741)

([22]) [غافر: 8].

([23]) [الصافات: 22].

([24]) [الإسراء: 14].

([25]) [ق: 44].

([26]) موسوعة التفسير المأثور (22/ 753): «مجمع بحار الأنوار» (3/ 594)

([27]) [النحل: 2].

([28]) «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 762) «جمهرة اللغة» (1/ 148) «لسان العرب» (13/ 261) «الفروق اللغوية للعسكري» (ص176) «الإبانة في اللغة العربية» (3/ 399) «تاج العروس من جواهر القاموس» (35/ 340) «مجمع بحار الأنوار» (3/ 421) «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» (2/ 387)


ali
ali
تعليقات