أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

قصة لوط وقومه وموقع قريتهم وسبب شذوذهم

 


قصة لوط وقومه وموقع قريتهم وسبب شذوذهم

سوف نطرح عدة أسئلة في لوط وقومه وعلاقته بإبراهيم وعن مكان القرية، ومن خلال الإجابة سوف تظهر لنا قصة لوط في أوضح وأجلى صورة.

هل قصة لوط التوراتية صحيحة؟

تزعم الرواية اليهودية أن ابنتي لوط قد قدمتا الخمر لأبيهما ثم واقعتا أباهما لأنهما تريدان الإنجاب، وقد كانوا في مكان لا يوجد فيه بشر، فأنجبت الأولى موآب وهو أبو المؤابيين، والثانية أنجبت بن عمي وهو أبو بني عمون. وهؤلاء أي المؤابيين والعمونيين هم أعداء بني إسرائيل فتم اختلاق هذه القصة الفظيعة في لوط وبناته، لكي يبينوا أن هؤلاء الأعداء هم أبناء زنا محارم. نعوذ بالله من كفرهم وجرمهم فهم لا يوقرون الرسل ويفترون على كل الأنبياء، فقلوبهم قلوب الشياطين، أقصد بذلك رجال الدين الذين اختلقوا تلك القصص.

وهو يشي بحالة بني إسرائيل فزواج المحارم وزنا المحارم منتشر بينهم في بعض الفترات التاريخية، بل إنه مسموح في شريعتهم زواج العم من بنات أخيه، وذلك ناتج عن تعصبهم لأنفسهم وناتج عن تشردهم وتعرضهم للذبح والاضطهاد الدائم، فقل فيهم الذكور.

ونلاحظ في تكرارهم للعدد اثنين، فبنات لوط اثنتان، وعدد الملائكة اثنان، وعدد الأصهار اثنان، وكلها باطلة، فله ثلاث بنات أو أكثر، والملائكة ثلاثة أو أكثر، وليس له أصهار.

ومن أكاذيب التوراة أن لوط فرح بقدوم الضيوف إليه، بل هو من أصر على دخولهم بيته، فيقول لهما: " فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: "يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا". فَقَالاَ: "لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ". فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ"

وهنا نلاحظ كذبة أكل الطعام " فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ." وهي تخالف القرآن فلم يأكلوا الطعام لأنهم من الملائكة، والملائكة لا تأكل الطعام، فلهم مدد من الطاقة لا نعلم سره. { فَلَمَّا رَءَا أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}([1]) ولكن على العموم تظل قصة التوراة صادقة في بعض تفاصيلها إلا ما فيه حط من شأن لوط.

هل إبراهيم هو عم لوط؟

يجب أن نعلم أولاً أن إبراهيم لا يقرب للوط وليس هو ابن أخيه كما تزعم التوراة، وإنما كان يسكن بجوار إبراهيم فآمن بنبوته، وذلك قبل أن يهاجر إبراهيم من قريته.

{ فَءَامَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي}([2]) أي أن لوط آمن بإبراهيم في قريته ثم هاجر إبراهيم من قريته إلى الديار المباركة.

بل القرآن يؤكد أنه ليس من قوم إبراهيم، فعندما جاءت الرسل قالت لإبراهيم أنهم أرسلوا للقضاء على قوم لوط، ولو كان إبراهيم عمه لقالت الملائكة: أنّا أُرسلنا إلى قومك يا إبراهيم

{قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ }([3])

بل يجزم القرآن أن قوم لوط غير قوم إبراهيم

{وَقَوْمُ إِبْرَٰهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ}([4])

لكن من شبه المؤكد أن القومين يعودان إلى أصل واحد بعيد، فتفرقوا في قريتين أي دولتين ربطت بينهما علاقات اقتصادية واجتماعية.

 وهذا الكلام قائم على تعريف معنى الأخوة ومعنى القوم، فإن كانت تعني النسب، فهم قومه نسباً وهم إخوته نسباً، فهذا يؤكد أن لوط لا قرابة بينه وبين إبراهيم وسوف نشرح معنى قوم وإخوة في المعجم بإذن الله.

مما تتكون أسرة لوط؟

تزعم المرويات اليهودية أن للوط ابنتين فقط، بينما نجد في النص الكريم {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ}([5]) وهذا يعني أنهن على الأقل ثلاثة أو أكثر. كما تزعم الرواية أنهما متزوجتان، وأن للوط أصهار وهذا باطل لأن لوط عرض بناته على قومه فلو كن متزوجات لما عرضهن، لأنهن سيكن تحت ظل أزواجهن، فلا ولاية له عليهن.

كما أن لديه زوجة ولا نعلم هل هي أم بناته، أم زوجة جديدة، ونرجح أنها أمهن، فهي عجوز، وهذا يدلل على أن لوط شيخ كبير في السن، فلو كانت شابة لشككنا في كونها أمهن، وإن بقي الأمر محل ترجيح، فلا ندري يقيناً عن الأمر، لكن لا يوجد مانع في كونها أمهن.  

ما مكانة لوط عند قوم لوط؟

يذكر القرآن أن لوط أوتي الحكم والعلم.

{وَلُوطًا ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}([6])

وهذا يعني أنهم كانوا يلجؤون إليه ليحكم بينهم، وهذا يدلل على وقاره ومكانته ورجاحة عقله. كذلك هو عالمٌ بنوع من العلوم، مما جعله أكثر تميزاً، وكرامة بين قومه.

وكان نداً لهم فهو أخوهم فليس من طبقة دونية.

{وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ}([7])

وكان رسولاً والمولى لا يرسل رسله إلا وقد سلحهم بأسلحة تقنع من كان قلبه سليماً، وقد أحاطه المولى بالحماية مثل بقية رسله، ثم في الأخير نصره الله عليهم.

{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }([8])

ومن المؤكد أنه كان غنياً لأن المولى لا يرسل الرسل وهم فقراء، بل يمدهم بالمال ليتفرغوا للرسالة الموكلة إليهم، فلهذا كان عزيزاً في قومه كريماً له اليد العليا على فقرائهم.

هل سكن لوط مع قومه داخل المدينة؟

{ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ }([9])

من الواضح كما تشير الآية أن لوط لم يسكن معهم تلك المدينة الموبوءة ([10]) لكن من الفعل (جاء) يتبين أنه كان قريباً منهم أي أنه سكن الضواحي، والتوراة تشير إلى أنه ضرب خيامه في سدوم أي أن الرجل اتخذ الخيام مسكناً له ولم يسكن معهم في المدينة ([11]) فلا ندري هل بسبب فجورهم، أم لأنه كان يشتغل في الرعي، لكنه كان من ضمن قريتهم أي دولتهم، ولعله كان يسكن هناك لكي يمنع الغرباء من دخول المدينة ويحذرهم، لهذا قال الكفار له:

{ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَٰلَمِينَ }([12])

لماذا مكث لوط في القرية ولم يهاجر سريعاً؟

لوط منذ البداية رسول مأمور

{ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ }([13])  

 فلم يكن بيده الخروج، ولو خرج لحدث له مثلما حدث ليونس، فقد أبق أي هرب {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}([14]) لكن لوط دعا ربه أن ينجيه من تلك القرية { رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ }([15]) ومعنى نجا أي انتقل من مكان خطر إلى مكان آمن، فهو يطلب الهجرة إلى مكان طيب والتخلص من حياة تلك القرية المجرمة.

ماذا فعل القوم مع الملائكة؟

ما أن أخبرتهم امرأة لوط بالغرباء-وهو احتمال ممكن- حتى أقبلوا فرحين، فلعلها أرسلت مرسولها إلى المدينة، لتخبرهم بالضيوف، فأرادوا بهم السوء، لكن الملائكة طمست أعينهم

{ وَلَقَدْ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ }([16])

والآية تشير إلى أن القوم خاتلوا لوط وخدعوه، فجذبوه بعيداً عن منزله لكي يتظاهروا بالكلام معه بعقلانية، فإذا بفريق آخر يدخل المنزل للبحث عن الضيوف، لكن الملائكة طمست أعينهم فلم يشاهدوا أحداً هناك، رغم وجودهم.

والتوراة تزعم أن الذي حدث هو عجزهم عن رؤية باب منزل لوط "فضرباهم بالعمى من الصغير الى الكبير فعجزوا عن ان يجدوا الباب" لكننا نرفض هذا القول، فلو حدث هذا لشعروا بالخطر الحقيقي لوجود هذه المعجزة، ولكنهم دخلوا المنزل أو الخيمة فلم يجدوا أحداً.

لماذا عرض لوط بناته على قومه؟

{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّءَاتِ قَالَ يَٰقَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} [هود: 78].

فعل ذلك لكي يبين لهم حجم الكارثة التي ينوون فعلها، فكأنه يقول لهم إنه أهون عليه الاعتداء على بناته من الاعتداء على ضيوفه من الذكور، لأن المساس بالنساء لديهم جريمة ما بعدها جريمة، لهذا أراد أن يقول لهم إن جريمة الاعتداء على الضيوف أكثر فجوراً، لو أن فيكم رجل رشيد.

لماذا قال القرآن: واتبع أدبارهم ؟

تحدث أحد الملائكة إلى لوط وقال له {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}([17]) أي قم بالسير خفية فالإسراء هو السير في الخفاء بدون شعور أحدهم، والليل أفضل وقت مناسب لهذا السري. ثم قال واتبع أدبارهم! أي كن خلف أهلك فهم يتقدمونك وأنت خلفهم، فلماذا؟

إذا صح أن المقصود في الاتباع هو أسرته، فذلك لكي يمنع بناته من الالتفات فقوة التفجير والاضاءة الهائلة تدفع بناته إلى النظر فضولاً منهن، فلهذا كان خلفهن يمنعهن عن ذلك، فلما التفتت امرأته تركها وشأنها، لأن الملائكة بينت له أنها ستكون من الغابرين. وهي فعلاً كانت خلفه كما تقول التوراة "وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ"([18])  فلهذا عندما نظرت لم يكن لوط ليعلم عنها لينقذها.

لماذا كانت امرأة لوط من الغابرين؟

لأنها ببساطة التفتت فشخص بصرها وأصيبت بالدهشة وعجزت عن الحركة، فلحقها الغبار فتوفيت اختناقاً.

وهي إما أنها لم ترحل معهم وبقيت في المنزل، وهذا لا يتفق مع أخلاق لوط ولن يتحمل بناته هذا الفراق ولن يقبلنه، لأنهن لا يعلمن بحقيقتها، أو أنها رحلت معهم وهذا تؤكده التوراة "وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ"([19]) ولأنها عصية للوط فإنها لم تنفذ تعليماته الحازمة والتفتت فصارت من الغابرين.

ويعود السبب في خطورة الالتفات هي صدمة ودهشة المنظر التي تصيب الناظر بالتجمد وهي حالة تشابه حالة الكفار يوم القيامة الذين ينظرون لأهوالها فيعجزون عن الحركة

{فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبْصَٰرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ} ([20])

بل هي حالة عامة تصيب كل البشر في أي وقت وزمان.

لقد كان منزل لوط من ضمن الدائرة التي قررت الملائكة ضربها، لهذا أمرتهم الملائكة بالتحرك ليلاً وقبل إشراقة الصبح {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}([21]) وهذا يعني أن الدائرة التي ضُربت كانت كبيرة لدرجة أنها لاحقت لوط الهارب من خطرها وعائلته، نعم لم يصلهم شرها بالكامل، ولكن وصلهم الغبار، فكل من التفت ودهش وشخص بصره، أحاطت به الأغبرة وقضي عليه من الاختناق مثل امرأة لوط، فهي من الغابرين أي أن هناك من تغبر مثلها فمات.

وهي فوق أنها لم تستجب لتوجيهات لوط بعدم الالتفات، فيبدو أنها كانت كبيرة في السن {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَٰبِرِينَ}([22]) فهذا سبب إضافي آخر جعلها تنفصل عنهم، فبناتها تقدمن ولم يلتفتن بناء على أوامر لوط، ومع أصوات الانفجارات فقد انقطعن عنها، فتأخرت عنهن وكما أشارت التوراة إلى أنها التفتت أيضاً.

هل كانت امرأة لوط تخونه دائماً أم تلك المرة فقط؟


لم يخبرنا النص الكريم أن امرأة لوط كانت دائماً تخونه، وإنما قال: {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَٰلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}([23]) صحيح أن امرأة لوط خانته مرة واحدة، ولكنها كانت تضمر الخيانة وقد جاءتها الفرصة، فكان عقابها معقول وستدخل النار يوم القيامة {وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّٰخِلِينَ }([24])  وفي المرويات أنها كانت تقف مع قوم لوط ضد زوجها، وكانت تدل الناس على ضيوف لوط عندما جاءت الملائكة ([25]) أي كانت تدل على الضيوف دائماً وهذا غير صحيح كما يقول القرآن.
والخيانة ليست الزنا كما قد يتصور البعض، فالخيانة هي الغدر بصنع الضرر ضد من يأمن لنا، ويكون الأمر بالخفاء ودون أن يدري من يأمننا. فهي غدرت بلوط في تلك اللحظة وأبلغت القوم عنهم، والخيانة لا يتساهل فيها الشارع، لعظم أثرها ولشناعة نفسية فاعلها

لماذا خانت امرأة لوط زوجها؟

يجب بداية أن نقول إن هذا الشذوذ لم يكن قديماً في القوم، بل جد في جيلهم فقط، ولم يكن علنياً ولم يكن حقاً عندهم، إلا خلال سنوات قليلة، فهذه السيدة بداية لم تكن تدعم الشذوذ أو تفضله، لأنه خطر عليها وعلى بناتها وقريباتها وعلى كل جنس النساء.

فكيف كانت خيانتها؟

من خلال الآيات تبين أن لوط يستقبل الضيوف في طرف المدينة، وكان يحثهم على عدم دخولها، وقد حذره القوم من هذا الفعل، فلم يستجب لهم.

لكن قبل الخوض في خيانتها، يجب أن نعرف معنى الخيانة. والحقيقة لم ندرس هذا الجذر جيداً بعد، ولكن نرجح أنه نقل المعلومات إلى الأعداء، فهذه هي الخيانة بكل بساطة وليس له علاقة بالجنس والزنا، فهي كانت عيناً لقوم لوط، تنقل لهم أخبار الضيوف، فلماذا فعلت ذلك؟

لا نعرف الدوافع هل هي اجتماعية فلها قرابة يدفعونها إلى نقل المعلومات، أو دوافع اقتصادية، فقد كثر الضيوف في منزلها وضجرت منهم؟

لن تخرج الدوافع عن هذين الاحتمالين، فنستبعد أي شذوذ فيها، أو تساهلها في الأمر، فإن كانت بنات لوط هن بناتها، فهذا فيه ضرر كبير عليهن، فلا يعقل أن تقبل هذا الأمر، ولكن كان لديها دوافع اجتماعية أو معيشية هي التي دفعتها للخيانة أي نقل المعلومات إلى خصوم لوط.

أين ذهب لوط بعد نجاته؟

﴿وَنَجَّيناهُ وَلوطًا إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها لِلعالَمينَ﴾([26])

{فَءَامَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي}([27])

تشير هذه الآية الجليلة إلى التالي:

-     تم انقاذ إبراهيم من المخاطر، كذلك تم انقاذ لوط من المخاطر، ولكن ليس في نفس الوقت ولا من نفس المكان، فكل واحد فيهما، نجا في زمن مختلف من ابتلاء مختلف.

-     انتقل إبراهيم إلى الأرض المباركة وهي مكة بكل تأكيد وقد كتبنا في ذلك شرحاً، كذلك انتقل بعده لوط إلى الأرض المباركة أي مكة

-     آمن لوط بإبراهيم قبل أن يهاجر إلى مكة، ولعل لوط قابله في بلده الأصلية مدينة قوم إبراهيم.

-     وهذا يؤكد أن مدينة لوط قريبة من مكة فلا يعقل أن يهاجر لوط مسافات طويلة، فيهلك هو وبناته، وذكرنا أن الهجرة تعني الهروب من الاضطهاد إلى أرض لا شر فيها.

-     مزاعم اليهود في علاقة لوط ببناته وأنهن سقينه الخمر لكي ينزو إليهن، هو فجور وكفر كما هي عادة رجال الدين اليهود. والغرض منها اتهام الذرية التي نتجت عن تلك العلاقة الحرام بأنهم أولاد زنا المحارم، فقد زعموا أن الذرية هي قبيلتان كانتا في عداوة مع بني إسرائيل وهما: الموابيين والعمونيين([28]). والصواب أن لوط وبناته انتقلوا إلى مكة وهناك تزوج بناته من سكان مكة. وليس ما تزعمه التوراة بأنه سكن الغار (فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ).

لماذا ذكرهم القرآن باسم قوم لوط ولم يذكر موقعهم ولا حضارتهم؟

نلاحظ من خلال القرآن الكريم، أن قوم لوط لم يكونوا معروفين لأحدٍ، فأطلق عليهم مصطلح قوم لوط، وكذلك الحال مع قوم نوح وقوم إبراهيم، ذلك لأن مناطقهم لم تُعرف، فلو عُرفت لأطلق عليهم أصحاب كذا، مثل أصحاب الأيكة وأصحاب الرس، ولو كان للقوم حضارة محفورة في العقول، لسماها باسمها مثل ثمود وعاد، لأنهما شكلا حضارة ممتدة وبقيت في الذاكرة، فلهذا تسميتهم بقوم فلان دليل على ضياع موقعهم وضياع حضارتهم، فلم يعد أحدٌ يعلم عنهم شيء.

والأمر لا يعود إلى ضعف حضارتهم، بل يدل إلى بعدهم في الزمن، فهم ضاربون في القدم، ووقتهم قريب من تاريخ قوم نوحٍ، لهذا سماهم القرآن بقوم فلان، لأنهم ببساطة لا يُعرفون. فلما تقدم الزمن واقترب صار القرآن يطلق المناطق والحضارات والاسماء على تلك الأقوام المندثرة.

أين تقع مدينة أو قرية لوط؟

 تطلق التوراة على مكان قرية لوط بسدوم وعمورة، وتقول إنها في دائرة الأردن، ثم تقول في مكان آخر أنه سكن في مدن الدائرة ([29]) في سدوم تحديداً، ولكن كلام القرآن عن القرية يؤكد أنها مجهولة عند اليهود وعند قريش، وأنه يمد لهم المساعدة لاكتشافها، ولكن المسلمين تركوا الأمر، لسلطة الثقافة اليهودية، لكن التوراة تشير إلى أن إبراهيم كان قريباً من قرية لوط وشاهد أعمدة الدخان البركانية تتصاعد من القرية حين تدميرها ([30])

هل أشار القرآن إلى موقع قوم لوط؟

نعم لقد حدد القرآن مكان البحث عن موقع القوم، تحديداً جيداً ومعقولاً، ولم يبق إلا القليل من الجهد لاكتشاف الموقع، وهو موقع غامض، ذلك لأن ديارهم خُسفت وصار عاليها سافلها، ثم بعد ذلك غُطيت بالغبار كما يذكر القرآن وعلى مر السنين زاد الغبار في التغطية.

والقرآن يبين أن القرية قريبة من مكان إبراهيم، فقد مرت الملائكة على إبراهيم حيث يسكن لكي تبشره بالمولود، وتخبره بأمر قرية لوط، وقد استخدمت اسم الإشارة -هذا- لكي تؤكد أن قرية لوط قريبة من سكن إبراهيم.

{ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: 34].

فلو كانت القرية بعيدة عن مكان إبراهيم لاستخدمت الملائكة اسم الإشارة (تلك) وليس (هذه) وبقي أن نعرف أين كان إبراهيم ساعة لقاءه بالملائكة لكي نحدد دائرة البحث بدقة.

من الواضح من خلال القرآن أن إبراهيم لم يكن في قريته، فقد هاجر منها، لأن لوط قد آمن به ثم بعدها هاجر إبراهيم من قريته. وإبراهيم تكلم مع الملائكة وأخبرهم أنه يجب التريث قبل تنفيذ العذاب عن قوم لوط.

وهنا يتبين أن إبراهيم يكن المشاعر لقوم لوط فهو يعرفهم جيداً، فله سابق تجربة معهم قبل أن يحدث لهم ما حدث من وباء ومرض، فلهذا كان يحنو عليهم، فمن المحتمل أنه مر على قريتهم أثناء هجرته إلى مكانه المحدد، وهناك آية قد تشير إلى علاقة إبراهيم بقوم لوطٍ، فلعل النبي الكريم إبراهيم رحل إلى قريتهم ودعا القوم إلى الدين، فآمن به لوط ثم أخبرهم أنه مهاجر إلى الله ولن يستقر عندهم {فَءَامَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي}([31])

وهل كان في مكة أثناء زيارة الملائكة له مع السيدة هاجر؟ أم كان مع السيدة سارة في البادية حيث كانت تسكن كما يتبين من قصة إسحق ويعقوب الذي كان في البدو أي البادية؟ {وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ }([32])

من الواضح أن إبراهيم كان يسكن في منطقة زراعية مقبولة، أي هي حياة صحراوية مع شيء من الحياة الريفية، لأنه جاء بعجل حنيذ، أي كان يربي الأبقار والعجول، وهذا ممكن في مكة حيث تحولت إلى بلد زراعي بعد دعائه، فمن المرجح أن إبراهيم كان في مكة حين زيارة الملائكة له، وهذا يعني أن قرية لوط كانت قريبة من مكة يمكن رؤيتها مباشرة، وهذا يعني أنها لا تبعد عن مكة إلا بضعة كيلو مترات فقط.

أما لو كان في البادية مع زوجته سارة التي لم تنجب بعد، وجاء الملائكة وعالجوا لها مشكلتها بإذن الله وأمره، كما تقول الآيات فهذا يعني أنها كانت في منطقة وسط بين الزراعة وبين التصحر، ثم انتقل اسحق ويعقوب إلى الصحراء لحقاً.

فإذا كان إبراهيم قد استقبل زواره الملائكة في منطقة غير مكة، فهذا يعني أننا نجهل مكان قوم لوط، لأن منطقة اسحق ويعقوب غير معلومة، أو هي في سبيل بعيد عن مكة لكن أهل مكة يمرون من خلاله.

ونستعبد يقيناً أن يكون إبراهيم لازال في قريته حين حضرت الملائكة، ذلك لأنه كان في قريته في مرحلة الفتوة كما تشير الآيات، بينما عندما حضرت الملائكة كان قد شاخ هو وزوجته أي قد هاجر وانتقل منها ولم يعد إليها.

وهناك آيات أخرى تشير إلى أن المنطقة قريبة من مكة أو أن هناك طريق حي لم يندثر في زمن الرسول، لازلت قريش تستخدمه، فتمر على قرية لوط دون أن تدرك أن تحت الرمال توجد بقايا القرية المدفونة.

{ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ }([33])

ثم إن القرآن يضع علامة أخرى أو وسماً وهو الحجارة من سجيل منضود ضربت القربة بعد أن صار عاليها سافلها، فمن أراد البحث عن ذلك الوسم أو العلامة سيجد تحتها القرية المدفونة

{ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ }([34])

فكل ما علينا هو معرفة معنى حجارة من سجيل منضود لكي نقلص منطقة البحث عن تلك الديار.

ومن الواضح أن العلامات التي تُركت للتدليل على مكان المدينة، موجودة وهي أدلة عقلية وليست حسية مباشرة، فهي آية، ولكن لقوم يعقلون وليس يبصرون { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءَايَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }([35]) أي أن هناك دليل عقلي يدلنا على مكان المدينة.

وهناك آية قد تؤكد أن مدينة قوم لوط قريبة من مكة

{ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 83].

فإن كان القصد من الضمير في (هي) هو مدينة قوم لوط، فإن تلك المدينة ليست بعيدة عن الظالمين من كفار قريش، وقد يكون المقصد أن تلك الحجارة المسومة التي ضربت مدينة لوط هي ليست بعيدة عن الظالمين من قريش، وهذا يعني أيضاً أن المدينة قريبة من مكة. أما لو قُصد أن تلك الحجارة المسومة التي في السماء والتي ضربت قوم لوطٍ، فإنها ليست بعيدة عن الظالمين من قريش، أي ليس موعد ضربها بعيد عن قريش لو استمروا في عنادهم، فقد يأذن الله بذلك، فيصبحوا مثل قوم لوط، فإن كان المقصد ببعيد هو البعد الزمني عن ضرب قريش، فهذا يعني أن الآية لا تتكلم عن قرية لوط ومدى بعدها أو قربها من مكة، وإنما تتكلم عن العقاب وأنه قريب من كفار مكة زمنياً.

كذلك هناك آية مهمة

﴿وَإِنَّكُمۡ لَتَمُرُّونَ عَلَيۡهِم مُّصۡبِحِينَ 137 وَبِٱلَّيۡلِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾([36])

وهذا يعني أن قريش لو انطلقت قافلتها في الفجر فإنهم يمرون على القرية أثناء فترة الصباح، ولو أن قافلتهم انطلقت في الليل فإنهم يمرون عليهم في نفس الليلة، ولن يحتاجوا إلى ليال أخرى كي يصلوا إليها، وهذا يعني قرب قرية لوط من مكة.

ويجب أن نلاحظ أن القرآن استخدم الجذر مرّ أي أن المسافر يمر بجوار القرية ولا يعبر فوقها، فالسبيل يمر بجوار المدينة، فمن أراد البحث عليه أن يلقي بصره يمنة الطريق أو يسرته، خاصة إذا لاحظ وجود حجارة غريبة.

والخلاصة في هذا الأمر أننا نقول إن موقع سدوم الذي قالوا إنه في الأردن، هو موقع باطل ومزيف، صنعه اليهود كراهية فيمن سكن هناك أو أن هناك ظاهرة جغرافية وجيولوجية عجيبة جعلتهم يظنون أنها موقع قوم لوط. بينما لو كان الموقع صحيحاً لما ذكر القرآن أنه موقع مجهول، وكان قد اكتفى بذكر اسم سدوم كما ذكر بقية الأماكن. واليهود لا يعرفون المكان فقد طُمس تحت الأرض في زمن بعيد جداً هو زمن إبراهيم، قبل أن يتشكل بنو إسرائيل.

ونلاحظ أن القرآن قد وجهنا إلى معرفة المكان للضرورة، وأن خير وسيلة في ذلك هو الانطلاق من مكة ثم عمل دائرة تتسع حتى نصل إلى المكان الغريب الذي فيه حجارة غريبة، وأنه لكي نوفر الجهد فعلنا أن نضيق البحث داخل هذه الدائرة، عن طريق البحث عن سبيل قديم، كانت تسير فيه الدواب السيارة، وبهذا نصل إلى المكان بكل يسر. إن الأمر سهل ميسر، فمن من علماء الآثار يقوم بها؟

وأخيراً فإن التوراة تزعم أن أحد الملائكة أمر لوط بالتوجه إلى الجبل ([37]) وهذا يتفق مع قصة القرآن التي تقول إنه نجا والفعل نجا يعني انتقل من مكان منخفض إلى مكان مرتفعٍ، وتقول نفس الآية أنه نجا إلى الأرض المباركة وهي مكة وبهذا ستكون مدينة لوط في أرض منخفضة قريبة من مكة.

{ وَنَجَّيْنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَٰرَكْنَا فِيهَا لِلْعَٰلَمِينَ }([38]) 

بقي أن نرد على شبهة من يعترض على أنه من المستحيل أن تكون مدينة لوط قرب مكة، وأن في ذلك تشكيكاً في مكانة مكة العظيمة. والحقيقة أن هذه الشبهة ساقطة، بل إن قرب مدينة لوط من مكة دليل على عظمتها، وذلك لأن المولى حمى المنطقة من أي وباء اجتماعي يحل بقربها، فها هو جيل واحد من أناس ينحرفون وهم قرب مكة يقوم المولى بالقضاء عليهم وإفناءهم كلهم.

وهذا ما فعله مع أصحاب الفيل أيضاً، فلمكانة مكة ولأنها مدعومة من الرحمن فقد خلصها من كل أعداءها، ومن ذلك أصحاب الفيل الذين كانوا يضرون بتجارة مكة، وقد شرحنا ذلك باستفاضة في تفسير سورة الفيل.

وحتى قوم عاد وثمود ونوح وشعيب وبقية الأنبياء المذكورين هم من أهل الجزيرة من الحجاز أو لهم علاقة بالحجاز ولهم أثر فيها، فقد أبادهم المولى حماية للإنس من تجبرهم، وحماية لجغرافيا مكة المكرمة.

فقرب قوم لوط من مكة والقضاء عليهم سريعاً دليل أكيد على أهمية وعظمة مكة، فمدينة لوط كمدينة ليس فيها أي عار أو فضيحة، بل الفضيحة كانت على من سكنها وإلا فهي أرض من ضمن ما خلقه الله، الذي سخر كل الأرض لكل البشر.

هل عاقبهم المولى للشذوذ أم للفساد؟

عندما تحدث النص الكريم عن فاحشة الشذوذ، وصف فاعليها بالإسراف {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }([39]) والمسرف هو الذي يزيد في فعله وأمره فوق الطبيعة أي أنه يبالغ في تلبية حاجته الفطرية مما يؤدي إلى ظلم أو انحراف . ولكن عندما ذكر النص موضوع إخراج لوط بالقوة ذكر بعده تدمير القرية. ثم بعد ذلك ذكر النص الكريم إخراج لوط بالقوة {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ}([40]) وحينها بدأ العقاب وذلك لسببين: فرض هذا الشذوذ بالقوة، وهو ظلم عظيم، ثم النية في طرد لوط وأهله من القرية وهذا ظلم ثان.

فظاهرة الشذوذ موجودة في كل المجتمعات، ولكنها مخفية مستورة، لا يفعلها أصحابها إلا بالسر وعلى حياء، وهم قلة قليلة، ولكن مع قوم لوط صار الأمر اعتداء وإفساد للحياة ولطرق التجارة، وصاروا يعتبرونه حقاً لهم، فصاروا ظالمين وفاسدين.

﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾([41])

وكثير من الأقوام الذين ذُكروا في القرآن الكريم، تم التطرق إلى موضوع الشرك وعبادة الأصنام والآباء، إلا مع قوم لوط. وقد تم ذكر قوم شعيب وتبين أن علتهم اجتماعية من نهب وقطع طريق وفساد سياسي خطير، مع التطرق قليلا للشرك وعدم الإيمان باليوم الآخر، ومع هذا فقد قضى عليهم المولى ودمر دولتهم، وحتى الأمم الأخرى كان السبب هو الظلم الاجتماعي، وتوارث معتقدات الآباء.

أما قوم لوط فلم يكن الأمر متوارثاً -حسب دراستي للنصوص- فقد تفشى الأمر في جيل لوط، وكان جديداً عليهم، وبدأوا يشرعنون له ويعتبرنه حقاً لهم، ولو استمر في أجيال أخرى لأوجدوا له سند شرعي، وأنه فعل الآباء.

ولأن هذا الداء خطير جداً فلم يمهلهم المولى، فقضى عليهم من جيلهم الأول، فهو داء لا يدمر الدولة، بل يدمر البشرية كلها ويقضي عليها عن بكرة أبيها. وما يفعله الغرب اليوم من فرض هذا الشذوذ بالقوة، سيؤدي إلى فنائهم، إلا لو ظهر مصلحون فيهم قادرون على البطش بتلك الفئة الموبوءة، واستعادة الفطرة السوية.

 

ما سبب انتشار هذا الشذوذ في قوم لوط؟

بداية يجب أن ندرك أن قوم لوط لم يكونوا يمارسون الشذوذ فيما بينهم، بل مع الغرباء  

{ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَٰلَمِينَ }([42])   

ولو كانوا يمارسون الشذوذ فيما بينهم لما احتاجوا إلى الغرباء. وقد شرحنا معنى العالمين في مقال سابق وبينا أنه يعني (الآخر) وفق مصطلحاتنا الحالية.

لقد كان الأمر بداية صدفة، فهم في مدينة يمر منها الغرباء كل حين، وكانوا يقطعون السبيل، أي يترصدون للغرباء ويأسرونهم، فإذا كان بين الأسرى طفل، فإنه يتعرض للعدوان مثلما يتعرض اليتيم واللقيط للتحرش، في كل زمان.

{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ}([43])

وبهذا كثر هذا الفحش فيهم، فصار عادة، وصار مصدر فخر لهم، لهذا كانوا يتعطشون للمسافرين الغرباء، فمن وجدوه أمرداً أو صغيراً أسروه وقتلوا أسرته.

لهذا نجدهم يقبلون نحو لوط يستبشرون لوجود الضيوف عنده، أي صار هذا الشذوذ هو الطريقة الأحسن لتفريغ غريزتهم كما يخيل الشيطان لهم.

{ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ }([44])  

ويبدو أن التفاخر عندهم بلغ مبلغه، فقد صاروا يمارسونه علانية، يبصر بعضهم البعض وهم يفعلون هذا الفحش

{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَٰحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }([45])   

ولوط صاحب سفر وترحال، وقد وجد الأقوام من حوله سليمون من هذا الداء، أو أن الملائكة أخبرته بذلك، أو الوحي. وما يهمنا هو أن هذا الداء جديد، نعم يوجد حالات فردية للشذوذ قبل لوط، ولكن كان في خُفية وبحياء شديد، لكن في قوم لوط تحول الأمر إلى عمل جماعي منظم ومعلن وأمام الأنظار.

{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }([46])   

{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَٰلَمِينَ }([47])    

إن هذه الظاهرة أي الشذوذ، لم تأت من فراغ، فهم يقطعون الطريق ويأسرون الأطفال الذين يسهل التحرش بهم، كما أنهم متشددون وأهل غيرة على نسائهم، فعندما عرض لوط بناته عليهم غضبوا {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}([48]) وهذا يؤكد على تشددهم ضد الفطرة كما يؤكد أن الشذوذ مع الغرباء صار حقاً لهم، فمن الغريب أن يقف لوط ضد هذا الحق.

بينما نجد في قصة يوسف لا توجد هذه الظاهرة وهي الشذوذ ويوسف رغم جماله الفائق لم يفكر أحدٌ بالاعتداء عليه، ويعود السبب أن المجتمع الذي انتقل إليه كان مجتمعاً متحرراً لا تشدد فيه على النساء، فالحريات كبيرة في الالتقاء والتجمع والاختلاط مع الرجال مما وفر بيئة صحية تقضي على أي شذوذ.

إن العزل والتشدد مع النساء، وفصل الجنسين من كل لقاء وتعارف، هو عمل شيطاني خطير، يولد لدى هؤلاء الذكور رغبة في التفريغ في أي شيء كان، فإن توفر أيتام ولقطاء وغرباء، فكأنما صببنا الوقود على النار، لأن هؤلاء في متناول اليد، فإن صار مقبولاً عند المجتمع أو متسامح فيه، كانت الكارثة وصار حقاً مكتسباً لهؤلاء الأوغاد.

لماذا تم القضاء على كل قوم لوط أليس فيهم أبرياء؟

أليس هناك أطفال أبرياء، ونساء ضعاف؟ فلماذا أُبيدوا كلهم عن بكرة أبيهم؟

ذكرت النصوص كما شرحنا سابقاً أن قوم نوح لم يبادوا جميعاً فبقيت شرذمة منهم هربوا من الموت، كذلك الحال في عاد الأولى التي ظهر بعدها عاد الثانية، وهكذا بقية الأقوام فلم يقض عليهم جميعاً ولو حدث ذلك لفنيت البشرية، وإنما الذي يقضى عليه هو قريتهم أي دولتهم فقط، وكبارهم مع جنودهم وعصبتهم.

باستثناء قوم لوط، فقد أشارت النصوص إلى احتمالية القضاء على كل السكان

{ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }([49])   

{ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ }([50])

وحينها يسأل سائل ما ذنب الأطفال والنساء؟

فنقول لا ذنب لهم، هم مثلهم مثل غيرهم من البشر من عُجل له الموت، وموتهم مثل موت كل البشر حتى الأنبياء والرسل ماتوا، وسيخرجون يوم القيامة أنقياء لا ذنب عليهم. ولو تم انقاذهم من ذلك الموت، لتشردوا في الصحراء وماتوا بميتة أشد وأنكى، فلا معيل لهم.

خلاصة القصة:

لوط نبي ورسول كريم، تفشت في زمنه ظاهرة الشذوذ مع الغرباء وإجبارهم بالقوة على هذا الشذوذ، وصار بعد سنوات حق لهم، فنصحهم لوط ولم يسمعوا له، فسكن على طرف المدينة يمنع الغرباء من دخول المدينة، لكن زوجته خانته وأخبرت أقاربها، فهددوه، ثم تلا ذلك، التخطيط لطرده من دولتهم، رغم أنه كان قاضياً بينهم لحكمته وعقله وعلمه، لكن هذا لم يشفع له لأنه وقف يجابههم بما يملك لمنعهم من هذا الشذوذ الذي أدمنوه.

فأرسل المولى الملائكة لإخراج لوط وتصفية كل قومه، فمعظم الأقوام التي أُبيدت لم يتم إهلاكهم جميعاً إلا قوم لوط فقد تم اهلاكهم أجمعين، وذلك لخطورة فعلهم على البشرية، ولأنهم جميعاً راضون على هذا الشذوذ.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

 

 



([1]) [هود: 70].

([2]) [العنكبوت: 26].

([3]) [هود: 70].

([4]) [الحج: 43].

([5]) [هود: 79].

([6]) [الأنبياء: 74].

([7]) [ق: 13].

([8]) [الشعراء: 162].

([9]) [الحجر: 67].

([10])  تلك المدينة ليست موبوءة، بل من سكن فيها، جعلها كذلك فالديار والمدن والأراضي هي من صنع الله وفعله، لكن الوباء هو فيمن سكنها وأفسد الحياة فيها لفترة، فيزول الوباء بزوال أصحابه.

([11]) (تك 12:13)

([12]) [الحجر: 70].

([13])  [الشعراء: 162].

([14]) [الصافات: 140]

([15]) [الشعراء: 169].

([16]) [القمر: 37].

([17]) [الحجر: 65].

([18]) (تكوين 26:19)

([19]) (تكوين 26:19)

([20]) [الأنبياء: 97].

([21]) [هود: 81].

([22]) [الشعراء: 171].

([23])[التحريم: 10].

([24]) [التحريم: 10]

([25]) ذم اللواط للآجري (ص: 38) ذم اللواط للآجري (ص: 43)

([26]) [الأنبياء: ٧١]

([27]) [العنكبوت: 26].

([28]) (تك 37:19)

([29]) (تك 10:13) (تك 12:13)

([30]) (تك 15:19)

([31]) [العنكبوت: 26].

([32]) [يوسف: 100].

([33]) [الحجر: 76].

([34]) [الحجر: 75].

([35]) [العنكبوت: 35]

([36]) [الصافات: 137-138]

([37]) (تك 17:19)

([38]) [الأنبياء: ٧١]

([39]) [الأعراف: 81].

([40]) [الأعراف: 82].

([41]) [الأعراف: 82-84]

([42]) [الشعراء: 165].

([43]) [العنكبوت: 29].

([44]) [الحجر: 67].

([45]) [النمل: 54].

([46]) [الأعراف: 81].

([47]) [العنكبوت: 28]

([48]) [هود: 79].

([49]) [الذاريات: 35].

([50]) [الذاريات: 36].

ali
ali
تعليقات