سورة التين
1 - والتين والزيتون
2 - وطور سينين
3 - وهذا البلد الأمين
اختلفوا في شأن التين والزيتون، ونُسبت
بعض الآراء إلى الرسول عليه السلام، فقيل إن التين هو بلاد الشام والزيتون بلاد
فلسطين. وقيل، بل التين هو مسجد نوح الذي بُني بأعلى الجودي، والزيتون هو بيت
المقدس. وزعموا أن ابن عباس قال بأن التين هو المسجد الحرام والزيتون هو المسجد
الأقصى ([1]) وهناك من زعم أن التين هو مسجد أصحاب الكهف،
والزيتون مسجد إيليا ([2]) وقيل بأن
سينين هو جبل بالحبشة ([3])
ولا ننسى تفسيرات الشيعة التي تقول إن
التين والزيتون هما الحسن والحسين، ولا ندري ما علاقتهما بالسورة وموضوعها. وهناك
من المعاصرين من ذهب إلى أن التين والزيتون هي الهند أو الصين.
والصواب أنها ثلاث بلاد مبجلة، وليست
مجرد مساجد أو معابد، فأول البلاد اشتهرت بالتين والزيتون معاً، وفيها المعبد
المبجل ولعله معبد النصارى، وطور سينين وفيه معبد اليهود المبجل، والبلد الأمين هو
مكة وهو الذي سيصبح مبجلاً عند المسلمين.
أو ربما استغربوا من دمارها لأنها مناطق
جبلية ضخمة، فكيف ستدمر هذه الجبال الجليلة التي تهز الفؤاد عند النظر إليها؟ وحتى
مكة منطقة واسعة، فهي جبلية جليلة. ونرجح هذا الرأي لأن كثير من الآيات تذكر الجبال
ودمارها وهو مستغرب عندهم، فكيف إذا جمعت بين قوة الجبال وتوقير المكان الذي جعله الله محرماً.
{ وَيَسْءَلُونَكَ
عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } [طه: 105].
{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
} [المعارج: 9].
{ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا } [الواقعة: 5].
{ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ } [المرسلات: 10].
والقسم هنا قسم تدمير، أي سوف تُدمر تلك
البلاد يوم القيامة ولن يبقى شيء منها، فاحذروا من غضب الله واستعدوا لذلك اليوم
العصيب جداً على الكفار، ولو صح تفسيرنا هذا فهو يؤكد أن كفار قريش وبعض الجماعات
اليهودية التي تنكر البعث، هي من تحججت بهذه الحجة، فكأنهم قالوا للرسول: لا يعقل
أن يكون هناك يوم قيامة وفيها الساعة المدمرة، فهل يعقل أن المولى سيدمر المدن المبجلة؟!
خاصة أنها جبال ضخمة.
والذي يؤكد أن مناطق التين والطور والبلد
الأمين، جبال ضخمة قوله بعدها أنه سيرده أسفل سافلين، فبعد أن كان يعيش في مناطق مبجلة
في مناطق جبلية شاهقة، إذ يرده يوم القيامة أسفل سافلين كما سوف نرى في الشرح
بالأسفل.
4 - لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
ذهب أهل التراث إلى أن أحسن تقويم تعني في انتصاب ولم يُخلق مكباً على وجهه، وقيل، بل يقصد في شبابه أول ما ينشأ، وقيل، بل يمشي على رجلين وغيره على أربع ([4])
ويزعم الحسن البصري أن الإنسان هنا يقصد به المشرك
([5]) وبعضهم
يزعم أن الإنسان هو الرسول عليه السلام والذين
آمنوا في هذه الآية هم الخلفاء الأربعة ([6])
والصحيح أن السورة كلها تتكلم عن الأماكن
والمواقع، فبدأ كلامه عن المدن المبجلة، ثم وجه كلامه لهذا الإنسان الذي يعيش في
تلك المدن المبجلة، وأنه يعيش في أحسن تقويم، أي أحسن حياة جميلة رغدة، لكنه سيعيش
بعد ذلك في أسفل سافلين، وهذا يؤكد أن التقويم يقصد به المكان الرغد الحسن الجميل
الثابت المتماسك.
{عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَّحْمُودًا } [الإسراء: 79].
{ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا
} [مريم: 73].
{ خَٰلِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ
مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان: 76].
{ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الشعراء: 58].
والإنسان يقصد به -كما نزعم- البشري
المترف الظالم الذي بخل عن الإنفاق وظلم العوام والضعفاء، ومعظم من يطلق عليه
إنسان سيدخل النار، لأنه ظالم ومتسلط ويستخدم نفوذه في عمل الحرام، وقد رأينا
الحسن البصري يرى أن الإنسان هنا هو المشرك، والصواب أن كل بشري صاحب مال وسلطة
ومن أهل الجاه والنفوذ هو الإنسان دون غيره من البشر، وأنه في الغالب يفسده هذا
المال والسلطة، فيظلم ويتجبر، ومن لا يظلم من هذه الفئة هم القليل ممن يؤمن بالله
ويعمل الصالحات.
5 - ثم رددناه أسفل سافلين
زعموا أن أسفل سافلين تعني رحلة الإنسان
في الزمن، أي هو سائر حتماً نحو أرذل العمر وهو الخرف، وهناك من يزعم أنها رحلة
العمر نحو الخرف ثم النار، وهناك من يرى أن أسفل سافلين هي النار فهي رحلة مكانية
من التنعم إلى دخول النار ([7])
والصواب هو ما ذهب إليه بعض أهل التراث،
وهو دخول النار، فالسورة كلها تتكلم عن الأماكن والنعيم التي فيها الإنسان، ثم
دخول مكان فيه عذاب شديد، وهو بكل تأكيد نار جهنم، فهناك درك أسفل في النار كما هو
معلوم وقد طلب الكفار من ربهم أن يجعل في الدرك الأسفل من أضلهم.
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا
أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ
أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ
} [فصلت: 29].
{ثُمَّ يُرَدُّونَ
إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } [التوبة: 101].
{ يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
} [النازعات: 10].
6 - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون
زعم أهل التراث أن الذين آمنوا هم الخلفاء
الأربعة، ومن الواضح التأثير السياسي في هذا التفسير، فالذين آمنوا هم كل الذين
آمنوا من أي أمة. وزعموا أن معنى غير ممنون أي غير منقوص، وفي رأي آخر غير محسوب
وفي رأي ثالث أنه أجر بغير عمل، وفي قول رابع هو أجر بدون منّ عليهم ([8])
والصواب أن الآية تتحدث عن فئة الإنسان
أي الطبقة المتسلطة الغنية التي لها الرياسة والجاه على البشر ، فإن بعض هؤلاء
سيدخلون الجنة، لأن المال والجاه لم يطغهم، بل أنفقوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر
غير ممنون، أي لهم أجر بلا منّ عليهم كما نظن.
7 - فما يكذبك بعد بالدين
8 - أليس الله بأحكم الحاكمين
حار أهل السلف في معنى "فما
يكذبك" فرأى بعضهم أن المقصود هو توجيه اللوم على الكافر، فما يحملك على أن
تكذب بالبعث وقد أخبرك محمدٌ بذلك. وقيل، بل الخطاب موجه إلى النبي، أي استيقن يا
محمد بما جاءك من الله، فهو أحكم الحاكمين؟ وقيل، بل المعنى فمن يكذبك بالدين يا
محمد بعد هذا البيان بالدين؟ ([9])
التفسير
الصحيح للآيتين:
نذهب إلى أن النص بسيط وواضح، فالله أحكم
الحاكمين، أي أكثر وأعظم حاكم عادل يحكم بين خصمين، فيقضي بينهم بالحق، فالرسول من
جهة والكفار من جهة يختصمون يوم القيامة
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ عِندَ
رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31].
{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ
حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَٰكِمِينَ } [يونس: 109].
فهناك خصومة بين الرسول والكفار وقد
بينتها الآية السابقة، وهي "فما يكذبك.." أي أن موضوع الخصومة هو تكذيب
الكفار للرسول، فكان السؤال ما السبب الذي جعل الكفار يكذبونك؟ وهو سؤال استنكاري،
فلا يوجد سبب معقول يجعلهم ينكرون يوم الدين
{ يَسْءَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
} [الذاريات: 12].
{ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ
} [المدثر: 46].
{ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ
} [المطففين: 11].
فاطمئن يا محمد وانتبهوا يا كفار! فإن
الله أحكم الحاكمين سيحكم بينكم يوم القيامة فليفحص كل شخص قلبه ونفسه وهل هو صادق
في إنكاره ليوم الدين؟ ويقوم على حجة عنده أم هو مجرد استكبار وجحود.
والحكم لن يكون في الدنيا، ففي الدنيا
الله ينصر أوليائه ويخذل أعداءه، فلن يكون هناك خصومة وتحاكم، فهم لا يقفون يوم
الحساب، فهم لا يسمعونه وهو لا يريد سماعهم، ولكن يوم القيامة أي يوم الحساب،
سيسمع الله كل خصم وحججه، لهذا هو الحكم يوم القيامة وهو أحكم الحاكمين أي هو أعظم
من يحكم بالحق والعدل والقسط.
الخلاصة:
تؤكد السورة على وقوع يوم القيامة حتماً،
بل سيتم تدمير المدن المقدسة في لحظة الساعة من يوم القيامة، أو سيدمر مناطق جبلية
هائلة. ثم تبين السورة نعمة الله على الإنسان الغني المترف، الذي لم يعمل الصالح
ولم يؤمن بالآخرة، فسوف يدخل النار ويستقر في أسفلها، إلا الذين عملوا الصالحات من
الأغنياء أصحاب النفوذ.
والمترف هو الأكثر إنكاراً ليوم القيامة،
فهو لا يريد أن يتنازل عن ممتلكاته ولا سلطاته، فمن يؤمن بيوم القيامة سيضطر إلى
أن يكثر من الصدقة ويتنازل عن نفوذه وسلطته حتى لا يظلم الآخرين.
والسورة تتحدث عن المستقبل بصيغة الماضي،
فكأن الإنسان المترف دخل النار في أسفلها، وانتهى الأمر، وهذا موجود بكثرة في
القرآن عند الكلام عن يوم القيامة، فينقل لنا كلام الكفار وكلام الملائكة وكلام المؤمنين
وكأنه قد صار وانتهى وأصبح من الماضي، فهذه الطريقة موجودة بكثرة كاثرة في القرآن
عند الكلام عن يوم القيامة وأحداثها، ولعلها أكثر وقعاً على النفس.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك