أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الشك والريبة في القرآن المكرم


 

الشك والريبة في القرآن المكرم

الشك لغة:

الشك خلاف اليقين، وهو التردد بين طرفين. وشك البعير أي ظلع ظلعاً خفيفاً. والشك اللزوم واللصوق. والشكوك الناقة التي يُشك فيها، أبها طرق أم لا؟. والشِكة السلاح. ورجل شاك السلاح أي اللابس للسلاح التام. وشككته بالرمح أي خرقته وانتظمته. والشكيكة الفرقة من الناس. والشكائك الفرق. والشكائك من الهوادج ما شُك من عيدانها التي يثبت بها بعضها في بعض. وشُكت على المرأة المرجومة ثيابها أي جُمعت عليها ولُفت لئلا تنكشف. وكل شيء أدخلته في شيء فقد شككته ([1])

الشك في القرآن:

الشك هو صعوبة الوصول إلى اليقين المطلق، نعم هناك اقتناع كبير، ولكن يرافقه شك يجعل النفس تتردد في القبول والتسليم التام، والشك من الشكة، أي دخول شيء صغير كالإبرة فأصاب بالوخز، فيصبح الشخص غير مرتاح وهناك ما يشغله من أذً قليل، كذلك الشك الفكري، هو إزالة الراحة العقلية والطمأنينة بسبب دخول شيء أثر في تلك القناعة التامة.

 وإليك الآيات المبجلات:

 الشك في عيسى:

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }  [النساء: 157].

اختلف القوم هل قتلُ أم صُلب؟ لهذا ظهر الشك عند كل الطرفين، فهم يتبعون الظن أي يتبعون الجزم بلا دليل ولم يقتلوه يقيناً، أي لم يشاهدوا قتله ولم يمسكوه بأنفسهم، فهم يجزمون بلا دليل حسي ملموس، هذا الاختلاف ولد شكاً عند الطرفين فزالت الطمأنينة، لكنهم لازالوا يرجحون مقتله أو صلبه، ولكن لم يعودوا يشعروا بالطمأنينة الكاملة في هذا الخبر.

شك الرسول:

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْءَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }  [يونس: 94].

الرسول تعجل في طلب نصرة الله على الكفار، وقد كررت سور كثيرة ذلك الاستعجال، خاصة أنهم كانوا يسخرون منه ويطلبون العقاب { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا}([2])  وأكد له القرآن ذلك في نفس السورة {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ }([3])  وقوله {وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}([4]) فالرسول لم يكن يشك في كلام الله ووعده، ولكنه كان يستعجل { فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا }([5]) فكان يعاتبه القرآن على هذا التعجل وقارنه بالشك رغم أن الرسول لم يشك.

شك كفار قريش:

وكفار قريش في شك يلعبون {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}([6])  فرغم أن الشك فطري في الإنسان فإن القوم لم يبذلوا الجهد لتحري الحقيقة، فكانوا غير جادين في شكهم وإنما هو مثل اللعب عندهم.

الشك المريب:

الشك المريب هو الشك الذي يرافقه ارتياب، وهو أن تشك في المعلومة وتشك في نوايا صاحبها، وتجزم أن صاحبها له مآرب أخرى، وقد واجه الرسل هذه الحالة، إذ تم اتهامهم بكل التهم في نواياهم، مثل الزعم أنهم يريدون المنصب، أو الجاه أو الملك أو المال.

{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }  [غافر: 34].

كان الفراعنة يشكون في كلام يوسف الذي زعم لهم أن هناك رسول يأتي من بعده، فلما مات يوسف صاروا يزعمون أنه لن يبعث الله رسولاً من بعده، لكن فرعون أقام المذابح في بني إسرائيل وأطفالهم لكيلا يظهر ذلك الرسول أو لكي يضعف بني إسرائيل لو ظهر منهم. ولكي ينجح فرعون في خطته أثار الريبة في موسى بالزعم أنه يريد من وراء دعوته الملك وإخراج المصريين من أرضهم.

وسوف نشرح بقية الآيات في الشك المريب عند دراسة جذر الريب.

الريب لغة:

أصل يدل على شك. أو شك وخوف. فالريب ما رابك من أمر. وأراب الرجل أي صار ذا ريبة، دخل فيه شك وخوف. وريب الدهر صروفه. والريب هو الحاجة لأن الطالب يشك في تلبية طلبه. وريب المنون هو نازلة الموت ([7])

رأي أهل التراث في الريب:

يرى معظم الصحابة والتابعين أن الريب هو الشك، فآية لا ريب فيه، فسروها بلا شك فيه ([8]) أما المفسرون اللاحقون، فقد جاءوا بآراء أخرى، فيرون الشك هو التردد، ويرى آخر أنه إذا ورد لا شك مع الريبة، فهذا يعني أنهم لا يعرفون شكهم. ويرى أحدهم أن شك مريب يعني شك ظاهر. والريبة عندهم هي التهمة، فإن شك مريب يعني شك معه تهمة، أي في شك مع تهمة عليك أيها الرسول بما أتيت به.

 وقال آخر أن مريب هو نعت شك، ويرى آخر في (شك مريب) أن تلك الأقوام شكوا في صدق نبوتهم وأقوالهم. ويرى آخر أن شك مريب يعني مبالغة فيه. ويرى الرازي أن الشك هو أن يبقى الإنسان متوقفاً بين النفي والإثبات والمريب هو الذي يظن به السوء، ومقصدهم هو مبالغة في تزييف كلام الرسول ([9])

الريبة في القرآن:

ورد هذا الجذر في القرآن 35مرة في 26 آية. والريبة هي ترجيح السلبية في غرض المصدر، فمصدر الخبر له غرض وفائدة من اصدار ذلك الخبر، يجعله لا يقول الحقيقة.

ريبة الشهيدان:  

وهذا نجده واضحاً في آية الشهيدين اللذان قد نشك في غرضهما ودافعهما من تلك الشهادة المزيفة {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا} ([10]) فإذا شعر الحاكم بأن هناك غرض من وراء تلك الشهادة أي ريبة فيهما، فيجب أن يقسم الشهيد {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلَا نَكْتُمُ شَهَٰدَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْءَاثِمِينَ }([11])  حتى تزول الريبة أي يتأكد الحاكم ألا غرض من وراء تلك المعلومة التي هي الشهادة.

ريبة من النساء:

{ وَالَّٰءِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّٰءِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَٰتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }  [الطلاق: 4].

تكلمت السورة عن المطلقات، واللاتي يزعمن أن الحيض قد انقطع، فهناك ريبة من كلامهن، فقد يردن البقاء في المنزل أو إنفاق الأزواج عليهن، حينها لحل هذا الإشكال، فإن على المطلق أن يعطي تلك المطلقة مهلة ثلاثة أشهر، فيتبين حينها هل هي حامل فعلاً أم أنها تكذب.

الرسول أمي فلا ريبة:

كذلك لو أن الرسول كان يتلو الكتب المقدسة أو يكتبها لارتاب الكفار {إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }([12]) ذلك لأن الكفار سيحسبون أن الرسول قد اقتبس من تلك الكتب، وحينها سيرتابون منه أي سيسألون لماذا يفعل ذلك وما هي الدوافع؟ هل يريد مصلحة لنفسه.

ريبة المنافقون:

وفي آية المنافقين أشد النفاق الذين لم يشاركوا مع الرسول كانوا في ريبة {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }([13]) لأنهم خبثاء يكنون للإسلام الفناء وللمسلمين الموت ﵟهَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ ﵞ ([14]) فصارت قلوبهم في شك وريبة، يظنون أن الرسول سوف يرسلهم إلى حتفهم، بأن يزج بهم في المعارك ليقضي عليهم، فتلك ريبتهم فهم يحسبون السوء في غرض الرسول ونيته، وأن وراء الأكمة ما ورائها. وقد أكدت هذا الكلام آية آخرى { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ}([15])  

وفي آية { أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ } ([16])  تتكلم عن المنافقين الذين يمتنعون عن الاحتكام للرسول، فيتساءل النص المكرم هل في قلوبهم مرض أي حالة نفسية متردية، أم ارتابوا أي حسبوا السوء في نوايا الرسول وأنه يريد ظلمهم أم هم خافوا -شرحنا معنى الخوف سابقاً- أي توقعوا فعلاً وليس تحسباً، أن يحيف الله ورسوله عليهم، فالريبة هي الحسبان السيء في غرض الآخر ونواياه.

ريبة البنيان:

{ لَا يَزَالُ بُنْيَٰنُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }  [التوبة: 110].

تتكلم الآية عن جماعة من المنافقين بنوا مسجداً ليكون وكراً للمؤامرات ضد المسلمين، ويكون مركزاً للقاء مع أعداء المسلمين من الفرس والروم وأحلافهم، كذلك تتكلم كل سورة التوبة عن تصرفات المنافقين التي كلها ريبة من المسلمين، فهم يحسبون أي تصرف من المسلمين قصده الضرر بهم.

لقد كان هذا البنيان هو أعظم فجور فعله المنافقون، وهو الذي تسبب في قطع قلوبهم، من شدة الخيفة من اكتشاف المسلمين لخيانتهم، فأصيبوا بالمرض النفسي وصار أي تصرف من المسلمين يعتبرونه مؤامرة عليهم وكشف خيانتهم.

ريبة أهل مصر:

{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ }  [غافر: 34].

أخبر يوسف المصريين أن هناك رسولاً سيُبعث من بعده، فصاروا في شك من كلامه، فلما مات يوسف تحول شكهم إلى تأكيد، فلما ظهر موسى الرسول، رفضوا قبوله، وزعموا أن يوسف كان يريد التمكين لبني إسرائيل بهذا الزعم (أو ربما ارتابوا من موسى) فهم مرتابون أي زعموا أن يوسف أو موسى يكذب ويريد من هذا الكذب تمكين اليهود، وكان أول مرتاب هو فرعون، بل كان مسرفاً في قتل اليهود.

الريبة من الرسل:

{وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }  [هود: 62].

كل الأنبياء واجهوا مسألة الريبة، وهي أن هؤلاء الأقوام زعموا أن وراء الدعوة غرض، وأنها ليست صادقة، بل يريد كل رسول أن يحكم ويسيطر أو يكسب المال أو أي غرض شخصي، فهذا فرعون يعلن ريبته من موسى بأن غرضه إخراج المصريين من أرضهم { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }([17]) وقال آخرون عن رسولهم {مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ}([18]) وقال آخرون عن رسولهم {مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُكُمْ}([19])

ريب المنون:

{ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ }  [الطور: 30].

اتفقت كل التفاسير والمرويات عن الصحابة، أن ريب المنون هو الموت ([20]) وهذا غريب وبعيد في نظرنا، ونعتقد أن ريب المنون هو من الريبة، والمنون من الأمنيات، فهم يرون أن الرسول مريب مثل بقية الرسل، وأن له غرضاً من هذه الدعوة، نعم لم يظهرها لكن سنتربص به حتى يظهر ريبه وأمانيه، وهذا حال الشعراء دائماً، الذين يهيمون ولا يمتلكون ضبط أنفسهم، فسوف تظهر دوافعه وحينها ينكشف لنا ويظهر أنه كذاب صاحب غرض.

الريب من البعث:

{ يَٰأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَٰكُم}  [الحج: 5].

{ وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا}  [الحج: 7].

{يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ}  [الشورى: 7].

{يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}  [الجاثية: 26].

{ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ}  [آل عمران: 9].

{ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَٰهُمْ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ}  [آل عمران: 25].

{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا }  [النساء: 87].

يرتاب كثير من الناس من اليوم الآخر، فلم يكتفوا بالشك العقلي، بل اعتقدوا أن الغرض من هذا التحذير هو لكي تنضبط سلوكياتهم ولكي يطيعوا الله، وأنه أمر لا يمكن حدوثه، وأن الرسول يشيع هذه الفكرة لكي يلتزم الناس بالدين، وإلا فلا حياة بعد الموت، لاستحالة ذلك في نظرهم، فهم في ريب أي أن صاحب الفكرة ليس صادق، بل لديه غرض وهدف منها.

وكثير من البشر، بل الأغلب الأعم، يعتقدون أنه، حتى لو كان هناك يوم آخر، فلن يعذبهم الله، بل سيدخلهم الجنة، فآيات التهديد هي ليست حقيقية، ولكن غرضها توجيه الناس نحو الانضباط.

وأعظم آية توضح تلك الريبة من عذاب يوم القيامة هي آية عديد الملائكة في سقر

{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَٰبَ النَّارِ إِلَّا مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَٰنًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ وَالْمُؤْمِنُونَ}([21])

فقد تأكد لأهل الكتاب أن الدين الجديد يؤكد أن هناك عذاب ونار يوم القيامة وأنه تم الاستعداد بالملائكة لكي تعذب مذنبهم، وأنه ليس لعب ولهو وعبث، وليتأكدوا أن آيات العذاب في كتبهم حقيقية وليست الغرض منها إخافة الجماهير، فلا ريبة فيها.

وهذا نجده في عقيدتهم وهو راسخ عندهم

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ}  [المائدة: 18].

{ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}  [البقرة: 80].

معتد مريب:

{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ }  [ق: 25].

هذا شخص قد دخل النار، لعدة أسباب: مناع للخير، ويعتدي على الآخرين، ومريب فما مريب؟

مريب هو الذي ارتاب من القيامة، وكذب الرسل، فكلما نصحه الرسول اعترض بأن الرسول يريد جاهاً ومالاً وتفضلاً.

الريب من الكتاب:

{ ذَٰلِكَ الْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }  [البقرة: 2].

{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }  [البقرة: 23].

{ تَنزِيلُ الْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَٰلَمِينَ }  [السجدة: 2].

{وَتَفْصِيلَ الْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَٰلَمِينَ }  [يونس: 37].

هناك ريبة عند أهل الكتاب من كتابهم، ليس من كل الكتاب، بل من بعضه، ولم نعرف ما هي تلك الأجزاء التي ارتابوا فيها، ونرجح أنها عن يوم القيامة، وما فيها من عذاب، وربما الأحكام الشديدة التي فيها، فنرجح أن القوم لم يعودوا يطبقون الكتاب بحجة أن الله لا يريد ذلك وإنما يريد التخويف لهذا صار الكتاب مهملاً عندهم

{نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ كِتَٰبَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَٰقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187].

الخلاصة:

الشك يكون في المعلومة، بينما الريبة فتكون بالتشويه في نيات المصدر. فالشك هو عدم القدرة على الوصول إلى الجزم في معلومة ما، بينما الريبة فهي عدم الثقة في صدق المصدر لوجود غرض مخفي.

فالأقوام يواجهون الرسل بالشك في معلوماتهم الجديدة، وهذا معقول ومقبول، ثم بعد أن يعجزوا عن الرد، يشوهون في نيات الرسل، بالزعم أنهم يريدون الملك أو الجاه أو المال، وهذا زعم خطير وافتراء عظيم، يوجب النار، لأنهم يعلمون كذبهم، ويعلمون مدى ضرره على الدعوة من تعطيل، بل إفشال مهمة الرسل.

لكن الريبة تبقى طبيعية إن كانت مخلصة، كالريبة من الشهيد، والتساؤل هل له غرض من تلك الشهادة؟ ريبة واجبة، فيجب على القاضي التحري لكي يضبط حكمه، كذلك الريبة من صاحب المصلحة، كالريبة من المطلقة التي قد تزعم انقطاع الحيض لكي يعيدها أو يستمر في الانفاق عليها.

وهناك ريبة في موضوع الآخرة وهي ريبة عامة في كثير من البشر، فهم لا يرون حدوثها وإذا حدثت فهم لا يرون أن الله سيعذب البشر لأنه رحيم، فجاء القرآن ليؤكد عشرات المرات أن هذه الريبة باطلة، وأن الله لا يرسل الكتب للإخافة فقط، بل لأن الأمر صائر فعلاً.

أدى هذا المعتقد إلى الريبة من الكتب المقدسة، وأن الله يقصد التخويف ولن ينفذ وعيده لا في الدنيا ولا في الآخرة. فهم ارتابوا من الأحكام الفقهية وتشددها ورأوا أن الله يقصد التخويف لا الجدية في الأمر. لهذا كان تمسكهم بالكتاب رخواً وصاروا لا يقيمونه في زمن الرسول وجاء الإسلام يطالبهم بإعادة الاعتبار لكتابهم المقدس.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 



([1]) «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (4/ 1594) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 1159)

([2]) [ص: 16].

([3]) [يونس: 55].

([4]) [يونس: 65].

([5]) [مريم: 84].

([6]) [الدخان: 9].

([7]) «مقاييس اللغة» (2/ 463) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 742)

([8]) «موسوعة التفسير المأثور» (2/ 66)

([9]) «تفسير مقاتل بن سليمان» (2/ 399): «تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة» (6/ 190):«تفسير ابن كمال باشا» (3/ 213) «لباب التفاسير للكرماني (ناقص)» (ص761 بترقيم الشاملة آليا): «تفسير السمعاني» (2/ 439): . «التفسير الوسيط للواحدي» (2/ 579): «الهداية الى بلوغ النهاية» (10/ 6571): «تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن ط دار التفسير» (14/ 392): «تفسير السمرقندي = بحر العلوم» (3/ 239): «زاد المسير في علم التفسير» (1/ 43): «تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (3/ 327): «التيسير في التفسير - أبو حفص النسفي» (8/ 226): «تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير» (18/ 368):

([10]) [البقرة: 282].

([11]) [المائدة: 106].

([12]) [العنكبوت: 48].

([13]) [التوبة: 45]

([14]) [التوبة: 52]

([15]) [الحديد: 14].

([16]) [النور: 50].

([17]) [الأعراف: 110].

([18]) [المؤمنون: 24].

([19]) [سبأ: 43].

([20]) «موسوعة التفسير المأثور» (20/ 654):

([21]) [المدثر: 31].


ali
ali
تعليقات