أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

اليقين في القرآن المكرم

 



اليقين في القرآن المكرم

يقن لغة:

اليقين زوال الشك. والموقونة هي الجارية المصونة المخدّرة. ويقن الماء أي سكن وظهر ما تحته. ويقن الأمر أي ثبت ووضح. واليقين هو سكون النفس وثلج الصدر بما عُلم. واليقين هو العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر. وقنن وقنو يعنيان ثبات شيء في الباطن فاليقين هو رسوخ العلم صُلبا قويا في القلب ([1])

اليقين في القرآن

اليقين هو العلم المستمد من حاسة الإبصار، فإن عثرنا على علم من غير هذه الحاسة، فهو ليس يقين فله تسميات أخرى سنبحثها في حينها. واليقين يستمد أيضاً من بقية الحواس الخمس، ولكن القرآن ركز على يقين النظر.  وإليك دراسة النصوص:

علم اليقين وعين اليقين:

{ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }  [التكاثر: 5].

{ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }  [التكاثر: 7].

 أما عبارة علم اليقين، فذلك لأن العلم يعني الإحاطة الكاملة بالشيء، على عكس المعرفة التي هي إحاطة جزئية بالشيء، فعلم اليقين، هو العلم الذي نستمده من حاسة الإبصار مباشرة لهذا قال في الآية التالية عبارة عين اليقين. وهناك علوم أخرى تأتي من المنطق والاستنتاج والبحث.

أما عين اليقين، فهو الحاسة التي تمدنا بعلم اليقين، فيوم القيامة سنرى جهنم بأعيننا التي هي أحد أدوات اليقين، فأنت ترى بعين اليقين أي بعينك التي تجلب لك اليقين، فيصبح لديك علم اليقين، لأن مصدره حاسة النظر.

حق اليقين:

{ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }  [الواقعة: 95].

{ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ }  [الحاقة: 51].

 

تتكلم الآيتان عن يوم القيامة والنار، وتقول عن العذاب إنه حق اليقين، أي هو اليقين الذي سيتحقق، وهو ليس أي حق بل حق ستبصرونه بأعينكم لهذا هو يقين، ولهذا نجد في القرآن تكرار هذا الأمر فهو يكرر في عشرات الآيات أن الكفار سيرون النار قبل الوقوع فيها، ولهذا هو يقين في ذلك الزمن، وهو حق أي سوف يتحقق.

قتلوه يقيناً:

{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}[النساء:157].

زعم اليهود أنهم قتلوا المسيح وزعم بعضهم أنهم صلبوه، فيرد عليهم القرآن أنه شبه لهم في موضوع الصلب، وليس في موضوع القتل، ثم بين لهم أن من زعم ذلك لم يشاهد عيسى يقتل أو يصلب، وأنه يظن أي يجزم بلا رؤية ولهذا قال وما قتلوه يقيناً أي لم تأت هذه المعلومة بالنظر وإنما بالجزم بالباطل وقد شرحنا معنى الظن في المعجم.

يأتيك اليقين:

{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }  [الحجر: 99].

يقصد بهذا اليقين هو الانتصار على كفار قريش في المعارك، وهي معركة بدر، ونجزم أنه شاهد هزيمة الكفار في المنام ويؤكد ذلك هذه الآية.

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا }  [الإسراء: 60].

وقد بينا أن لفظة الناس تعني علية القوم، وقد تكلم الرسول بالرؤيا أمام الكفار لعلهم يخافون فيرتدعون، لكن بدلاً من ذلك زادهم طغياناً.

كما يؤكد ذلك المرويات فتقول إحدى الروايات أن الرسول حدد بدقة أماكن مصرع الكفار بالتعيين، فقال" هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان"([2])  فحدد أماكن مقتلهم بدقة كما شاهدهم في رؤياه، ولهذا قال له القرآن حتى يأتيك اليقين لأنه شاهد في منامه، مصرع هؤلاء فهذا اليقين الذي أتى الرسول عن قتلى معركة بدر.

أتانا اليقين:

{ حَتَّىٰ أَتَىٰنَا الْيَقِينُ }  [المدثر: 47].

أما آية : "حتى أتانا اليقين" فهو يتكلم عن الكفار الذين استقروا في منطقة سقر في جهنم، فتسألهم الملائكة ما سبب دخولكم هذا الأخدود، فيذكرون أفعالهم بالدنيا ثم يختمونها بقولهم حتى أتانا اليقين؛ فقد صارت النار تحيط بهم، فهم يرونها ويسمعون أصواتها، وهذا هو اليقين الذي تحقق بعد أن كان وعيداً.

استيقنتها أنفسهم:

وردت هذه اللفظة مرة واحدة في هذه الآية

{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }  [النمل: 14].

وهي تتكلم عن الآيات التي جاء بها موسى وهي تسع آيات، ونعتها القرآن أنها مبصرة أي يرونها بأبصارهم، لهذا استيقنتها أنفسهم فالنفس هي التي يستقر فيها اليقين، بعد نظر أو سمع، فهم متأكدون أنها حقيقة وليست سحر.

وتقول النصوص السابقة أنها آيات مبصرة، ولكن قالوا عنها سحر مبين، أي نعم نراها بأبصارنا، ولكن هي مجرد سحر مثل عمل السحرة ومثل السراب، وهذا كذب منهم لكيلا ينفض العامة من حولهم. واستخدم لفظة استيقن لمزيد من التأكيد على يقينهم، فقد كانت آيات صارخة مبصرة أشد الإبصار.

نبأ يقين:

{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }  [النمل: 22].

هذه العبارة قالها الهدهد لسليمان، وقد صح تعبيره، لأنه نبأ وليس خبر، لأنه قديم فقد حدث في الماضي، أما لو كان في الحاضر المعاصر لاستخدم لفظة خبر ذلك أن الهدهد لم يعد في نفس اللحظة، كذلك لأنه مغيب عن سليمان، فسليمان لا يعلم شيئاً عن قوم سبأ. ثم هو يقين، فقد رأى الهدهد بعينه ما يفعله أهل سبأ من مظالم.

لفظة يوقنون وموقنين:

وردت هاتين اللفظتين في عشرة آيات أو أكثر، ويقصد بها الأشخاص الذين يرون الآيات الحسية سمعاً ونظراً، فيستقر في أنفسهم اليقين، فيصبحوا لقوة الدليل الحسي وكثرته من الموقنين فأي علم يأتيهم من غير الحس يوقنون به كأنهم يرونه، لصلابة الإيمان فيهم.

فهذا إبراهيم لكثرة ما شاهد بنظره ملكوت الله، فصار من الموقنين، فأي علم أو وحي يأتيه صار يوقن به وكأنه يراه

{ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }  [الأنعام: 75]. ولهذا عندما طلب رؤية الموتى كيف يتم إحيائهم بدا غريباً على شخص متيقن مثله.

والمؤمنون من كثرة الأدلة الحسية التي تمر عليهم صاروا موقنين بالآخرة رغم أنهم لم يروها

{ وَبِالْءَاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }  [البقرة: 4].

والمؤمنون لكثرة مشاهدتهم لليقينيات وتشبع أنفسهم منها، صاروا يقبلون أي وحي من الله وأي حكم بلا جدال، لوصولهم إلى درجة اليقين، فكل ما يصلهم فهو يقين، حتى لو لم يشاهدوه.

{أَفَحُكْمَ الْجَٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }  [المائدة: 50].

ولفظة يوقنون، يشبه في المعنى لفظة الإحسان في الحديث المشهور وهو أن تعبد الله كأنك تراه (الْإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ‌كَأَنَّكَ ‌تَرَاهُ) ([3]) فكذلك من كثرة الآيات الحسية الموجودة في الطبيعة صاروا من الموقنين بالآخرة.

لفظة مستيقن:

شرحنا آية قوم فرعون وأنهم استيقنوا الآيات التي جاء بها موسى، فهم لم يوقنوا فقط، بل استيقنوا أي بلغ اليقين في أنفسهم مبلغه بعد رؤيتهم لتلك الآيات المبصرة، فاذا زيد الفعل بألف وسين وتاء يقول أهل اللغة، هو مزيد من التأكيد، وقد وردت آيتان على هذه الصيغة أحدها هو:

{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }  [الجاثية: 32].

فهم يتحدثون عن الساعة والقيامة، فلأنهم لم يروها فلم يصلوا إلى اليقين الذي يحتاج إلى الرؤية، وأنهم لن يتعدوا مستوى الظن، وسوف نشرح معنى الظن في مقال منفصل، ونرجح أنهم استخدموا العبارة مستيقن بدلاً من متيقن، للدلالة على أنهم لن يبحثوا في هذا الأمر، فلن يستجلبوا حقيقته، ولن يقتنعوا بيوم القيامة فهي مجرد ظنون، ولا يمكن أن نصل إلى اليقين فيها لأن اليقين يأتي من النظر فأين القيامة حتى ننظر فيها.

يستيقن الذين أوتوا الكتاب:

{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَٰبَ النَّارِ إِلَّا مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَٰنًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَٰفِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ }  [المدثر: 31].

أما هذه الآية المبجلة، فهي تتحدث عن ثلاث أصناف من اليهود وهم كفارهم الذين حاربوا الدين الجديد والذين أوتوا الكتاب والذين آمنوا منهم بالدين الجديد، فعدد الملائكة بالنسبة للكفرة مشكلة، فكيف لهؤلاء أن يعتنوا بسقر الذي في جهنم، لكن هذا النبأ جعل الذين أوتوا الكتاب والذين آمنوا يزدادون إيقاناً، والذي يسميهم القرآن (موقنين) فكأنهم من كثرة الأدلة صاروا من الموقنين الذين شاهدوا يوم القيامة.

الخلاصة:

اليقين هو مصدر العلم، وهو العلم الذي يأتي من خلال الحواس السمع والبصر، وهو حجة دامغة لا يمكن ردها، فليس بعد النظر والسمع دليل أو حجة ترده، وهو لا يحتاج إلى برهان وكما قالوا: لا يحتاج النهار إلى دليل، لأننا نراه بأبصارنا. وما ورد في القرآن هو يقين الإبصار، ولم ترد آية في يقين السماع.

وعين اليقين هو اليقين الذي يأتي من خلال النظر، وحق اليقين هو اليقين الذي تحقق وليس يقين السحر والسراب، وعلم اليقين هو العلم الذين نستشفه من النظر أو السمع. ويستقر اليقين في النفس، فبعد أن تمدنا الحواس بالعلم اليقين فإنه يستقر في النفس التي تدركه، فإذا كثرت المشاهدات استقر اليقين في النفس وتمكن وصار صاحب النفس من الموقنين.

وقد اتفق فلاسفة الوضعية المنطقية مع هذا المنحى فرأوا أن العلم لا يستمد إلا من الحواس وأن النظريات لا تثبت إلا بالتجربة، فلا علم بدون حواس وملاحظة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني  

 



([1])  «مقاييس اللغة» (6/ 157) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 1848)

([2]) «صحيح مسلم» (4/ 2202 ت عبد الباقي) «مصنف ابن أبي شيبة» (20/ 454 ت الشثري)

([3]) «صحيح البخاري» (4/ 1793)


ali
ali
تعليقات