أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

حسب في القرآن المكرم

 



حسب في القرآن المكرم

حسب لغة:

الحُسبانة هي الوسادة من الأدم. ولأحسِبنكم من الأسودين أي لأوسعن عليكم من التمر والماء. وأحسب الرجل أي أطعمه وسقاه حتى يشبع. وإبل مُحسِبه أي لها لحم وشحم كثير. والحسبان هو السهام الصغار. وحسبُ أي يكفي. وأحسبه أي أعطاه فأكثر أو أعطاه ما يُرضي. وذو حسب أي ذو قدر ومكانة. وحسبُ المرء أي دينه. والحسْبُ هو العدّ. والمحاسبة هو عرض كل أعمال الشخص وتقويمها. والحِسبة هي التدبير والنظر. ويحتسب الأخبار أي يتحسسها ويطلبها. وحسِبه أي ظنه ([1])

يحسب في القرآن:

حسب في القرآن تعني ضم ما لك وما عليك في وعاء واحد والخروج بالنتيجة من ذلك، ويقصد بالحساب استخلاص الأرقام من الأشياء المتضادة غالباً، مثل الشخص يحسب ما عليه من ديون وما لديه من أرصدة فيطرحها ليتبين له رصيده الحقيقي هل هو بالسالب أو الموجب، فهذا هو الحساب.

والملاحظات تقوم على هذا الأساس، فأنت تشاهد شيئاً يتحرك من بعيد، فتضع الاحتمالات وترجح أحد الافتراضات بناء على المعطيات، لتقرر بعدها أن ذلك الشيء الذي يتحرك هو حرباء مثلاً، لأن حركته قريبة من حركة الحرباء، ولأنه بطيء الحركة ولأن حجمه صغير، رغم أن لونه غير واضح أو يوجد معطيات أخرى تنفي ذلك، وحينها تقول أحسبه حرباء، ولن تقول أجزم (يسميها القرآن الظن) ولن تقول أتيقن لأنك تدرك أن حواسك قد تخدعك في هذه الحالة.

الحساب القائم على الحس:

ذكرنا سابقاً أن المعلومات التي تأتي من الحواس تكون يقينية، ولكن هناك معلومات تأتي من الحواس لا تكون يقينية، لوجود تشويش يدركه المتلقي مثل الولدان في الجنة منظرهم من بعيد كأنهم لؤلؤاً منثوراً، ويدرك الناظر ذلك فأول ما ينظر يرى اللؤلؤ فإذا تحرك علم أنهم الولدان أو شيء آخر غير اللؤلؤ {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا}([2]) والجاهل يرى الفقراء بتعففهم كأنهم أغنياء، لكنه لم يتيقن من حالهم {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}([3]) والناظر إلى أصحاب الكهف يحسب أنهم أيقاظ لأن أعينهم مفتوحة لكنه لم يتيقن من ذلك {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}([4])  وبلقيس لما دخلت الصرح حسبته لجة لكن لم تتيقن بعد، لهذا احتاطت وكشفت عن ساقها لكي لا تتبلل ملابسها {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}([5])  هذا لو صح تفسير أهل التراث لمعنى كشفت عن ساقها. والجبال يحسبها الناظر جامدة وهي تمر مر السحاب {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً }([6])

والمنافقون يسمعون النداء بالخارج والصوت المرتفع، فيحسبونه من العملاء {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ}([7])  والعطشان يحسب السراب ماءاً { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}([8]) وكفار اليهود يضيفون أشياء للنص ويلوون ألسنتهم فينخدع المستمع لأنه يحسبه من الكتاب لتطابق النغمة {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ}([9])  

وسبب عدم تيقنهم رغم أن المعلومات مصدرها الحواس، كما شرحنا في اليقينيات أن المتلقي يدرك خداع الحواس أحياناً لبعد المسافة، أو لكثرة العوامل المشوشة، أو لعدم ظهور الصورة بكاملها كما في حركة الجبال، أو لإمكانية صدوره عن جهات مختلفة، كما في الصيحة فقد تكون من العدو وقد تكون من العامة في الشارع، ففي هذه الحالات يدرك المتلقي أن ما يحسبه صحيحاً ولا غبار عليه، وأنه لا يوجد ما يعترض حسابه، ولكنه يدرك أنه لن يصل إلى اليقين، لوجود ظروف تمنع اليقين كما ذكرناها بالأعلى.

الحساب القائم على الملاحظة:

بعض الذين آمنوا يعتقدون أنهم سيدخلون الجنة هكذا بدون اختبار {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا}([10]) وحسب الكفار أن الحياة عبث وبلا عقاب، لغلبة المعطيات التي تؤيد هذه الفكرة على المعطيات التي تعارضها {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}([11])  وبعض الذين آمنوا يعتقدون أن رمي المحصنات لا عقاب عليه لعدم وجود فكرة تعارضه {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}([12]) ولأنهم قارنوا بين الذنوب فوجدوا أن هذا كلام في كلام ولا قيمة للكلام ولا تأثير له في الميزان يوم القيامة.

وعباد الدنيا يعتقدون أنهم يحسنون عندما يتكالبون عليها دون الآخرة {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}([13]) لأن ذلك الفعل لا يعارضه شيء في لحظتهم تلك أو لأن المعارضات ضعيفة مقارنة بما يجدونه في حياة الأغنياء من نعيم.

وعشرات الآيات تتحدث عن المنافقين والمهملين والظالمين أنه لن يتم حسابهم في الدنيا {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا}([14])  أو حساب الكفار أن النعيم الذي هم فيه دليل رضى الله عنهم {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ}([15]) .

فهذه حسابات عقلية لا حسية، قائمة على الملاحظة البسيطة، فالغني يحسب أن الله راض عنه بما أنه في نعيم، وهو لا يجزم ولا يوقن، لكنه يرتاح لهذا الحساب، لعدم وجود شيء يعارضه، أو لأن المعارضات كانت ضعيفة وقليلة، وقد طال عليه الأمد فترسخ في نفسه هذا الحساب.

لا تحسبنّ:

{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور : 57]

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال : 59]

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } [آل عمران : 180]

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران : 178]

{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران : 188]

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم : 42]

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم : 47]

وردت هذه العبارة تسع مرات، وجاءت بنون التوكيد الثقيلة، لتؤكد الأمر عند القارئ وتشدد عليه، فهو جزم مضاد لا تراجع فيه ولا تراخي، ورغم أن الآيات موجهة إلى الرسول، فهي حقيقة موجهة للمؤمنين أو الذين في قلوبهم ضعف، فهي تقول لا تضيعوا وقتكم بعمل الحسابات وجمع المعطيات المتضاربة، لكي تصلوا إلى نتيجة أن كذا وكذا، فاجزموا بعكس ذلك وإنما هو أمر يحتاج بعض الوقت لتظهر النتيجة عكس ما تحسبونه.  

الحسيب:

{ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء : 6]

{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء : 14]

الحسيب هو الذي يضم ما لك وما عليك، وهو الله ذو الجلال والإكرام، فهو بذاته العلية سيجيئ ليحاسب البشر، ولو أن كل إنسان قرأ كتابه بنفسه فسيكون قادراً على أن يحاسبها، أي يحسب ما له وما عليه من خلال كتابه الذي سيطلع عليه يوم القيامة. لهذا نجده في آية أخرى يبين معرفة المؤمن والكافر لحسابهما بعد أن يقرآ كتابيهما، وذلك قبل لحظة الحساب، ذلك لأن الكتاب بعد أن يسرد الأعمال يقوم بعمل إحصاءات شاملة لأعمالنا.

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَٰبِيَهْ ١٩ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهْ) [الحاقة: 20].

 (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ ٢٥ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦) [الحاقة: 25]

حسبه الله:

{ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : 62]

{ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة : 59]

{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر : 38]

{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق : 3]

عندما يدرس الإنسان عوامل المكسب والخسارة، حتى يحسب حسابه جيداً، فإنه يرجح النجاح إذا أضاف معطً مهما، وهو نصرة الله ودعمه من ضمن العوامل، حينها تكون محصلة حساباته بأنه إلى فلاح، فقد حسب أن الله لن يتركه، فهذا العامل قضى على كل الموانع التي تمنع فلاحه.

فإن أراد الرزق وكانت كثير من العوامل ضد ذلك، فإنه إذا توكل على الله أي حسب حساب دعم الله فحينها يرزقه الله من باب لم يره ولم يحسبه (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وكذلك النصر على الأعداء، فإن كل العوامل قد تشي بهزيمة الشخص، لكنه إذا توكل على الله فهو حسبه أي أن هذا العامل سيقضي على كل عوامل الهزيمة.

حسبه جهنم:

{ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }  [البقرة: 206].

{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة : 8]

{ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ } [التوبة : 68]

وكما أن المؤمن يتوكل على ربه ويحسب عامل دعمه الذي يقضي على كل العوامل الضارة التي ضده، فإن الكافر، يحسب أنه سيدخل جهنم، فقد يبحث عن عامل الشفعاء وقد يستغفر ربه وقد يعمل أي شيء يحسب أنه يمنع دخوله النار، لكنه عوضاً عن ذلك يدرك ويحسب أن مصيره النار، لما له من سيئات، فعندما ينتهي من يوم الحساب، يدرك أنه سيتجه إلى جهنم.

أو لأنه قرأ كتابه فتبين له بعد الحساب والطرح، أن مصيره هو النار وقد شرحنا ذلك في عبارة (حسيب) وتبين لنا أنه الكافر والمؤمن يقومان بعمل الحسابات بعد قراءة كتابيهما، فأنظر إلى لفظة حسيب بالأعلى.

حسبنا ما وجدنا:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة : 104]

لو كان المقصد بحسبنا أي يكفينا، لاختار هذا الجذر وهو موجود في القرآن { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ}([16]) لكن القوم يقصدون أن حساباتنا الصحيحة ستكون مع ما قاله أجدادنا من عقائد وقيم، وليس ما يقوله كتابك الجديد يا محمد، فنحن سنعمل وفق عقائد الأجداد، لأننا نحسب أي نرجح أنها الصحيحة، وهم يقصدون بعقائد البحيرة، والسائبة، والوصيلة والحام، كما ذكرت الآية السابقة لها.

سريع الحساب:

{لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [إبراهيم : 51]

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر : 17]

من خلال الآيات المكرمات، نعتقد أن المقصود بسرعة الحساب هو حساب يوم القيامة، ففي الدنيا لا يوجد حساب، بل يوجد عقاب أو ثواب مؤقتان، أما الحساب فهو في الآخرة والحساب هو جمع ما لك وما عليك، والخروج بمحصلة أعمالك ووزنها.

وهذا من ضمن العجائب المذهلة، رغم أن البشر بالمليارات، فإن حسابهم سريع ورغم أن الإنسان عمل أعمالاً طيلة عقود قد تصل إلى ثمانين سنة أكثر أو اقل، فإن حسابه سريع، ينتهي بمحصلة، وذلك بطرح ما فعله من سيئات مما فعله من حسنات.

بغير حساب:

{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [البقرة: 212].

{وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [آل عمران: 27].

{قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [آل عمران: 37].

{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [النور: 38].

{يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [غافر: 40].

وردت عبارة بغير حساب سبع مرات منها خمس آيات وردت مع كلمة الرزق مباشرة وأخرى تتكلم عن الرزق وتسميه (الرخاء) الذي يسببه سليمان بواسطة الريح التي يتحكم بها بإذن من الله {هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }([17])

فكل الآيات تتكلم عن الرزق الذي بغير حساب، وقد شرحنا الرزق سابقاً وقلنا هو الطعام والشراب، وهذا لا يمكن وضع حساب عليه دقيق، فالإنسان سيظل يأكل ويشرب أبداً، ويستطيع أن يأكل مقدار ما يشاء وقت ما يشاء، على عكس العقارات والأثاث والزينة وخلافها من نِعم الجنة، فإن لها مقدار معين كلٌ حسب عمله.

وبقيت آية واحدة:

{ قُلْ يَٰعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَٰسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [الزمر: 10].

والتوفية تكون في الآخرة كما شرحنا في جذر وفى {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ}([18]) وهذا يعني أن المقصود بغير حساب هو الرزق وهو الطعام والشراب الذي لا ينتهي أبداً، على عكس العقار والزينة وغيرها من الأشياء التي حُددت بناء على عمل الإنسان بدقة.

وتقصد الآيات أن الإنسان ينال الطعام والشراب ليس بناء على حساب حسناته وسيئاته، والخروج بمحصلة، فإن هذا يعني انتهاء الطعام والشراب مهما كثُر وطال الزمن، ولكن المولى يقول إنه سيظل الطعام والشراب لا ينتهيان مطلقاً لأنهما بغير حساب، بل هبة أبدية.

يوم الحساب:

وردت هذه العبارة خمس مرات

{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم : 41]

{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص : 16]

وهو يوم مخصص لمحاسبة الناس، لكي يقدموا دفوعاتهم وحججهم، وليدرك من يدخل النار سبب دخوله، وكذلك ليدرك من يدخل الجنة. وهو حساب لأنه يُطرح ما لك وما عليك وتخرج بالمحصلة.

الحسبان:

عندما يتكلم القرآن عن الشمس والقمر فهو يتكلم دائماً عن حركتهما، فهما مسخران وقد شرحنا معنى مسخر وهو أن الشيء يفيد البشر أثناء حركته، وهما يجريان، وقد شرحنا معنى الجري وهو الجر فالشمس والقمر مثل بقية الجمادات لا تتحرك من ذات نفسها، بل هناك من يجرها فهي تجري أي تُجر. وبقي موضوع الحسبان، وهو أيضاً يتعلق بالحركة مثل الجري والتسخير، لكن النص يقول إنهما يتحركان بحسبان!

{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }  [الرحمن: 5].

{ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا }  [الأنعام: 96].

فلماذا نعت حركتهما بالحسبان؟

ذلك هو الإعجاز، فقد شرحنا الحساب أنه جمع الأشياء المتناقضة والمتضادة، لكي نخرج بحساب أخير هو المحصلة أو النتيجة.

وهذا ما تبين للبشر في العصور اللاحقة، فإن القمر لا يتحرك إلا بقوى متناقضة وخاصة القوتين: قوة الجاذبية الأرضية التي تجذب القمر نحو الأرض، والقوة الثانية وهي قوة الطرد المركزي، فنتيجة حركة القمر في مداره تتولد قوة طاردة مركزية تبعد القمر عن الأرض فإذا اجتمعت تلك القوتان المتعارضتان أي قمنا بعملية الحساب الذي هو جمع المتعارضات رقمياً، ظهر لنا قمر متحرك في فلك حول الأرض لا يبعد عنها ولا يقترب.

وهذا الحال سنجده في الأرض التي تتحرك بحسبان أي بحسابات متناقضة متضاربة لوجود قوى متعددة مؤثرة عليها، فنجد الحساب أو المحصلة هي حركة دائبة أي مستمرة في فلكها.

ونفس الحال في الشمس التي تأثر بها قوى متعددة من الأجرام الأخرى وخاصة جاذبية مجرة درب التبانة.

فمن أخبر الرسول بذلك؟

سبحانه ذو الجلال والإكرام.

الخلاصة:

نجد الحساب هو الأرقام التي استخلصناها من المتناقضات والمتضادات، فلو أن عليك دين ولك دين عند أحدهم، فإن المحصلة يطلق عليها القرآن الحساب أو المحاسبة، فلو لم يكن هناك تناقض وتعارض لكانت المحصلة، هي إحصاء أو عداً، ولكن بما أن المعطيات متناقضة متضاربة فإن جمعها عددياً يعني الحساب.

لهذا كان القمر يجري بحسبان أي تحت تأثير قوى متعارضة، ولهذا سمي أحد أيام القيامة بيوم الحساب، لأنه يتم جمع حسناتك وسيئاتك والخروج بمحصلتها.

واكتشفنا أن هناك أشياء تُعطى بغير حساب، وبينا أنها الأطعمة والأشربة ومعظم الآيات تتكلم عن الجنة، ذلك لحاجة الإنسان الدائمة إلى الطعام في الجنة، فيُعطى بغير حساب على عكس بقية نعائم الجنة التي تُعطى بحساب، فلفلان أو علان مثلاً قصر واحدٌ.

أما الأفكار والتصورات التي تأتي من الحساب، ونطلق عليها يحسب أو حسِب، فهي تعني يرجح أو يتوقع أو غيرها من التصورات التي لا تصل إلى درجة الجزم واليقين، وجاءت من هذا الجذر لأن الشخص يضع كل المتضادات التي تؤيد الفكرة أو تعارضها في سلة واحدة، فيجد أن ذلك التصور قد رجح على بقية التصورات، نتيجة تفوق ذلك التصور في الكم، فكثير من المعطيات تؤيد ذلك التصور.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

 



([1])  المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 425)

([2]) [الإنسان : 19]

([3]) [البقرة : 273]

([4]) [الكهف : 18]

([5]) [النمل : 44]

([6]) [النمل : 88]

([7])  [المنافقون : 4]

([8]) [النور : 39]

([9]) [آل عمران : 78]

([10]) [البقرة : 214]

([11]) [المؤمنون : 115]

([12]) [النور : 15]

([13]) [الكهف : 104]

([14]) [المائدة : 71]

([15]) [المؤمنون : 55]

([16]) [العنكبوت: 51].

([17]) [ص: 39].

([18]) [آل عمران: 185].


ali
ali
تعليقات