العدد في القرآن المكرم
العدد
لغة:
العد هو الإحصاء. وعد الشيء أي حسبه.
والعدد هو الكمية المتألفة من الوحدات، فالواحد ليس بعدد عند بعضهم، ورفض بعضهم
لأن الواحد هو الأصل المبني منه. ولا نعد فضله علينا أي لا نحصيه لكثرته. والماء
العد هو الماء الجاري الذي لا ينقطع.
والعد الكثرة من الشيء. والعد هو القديم. والعدد
هو المعدود. والعديد هو الند والقرن. والعديدة هي الحصة، والعداد هي الحصص.
والعدائد المال والورث. والعدة الجماعة فنقول رأيت عدة رجال. وعدة للدهر أي جعله
ذا عدد. واستعد له أي تهيأ. والمعدان هو موضع دفتي السرج. وتمعدد الغلام أي شب
وغلظ ([1])
عدد في القرآن:
ورد هذا الجذر 50 مرة، في 26 سورة.
العدد
والعدّ:
العدّ هو عملية نكشف من خلالها عدد
الأشياء، فنبدأ من واحد وحتى ننتهي من كل المعدود، فالآية {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ}([2]) فهذا الكافر جمع ماله وصار يعدده للناس متفاخراً عليهم. والناس يُسألون
عن عدد السنوات التي قضوها في الدنيا {فِي الْأَرْضِ عَدَدَ
سِنِينَ}([3]) وأهل الكهف ظلوا في كهفهم سنوات {فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}([4]) والمولى يقول {وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا
}([5]) ويقول { لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ
وَعَدَّهُمْ عَدًّا
}([6]) ليؤكد أن الإحصاء يكون للمعنويات وليس للماديات، وأنه سوف يحصي أي
يجمع تلك الأرقام، فأنظر معنى أحصى في المعجم.
عدد
السنين والحساب:
{وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ }
[يونس: 5].
{ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلًا
} [الإسراء: 12].
وردت هذه العبارة مرتان فقط، عن دور
الشمس والقمر في معرفة عدد السنين وفي الحساب، فكلما مضت 365 ليلة أو نهار، علمنا
أننا قد تجاوزنا السنة، وهكذا كلما مضت تلك النهارات كلما عددنا السنوات.
وكذلك من خلال حركة الشمس والقمر نعلم
الحساب! وقد شرحنا سابقاً معنى الحساب وهو ضم الأرقام المتضادة، ولعل المقصد هو
الطرح، فمن خلال طرح عدد أيام السنة 365 مما مضى منها فيتبين الباقي من السنة، وفي
هذا فائدة عظيمة في تصريف حياتنا ومعيشتنا.
معدودات
ومعدودة:
ورد هذا اللفظ في سبع آيات موقرات، منها واحدة
جاءت مذكرة، لأنها تتحدث عن الأجل وهو مذكر { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ }([7]) بينما نجد بقية الآيات تأتي مؤنثة لأنها نعت للأيام، لكن المدهش
أنها جاءت ثلاث مرات بالتاء المفتوحة (معدودات) وثلاث مرات بالتاء المربوطة
(معدودة) ويرى أهل اللغة أن معدودة جمع كثرة ومعدودات جمع قلة، ويقولون إن معدودات
هي عشرة فأقل، بينما معدودة فهي أكثر من عشرة. والمقصد من معدودات تشبه قولنا: يعد
على أصابع اليد، أي عشرة فأقل ([8])
لكن نجد أحبار اليهود مرة يستخدمون معدودة ومرة
معدودات كما في الآيتين التاليتين:
{لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ} [آل عمران:
24].
{ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة:
80].
ولو صح أن معدودات للقليل ومعدودة
للكثير، فإننا نرجح أن هذا ليس كلام جماعة واحدة يهودية فقد تفرقوا فرقتين في هذا
الشأن، ففئة تقول سوف نظل في النار عشرة أيام فقط أو أقل، بينما ترى الأخرى أن اليهود
سيظلون في النار أكثر من عشرة أيام، ربما أحد عشر أو اثنا عشر أو أكثر قليلاً.
وأمة هي زمن يعد كما في الآية:
{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود: 8].
ورجحنا في شرح سابق أن أمة تعني سنة،
تبدأ من كذا وتنتهي عند كذا مثل الحجج والعام والسنة، ولعلنا ندرسها بعمق في مقال
موسع، ولكن ما يهمنا هنا هو أن الآية تقول هناك احتمالية في تأخير العذاب عنهم إلى
أكثر من عشر سنوات، وحسب المرويات فإن معركة بدر التي قُضي فيها على أئمة الكفر،
كانت في السنة الثانية للهجرة أي السنة الخامسة عشر للبعثة. فالآية تقول إنه قد
نأخرهم إلى أكثر من عشر سنوات، ولكن ما تم فعلاً هو أقل من ذلك أي ليس معدودة، بل
معدودات لنضج الظروف المواتية.
ثمن يوسف:
{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ
وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّٰهِدِينَ } [يوسف:
20].
إذا صح كلام اللغويين فإن أهل القافلة
باعوا يوسف بدراهم أكثر من عشرة بقليل، والأسعار في ذلك الزمن تزيد عن ذلك، ولكن
القوم كانوا فيه من الزاهدين ربما لتهالك جسمه بعد مكوثه في الجب فترة طويلة
جوعاً.
شهر
رمضان من المعدودات:
{ أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
كان من المفروض أن يستخدم معدودة وليس
معدودات، لأن شهر رمضان أكثر من عشرة أيام بكثير، ويقول أهل اللغة أن المقصد بلاغي
وليس حقيقي، أي ليبين لهم القرآن مدى سهولة الأمر وقصر المدة، لكننا نرجح أن
المقصد حقيقي، وذلك بالمقارنة بين ثلاثين يوم وبين السنة التي هي 365 يوماً. وربما
المقارنة بين صوم رمضان وصوم المسيحيين الذي يستمر 40 يوماً فرمضان أقل.
أيام
الحج:
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:
203].
من خلال النص يبدو أن أيام الحج هي ثلاث
كأقل حد ويمكن للمتعجل أن يجعلها في يومين، ويمكن أن تزيد عن ذلك كأربعة أيام أو
خمسة.
ما
نرجحه:
نرجح أن المقصد هو إظهار قلة المدة
مقارنة بمدة أخرى موازية لها، فشهر رمضان رغم أنه ثلاثين يوم فإنه نعته أنه أيام
معدودات، وذلك ليقارنه بالسنة الكاملة التي هي مدة 365 يوماً، فكأنه قليل، مقارنة
بهذه المدة الطويلة، فمعدودات هي الحد الأدنى الأقل، بينما معدودة هي الحد الأعلى
الأقل، فبيع يوسف بدراهم معدودة، وهي الحد الأعلى الأقل، فربما تكون الأسعار بين
المئة والمئتين للعبد.
لفظة
أعدّ:
لفظة أعدّ من العدد، أي جهز نفسك
بالكميات اللازمة لمشروعك، فحتى النار فيها كميات لازمة تستقبل فيها ضيوفها من
الكفار، ففيها مثلاً تسعة عشر من الملائكة الغلاظ في وادي سقر، وفيها حفر بعدد
كذا، وفيها شجر زقوم بعدد كذا فكل شيء بكميات ومقاييس والمولى جل جلاله عنده علم
بعدد من سيدخلها.
{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ
لِلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 24].
{ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكَٰفِرِينَ } [آل عمران: 131].
وحتى الجنة معدة للمتقين، فكل شيء بعدد
ومقياس، فالجنة عرضها مقاس جيداً وهو بعرض السماوات والأرض، وفيها قصور بعدد معين،
وفيها أنهار بعدد معين
{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَٰوَٰتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
لقد بين لنا القرآن أن الاستعداد كان
بناء على إحصاء أرقام البشر وعدهم قبل بعثهم من جديد { لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا }([9]) وذلك لكي تكون الجنة والنار جاهزتين لاستيعاب البشر.
وقد أمرنا المولى ألا تكون حروبنا
عشوائية فوضوية، بل يجب أن نعد كل شيء أي أن نجهز للحرب بكميات دقيقة فيجب أن نوفر
مثلاً مئة سيف وعشرين درع وخمسة أحصنة وهكذا، وتكون في مستودعات خاصة.
{ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:
60].
وبقية الآيات التي تتكلم عن العدة
والاستعداد، أي تجهيز الكميات اللازمة، تشير إلى تجهيز النار للكافرين بالكميات
والمقاييس اللازمة لاستقبال هذا العدد الضخم المعلوم سلفاً، وهو مثل أن تدعو مئتي
شخص لمنزلك للعشاء فتجهز المكان بحجم معين ليستوعب هذا العدد الكبير، كذلك تجهز
الأكواب والصحون والخدم بأعداد معينة كي تخدمهم، وتجهز الطعام بمقادير معينة بدون
أن يحدث نقص فهذا هو العدة والاستعداد.
العدة:
يقصد بها ما تم حصره من أعداد أو هو
المقدار المعدود، فعدة المطلقات هي الأرقام التي تم حصرها{طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}([10]) وهو ثلاث حيضات، أو ثلاثة أشهر{فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلَٰثَةُ أَشْهُرٍ}([11]) وعدة الملائكة ما تم حصره وهو تسعة عشر ملكاً{وَمَا
جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ}([12]) وعدة أهل الكهف ما تم حصره من أفراد{قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم}([13]) وعدة الصيام هو طيلة شهر رمضان. {فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}([14])
عدة
الأشهر الحرم:
وإذا كانت العدة عدة زمنية، فإنها تكون
معلومة بدقة، فعدة المطلقة ثلاثة قروء من بعد الطلاق مباشرة، أو ثلاثة أشهر إذا لم
تكن تحيض، وعدة رمضان في شهر رمضان، فهي محددة بدقة، وكذلك عدة الأشهر الحرم التي
يتم العبث بها بواسطة شهر النسيء.
{ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِءُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37].
فيستخدمون النسيء لكي يتم زحزحة وقت تلك
العدة، والعدة هنا هي الأشهر الأربعة الحُرم التي ربما حُرم فيها القتال أو الصيد،
فيضيفون شهراً ويسمونه النسيء وفي سنة يجعلونه محرم فيه الاقتتال أو الصيد، وفي
سنة أخرى يحلونه، وذلك لكي يتزحزح موعد الأشهر الحرم.
ومهما يكن المقصد بالمنع هل هو منع
الاقتتال أو منع الصيد؟ فإن تحايلهم مفضوح، فهم يريدون أن يمارسوا عملهم الممنوع
في وقت يناسبهم كالصيد في وقت يناسبهم، أو الاقتتال في وقت حركة الناس والقوافل.
وقد يكون النسيء هو شهر رجب الذي جعلوه
محرماً لأنه يتأخر عن الأشهر الأربعة المنتظمة، مما يجعلهم يحذفون شهراً من الأشهر
الحرم الأربعة ويجعلون عدته ثلاثة متصلة، وبهذا يعربدون في هذا الشهر المحرم بعد
زعمهم أن رجب هو بديل عنه.
لقد أكد القرآن أن الأشهر الحرم متصلة
وهي أربعة
{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].
{ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2].
وقد تبين لنا من خلال كتب التاريخ أنهم
فعلاً حرموا شهر رجب، وجعلوه مبجلاً، واستمر المسلمون على نفس الخط بعد تقهقر
القرآن في قلوبهم وسيطرة ورث الآباء، بعد غياب رموز العلم وعدم تفعيل القرآن
ودراسته.
نستخلص من كل هذا أن العدة هي المدى أو ما تم حصره من أرقام، لكي يتم انجاز
العمل، لو كان هناك عمل أو هو الإحصاء لو كان هو عد لأشياء مادية مثل عدد أصحاب
الكهف، فإذا كانت العدة زمنية فهي معلومة بدقة أي محددة بدقة في السنة، كما شرحنا
بالأعلى.
نعدهم
من الأشرار:
{ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ } [ص: 62].
أي عندما كنّا نعد الأشرار ونحصيهم كنّا
نحسب هؤلاء من ضمن ذلك العدّ، وكأن القوم يتسامرون ويعدون من هو في النار، وأن
فلان وعلان في النار.
الخلاصة:
العدد هو المقدار المعنوي المستخلص من
الأشياء المادية، فالعدد هو مقدار الكم المنتزع من حساب الماديات، فالعدد معنوي
وليس مادي، ولهذا لا يصح أن نجمع الأعداد، فالقرآن يستخدم جذر الإحصاء وليس الجمع.
والعدة هو المقدار المحدد بدقة إذا كان
للكميات فإن كان يقصد الزمن فهو يحدد المدى الزمني من السنة وهو محدد بدقة.
وأعد أي وضع المقادير اللازمة لعمل
الشيء، فكل شيء بمقدار وحتى الجنة والنار بمقادير لتستقبل هذا الكم الهائل من المقيمين
فيها.
والمعدودات هي المقادير التي هي عشرة
فأقل، كما يرى أهل اللغة، بينما المعدودة فهي المقادير الأعلى من عشرة بقليل.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك