الإحصاء في القرآن المكرم
حصي
أو حصو لغة:
الحصى صغار الحجارة، وهي في حجم بعر
الغنم. وحصاة المسك هي قطعة صلبة توجد في فأرة المسك. وحصاة اللسان ذرابته أي قوة
التعبير والتأثير. والحصى هو العدد الكثير. والإحصاء هو العد والحفظ. وكانوا يعتمدون الحصى في العد لهذا اقتبسوه من هذا المعنى.
وحصيته أي ضربته بتلك الحصى. وأرض محصاة أي ذات حصى. وذو حصاة أي حازم كتوم.
والحصو المغص في البطن. والحصو المنع. وحصي الشيء أي أثر فيه. وحصيت الأرض إذا كثر
حصاها. وتحصّى أي توقى ([1])
الحصي
أو الحصو في القرآن:
ورد هذا الجذر في 11 آية في 10 سورٍ
مبجلات، والإحصاء كما هو واضح هو الجمع والضم، لكنه ليس أي جمعٍ، بل جمع مصغرات
الأشياء والأرقام والأزمنة، أي هو جمع غير الماديات، فكما كان الراعي يستبدل
الأغنام بمصغرات من الحصى من أجل عد أغنامه، فكذلك أُخذ معنى الإحصاء وهو ضم
مصغرات من الأشياء ووضعها في وعاء واحد، وكذلك ضم الأرقام وضم الأزمنة.
مصغرات
البشر في كتاب:
{ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَٰبِ اللَّهِ
إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ } [الروم: 56].
{ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٍ
لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [طه:
52].
{ لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا
} [مريم: 94].
يضع المولى ذو الجلال والإكرام، مصغرات
البشر في كتاب، كما بينت الآيات بالأعلى، فهو يحصيهم أي يضع تلك المصغرات منهم في
وعاء واحد، أطلق عليه كتاب ونعته بإنه إمام مبين، ونرجح أن تلك المصغرات هي النفس غير
المادية التي لا تٌُرى والتي هي جوهر الإنسان، فيبقى الإنسان المصغر في ذلك الكتاب
حتى القيام.
الأعمال
تُحصى ولا تُجمع:
{يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَىٰهَا} [الكهف: 49].
{ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَىٰهُ
اللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة:
6].
يتم
وضع صور من أعمالنا في الكتاب ويتم جمعها ويسميه القرآن إحصاء، لأنه ليس جمع للماديات،
بل جمع للصور أي تلك الصور التي أُخذت من أعمالنا التي قمنا بها في الدنيا، وهو ما
تؤكد بقية السور، إذ سيشاهد الإنسان أعماله يوم القيامة، فهي صور وليس على حقيقتها
المادية.
والإحصاء
لكل شيء:
{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِي إِمَامٍ
مُّبِينٍ } [يس: 12].
{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ كِتَٰبًا
} [النبأ: 29].
وردت هاتان الآيتان في معرض الحديث عن
أعمال الأمم والبشر، فشيء هنا لا يقصد به إلا أعمال البشر، فهي التي يتم إحصاؤها،
أي جمعها في كتاب، لأنها من المعنويات والصور وليس الماديات، كما شرحنا في الأعلى.
إحصاء
الزمن:
{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} [المزمل:
20].
{ ثُمَّ بَعَثْنَٰهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 12].
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا
الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1].
الأزمنة من المعنويات وليس من الماديات
فهو لهذا يُحصى ولا يجمع، ففي الأعلى يحاول الصحابة إحصاء الليل كله، أي القيام
بقراءة القرآن طوال الليل، فبين المولى أنهم لا يستطيعون ذلك.
وكذلك حاول الناس أحصاء المدة الزمنية
التي استغرقها أهل الكهف في كهفهم، ولأن المدة هي زمن وهو معنوي وليس مادي، فقد
استخدم إحصاء ولم يستخدم لفظ جمع. ونجد أيضاً أنه استخدم جذر إحصاء عند الكلام عن
عدة المطلقة، لأنه معنوي وليس مادي، فالعدة زمن معلوم.
إحصاء
العدد:
{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18].
الإحصاء هنا ليس للنعمة، فالنعمة تُجمع
ولا تُحصى، ولكن هو يتكلم عن عدد تلك النعم، لهذا استخدم جذر الإحصاء وليس جذر
الجمع.
حديث
تسعاً وتسعون:
نُسب رسولنا المكرم حديث هو: "إن لله
تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة"([2]) وهذا الحديث صحيح في معناه،
فالإحصاء هو جمع غير الماديات، وهذا يعني حفظ تلك الأسماء واستيعابها وفهمها وتعلم
معانيها، أما لو قصدوا بأن الحديث يعني مجرد الحفظ والترديد كالببغاء، فهذا باطل
حتماً.
ولو أن الإنسان استوعب تلك الأسماء
ووعيها وأدركها لصار من الصديقين. وما يهمنا في الحديث أنه استخدم الجذر الصحيح
وهو الإحصاء، لأن الأسماء من المعنويات وليس الماديات.
الخلاصة:
الإحصاء هو جمع المعنويات من صور الأشياء
أو الأزمنة أو الأرقام، فالجمع في القرآن للأشياء المادية بينما الإحصاء فللأشياء
المعنوية، فضم الأعمال هو إحصاء وليس جمع، وضم الأرقام هو إحصاء وليس جمع، وضم الأزمنة
هو إحصاء وليس جمع، وحتى مصغرات البشر يعتبر إحصاء وليس جمع، لأنه ضم ولم معنوي
وليس مادي، في كتاب لا يعلم سره إلا الله.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك