أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

القصر في القرآن المكرم




 

القصر في القرآن المكرم

القصر في المعاجم:

القصر أصلان صحيحان، أحدهما يدل على ألا يبلغ الشيء مداه ونهايته، والآخر يدل على الحبس والأصلان متقاربان. والقصر خلاف الطول، فيقال هو قصير. وقصرت الثوب والحبل تقصيراً. والقصر هو قصر الصلاة. والقصيرى هي أسفل الأضلاع. والقصيرى هي الأفعى، وسميت بذلك لقصرها. وأقصرت الشاة أي أسنت حتى تقصر أطراف أسنانها. وأقصرت المرأة أي ولدت أولاداً قصاراً. وقصرت في الأمر إذا توانيت. وقصرت عنه أي عجزت. وأقصرت عنه أي نزعت عنه وأنت قادر عليه.

وقصرته أي حبسته. وهو مقصور أي محبوس، وامرأة قاصرة الطرف أي لا تمد نظرها إلى غير بعلها، كأنها تحبس طرفها حبساً. وقالوا: قصارك أن تفعل كذا وقصرك. أي ما اقتصرت عليه وحبست نفسك عنه. والمقاصر جمع مقصورة، وكل ناحية من الدار الكبيرة إذا أحيط عليها فهي مقصورة. وفرس قصير أي مقربة ومدناة من صحابها، فلا يتركها لنفاستها عنده. وجارية قصيرة مثل فرس قصير. والتقصار هي قلادة شبيهة بالمخنقة وكأنها حُبست في العنق.

 وقصر الظلام أي اختلاطه. وقد أقبلت مقاصر الظلام وذلك عند العشي. وأقصرنا أي دخل وقت الليل والظلام ([1])

القصر في القرآن:

شرحنا معنى القصد في مقال سابق، وبينا أنه وسط بين شيئين أو فعلين، فالطريق إما قصي أو قصير وبينهما الطريق المقتصد، فالقصر يكون على الطرف الأول ثم يليه القصد ثم يليه القصي

القصر في الصلاة:

{ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا }  [النساء: 101].

بغض النظر عنى معنى الصلاة، فالمولى يأمر المؤمنين الأوائل بالقصر فيها، فلا تطويل ولا قصد، بل أقل مستوى فيها وهو القصر، وإن كان القصر مخلاً لكنه في هذا الموضع يجب فعله، للخطر الذي يحيط بالمؤمنين، فلا يصح القصد المعقول ولا القصو البعيد.

القصور:

{ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا }  [الأعراف: 74].

{ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا }  [الفرقان: 10].

{ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }  [الحج: 45].

الاتخاذ هو تحويل الشيء إلى شيء آخر، فهم من هذه السهول ويقصد ترابها، يتم تحويلها إلى قصورٍ، لكي تكون أكثر فائدة ونفعاً، فإذا كانوا قد بنوا في الجبال بيوتاً لهم، فلماذا يحولون تراب السهول إلى قصور وهي -على حسب الفهم السائد- بيوت كبيرة؟

إلا إن كانت لهم مساكن شتوية وصيفية، فينحتون الجبال بيوتاً للصيف والسهول للشتاء. هذا وارد لو سلمنا بصحة معنى قصور؟ ولكن ماذا لو كان معنى القصر هو السور الكبير، الذي يحيط بمزارع، أو القصير لقصر طوله يحيط بالمزارع للحماية ورسم الحدود، فثمود سكنوا في الجبال وزرعوا السهول وجعلوا حولها قصوراً أي أسواراً كبيرة، ويختلف السور عن القصر في أن الأول بمحيط أقل من محيط القصر. وربما أن القصر سور قصير الطول فلا حاجة لبناء سور طويل يكلف جهداً ومالاً.

 كما أن الله بينّ للرسول أنه يقدر أن يهبه الأنهار والقصور، ونتساءل لماذا يهب له قصور كثيرة ولا يكتفي بقصر واحد؟

إلا لو كان القصر يعني الأسوار التي تحيط بالمزروعات. والذي يؤكد ذلك الآية التي سبقتها فهم يطلبون منه كتعجيز أن تكون له جنة يأكل منها {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}([2])  فرد عليهم المولى أنه لو شاء الله لوهب له خير من الجنة، لوهب له قصوراً، أي مزارع ضخمة أكبر من الجنان الأرضية، ولا يمكن أن يكون مقصد الآية أن القصور تعني البيوت الضخمة، لأن القوم طلبوا جنان يأكل منها وليس بنايات.

أما الآية الثالثة فتؤكد المعنى، فالبئر معطلة والقصر مشيد، أي أن البئر التي كانت تروي تلك المزارع المحاطة بقصر، قد جفت، وبقي السور "قصر" الضخم وحده، ولو كان يقصد بالقصر هو المنزل الكبير، فسيبدو تناقضاً، ولا يخدم معنى الآية، فالآية تقول أن كل شيء قد تدمر وزال، ذهب الماء وذهبت المزروعات وبقيت الأطلال وهي البئر المعطلة التي انقطع مائها، والقصر أي السور الذي كان يحيط بتلك المزروعات بقي أيضاً مشيداً ولكن يخلو من الزرع.

والخلاصة ومن خلال الآيات الثلاث السابقة يتبين لنا أن القصر يشبه الحدائق والجنان، وأنه مكان يتوفر فيه الماء للزراعة، ثم سور عظيم يسمى القصر. ويسمي قصراً، لأنه يمنع دخول وخروج الآخرين من بشر وحيوانات، فكأنه محمية لكبار الملاك الإقطاعيين، فثمود بيوتهم في الجبال، ومزارعهم في السهول التي تحيط بها القصور أي الأسوار العظيمة، والرسول تحدوه بتملك جنة، فبين الله أنه قادر على إهابه قصور التي أعظم من الجنان، لإن الجنان فيها النبات الصالح والطالح والمفيد وغير المفيد، بينا المزروعات التي تحيط بها القصور فهي كلها مفيدة لأن الإنسان من يزرعها.

وقد يكون معنى قصر هو السور القصير جداً في ارتفاعه، كما نشاهد في بعض المزارع ويقصد بها منع البهائم من دخول المكان والتهام الزرع، فهو سور قصير الارتفاع يحيط بالمزارع، وقد يؤكد ذلك آية ترمي بشرر بالقصر، والتي سيتبين لها أنها حبال ضخمة تحيط بالكافر، فكأنها قصر أي سور قصير يحيط بالشيء.

التقصير:

{ وَإِخْوَٰنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ }  [الأعراف: 202].

تتكلم السورة عن الهداية والغواية، وأن إخوان الكفار، يحثونهم على الغواة، وقلنا الغواية هي الفعل الخطأ، أما الضلال فهو سلوك الطريق الخاطئ. ثم هم بعد الغواية لا يقصرون!

ونرجح أن المقصد هو أن الكفار لا يتوقفون، فيستمرون ويتجاوزون في غيهم، لهذا قال لا يقصرون أي لا تكون غوايتهم قريبة وقصيرة، بل ممتدة وقصية، أي يزيدون من أفعالهم القبيحة ويتطرفون، بحيث تفوق ما قاله لهم شياطينهم.

الحور قاصرات الطرف:

{ وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ الطَّرْفِ عِينٌ }  [الصافات: 48].

{ وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ }  [ص: 52].

{ فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ }  [الرحمن: 56].

{ حُورٌ مَّقْصُورَٰتٌ فِي الْخِيَامِ }  [الرحمن: 72].

القصر هنا عكس القصي والقصد، فهن لا يبتعدون عن الخيام، وهن في طرف المكان الذي يعشن فيه، لهذا ما أن يعود زوجها حتى يجدها قريبة وليست مشغولة عنه. وقد يبدو هذا الكلام غريباً علينا في هذا العصر، ولكن في تلك العصور كانت الزوجة في شغل شاغل إما أنها في مزرعتها أو تركض خلف غنيماتها أو تذهب لجلب الماء أو السوق للشراء والبيع، فيأتي الأعرابي والفلاح والصانع والبائع، فلا يجد زوجته بعد سفر أو انقطاع، فلهذا تؤكد الآية أن زوجاتهن متفرغات لهم لا يبتعدن عن طرف المساكن والخيام.

أما تفسيرهم القديم بأن قاصرات الطرف أي لا تنظر إلى غير زوجها من الرجال، فهذا باطل ولا يليق، نحن ننزه نساء الدنيا، فكيف إذا دخلن الجنة، فهن الطاهرات المتطهرات.

محلقين رؤوسكم ومقصرين:

{ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ }  [الفتح: 27].

إذا كان معنى محلقين هو جز كل الشعر، فكيف يأتي بعدها تقصير الشعر وقد ذهب كله، فلو كان يقصد بالتقصير هنا قص شعر الرأس، لقال محلقين رؤوسكم أو مقصرين.

والروايات تزعم أن هناك قصة وهي أن الرسول أمر بحلق الرأس فلم يحلق عثمان وأبو قتادة، فاستغفر للمحلقين ثلاث مرات وللمقصر مرتين، وعندما سأله أحدهم عن ذلك، بين أن المقصر يشك ([3]) وهذا كله كذب وافتراء، فلما عجزوا عن فهم معنى التقصير هنا، أو لما تبين لهم مقصده، لكن لا يريدون تطبيقه، ساقوا هذه المرويات المزيفة عن سيدنا عثمان بن عفان.

الصواب والمعقول أن المقصد هو تقصير شعر اللحية وتشذيبها، فلأنه في ذلك الزمن لم يكن أحدٌ يحلق لحيته وشاربه، فلم يتحدث النص عن ذلك، لأن القوم في ذلك الزمن يعتبرونه خرم للمروءة، بل لا يفكرون به من الأساس، ولا يخطر على بالهم.

بينما الحقيقة أن الشارع يريد تهذيب شكل الحاج ومنظره، فلا يصح أن يكونوا شعثاً غبراً وقد كانوا عند بيت ربهم، فيعودوا يزداد منظرهم هيبة وجمالاً

{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}  [البقرة: 196].

{ إِن شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ}  [الفتح: 27].

 ونعتذر في التوسع والخروج عن موضوعنا، وهو معنى قصر، فنعود ونقول إن قصر هنا هو جعل الشعر قريباً من أصله فهو ليس قصو ولا قصد، ولكن قصر، أي جعله قصيراً، قريباً من أصله وأساسه.

شرر كالقصر:

{ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ }  [المرسلات: 32].

الآية المكرمة تقول شرر كالقصر، ولو كان يقصد بالقصر ما يتصوره الناس أنه المنزل الكبير، لقال إنها ترمي بجمر كالقصر! لكن القصر ليس المنزل العظيم، بل هو السور الذي يحيط بأشياء داخله، وهو هنا يقصد به البشر، فتلك الشرر تسقط بجوار الكفار فتحيط بهم كما يحيط القصر بالمزارع، أو هو يشكل جداراً عظيماً كما تحيط القصور بالمزارع فتمنع دخول الغرباء، كذلك ذلك الشرر يمنع دخول أصحاب النار من دخول الجنة لوجود قصور مانعة.

وقد يقول قائل لماذا لم يقل ترمي بشرر كالسور؟ فنقول لو رمت بشرر كالسور فهذا يعني أنها ستحيط بالكافر إحاطة السوار بالمعصم، مما يؤدي إلى هلاكه، وهذا ليس غرض الشرر فغرضه هو إيقاف حركة الكفار، لاحظ أنه استخدم الجذر رمي وليس قذف أو حذف أو غيره، وشرحنا معنى الرمي وهو القذف الذي يصيب بدقة متناهية، فهي ترمي بتلك الشرر التي على شكل حبال ضخمة لتحيط بالكافر المقصود.

لقد شبه القرآن تلك الشرر كأنها جمالات صفر، وذهبوا إلى أنه النحاس وقيل، بل حبال السفينة الضخم، وقالوا، بل الإبل ([4]) ونرجح أنه يشبه الحبال الضخمة فهي تحيط بهم وتمنعهم من الحركة كما يمنع القصر من بداخله أو خارجه من الحركة. ونعتها بالقصر معقول، فهو كالقصور التي تحيط بالمزارع فلا هي مرتفعة جدا كالسور ولا هي معدومة، ولكنها قصر أي حائط قصير يحيط بالكافر ولونه أصفر، أي هو عند النظر حبل طويل لونه أصفر ضخم وكبير ويحيط بالكافر، أو يمنعه من التجاوز.

الخلاصة:

نجد أن القصر مخالف للقصد والقصو، فإذا كان القصو هو أطول امتداد، والقصد هو المعتدل منها، فإن القصر هو أقلها وفيه خلل ونقص، فأمر بتقصير الصلاة، عند الخطر أي عدم الإتيان بها كلها، ولا نصفها، بل بعضها.

والكافر عندما يغويه الشيطان الإنسي أو الجني، لا يقصر، أي يتم عمله على أكمل وجه فيصل إلى مستوى القصد أو القصو، وهو يشبه قولنا لمن فعل أمراً "والله ما قصرت". فالإنسان الذي تعرض للغواية يزيد عما وجهه به شيطانه.  

ونساءنا في الجنة، قاصرات الطرف، أي قريبات من محل إقامتهن، فهن حول الخيام، لا يبتعدون ينتظرن أزواجهن بفارغ الصبر، ذلك لخلوهن من العمل، على عكس النساء في الدنيا المنشغلات عن أزواجهن، لهذا لا يشعر زوجها بالوحشة.

أما تقصير الشعر في الحج والعمرة، فلا يقصد به شعر الرأس، بل شعر الذقن والشارب، فيجب تقصيره أي جعله أقل من المقدار المعقول وهو مستوى القصد، بل يجب تقصيره، ولا يعقل أن يأمر بالشارع بحلقه في مجتمع يعتبر الأمرد قليل المروءة.

وأخيراً فإن القصر الذي بجواره بئر أو القصر الذي بجواره نهر يجري، هو حائط المزروعات الذي يحيط بالحرث، فيمنع البهائم من الاعتداء ويمنع الناس ويبين حدود الملكيات.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

 

 



([1])  «مقاييس اللغة» (5/ 96): «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 1795):

([2]) [الفرقان: 8].

([3]) «تفسير الطبري» (21/ 315): «موسوعة التفسير المأثور» (20/ 339):

([4])  «موسوعة التفسير المأثور» (22/ 585):

ali
ali
تعليقات