تسميات السور القرآنية جهد بشري
سيتبين لنا من هذه الدراسة أن التسميات
ليست مبجلة، بل ابداع من التابعين، وأن واضعها لم يقصد تبجيل تلك الأسماء، بل
تسهيل الدراسة. ثم سيتبين لنا الأحسن تسمية السور بموضوعها الرئيسي لأن هذا يربط
أجزاء السورة التي تبدو متفرقة وبلا موضوع واحد يجمعها، ويكشف الآيات التي تبدو
غريبة وغامضة.
التسميات
مستحدثة:
تشير بعض المرويات أن تسميات السور
مستحدثة من صنع الصحابة والتابعين، ففي خبر أن ابن مسعود هو أول من قال بأسماء
السور ([1])
وهناك
رواية أن أبا بكر السراج سأل أبا رزين (أأكتب في مصحفي سورة
كذا وكذا قال إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه فيظنوا أنه من القرآن) ([2])
ويقول صاحب كتاب بذل المجهود عن إحدى السور: "وأما تسمية السورة
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير ثابت"([3])
فهذه الأخبار تؤكد أن التسميات لم تسجل
في زمن أبي بكر وعثمان، وأنها أضيفت كما أضيف كثير من الأشياء الأخرى، التي تسهل
عملية القراءة والمراجعة وعدم الخطأ، فلا تبجيل لهذه التسميات، والتسميات ليست
مهمة إذا كانت على وضعها الحالي، فما فائدة أن نسمي سورة البقرة بهذا الاسم في
أبحاثنا ودراستنا للسورة؟
لا شيء
ويمكن استبدالها بالأرقام وهي تجزي وتؤدي
الغرض، فالسورة رقم واحد والسورة رقم اثنين، فيمكن أن تشير للآية رقم 56 مثلاً في
السورة رقم 7 وبهذا نستطيع الوصول إليها بكل سهولة.
لكن الأفضل من هذا كله هو أن نسمي السورة
بغرضها الرئيس، الذي هو محور السورة وبهذا يسهل علينا فهم تعدد الموضوعات وتغير
القصص، لكي نتأكد أن هناك وحدة موضوعية للسورة وأن بقية الآيات هي تفريعات تصب في
صالح الموضوع الرئيسي.
فتسمية سورة البقرة مثلاً بهذا الاسم، هو
تشتيت للقارئ عندما يجد هذ الاسم امامه، وكأن قصة البقرة هي محور السورة، أو العنكبوت،
أو الإسراء، أو غيرها من التسميات. بينما قد نجد أن تسمية البقرة باسم (الارتياب
العظيم) هو اسم مناسب، لأنه يفسر كل السورة ويربط أجزائها ببعضها، كما شرحنا ذلك
في مقال (مفتاح سورة البقرة)
وإليك بعض الأدلة على عدم سماوية تلك التسميات:
معارضة تسميات السور:
أول رافض لتسمية السور بتلك الأسماء التي
صارت مسيطرة، هو الرسول المكرم فيقول: "لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران
ولا سورة النساء وكذا القرآن كله، ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والتي
يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله"([4])
وفي حديث آخر منسوب إلى الرسول: " ضعوها في السورة التي يذكر
فيها كذا "([5])
وهناك حديث ثالث قال فيه: "السورة التي يذكر
فيها البقرة فسطاط القرآن" ([6]) وهناك حديث آخر للرسول يقول فيه: "من قرأ السورة التي يذكر فيها
آل عمران يوم الجمعة" ([7]) فمن جملة هذه الأحاديث يتبين أن الرسول كان معارضاً لتلك التسميات
التي درجت وسجلت في المصاحف.
ونحن وإن كنّا نجزم أن الرسول لم يقل هذه
الأحاديث، وإنها ظهرت بعد عقود وعقود، لكن تبين هذه المرويات حجم المعارضة لتلك
التسميات المستحدثة والتي تبين لنا أن أول من قال بها هو ابن مسعود وأننا نجزم أن
قصده التسهيل والتيسير.
ولم يكن الرسول وحده -زعماً- هو من رفض
تسميات السور بتلك التسميات ، بل كره بعض العلماء تسمية سورة البقرة بهذا الاسم،
فالصواب عندهم أن نقول: السورة التي يذكر فيها البقرة مثلاً ([8])
وفي أثر يقول: "كنا في غزاة فيها عبد
الرحمن بن يزيد ففشا في الناس أن ناسا يكرهون أن يقولوا سورة
البقرة وآل عمران حتى يقولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي
يذكر فيها آل عمران"([9]) وحتى الحجاج بن يوسف ([10]) اعترض على تسمية البقرة
بهذا الاسم وقال: "لا تقولوا: سورة البقرة، قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة"([11])
ويرى ابن كثير أنه من الأحوط والأولى أن
نقول عبارة السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، ولا نسميها بالبقرة أو الصافات أو
غيرها من السور ([12]) وقد كان المفسرون لا يسمون السورة بهذه الأسماء المشهورة، ولكن
يبتدؤون بهذه الجملة: "تفسير السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"([13]).
وحاول الألوسي في تفسيره أن يبرر سبب منع
تسمية السور بتلك الأسماء كسورة البقرة، وأن الرسول دعا لتسميتها باسم السورة التي
ذكر فيها كذا وكذا فقال مبرراً: "ويمكن أن يوفق بأنه كان مكروها في بدأ الإسلام
لاستهزاء الكفار ثم بعد سطوع نوره نسخ النهي عنه فشاع
من غير نكير " ([14]) وهذا تبرير ضعيف، لأن التسميات كما نزعم لم تظهر إلا لاحقاً، ولأن
الاستهزاء سيستمر حتى قيام الساعة وفي يومنا هذا ظهر من يستهزأ بهذا الاسم.
وحتى لو كانت التسميات نزلت مع نزول
السور، فلن يعلم الناس في زمن الرسول بذلك فهم أمة لا تقرأ والوحي لا ينزل إلا على
الرسول وحده، فلم يكن يعلمون أي اسم للسورة ولكن كانوا ينتظرون نزول السور فقط.
لكن أحد العلماء تطرق إلى سبب آخر في منع
تسمية سور القرآن، ففي رواية أن أبا بكر السراج سأل أبا رزين (أأكتب في مصحفي سورة
كذا وكذا قال إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه فيظنوا أنه من القرآن) ([15])
وقد أصاب أبو رزين في رأيه فنجد اليوم
معارضة شديدة فيمن يعارض تسميات السور، بل نجد من يتهمه بالكفر أو الزندقة، بينما
نجد الحقيقة أن تلك التسميات تضر المتأمل للسورة ومحاولة فهم موضوعها الرئيسي.
قليل من السور
توقيفية:
وهم أنفسهم يقرون أن تسمية السور لم تكن
كلها توقيفية، فيرى صاحب الكفاية أن اسم سورة المائدة توقيفي بينما بقية الأسماء
الأخرى فهي من اجتهاد العلماء، فلم يرد فيها حديث عن النبي أو أثر ([16]) وتقر اللجنة الدائمة للإفتاء أنه ليس كل السور تم تسميتها من قبل
الرسول وأن أغلب السور تم تسميتها من قبل الصحابة ([17]) ويرى صاحب معالم التوحيد أنه ليس كل السور توقيفية، أنه يمكن
استخراج أسماء السور من معانيها([18])
ونحن نؤكد أن كل السور لم يطلق عليها أي
اسم، ولو أطلق عليها المولى اسماً لذُكر في القرآن، ولكن القرآن يؤكد أنها بلا
تسميات فيقول عن سورة النور {سُورَةٌ أَنزَلْنَٰهَا وَفَرَضْنَٰهَا}([19]) ولو كانت التسميات توقيفية
لكانت فرصة هنا أن يسمي هذه السورة بالاسم المناسب ونرجح أن أحسن اسم لها هو اسم
(العفة) لأن معظم كلام السورة هو عن تعفف النساء والرجال. أما اسم النور فقد ورد
في القرآن أكثر من أربعين مرة.
ويتحجج صاحب المنار بشأن تسميات السور
التوقيفية فيقول:" ورد ذكر المنافقين والذين في قلوبهم مرض في الأولى في آية واحدة،
وفصل في الثانية أوسع تفصيل، حتى كانت أجدر بأن تسمى سورة " المنافقون "
من سورة " 63 " إذا جاءك المنافقون لو كانت تسمية السور بالرأي"([20]) ليبين أن التسميات توقيفية،
وكأن الذي سمى السور كان مصيباً، ولم يلحظ أن تلك التسميات هي جهد بشري كسول، لم
يبذل الجهد المناسب لفحص السورة ومعرفة موضوعها الرئيسي، بل إن كلامه-دون أن يشعر بذلك-
تأكيد على أن التسميات جهد بشري لم يوفق.
قوانين
تسمية السورة:
يبدو أن التسميات قد مرت بمراحل، فكانوا
بداية يطلقون على السورة بأول جملة فيها ففي حديث: "رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم يوم الفتح يسير على ناقته، فقرأ: إنا فتحنا لك فتحا مبينا "([21]) ويعلق صاحب كتاب فضل الرحيم، فيقول: " على عادتهم في تسمية السورة
بفاتحتها "([22]) يقصد الصحابة.
وفي حديث الرسول لأحدهم : "ألا أعلمك
أفضل سورة في القرآن قبل أن أخرج؟ " قال: فلما ذهب يخرج، ذكرت له، فقال:
" {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"
([23]) وفي حديث آخر عن سورة
النبأ: "فأنبئت أنه قرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب"([24])
ويبدو أن هذه الطريقة غير عملية، لما
فيها من تطويل لا داعي له، فظهرت تسمية السورة بكلمة من تلك السورة أو بصفة بارزة
فيها مثل سورة الفاتحة لأنها في فاتحة المصحف، أو سورة الإخلاص، لأنها تتكلم عن
التوحيد فقط، لكن الغالب الأعم هو تسمية السورة بكلمة فريدة فيها.
ويتكلم المغامسي عن تسميات السور فيقول:
"وإن من أساليب تسمية سور القرآن تسمية الشيء باسم بعضه، وهذا أمر كانت العرب
تستخدمه في كثير من الأمور، فسميت سورة البقرة بسورة البقرة لأنه جاء ذكر قصة البقرة
فيها، وسميت سورة آل عمران بسورة آل عمران لأن الله جل وعلا ذكر فيها عمران وآله"
ثم يستخلص نتيجة مفادها أن تسميات السور توقيفية ([25]) وقد لاحظ المغامسي أن السور تسمى بكلمة فريدة فيها في كثير من
السور، فالبقرة لم ترد إلا في سورة البقرة وكذلك الأعراف والفيل والعنكبوت ([26])
ويقول صاحب العمدة عن التسميات: "تسمية
السورة ببعضها، وكل سور القرآن في التسمية، كالفاتحة، ثم التسمية بالبعض؛ قد يكون
لعظم لفظه، ومعناه، وقد يكون لشهرة قصته، وقد يكون لعظم المنة به، وقد يكون لتفخيم
ذكر المنعوت في السورة، وقد يكون لغير ذلك، على ما اقتضته التسمية " ([27])
من كل هذا يتأكد لنا أن تسميات السور مرت
بمراحل، فبدأت بمرحلة أول جملة فيها ثم مرحلة أميز كلمة فيها، وبعضها حسب تميزها
الخاص كسورة الفاتحة، لأنها وضعت في أول المصحف، وهذا يؤكد أنه لا تبجيل في تسميات
السور وأنه عمل بشري.
لكن للسور دائماً موضوع أساسي، وبقية
التفريعات تأكيد له، ويجب قراءة السورة عشرات المرات لمعرفة مفتاح السورة، والذي
يؤدي في الأخير إلى فهم تلك التفريعات التي تبدو أنها موضوعات جديدة مستقلة وهي
غير ذلك. وقد لاحظ بعضهم أهمية تسمية السور لأنها تجعل فهم السورة سهلاً، فيرى
الكتاني أن لتسمية السور فوائد فمن فوائد تسمية سورة الأنبياء بهذا الاسم هو لفت
النظر إلى أولئك العظماء وسيرهم النبيلة ([28])
ويقول صاحب معالم التوحيد: " جرى تسمية
السور بما يناسب أهم مواضيعها، أو باسم أبرز ما ذكر فيها، كالفاتحة لأنها فاتحة القرآن،
وإن كان أصل التسمية لا يعلل، ولكن قضى الله بحكمته
الكمال والتمام لكلامه سبحانه من كل وجه" ([29])
ويبرر أحدهم في تسمية سورة البقرة فيقول: "لأن أعظم حدث فيها هو الحدث
الذي فعله بنو إسرائيل عليهم لعنة الله في مراجعتهم لنبيهم في البقرة المذكورة في هذه
السورة المباركة، وكل سورة لها أكثر من اسم، وإنما تعرف وتشتهر بأسماء معينة؛ لأن هذا
الاسم في الغالب يكون أعظم حدث تكلمت عنه السورة" ([30]) وهذا الكلام غير صحيح، لأن في السورة (البقرة) أحداث كثيرة كلها
جليلة وعجيبة وعظيمة.
التسميات
تقليد لليهود والنصارى:
لا نعترض على تقليد اليهود والنصارى في
تسميات السور، فهي ضرورية، لكونها مفتاح فهم السورة، لكن القرآن يختلف عن تلك
الكتب المقدسة إن صحت نسبتها إلى الله، فإن سور التوراة والتي تسمى أسفاراً، تكون
ذات موضوع محدد وواضح، وهو سرد بسيط وواضح وكأنه قصة، بينما سور القرآن أكثر
تعقيداً فكل موضوع، يضاف إليه كثير من الروحانيات عن عظمة الخالق وعظمة المخلوقات،
كما أنه يتطرق إلى الماضي كتأكيد لمعاني السورة.
نماذج من تسميات السور:
سورة
الإسراء:
كثير من السور تتعدد أساميها، ولكن
المعاصرين اهتموا بسورة الإسراء، لأن الاسم الآخر كان بني إسرائيل، وهم للعصبية
الدينية ضد اليهود لا يرون أنهم يستحقون أن تنفرد سورة باسمهم لهذا اعتبروه عملاً
ماكراً من اليهود الذين تسللوا إلى أصحاب السير والأخبار، بل إن بعضهم سماها باسم
الفعل وهي سورة أسرى، وعند ابن عطية والثعالبي تسمى سورة (سبحان)([31]) ولم يعترضوا على هذه
الأسماء، لكن اعترضوا على اسم بني إسرائيل وخاصة من المعاصرين الذين شاهدوا هؤلاء
اليهود يحتلون جزءاً غالياً من أوطانهم ([32])
يقول عبد الكريم الخطيب عن سورة بني
إسرائيل التي اشتهرت باسم الإسراء: (وواضح أن هذا الاسم دخيل منتحل، تسلّل إلى
المفسّرين وأصحاب السّير، فيما تسلّل من الإسرائيليات، التي دسّها اليهود على
هؤلاء العلماء، فقبلوها منهم بحسن نيّة..) ([33])
رغم عدم اعتراضي على التسميتين، إلا أن
اسم الإسراء أكثر مناسبة؛ ويمكن تسميتها بسورة السري، فكما رأى الخطيب بعد ذلك فإن
سورة البقرة أولى أن تسمى باسم (بني إسرائيل) لكثرة الحديث عنهم هناك، لكننا نجزم
أن هناك تسمية أفضل من هاتين التسميتين وقد اقترحنا تسميتها باسم (الارتياب العظيم)
سورة
النجم:
وسورة النجم تسمى عندهم باسم (والنجم) أو
(والنجم إذا هوى) كذلك ترجمها البخاري والترمذي، وكذلك في حديث في الصحيحين:
"أن النبيء صلى الله عليه وسلم قرأ: والنجم إذا هوى فلم يسجد" ([34])
الفاتحة
وسور أخرى:
وسور مثل الفاتحة لها اسم آخر هو الحمد بل كانوا
يسمونها بأول جملة فيها، ففي حديث عن الرسول عن سورة الفاتحة: " الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني
" وسورة الأنبياء لها اسم آخر هو (واقتربت) والإخلاص لها اسم ثان هو الصمد، وفي
حديث آخر عن سورة الصمد عن أبي سعيد: "أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله والذي نفسي بيده إنها لتعدل
ثلث القرآن" وحديث آخر عن سورة الصمد يقول الرسول: "أيعجز أحدكم أن يقرأ
في ليلة ثلث القرآن. قالوا وكيف يقرأ في ليلة ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" ([35]) وسورة غافر تسمى سورة الطول ([36])وسورة الصافات مأخوذة من أول كلمة فيها ([37]) وهكذا كثير من السور.
قصة
سورتي الأنفال والتوبة:
تقول الرواية أن عثمان بن عفان حار في
سورتي الأنفال والتوبة وهل هما سورة واحدة أم سورتين، لهذا قرر أن يضع سورة التوبة
خلف سورة الأنفال ولا ويكتب بسملة بينهما لشكه أنهما سورة واحدة ([38])
ونحن نجزم أن ابن عفان عليه السلام، لن
يحار بين الأنفال والتوبة، وحتى لو حار في شأنهما فإن الصحابة لن يحاروا، وأن من
أصيب بالحيرة هم التابعين لاحقاً، لتشابه موضوع الأنفال والتوبة ولأن التوبة لم
تبتدأ بفاصل معتاد، بل ابتدأت بجملة: براءة من الله... وكأنها امتداد لآخر سورة
الأنفال، أو لنقل إن من حار فعلاً، هو من وضع البسملات في القرآن فيما بعد، فلما
مر على الأنفال والتوبة شك في أمرهما وترك البسملة، لعدم جزمه في الأمر.
وبهذا يتأكد لنا أن التسميات لم ترد عن
الرسول الكريم، ولو كانت كذلك لما وجدنا كل هذه الاختلافات في التسمية للسورة
الواحدة، ولو كانت توقيفية، لما اختلف الناس فيها. ثم هي ليست مهمة، ولو كانت
أهميتها كبيرة، لوجدت الاختلاف بشأنها قليلاً، ولوجدنا التسميات مناسبة مع السورة؛
لكن كان من المفروض أن التسميات تتحدث عن جوهر السورة وموضوعها الأساسي، فسورة
البقرة، كان يجب أن تسمى (الارتياب العظيم) لأنها كلها تتكلم عن ارتياب بني
إسرائيل من الرسل ورسالاتهم، وسورة التحريم، كان يجب أن تسمى (الموقف من النساء)
لأنها تتحدث عن هذا الموضوع، وسورة النور كان يجب أن تسمى سورة العفة، لأنها تتحدث
عن عفة المؤمنين وسبل دعمها.
الخلاصة:
حالما نفتح سفر التكوين، مثلاً، ندرك أن
تسميته بهذا الاسم مناسبة، لأنه يتكلم عن تكوين الحياة منذ بدايتها حتى ظهور
الأنبياء، بينما لا نجد الأمر كذلك في سور القرآن، رغم أنه الأصح والأوضح والأبين،
فالقوم نتيجة الكسل لم يبذوا الجهد المناسب لاكتشاف الاسم المناسب للسورة الذي هو
عنوان للسورة يمكن من خلاله إدراك معانيها قبل الولوج فيها، واكتفوا بأول جملة
فيها أو أول كلمة أو بحثوا عن كلمة فريدة فيها فجعلوها عنواناً لها.
ولو أننا بذلنا الجهد الفكري اللازم،
سيسهل علينا اخراج العنوان المناسب للسورة، وبهذا يستطيع كل من يبدأ بقراءة السورة
أن يدخل من الباب الصحيح لها، فيعلم أنه سيقرأ في الموضوع الفلاني، وأن الآيات
التي تبدو شاردة وبعيدة، هي تصب في نفس الموضوع وتدعمه.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك