المرء والمرأة في القرآن المكرم
مرء في
المعاجم:
المرء هو الإنسان وأنثاه هو مرأة وهو
أيضاً امرؤ وهي امرأة. والمروءة كمال الرجولية. والمراءة هو مصدر الشيء المريء
الذي يستمرأ. والمريء هو رأس المعدة ([1]) .
المرء
والمرأة في القرآن:
كما تبين لنا فإن معاجم اللغة والتفاسير
فقيرة جداً في سبر هذا الجذر، فليس عندهم إلا أن المرء هو الذكر والأنثى هي المرأة،
وبهذا تضيع المعاني الدقيقة جداً في فهم النصوص.
وعند البحث يتبين لنا أن المرأة يطلق على
كل أنثى مسؤولة وراشدة وعاقلة، أما المرء فهو الذي لا يرتبط بأنثى بالزواج، فإن
تزوجت المرأة كان هذا أكثر توكيداً على أنها امرأة لأنها ستتحمل مسؤولية بيت وزوج
وأطفال، فكل متزوجة هي بالضرورة امرأة.
ماذا
يعني امرأة:
{فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282].
{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ
} [النمل: 23].
{وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ} [القصص: 23].
{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ
نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50].
في هذه الآيات ورد لفظة امرأة ولم يتبين
هل هي متزوجة أم لا بل بينت أن الفتاتين كانتا غير متزوجتين وتزوج موسى من إحداهما،
وكذلك المرأة المؤمنة التي وهبت نفسها للنبي لم تكن متزوجة، فهذا اللفظة قد تعني
المتزوجة وغير المتزوجة، فإن أُضيف لها النسبة كامرأة لوط مثلاً، تبين أنها زوجته،
ولكن توقفت العشرة الزوجية بينهما، كما سوف يتبين لنا.
ونلاحظ في كل الآيات السابقة أن المرأة
هنا مسؤولة وراجحة عقل ولها حرية التصرف، فتلك المرأة لها القدرة على أن تزوج
نفسها من الرسول، والفتاتان لهما القدرة على تحمل مسؤولية الرعي، ولهما كلمة عند
والدهما. والمرأتان اللتان تشهدان، فمن المؤكد رجاحة عقلهما وثقة الناس بهما.
وبلقيس أطلق عليها امرأة لرجاحة عقلها وعظم ملكها ومسؤوليتها، فلا يطلق على الأنثى
امرأة إلا إذا كانت راجحة عقل ومسؤولة.
على أن أننا ندرك أن أعظم مسؤولية للمرأة
هو الزواج والإنجاب، لهذا كان من الطبيعي أن يطلق على كل متزوجة امرأة لأنها تتحمل
مسؤولية كبيرة. ونفس الحال مع لفظ الرجل فهو يعني من يتحمل المسؤولية، وأعظم
مسؤولية عند الذكر هو أن يتزوج وينجب، فلهذا فكل زوج هو رجل بالضرورة لما يتحمله
من مسؤوليات.
المرء
وزوجه:
{مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ}
[البقرة: 102].
تسلط السحرة على الرجل المتزوج، ففرقوا
بينه وبين زوجته السابقة، فصار هو "مرء" بعد أن كان رجلاً مسؤولاً عن
زوجة وبيت. وقد حدد النص أن السحرة فرقوا بينه وبين زوجته السابقة لكي تتضح الصورة،
فهي ليست أي سيدة، بل كانت زوجته السابقة.
امرأة
عمران:
{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَٰنَ } [آل عمران: 35].
نعم كانت تلك السيدة زوجة عمران، ولكن زوجها
مات فصارت أرملة لا تمارس العشرة معه لموته، فهي لهذا امرأة عمران، ولو كان عمران
حياً لما كفلها زكريا ولو كان حياً لما نذرت أم مريم قبل أن ترجع إلى زوجها.
امرأة
زكريا:
{وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي
عَاقِرٌ} [آل عمران: 40].
يبين زكريا عليه السلام أن زوجته صارت
امرأته أي لا يمارس معها العشرة الزوجية، لأنه طاعن في السن وهي كذلك فقد بلغت
مرحلة العقر وقد شرحنا أن حالتها أشد سوءا من حالة امرأة إبراهيم، التي كانت عقيم،
لهذا نعت زكريا زوجته بأنها امرأته، أي هي السيدة التي هي الزوجة ينفق عليها
ويرعاها وترعاه، ولكن بلا عشرة زوجية.
امرأة
إبراهيم:
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْنَٰهَا} [هود: 71].
إبراهيم كذلك عليه السلام، لم يكن يمارس
العشرة الزوجية مع زوجته فتحولت من زوجة إلى امرأة بالنسبة له، ولهذا قالت عنه إنه
بعلها، وشرحنا معنى بعل بأنه الذي توقف عن الجنس مع زوجته أو لم يمارسه مطلقاً
معها.
امرأة
وبعلها:
{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا
نُشُوزًا} [النساء: 128].
شرحنا سابقاً معنى بعل وقلنا هو الزوج
المتوقف عن الجنس، وشرحنا معنى نشوز وهو الذي يمتنع عن الجنس كنوع من العقاب. وبهذا
يتضح لماذا استخدم القرآن هنا لفظة امرأة بدلاً من زوجة، فلو كان يمارس الجنس معها
لكانت زوجة وهي تخاف أي تتوقع الشر كما شرحنا سابقاً في معنى خوف، وتوقعها أن
امتناعه عن الجنس معها نشوزاً أي امتناع كنوع من العقاب لها، لأنها طالبت بحقها من
المصروف المنزلي والكسوة.
امرأتي
لوط ونوحٍ:
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} [التحريم: 10].
كذلك تحولت زوجة لوط إلى امرأته، لكبر
سنها وسنه، فهو ينفق عليها ويعتني بها، وتعتني به، ولكن لا يمارس العشرة الزوجية
معها، كذلك الحال مع نوح الذي تشير الآيات أنه بلغ 950 سنة.
امرأة
العزيز:
{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ
}
[يوسف: 21].
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ
الْعَزِيزِ} [يوسف: 30].
كذلك العزيز لديه مشكلة، فقد توقف عن
الجنس مع زوجته، فصارت امرأته، حتى نساء المدينة كنّ يعرفن ذلك فنعتوها بامرأة
العزيز وليس زوجه. ويبدو أنه ليس لديه أولاد فيرجو أن يكون يوسف ولده بالتبني.
امرأة
فرعون:
{ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ
عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } [القصص: 9].
امرأة فرعون حالها مثل بقية السيدات اللاتي
ورد ذكرهن في القرآن كامرأة لوط ونوح وإبراهيم، فلم يكن هناك عشرة زوجية بين فرعون
وزوجته في تلك الفترة، ومن الواضح أنه بلغ من الكبر عتياً، كما تشير قصة موسى.
لا زواج
يوم القيامة:
{يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ
يَدَاهُ} [النبأ: 40].
{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ
} [عبس: 34].
يوم القيامة يقوم الشخص من قبره، وهو
فاقد للذاكرة تماماً، فلا يعرف من هي زوجته أو تعرف الأنثى من هو زوجها، فإن
استعادوا الذاكرة بعد استلام الكتاب علموا ذلك. وقد شرحنا ذلك بتفصيل كبير.
لهذا يظل الإنسان في عزوبية قبل دخول
الجنة، حتى يستلم كتابه ثم يجتمع بزوجه، فإن كان من أهل الجنة استطاع معاودة
العشرة الزوجية (ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ تُحۡبَرُونَ) ([2]) فإن كان الشخص من أهل النار دخل معه زوجه التي لم تعد كذلك، فلا
عشرة زوجية في النار، فتتحول الزوجة هناك إلى امرأته فقط، مثل زوجة أبي لهب { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }([3])
امرؤ
تجريد:
{ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
} [الطور: 21].
{ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ
أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } [المعارج:
38].
{ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ
أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً } [المدثر:
52].
{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ
شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 37].
في هذه النصوص، يرد لفظ امرؤ وليس رجل أو
إنسان أو خلافه، لأنها تريد التجريد، أي كما نستخدم اليوم لفظة إنسان فنقصد، به
ذلك الكائن المتكلم أكان ذكراً أو أنثى، فامرؤ هنا تعني ذلك الكائن العاقل المتكلم،
فهي تعني كل كائن عاقل مسؤول عن أفعاله يوم القيامة، فهي لا تخص الذكر وحده، بل
حتى الأنثى، فإذا كان يريد الذكر وحده استخدم لفظة مرء وإن كان يريد الأنثى وحدها
استخدم لفظة امرأة. ولو قصد الذكور وحدهم لكان نقصاً واضحاً، فإذا كان يتحدث عن
الذكور فقط، فماذا عن حال النساء يوم القيامة.
وفي حادثة الإفك استخدم لفظة امرؤ بدلاًُ
من رجال أو جماعة {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ
مِنَ الْإِثْمِ}([4]) ذلك ليؤكد أن تلك التهمة لم يشارك فيها الذكور فقط، بل شارك فيها الذكور
والإناث، وهي طبيعة في النساء أكثر من الرجال، فهن من يفترين البهتان وقد شرحنا
معنى البهتان بأنه اتهام بالفاحشة، وقد حذر القرآن النساء خاصة من هذا الأمر.
كلالة
امرؤ:
{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
} [النساء: 12].
{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَٰلَةِ إِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا
نِصْفُ } [النساء: 176].
في الآية الأولى تتحدث عن رجل أو امرأة أي
ميتان لهما زوجان، فللرجل زوجة ترثه مع بقية الورثة وامرأة لها زوج يرثها مع بقية
الورثة. أما الآية الثانية فالميت هو امرؤ أي قد يكون ذكراً أو أنثى، وليس له آباء
"كلالة" وليس له ولد، فحينها يقتسم الإخوة الورث لعدم وجود زوجة أو زوج
لهذا الميت فهو امرؤ أي مجرد من الزوجية. أنظر شرح امرؤ بالأعلى.
امرأ
سوء:
{ يَٰأُخْتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ
سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا }
[مريم: 28].
تعجب القوم من مريم وأخبروها أن أباها لم
يكن امرأ سوءاً، أي لما كان عازباً كان مستقيماً وهذا قبل زواجه، والعزوبية أدعى
للخطيئة، خاصة عند الذكور، ولكن مع هذا كان عازباً مستقيماً "امرأ" فلما
تزوج وصار رجلاً كان أكثر عفة وطهارة، فكيف تنحرفين يا مريم وهذا أصلك وفصلك.
الخلاصة:
لاحظنا أن المرأة تعني الأنثى المسؤولة وأعظم
مسؤولية هي الزواج، فكل زوجة هي امرأة بالضرورة. ويقابلها عند الذكور لفظة رجل،
أما امرأ فهو الشخص الذي لا زوجة له فلا مسؤولية على عاتقه، أما الرجل فهو المسؤول،
وخاصة إذا كان متزوجاً يرعى زوجة وأسرة.
فإذا نسبت المرأة إلى شخص معين، فهذا
يعني أنها زوجته، ولكن لا يمارس الجنس معها لأي سبب كان، ذلك أنها تحمل مسؤولية زوجها
الذي يسميه القرآن بعلها، لكن متوقفان عن الجنس.
أما أمرؤ فهي تطلق على الذكر والأنثى، مثلما
نطلق اليوم على الذكر والأنثى لفظة إنسان، فامرؤ تشمل الجنسين. أما البشر يوم
القيامة فتنتفي عنهم صفة الزوجية فالجميع يتحولون إلى مرء وامرأة، بلا زواج، لأن
الكل فاقد للذاكرة لا يعرف أقاربه، فإن تذكروا مع استلام الكتاب، عادت العلاقات،
فيتزوجون في الجنة والنار، لكن في الجنة يصبح زواجها مع ممارسة العشرة الزوجية،
بينما تظل الأنثى امرأة بعلها فقط دون ممارسة جنسية، وذلك منطقي لانشغالهما بالألم
والعذاب.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك