أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

فرعون القصة الصحيحة

 


فرعون القصة الصحيحة

مقدمة:

ورد اسم فرعون وآله في القرآن 74 مرة في 27 سورة، وهذا يشير إلى أهمية قصته ومدى خطورتها، وسوف نحاول من خلال هذا البحث أن نحصي النصوص القرآنية ونسبر أغوارها لنعرف العلة التي كانت وراء هذا التكرار، ولنجيب بعدها عن سبب اضطهاد فرعون لبني إسرائيل دون بقية الأعراق في مصر، فالأجوبة التي يقدمها التراث والتوراة غير مقنعة، والتناقضات ظاهرة، فإذا كان يخشى من بني إسرائيل فلماذا لم يقض عليهم عن بكرة أبيهم؟ وإذا منعته الدواعي الإنسانية، فلماذا لم يسمح لهم بالخروج فيتخلص من تهديدهم.

شخصية فرعون:

يستحسن أن نبحث عن شخصية فرعون، فهو الشخصية الرئيسية في هذه القصة، ومن خلالها نعرف لماذا قام بهذا الطغيان.

نلاحظ ابتداءً أن فرعون كان موهوباً في الكلام والبلاغة، وعلى نقيضه النبي الكريم موسى، الذي كانت به علة التأتأة والفأفاة

{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }  [الزخرف: 52].

وعلة موسى نفسية وليست كما يزعمون أنه قبض جمرة ووضعها في لسانه فأدت إلى تلك العلة، فلو أنه قبض الجمرة لأحرقت يده ولقذفها قبل أن تصل إلى لسانه، لكنه عندما يتعرض للضغط تظهر فيه هذه التأتأة لبرهة من الزمن.

لقد أوتي فرعون جوامع الكلم، فعندما سقطت شرعيته كما سيتبين لنا خرج على المصريين وقال لهم

{ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ }  [النازعات: 24].

ليقصد أنه يملك الاقتصاد ويملك القوة العسكرية، فلا تراودكم أنفسكم في تركي واتباع موسى.

كما أن أقواله صارت على كل لسان وتحملها الركبان فمن ذلك:

{ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }  [غافر: 29].

{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ }  [طه: 71].

وهذا لا يعني أن موسى أقل فصاحة منه، بل قد يكون أكثر منه، ولكن مشكلته التأتأة.

كما عُرف فرعون أيضاً، بجنون العظمةـ الذي ظهر جلياً من خلال كلامه وأفعاله

{ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ }  [النازعات: 24].

{ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي}  [الشعراء: 29].

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي}  [القصص: 38].

فحتى الملأ الذين يعرفون أنه بشري مثلهم، صار يتكبر عليهم ويزعم أن إله عليهم.

وظهر من كلامه حالة البرانويا أو جنون الاضطهاد الذي كان يعاني منه، فكان أي تصرف أو حادث له أغراض ونيات غامضة ومخفية تقصد الضرر به شخصياً، فعندما آمن السحرة بموسى زعم أن هناك اتفاق مخفي بين موسى والسحرة، أي نظرية المؤامرة.

{ قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }  [الأعراف: 123].

كما حرض على قتل موسى بحجة تبديل الدين وإظهار الفساد، رغم أن موسى لم يطلب إلا أن يخرج بني إسرائيل من مصر

{إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }  [غافر: 26].

لقد استحوذ عليه قرينه فأضله وأغواه، ودفعه الطاغوت (الشيطان خاصته) إلى الطغيان، لأنه هو من كان يريد ذلك، فكان من المستحيل أن يرجع عن ضلاله لهذا قال له موسى

{وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًا }  [الإسراء: 102].

أي أجزم أنك مثبور، ومثبور هو من يدعو بالثبور في نار جهنم، أي موسى جزم بدخول فرعون النار، لأن حالته العقلية لا شفاء منها.

ما رأي التوراة في مذبحة فرعون؟

تحاول التوراة تفسير سبب فجور فرعون ببني إسرائيل، فزعمت أن فرعون قال لشعبه: "بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْثَرُ مِنَّا وَأَعْظَمُ قُوَّةً. فَلْنَتَآمَرْ عَلَيْهِمْ لِكَيْلاَ يَتَكَاثَرُوا وَيَنْضَمُّوا إِلَى أَعْدَائِنَا إِذَا نَشَبَ قِتَالٌ وَيُحَارِبُونَا ثُمَّ يَخْرُجُوا مِنَ الأَرْضِ" ([1]) ثم قرر فرعون قتل الذكور حتى لا يتكاثر بنو إسرائيل كما تقول التوراة، فقرر إغراق كل رضيع في النهر.

ومن الواضح أنه تفسير غير منطقي، فكيف تكاثر الإسرائيليون في فترة وجيزة، وكيف ازدادوا قوة ثم يحرض عليهم لكيلا يقاتلوهم، ولكيلا يخرجوا! فما الداعي للخروج من مصر إذا بدأوا القتال؟ وإذا كانوا بهذه القوة.

ثم إن قتل الذكور دون الإناث لا يقلل من عدد اليهود، لأن الإناث هن من يساهم في التكاثر وليس الذكور، فذكر واحد يكفي عدة نساء لكي ينجبن، فلو أراد فرعون تقليل عددهم لقتل الإناث وخصى الذكور، خاصة وأنه في حاجة إلى يد عاملة مجانية.

 لماذا استعبد فرعون بني إسرائيل دون غيرهم؟

استعبد فرعون بني إسرائيل دون غيرهم، لأنهم هم من يرفض ربوبية وألوهية فرعون وآله، وهم من يزعم أن لهم إله في السماء، فقد كان كل السكان يعترفون بهذه الربوبية لتلك الأسرة، وغيرها من الأسر، إلا بني إسرائيل، فكان من الأحسن تعبيد هذه العشيرة، لكي يتبين لهذه العشيرة وغيرها من العشائر صدق ربوبية فرعون وآله، فها هو فرعون، رب يبطش بيد ويطعم بالأخرى.

فلم تكن لدى فرعون مشكلة عصبية عرقية مع بني إسرائيل، أو لنقل إن المشكلة الدينية أكبر من المشكلة العرقية، إن هؤلاء اليهود علتهم فكرية عقائدية، يجب النيل من فكرهم وليس من عرقهم، وإن كان ولابد، فسيتم سحقهم بقضهم وقضيضهم.

ولو كان فرعون يقصد اضطهاد عنصري عرقي، لكان قارون أول المضطهدين، لكنه كان من ضمن عصابة فرعون الذي يدير له الاقتصاد، ففرعون اضطهد فقط الأسر التي لا تؤمن بربوبيته وتنشر هذا الفساد في البلاد، أما قارون فقد كان خادماً مطيعاً يجبي الأموال من اليهود الفقراء.

ثم رأيناه بعد عودة موسى، يركز اضطهاده على المؤمنين بموسى وليس على كل بني إسرائيل وإن استمروا في العبودية، ولكنه خص المؤمنين بموسى بقتل أبنائهم، من أجل ترهيب الجميع من الإيمان بموسى.

{ فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ }  [يونس: 83].

{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ }  [الأعراف: 127].

ويسمى النظام الفرعوني عند علماء التاريخ والاجتماع، باسم النظام الملكي الإلهي، إذ يعتبر الملك إلهاً أو المتحدث عن الإله، وقد ظهر هذا النظام في الصين، وفي روما لما تحولت إلى إمبراطورية، على يد قيصر الذي زعم الألوهية، كذلك فعل الأكاسرة في إيران. 

لماذا أراد فرعون قتل الطفل موسى دون هارون؟

تبين لنا بالأعلى أن فرعون لم يكن لديه مشكلة عنصرية ضد اليهود، ولكن كانت مشكلته هي خطورة العقيدة اليهودية على الفراعنة وشرعيتهم، ولهذا نجده يريد قتل موسى ويستبقي هارون!

ذلك بوضوح لأن هارون من أسرة مختلفة عن أسرة موسى فهو أخوه من أمه { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي}([1]) ومن المرجح، بل الجزم وفق تفسيرنا للأحداث، أن أبا هارون تظاهر بالتحول عن التوحيد، من أجل أن يخلص ابنه من الموت، بينما لم يصنع ذلك أبو موسى، فقد رفض التقية، ولهذا كان مصير موسى هو الموت.

أما تفسير أهل التراث أن فرعون كان سنة يترك الأطفال وسنة يقتلهم، فوافق ذلك مولد موسى في سنة القتل، فتفسير ضعيف وركيك، ولن يقبل به فرعون، فما أدراه أن في تلك السنة سيولد عدوه فليس لديه يقين كامل.

وهذا ظاهر وأكيد، فلما ساق المولى موسى إلى بيت فرعون لم يتخلص منه، ولو كان يعتقد بتلك النظرية التراثية، لما أبقاه، بل لزاد شعوره بالخطر، ولكنه يعلم يقيناً أن هذا الطفل ذو سيما يهودية، قد أطلقه اليهود خشية القتل، وأن غرضه في الأخير قد تحقق في إرهاب اليهود لكي يعودوا عن عقيدتهم تلك، خاصة وأن فرعون وزوجه قد أحبا الطفل كما قضى الله بقوته وقدرته جل جلاله.

فليس لدى فرعون مشكلة عرقية مع اليهود، لقد استعبدهم من أجل اخضاعهم وقد وجد في استعبادهم فائدة اقتصادية، فاستمر في اخضاعهم واستعبادهم وقد تحول الكثير منهم إلى الوثنية لهذا وجدنا صعوبة تواجه موسى في اقناع اليهود بوحدانية الخالق.

هل ساهم يوسف في اضطهاد اليهود؟ 

بداية القصة كانت مع ظهور النبي الكريم يوسف وتوعيته للمصرين، فكلما تحينت له الفرصة يدعو الآخرين لدينه، وكان قد بدأ ذلك مع امرأة فرعون التي يعتبرها أمه لفرق السن

{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّٰلِمُونَ }  [يوسف: 23].

معاذ الله!

من الله يا يوسف؟

من المؤكد أنها اندهشت من هذه اللفظة فمن هو الله التي تستعيذ به؟

فأجابها مباشرة

إنه ربي أحسن مثواي

أي أن الله هو ربه وليس الفراعنة!

كان هذا أول حوار معها، لكنها كانت منفعلة وغاضبة فلم تدرك المعاني إلا لاحقاً.

فلما أصر على الطهارة ورفض الاستجابة، واعتبر السجن أحسن من الملذات، أدركت صدق يوسف وقوة إيمانه، مما هز وجدانها فنجدها في الأخير من المؤمنات، فدخل الإيمان قلبها، وصارت تلهج بذكر الله، وتقول المواعظ وكأنها خطيب في يوم الجمعة، فقالت:

ﵟذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَﵞ [يوسف: 52] 

ثم أردفت

ﵟوَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞﵞ [يوسف: 53] 

وهذا يؤكد أنها كانت على تواصل معه، في السجن بطريقة ما، فهي في نظره أمه التي اعتنت به، وعندما تغلغل الإيمان في قلبها وذهبت نزوتها وعاد إليها رشدها، تواصلت مع يوسف تطلب الموعظة وتطلب الدين، فصارت تعرف الله والغيب والخيانة الدينية، والنفس الأمارة بالسوء، وأن الله غفور رحيم، وكلها معاني تحتاج إلى زمن طويل للتعلم، على يد المعلم يوسف، وهي كما يبدو لم تكن من علية القوم والنخبة، ولم يكن لها قرار وتأثير، فقد كانت تتنعم ببعض السلطة من محبة العزيز لها، فلما صار أمر يوسف بيد النخبة لم تستطع فعل شيء.

حتى عندما أراد الملك مقابلة يوسف وطالب بالعدالة، لم يطلب القصاص من امرأة العزيز ولم يذكرها مطلقاً، بل ذكر النساء اللاتي قطعن أيديهن، لأنها في نظره هي أمه، ولأن الإيمان قد دخل قلبها، فطالب بمحاسبة النسوة بدونها.

صاحبا السجن:

لاحظ يوسف أن صاحبي السجن مستعدان لسماع كلامه، خاصة وأنه يملك تأويل الحلم، الذي ينتظران تفسيره، فقدم لهما جرعة عقائدية عندما وجد الاستعداد النفسي لذلك، وقد بدأ بالتشنيع على دين الفراعنة وما فيه من ظلم.

ﵟذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ﵞ [يوسف: 37] 

فقد شنع على دين الفراعنة الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

ثم استطرد وقال:

ﵟوَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ 38 يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ 39 مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ 40ﵞ [يوسف: 38-40] 

وهنا يبين لهما أنه لم يأت بهذه الملة من عند نفسه، بل ورثها من أجداده، ثم بين لهما أن هذه الأرباب مجرد أسماء وهمية لا أصل لها، صنعها الكهنة لكي يرضخوكم لهم. 

ثم تابع وقال:

{ يَٰصَٰحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَٰحِدُ الْقَهَّارُ }  [يوسف: 39].

أي كيف تقبل عقولكم تعدد الآلهة الفراعنة، فكل شخص فيهم زعم أنه رباً واستحوذ على عبيد يتحكم بهم ويقتلهم، بينما الله هو الوحيد الرب القهار.

فكان يحاول انقاذ هذين المسكينين من الوثن والعفن، لعل ذلك الذي سيصلب يؤمن بالله قبل موته، ولعل الآخر يؤمن هو أيضاً، وقد وجدنا أثر تلك الدعوة على الذي لم يمت، عندما بين أن سبب نسيانه هو الشيطان، وهذا مفهوم إبراهيمي، ومن المؤكد أن يوسف هو من غرسه فيه.

لقد شع نور الإيمان في قلوب المصريين وزاد عددهم وبدأوا يظهرون في النخبة المصرية، فكانت النتيجة الحتمية هو ظهور مقاومة شديدة، تغلق هذا الشر المستطير على مصالح النخبة، فكان فرعون هو القائد الضرورة، الذي جاء لينقذ البلاد والعباد من شر التوحيد.

هكذا كانت النخبة تحدث نفسها، خاصة وأن القوم كانوا ينتظرون موت يوسف الذي سبب كل هذه المشاكل، فهو الوزير الأول الذي له شعبية كبيرة، والذي نشر البلبلة في عقول المصريين العامة والنخبة، فكان هلاكه فرحاً لهم. ولا نستعد أن الملك نفسه قد آمن بيوسف، ولكن من الذين يكتمون إيمانهم، لما في قلبه من الصلاح والخير، فلا يستطيع أن يعلن ذلك وهو الملك الإله الفرعوني فسيتحطم النظام كله.

ﵟوَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌﵞ [غافر: 34] 

وقد بشر يوسف المصريين بأنه سيأتي رسولاً من بعده يرفع راية التوحيد، ويأتي بالآيات والبينات، وذلك نستشفه من خلال الآيات، فلما مات زعموا أنه لن تتحقق نبوءة يوسف.   

وبهذا يتبين لنا أن سبب اضطهاد بني إسرائيل هو النبي الكريم يوسف، الذي ثابر في نشر التوحيد، فتغلغل الإيمان في قلوب العامة والنخبة، فكان لزاماً أن يظهر القائد الضرورة المخلص، الذي ينقذ الفراعنة من شر التوحيد.

الاضطهاد الديني:

استطاع فرعون أن يغير عقيدة بني إسرائيل بعد استمراره في اضطهادهم وفتنتهم، فصاروا مثل الفراعنة في الظلمات، فأرسله الله لكي يخرجهم من هذه الفتنة

{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِ }  [إبراهيم: 5].

وقد كان فرعون يستعين بسياسة العصا والجزرة، فمن تحول عن دين اليهود، يكرمه بالمال ومن بقي يعذبه، طبعاً ليس الجميع، بل يختار من يريد لكي يكرمه ويقدمه مثلما فعل مع قارون.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَٰلًا فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ}  [يونس: 88].

وقد تفنن فرعون في فتنة بني إسرائيل، حتى مع وجود موسى

{فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ}  [يونس: 83].

لقد منع فرعون ومعه بعض الملأ، من الحرية الدينية، فلا دين إلا دين فرعون

{ فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِمْ}  [يونس: 83].

{ قَالَ فِرْعَوْنُ ءَامَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ}  [الأعراف: 123].

ولم يكن ليظهر هذا الاضطهاد لو لم يتفش الدين الإبراهيمي في مصر، بداية من يوسف كما رأينا، ونهاية بموسى، فقد كان الفراعنة يعيشون في بحبوبة ولا ينافسهم أحد في عبادتهم، وأي دين يظهر لا يكترثون له، فهو زوبعة في فنجان، أو أن الدين الجديد لا ينافس الدين الفرعوني لأنه من نفس المنظومة. أما وقد ظهر الدين الإبراهيمي الذي زلزل أركان النظام الملكي الإلاهي، فقد كان من الواجب مواجهته بالقوة والقسوة.

والآية التالية تؤكد هذا الاضطهاد:

{قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَٰءِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ }  [يونس: 90].

فبعد أن حاصر الموت فرعون، وأراد التراجع، قال إنه مسلم فهل يعني أنه يصوم ويحج ويتشهد؟

لا طبعاً، وإنما قصد أنه سيكون مسالم مع الأديان الأخرى، وهذا هو معنى الإسلام، فسيتوقف عن الكفر أي اضطهاد الآخرين في دينهم، ويتركهم وشأنهم وهو معنى الإسلام، وهذا ما أصر عليه موسى وكرر طلبه من الفراعنة.

لماذا لم يسمح فرعون لليهود بالخروج؟

(وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَﵞ [الشعراء: 22]

(فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ [المؤمنون: 47] 

السبب واضح وظاهر، إنه الاقتصاد يا غبي.

عمالة رخيصة وشبه مجانية، يعملون بالسخرة ([2]) وقد ضرب فرعون عصفورين بحجر واحد، فقد قضى على دعوة التوحيد التي تهلهل أركان ملكه، وحول دعاتها إلى عمالة مجانية وممتازة، حتى أن الملأ كانوا ضد خروج بني إسرائيل لما لهم من فائدة.

{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَٰمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ }  [الأعراف: 134].

ونرجح أن فيهم عمالة صناعية، يشتغلون في المعادن، وقد رأينا السامري كيف يصنع التماثيل من المعادن، وكذلك تم توارث الصناعات فظهرت مع داود وسليمان، ناهيك عن قارون الذي كان يملك خزائن الذهب وكان يزعم أنها بعلم من عنده، فهل كان يقصد علمه بالمعادن وخاصة الذهب والفضة؟ فكان الاستغناء عنهم يمثل كارثة على الاقتصاد المصري، لهذا نجد رفض الفراعنة والملأ خروج بني إسرائيل حتى آخر لحظة.

لماذا حمل موسى العصا ولماذا كانت يده بيضاء؟

{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَٰنًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِءَايَٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَٰلِبُونَ }  [القصص: 35].

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِءَايَٰتِنَا وَسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ }  [غافر: 23].

لم يكن فرعون ليستطيع النيل من موسى وهارون، لأن الله أعطاهم قوة (سلطان) تمنع الاقتراب منهما، فلو كان الأمر بيده لقبض عليهما منذ اللحظة الأولى، والحجة عنده هو أنه قاتل ويجب أن يُقتل.

ونرجح أن ذلك السلطان كان متمثلاً في العصا التي تتحول إلى ثعبان عظيم، فتنقض على أي شخص يحاول الاعتداء على موسى، فارتعب الجنود منه، ونرجح أن فرعون أمرهم بذلك فحدث الهجوم فاستطاع الثعبان ترهيب الجنود وطردهم.

كما نرجح أن اليد البيضاء التي تخرج من جناح موسى، كانت وسيلة دفاعية، فهي تبث النور القوي الذي يعمي بقية الجنود، فإذا سلطها موسى عليهم أعمتهم.

وقد وردت القصة في سفر الخروج، لكن التوراة تشير إلى أن آية اليد والعصا موجهة إلى بني إسرائيل فقط، لكي يعلموا أن الرب قد ظهر لموسى ومنحه النبوة والرسالة، ولا نعتقد بذلك فقط، بل نعتقد أن غرضها إثبات نبوة موسى لفرعون أيضاً وللدفاع عن موسى وهارون.

والذي يؤكد أن الحية واليد البيضاء كانتا آيتين وكانتا سلطان مبين، هو أن العصا تحولت مع موسى لما كان وحده، إلى حية، والحية كما نعلم صغيرة ولا تخيف، وقد بين القرآن أنه لم يخف من الحية، وربما لو كانت ثعباناً لخاف موسى.

ﵟفَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ 20 قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ ﵞ [طه: 20-21] 

والذي خاف منه هو لحظة اهتزاز العصا فصارت كأنها جان، فلما صارت حية لم يعد يخاف منها.

ﵟوَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡﵞ [النمل: 10] 

لقد شاء المولى ذو الجلال والإكرام، أن يجعل العصا بحجم صغير وهو الحية التي لا تخيف البشر، ويستطيعون النيل منها، ولكن لما جاء إلى فرعون والملأ جعل العصا تتحول إلى ثعبان ضخم، بحيث تخيف فرعون والجنود، فلا تراودهم أنفسهم بالاعتداء على موسى طالما معه هذه العصا.

{ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ }  [الأعراف: 107].

أما اليد البيضاء فهي آية أخرى وبرهان على نبوة موسى، ولكن هي أيضاً سلطان، فهي تشع نوراً قوياً كما تقول التوراة، وبهذا يمكن لموسى أن يوجهها على الجنود إذا قرروا الهجوم عليه. ناهيك عن الآيات التسع الأخرى التي كلها عذاب وعقاب جماعي على فرعون والملأ، والتي كانت لغرض حماية بني إسرائيل من ظلم فرعون.

{وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَٰنًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِءَايَٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَٰلِبُونَ }  [القصص: 35].

وبهذا يتبين لنا أن موسى كان معه سلطان يحميه ويردع آل فرعون من قتله.

متى سقطت شرعية وهيبة فرعون؟

بداية سقوط الشرعية كانت عندما جلب فرعون السحرة، يهدف إلى تشويه صورة موسى عند من انبهر به، ثم بعد ذلك تلت العقوبات التي أكدت على عدم ألوهية فرعون وآل فرعون، والتي هي شرعية الفراعنة.

في البداية اقترح أحدهم جلب السحرة لتحدي موسى، فبما أن موسى ساحر، فلا يفل الحديد إلا الحديد، فلا تلوث يدك يا فرعون بدماء موسى، فهناك من يكفيك من السحرة الذين سيفضحون حقيقته، فهو مجرد ساحر حقير مهان، أو لعلهم لا يستطيعون فعل شيء له فتلك العصا كانت تدافع عنه، واليد البيضاء تشع بالنور القوي الذي يعمي الجنود.

وقد وردت تفصيلها في الآيات التالية:

ﵟقَالَ لِلۡمَلَإِ حَوۡلَهُۥٓ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ 34 يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِۦ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ 35 قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ 36 يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٖ 37 فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ 38 وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَﵞ [الشعراء: 34-39] 

ﵟقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ 109 يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ 110 قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ 111 يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ ﵞ [الأعراف: 109-112] 

بعد ما فعله موسى من تحويل العصا إلى ثعبان، اجتمع فرعون بالملأ، أي النخبة الحاكمة التي تشير على فرعون، فحذرهم من أن موسى سيحول المصريين عن دينكم، فبعد أن ينفض الناس عنكم، سيخرجكم من أرضكم بعد أن يتولى هو الحكم، فاقترحوا فل الحديد بالحديد، وجلب سحرة يبطلون سحر موسى فتظهر حقيقته.

وقد أراد موسى أن يكون يوم اجتماع كبراء المصريين هو يوم الزينة حيث يتزينون بلباسهم ويتباهون به، بل حدد لهم الوقت وهو الضحى، حيث الجميع يستطيع الرؤية بوضوح، فموسى يعلم أن التأثير على كبراء المصريين كفيل بإقناع العامة لأنهم يتبعون أولي الأمر منهم.

ﵟقَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗىﵞ [طه: 59] 

وقد انقلب السحر على الساحر، فبدلاً من إظهار حقيقة الساحر موسى، إذ السحرة صاروا مؤمنين، رغم أنهم سحرة رواد ولا مثيل لهم في البلاد، فمن هذه اللحظة تبين أن فرعون -مقلب كبير- وأنه ليس إله، بل دجال يستخدم عسكره وماله لتعبيد الجماهير.

وقد غضب فرعون بشدة وتوعدهم بالقتل والصلب، فكان ردهم أنهم لا يكترثون به وبتهديده وأن لهم حياة ثانية يكرمون فيها

ﵟفَلَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ وَلَتَعۡلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابٗا وَأَبۡقَىٰ 71 قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ 72ﵞ [طه: 71-72] 

فكان رد فعل السحرة المؤمنين بداية النهاية، في إسقاط شرعية فرعون وآله. ونرجح أيضاً أن فرعون لم يمسسهم بسوء لأن الله وعد من يتبع موسى بالحماية.

ضربات أخرى على شرعية فرعون:

كان يوم الزينة وما حدث فيه من تحول السحرة إلى إيمان بموسى، هو ضربة معلم كما يقولون، لكن يوم الزينة كان للناس فقط أي لنخبة المصريين وليس للعامة، لكن بعد ذلك جاءت ضربات متتالية، وعلم بها العامة، وشاهدها الجميع وتضرر منها الكل، وهي آيات العذاب التي حلت بالمصريين كالدم والجراد والقمل

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَٰتٍ مُّفَصَّلَٰتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }  [الأعراف: 133].

هذه آيات بينات كما يقول القرآن يراها كل البشر بمصر، فلهذا انهارت كل البقية الباقية من الشرعية، لدى الملأ ولدى الناس النخبة ولدى العامة، فخرج عليهم فرعون بعدها يذكرهم بالاقتصاد فقال لهم: احذروا فإن أرزاقكم بيدي.

تشويه السمعة محاولة فاشلة:

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَٰتٍ بَيِّنَٰتٍ فَسْءَلْ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسْحُورًا }  [الإسراء: 101].

{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًا }  [الإسراء: 102].

{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَٰئِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ }  [الأعراف: 131].

بعد سقوط شرعية فرعون حاول تشويه صورة موسى فزعم أنه ساحر، فلما فشلت هذه التهمة واعترف السحرة أن موسى نبي مرسل، ثم توالت آيات العذاب على قوم فرعون حتى يرضخوا ويتراجعوا عن تعذيب بني إسرائيل وبقية المستضعفين، خرج فرعون بحجة جديدة، وهي أن موسى مسحور والذي نسميه اليوم مشؤوم يجلب النحس، وأن مصر تطيرت بسبب موسى ومن معه، وشرحنا معنا التطير وقلنا هو أن طير السماء هي التي أوقعت آيات العذاب على مصر، بسبب ما يقوله موسى من نكران للآهلة التي غضبت عليه فأرسلت تلك الطيور؛ فرد عليه موسى أن فرعون يعلم، أن تلك المصائب ليست إلا تبصير له ولقومه لكي يتوقفوا عن الظلم، وأن الطائر الذي أصابهم بتلك المصائب هو من عند الله عقاباً لهم.

حاول فرعون أن يشوه سمعة موسى، لكيلا يفقد شرعيته الدينية، ولكن لا فائدة من فعله، فحتى لو صحت نظرية فرعون، فهي تؤكد ضعفه وضعف آلهته أمام قوة موسى وقدراته. ثم إن موسى باستطاعته إيقاف تلك المصائب بعد أن يكف فرعون عن تعذيب أتباع موسى، وهذا دليل على أنه ليس شؤماً على مصر، بل هو متحكم بالعقوبات مسيطر عليها، يلغي ما يريد منها ويأتي بالجديد وقتما يريد، كما اعتقد العامة من المصريين بذلك، وهذا دليل قوي على ضعف فرعون أمام موسى.

ماذا بعد سقوط الشرعية الدينية؟

جاء موسى ومعه أسلحته الفتاكة في إسقاط شرعية فرعون وآله وملأه، بل سقط معه كبرياء القوم وغرورهم فطلبوا من موسى أن يخلصهم من الآيات التي عذبهم بها الله، وهذا أعظم اعتراف بعدم ألوهيتهم وأنهم بشر ضعفاء.

ﵟوَقَالُواْ يَٰٓأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهۡتَدُونَﵞ [الزخرف: 49] 

فلما سقطت الشرعية الدينية، ذكر فرعون المصريين بقوته الاقتصادية، خاصة الطبقة العلية من المصريين ممن ليسوا من الملأ أو من آل فرعون.

ﵟوَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ﵞ [الزخرف: 51] 

أي تحولت الدولة من النظام الإلهي الملكي، إلى النظام (الأوليغارشي) والذي يجعل أسر محدودة تملك كل الاقتصاد وتذل الناس به وتستعبدهم. وقد أدرك موسى ذلك، فلم يعد لفرعون أتباعٌ، إلا من أجل المال الذي يملكه، في صرف الرواتب، أو في نظام إقطاعي يكثر فيه رقيق الأرض، لهذا دعا ربه بزوال أموال تلك الطبقة الأوليغارشية.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَٰلًا فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ}  [يونس: 88].

{ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ }  [الأعراف: 129].

لقد استطاع فرعون إقناع الشعب المصري بالاستمرار في طاعته عن طريق الدرهم والدينار، بعد أن عجز عن الاستمرار في كذبته بألوهيته وألوهية آل فرعون، ذلك لأن المصريين في تلك الفترة كانوا عبيداً للمال.

أما قوله إن الأنهار تجري من تحته، فهو يقصد تهديدهم، فيقول للنخبة المصرية، الذين ليسوا من آل فرعون أو الملأ، إنني سأقطع عنكم الأنهار التي تجري من تحتي أي أتحكم في مجارها وسيرها، فلا تصل إلى مزارعكم، فلزم المزارعون الحياد خشية هلاك مزارعهم. والأنهار لا تعني تلك الأنهار العظيمة التي لا يمكن التحكم بها، بل ما نسميه اليوم بالجداول والينابيع.

لكن هذه القوة الاقتصادية كانت في طريقها للزوال، لأن أقنان الأرض بدأوا في التحرر، وخاصة عبودية بني إسرائيل فلم يعد هناك قدرة على مواجهتهم خشية أن تنزل آية جديدة تضرهم، مثل الآيات التسع.

لهذا ستزول اليد العاملة الرخيصة أو شبه المجانية، مما يجعل تلك الثروات في تآكل ونقصان كبير، لكن فرعون لن ينتظر ذلك، بل سيحاول المكر استفزاز موسى وقومه لكي يخرجوا، ثم القضاء عليه خارج مصر، حتى تعود الشرعية والنظام الملكي الإلهي، عندما ينسى الجميع كلام موسى وقدراته التي تبين أنها سحرية وأن الملك والمجد فقط لفرعون وآله.

الاحتكام إلى القوة العسكرية:

ﵟفَحَشَرَ فَنَادَىٰ 23 فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ ﵞ [النازعات: 23-24] 

ﵟمِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَﵞ [الدخان: 31] 

بعد سقوط شرعية فرعون، جمع فرعون القوم وأكد لهم أنه ربهم أي المسؤول عن معاشهم وزرعهم وأكلهم، وأنه الأعلى، وشرحنا معنى العلو في القرآن وقلنا هو القوة العسكرية، ففرعون يهدد المصريين بالاقتصاد ويهددهم بالعسكر والسلاح، فهو الأعلى أي أكثر حاكم يملك قوة عسكرية من بين الملأ وآل فرعون، مما سيبطش بكل من تسول نفسه الإيمان بموسى.

وقد استخف قومه

{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَٰسِقِينَ }  [الزخرف: 54].

أي علم أنهم لا ثقل لهم ولا وزن ولا قدرة على المجابهة، لأنهم يميلون إلى الفسق، فلا يهمهم ألا أنفسهم وكل شخص فيهم يقول نفسي نفسي، فلا يمكنهم التجمع ضده.

المعارضة المصرية:

من المؤكد أن هناك معارضة من النخبة في مصر، ذلك أن فرعون قد استفحل جنون عظمته، فقد بين القرآن أنه وقبل رجوع موسى، وصل إلى مرحلة الطغيان أي الديكتاتورية الشاملة بسبب فرط القوة.

{ اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ }  [النازعات: 17].

بل بلغ به المبلغ أن زعم أنه إله وليس بشر

{ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }  [الشعراء: 29].

بل صار يرى أنه إله على الملأ وهم في معظمهم أقاربه وكبار رجال الدولة في البلد

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي}  [القصص: 38].

وقد صار لا يرى إلا برأيه ولا يكترث لرأيهم

{مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }  [غافر: 29].

وكان ينظر إليهم شزراً، فهم لا يملكون قوته العسكرية، فاستخف قومه لأنه ليس لديهم قوة عسكرية تردعه.

{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَٰسِقِينَ }  [الزخرف: 54].

كل هذا، خلق معارضة شديدة ضد فرعون، ولهذا نجزم أن هناك من فرح بقدوم موسى ليوقف طغيان فرعون، نعم القرآن لم يذكر ذلك صراحة، ولكنه بين السطور، فعندما اجتمع الملأ ليقرر أمر موسى، أشاروا على فرعون بجلب السحرة، ولم يشيروا عليه بقتله أو طرده، لأنه لو انتصر موسى على السحرة، لاهتزت صورة فرعون أمام النخبة وأمام نفسه أيضاً.

{ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَٰشِرِينَ }  [الأعراف: 111].

نعم، هم لا يريدون انتصار موسى كلياً، وهم يرونه بيدقاً يمكن استخدامه ثم التخلص منه بعد حين، بل كانوا وسطاء يذهبون إلى موسى ليزيل عنهم العقاب إذا نزل عليهم، فهم وإن كانوا يريدون إضعاف فرعون، ولكن لا يريدون الضرر باقتصادهم ومعيشتهم.

{ وَقَالُوا يَٰأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ }  [الزخرف: 49].

وحتى عندما سقطت الشرعية الفرعونية، واجتمع فرعون بالملأ، ليوافقوا على قتل موسى، رفضوا بحجة أنه قد يتعرضون للعقاب السماوي، بينما هم في الحقيقة لا يريدون الخلاص من موسى، ذلك المعارض الذي حطم كبرياء هذا المجنون الديكتاتوري الذي تسلط عليهم بالقوة العسكرية، وهذا الكلام لا ينطبق على الجميع، بل بعض الملأ الحانق على فرعون.

 والذي يؤكد ذلك أنهم في كل مرة يزيل عنهم موسى آيات العذاب، يعودون إلى ظلمهم وسيرتهم الأولى، فلو كانوا مقتنعين بقوة موسى الحقيقية وليست السحرية، لما عادوا.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }  [غافر: 26].

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَٰنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَٰذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }  [غافر: 28].

وحتى عندما خرج موسى، لم يشر عليه الملأ بمطاردة موسى وتصفيته، وخرج وحيداً بدون الملأ، لم يكن معه إلا جنده وآل فرعون فقط، أما بقية النخبة فلم ينقل القرآن لنا أنهم شاركوا

{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }  [البقرة: 50].

فمن الواضح أن فرعون بقي وحيداً، فلم يكن معه إلا آله وجنده، وقد اصطف معه آل فرعون عصبية منهم، كما يتعصب الجاهل لقبيلته، ففرعون رمز وقيمة آل فرعون.

والحقيقة أن القرآن يبين أن العداوة لم تكن بين الملأ وبني إسرائيل قبل ظهور موسى، وأن من نفذ تلك الجرائم هو فرعون فقط، نعم استفاد الملأ من تعبيد بني إسرائيل، لكن لم يكن لديهم الجنون بحيث يفجروا ضد بني إسرائيل بقتل الأبناء وترك النساء.

{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }  [البقرة: 49].

وكلما ضعف فرعون أو كف شره قام الملأ – بعضهم طبعاً- يحرضون فرعون على بني إسرائيل

{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ }  [الأعراف: 127].

ولكن لا يعني هذا أن كل الملأ كانوا كذلك، بل بعضهم المصاب بالهوس الديني، أو أن هذا الملأ، كان من الخبث والمكر، بحيث يريدون أن يتصادم فرعون مع موسى، فيقضي عليه موسى أو يضعفه أشد الضعف.

إن المضامين التي بين النصوص تؤكد أن الملأ كان يعاني من جنون عظمة فرعون، فكانوا يسربون الأخبار إلى موسى، لكي ينجو من تآمرهم، فكانوا بداية يريدون رجمه، فجاء وحذرهم

{ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ }  [الدخان: 20]

والرجم لا يعني القتل، بل الطرد كما شرحنا المعجم. ثم بعد ذلك أرادوا قتله فوصله الخبر وحذرهم مرة أخرى

ﵟوَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ 26 وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٖ لَّا يُؤۡمِنُ بِيَوۡمِ ٱلۡحِسَابِﵞ [غافر: 26-27] 

فهذا يؤكد أن هناك من يسرب له اخبار اجتماعاتهم، بل كانت الأخبار تُسرب إليه قبل أن ينال الرسالة، فلما قتل أحدهم سرب إليه عضو في المجلس مخططهم، وهذا يؤكد وجود المعارضة منذ تولي فرعون الحكم

{ وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّٰصِحِينَ }  [القصص: 20].

والطامة التي حطمت كبرياء فرعون وآله أن أحد آل فرعون، كان يكتم إيمانه، صار من المدافعين عن موسى، بحجة حرية التعبير، بينما هناك شخص من الملأ كان يظهر إيمانه، ويفند حجج فرعون وطغيانه، ومن المحتمل أنه أيضاً من آل فرعون.

{ يَٰقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَٰهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }  [غافر: 29].

وقد حاول آل فرعون اغتيال هذا المؤمن الذي أعلن إيمانه

{ فَوَقَىٰهُ اللَّهُ سَيِّءَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِءَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }  [غافر: 45].

إن المعارضة لفرعون لم تكن من مؤمن آل فرعون فقط الذي يكتم إيمانه، والآخر المؤمن الذي أظهر إيمانه، بل عبرت عن تيار داخل الملأ، وربما هو الأكثر من الموافقين لفرعون، وهذا حال كل ديكتاتور في التاريخ، فيجد الخونة من داخل النظام نفسه، ومن أقرب المقربين، خاصة وأن السفينة بدأت بالغرق، وأول من يقفز منها هم المنافقون.

لقد بلغ الأمر بالملأ أنهم وعدوا موسى بالإيمان وبإرسال بني إسرائيل معه

{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَٰمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ }  [الأعراف: 134].

ولهذا خطط فرعون لكي يخرج موسى بالخفاء، ثم يلاحقه ويقتله هو وقومه.

ولهذا لم يشارك مع فرعون إلا آله، ولهذا وقع العقاب عليهم وحدهم دون الملأ، وهذا يؤكد أن الملأ لم يكن يقاتل عن عقيدة، بل كان يبحث عن مصالحه.

ﵟوَحَاقَ بِـَٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ﵞ [غافر: 45] 

حتى امرأة فرعون، وقفت في وجه فرعون وجنونه وطغيانه

{امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّٰلِمِينَ }  [التحريم: 11].

ويبدو أنه أخرجها من بيتها بالقوة، فدعت بهذا الدعاء، ونرجح أنها أم موسى بالتبني التي اعتنت به، فلما عاد بالرسالة وأقنعها غضب عليها فرعون فأخرجها من المنزل.

ويجب هنا أن ننوه أن مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون وغيرهما من المعارضين ليسوا خونة بالطبع، وإنما عقلاء الأمة الذين ينصحون فرعون، ولكن هم خونة في نظر فرعون وفي نظر بعض الملأ، فسياستهم إذا لم تكن معي فأنت ضدي.

الخروج من مصر:

سقطت الشرعية وهي الألوهية الملكية، وسقطت هيبة فرعون، ولم يبق لفرعون إلا جنود مرتزقة، فلم يكن أمام فرعون سوى السماح لهم بالخروج من مصر، ولكن بالسر وليس العلن، عن طريق الاستفزاز، حتى لا تسقط مزيد من الهيبة الفرعونية، فلو وافق فرعون على خروجهم لكان انتصاراً عظيماً لموسى عليه، لهذا سهل لهم بعض الإجراءات، وربما دس من يحثهم على الخروج، فظهر وكأنه هرب وهلع من موسى بسبب قوة فرعون وبطشه.

فَأَرَادَ أَن يَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعٗاﵞ [الإسراء: 103] 

ومع هذا لم يتركهم في حالهم فالغرور والكبرياء والعزة، لن تسمح لهذا الهرم، المجنون بالعظمة أن يتركهم وشأنهم، لقد أخذته العزة بالإثم، فكان لخروج موسى من مصر فرصة له لكي يستفرد بالقرار خارج مصر، فلم يقدر أن يتخذ قراراً خطيراً مثل هذا دون الرجوع إلى الملأ وإلى آل فرعون، خاصة وأن رب موسى قد يدمر مصر كلها، كما يتصورون، وقد رفضوا ذلك سابقاً.

 ﵟذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖﵞ [غافر: 26] 

نعم كان فرعون حذراً، ولكنه حسب أنه يسهل عليه القضاء على موسى وقومه بجنوده المجندة الذين يفوقون كل بني إسرائيل عدداً، فتبعهم فرعون وآله وجنوده فكانت الخاتمة. ولو أن فرعون تركهم وشأنهم لما استطاع استعادة شرعيته الملكية الألوهية، في مصر، ولتآكل ملكه، فتظهر المعارضات، لأنه لم يعد يملك إلا قوة السلاح والمال وهما لا يعطيان الشرعية للحاكم، خاصة وأن الثروات ستتآكل لقلة اليد العاملة.

حذر فرعون قبل الغرق:

{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }  [القصص: 6].

 { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ }  [الشعراء: 56].

يختلف حذر فرعون الأخير مما كان يفعله سابقاً، فهذا هو الحذر الأخير، قبل غرقه، ذلك لأن موسى جاء بآيات كثيرة هزت أفئدة الفراعنة، وجعلتهم في رعب من موسى، لهذا لما خرجوا يطاردون موسى كانوا في حذر أن يكون لدى موسى سلاح أو مصيبة أخرى كالتي أحضرها معه إلى مصر.

أما الاضطهاد القديم فلم يكن خوفاً من تكاثر بني إسرائيل وغلبتهم على الفراعنة، وإنما اضطهاد ديني لفئة لا تؤمن بألوهية الفراعنة، بل بلغ بهم الأمر نشر الدين الجديد الذي يسقط ألوهية الفراعنة الأرباب المتفرقون، أي يسقط شرعيتهم.

والمقصد أن هذا الحذر ليس من إخبار الكهنة لفرعون أنه سيأتي شخص يهودي يقتله، فقام بجريمة قتل الأبناء لذلك، كما يقول التراث، فقد بينا أنه لم يكن هناك كهنة أعلى من فرعون فهو إله وابن إله، تأتيه الأخبار مباشرة فهو فوق الكهنة ورجال الدين، وإنما نشأ حذر فرعون بعد آيات موسى فهو حذر من حركة سحرية جديدة لموسى تقضي على جنده، وليس خوفاً من نبوءات كهنة فرعون.  

لماذا خلص الله بني إسرائيل:

وجدنا النظام الفرعوني، قد ظهر في بلاد متعددة مثل الصين وروما وفارس، وأنه نظام قديم حتى في الحضارة السبئية والعراقية، ولكن لم نجد تدخلاً سماوياً -حسب علمنا المحدود- لإنقاذ فئة معينة، ولكن وجدنا ذلك في بني إسرائيل!

نعم، نجد التدخل السماوي في القضاء على الحكام الظلمة وعلى دولهم الظالمة، في كل بقاع الأرض، والتاريخ يشهد بذلك، فلا يمكن بقاء الدول الظالمة، ولكن يمكن بقاء الدول الوثنية إذا لم تظلم وإذا أباحت الحريات الدينية.

لكن نجد مع بني إسرائيل تدخلاً قوي ومباشر لتخليصهم، فلماذا؟

يعود السبب إلى عهد قام به المولى مع إبراهيم، بأن يمكن لذريته، طالما لم تكن ظالمة، وأن يجعلهم الورثة للحكم، ولأن إبراهيم دعا أن تكون ذريته موحدة.

{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ الْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا الَّتِي بَٰرَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ }  [الأعراف: 137].

{ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَٰهِـۧمَ رَبُّهُ بِكَلِمَٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ }  [البقرة: 124].

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }  [البقرة: 128].

ثم لأن بني إسرائيل كانوا موحدين يعبدون الله، بل وينشرون التوحيد، فجاء فرعون وحاول القضاء على التوحيد، ومنع انتشاره، بل لم يكتف بمنع الدعوة للتوحيد، بل فتن اليهود في دينهم، بقتل أطفال المؤمنين منهم.

فأراد الله أن يخرجهم من هذا الوباء، لكي يتحرروا، ويعودوا إلى دين إبراهيم، لمن فقده منهم بعد سنوات الاضطهاد الطويلة، ولأن الله لا يترك من يؤمن به ويعبده، في يد طواغيت شياطين.

نعم فإن المولى يخلص كل مستضعف كقانون عام ويعطيهم الفرصة للحكم

{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَٰرِثِينَ }  [القصص: 5].

لكنه خص اليهود بزيادة، ليس لسواد أعينهم، ولكن للعهد الذي عهده مع إبراهيم عليه السلام، ولهذا كثُر فيهم الأنبياء لكي يعيدوهم إلى التوحيد، لأن إبراهيم دعا ربه بذلك.  

لماذا خسف الله بقارون ولم يخسف بفرعون؟

قارون هو النموذج اليهودي الذي يحتذي به معظم اليهود في مصر الفرعونية، فكان العامة يتمنون يعيشوا مثله

ﵟفَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖﵞ [القصص: 79] 

 وهذا يعني أن عليهم أن يتبعوا فرعون فهو الذي رفع شأنه، وكأن فرعون يقول لليهود إذا أردتم الغنى فاتبعوني، واعبدوني واتركوا دين جدكم إبراهيم، فكان لزاماً أن يخسف به الأرض.

 ﵟفَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِﵞ [القصص: 81] 

ﵟوَأَصۡبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَﵞ [القصص: 82] 

أما فرعون فلم يكن كافياً أن يخسف به الأرض، بل كان يجب أن يُقضى عليه وعلى جنوده وعلى أسرته دفعة واحدة، وكان يجب تدمير قوة الفراعنة، حتى يمكن بناء حضارة جديدة ليس فيها عبادة الأشخاص، فلو خُسف بفرعون الأرض كما حدث مع قارون، لظهر فرعون ثان وثالث.

ولو أن اليهود خرجوا من مصر قبل أن يُقضى على قارون، لطالب ضعاف النفوس بالعودة إليها، فربما لديهم فرص وحظوظ مثل حظ قارون، ولكن في الصحراء فهي صفر من الحظوظ.

ومعظم من خرج مع موسى يهود وتوثنوا، فكانوا يبحثون عن الأصنام وصنعوا واحداً مثل الذي عند الفراعنة، فلم يعد هناك مشكلة مع الثقافة الفرعونية، بل صارت محبوبة ومرغوبة، فمسألة عودتهم كانت ستكون أكثر إلحاحاً، لو أن قارون بقي يعيش في حياته المتنعمة.

هل يتحمل بنو إسرائيل بعض المسؤولية؟

لم يكن المولى جل جلاله سيبيح لفرعون فعل ما فعله في بني إسرائيل لولا ذنوبهم، وقد رأينا أن آباءهم الأولين قد قذفوا بيوسف في البئر وتركوه للموت، وحتى شقيقه بينامين تعرض لظلمهم، واستمروا في حقدهم على يوسف واتهموه بالسرقة.

هؤلاء الآباء لم يكن في قدرتهم إنشاء جيل طيب الأخلاق، بل أورثوا تلك الأجيال تلك الأخلاق الدنيئة التي تبرر كل فجور يقومون به. ومن المرجح أن بني إسرائيل فوق تمسكهم بالتوحيد، إلا أنهم كانوا يتعاملون بالغش والخداع في التجارة والصناعة، لهذا كان هناك حنق شعبي ضدهم، وقد رأينا ذلك في حادثة قتل موسى لأحد المصريين.

ولا نستبعد أنهم كانوا يتعاملون بخداع مع المصريين وكانوا يجدون المبررات، باعتبار أن المصريين ليسوا موحدين، أو باعتبار أنهم ليسوا من نفس القبيلة. ولهذا نجزم أن ما حل باليهود من عقاب شديد، كان بسبب ذنوبهم.

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }  [المائدة: 18].

الخلاصة:

وهكذا استطعنا لملمة خيوط القصة الفرعونية الموسوية، وصححنا كثير من الأخطاء التراثية التوراتية، وفسرنا عجائب القصة وغرائبها، فتبين لنا لماذا كان مع موسى عصا ويد بيضاء، ولماذا قتل فرعون الأبناء، ولماذا رفض الفراعنة خروج اليهود، ولماذا فقد فرعون شرعيته في الملك، ولماذا خسف المولى بقارون دون غيره، ولماذا تعرض اليهود لهذا العذاب، وهل هناك خونة في النظام الفرعوني؟

والحكمة من التركيز على فرعون هو أنها قصة متكررة ودائمة، خروج ديكتاتور، يستخدم كل وسيلة لكي يثبت ملكه، إذا شعر بالخيفة على سلطانه، فإذا لم توجد قوى داخلية توقف الديكتاتور عند حده، يرسل المولى قوى خارجية، تساهم في تفكيك قوة الديكتاتور، فإن كان المجتمع فاسقاً فاجراً، لا يُرجى شفاءه، تأتي تلك القوة فتفكك كل المجتمع كبيره وصغيره.

لقد كانت المجتمعات في الأزمنة الغابرة، غير متصلة وبعيدة ومتفرقة، فلم يكن باستطاعة قوة استعمارية أن تأتي لكي تقضي على الفساد والفجور، وتساهم عن قصد أو غير قصد في استيقاظ الضمير من جديد في الأمة، لهذا كان المولى يرسل قوى سماوية تمارس النصيحة، فإن لم ينجح الأمر، تحدث الكارثة ويدمر المولى الدولة ويُقضى على النخبة ويتفرق البقية من العامة في بقاع الأرض.

أما في العصور القريبة، فقد اتصلت المجتمعات وصارت تقوم بالمهمة، فكلما نخر الفساد في أمة، سلط الله عليها من جاورها من الأمم، لكي تحدث الاستفاقة ويعود الناس إلى رشدهم.

ويبدو أن أرض فرعون كانت في عزلة، فلم يكن هناك أمم تجاورها بمثل قوتها، فأرسل الله قوى سماوية بشرية تقضي على دولتهم، وتمثل ذلك في شخص موسى، الذي كان يمثل السماء ويمثل الأرض، فكأنه يقاتل باسم السماء ويقاتل باسم الأرض، فلم تأت قوى سماوية تقضي على فرعون وآله، كما حدث لقوم ثمود وعاد وغيرهما، بل جاء شخص بشري، ومعه بعض القوى السماوية، وجمع قومه وخرج بهم، بل تقول النصوص أن قومه بعد ذلك ورثوا هذه الأرض وحكموها، أي دخلوا كمستعمرين لها، وربما كان ذلك في أيام داود أو سليمان.

فالله لم يخلق البشر ويهملهم الكبير المتعال، بل كان يتدخل مباشرة للقضاء على الظلمة، ووضع قوانين تعمل من نفسها لكي تقضي على الظلمة، فجعل الصراع بين البشر على الموارد أو القيم، سبباً في زوال الظلم، وتحرر البشر الديني، وهو أعظم أمر يركز عليه القرآن، حتى لا يكون للبشر حجة يوم القيامة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) أنظر سفر الخروج الاصحاح الأول وما بعده

([2]) أنظر تعريف السخرة هنا: https://amz100books.blogspot.com/2025/02/blog-post_977.html


([1]) [طه: 94].

ali
ali
تعليقات