أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الصبر في القرآن المكرم


 الصبر في القرآن المكرم

صبر في المعاجم:

صبر له ثلاثة أصول وهو حبس أو أعالي الشيء أو هو جنس من الحجارة.

فالصبر بمعنى الحبس مثل: صبرت نفسي على ذلك الأمر أي حبستها. والمصبورة هي المحبوسة على الموت. ونهى الرسول قتل شيء من الدواب صبراً . والصبير هو الكفيل لأنه يصبر على الغرم. وصبرت نفسي أي كفلت به. وصبرت الإنسان إذا حلفته بالله جهد القسم.

والمعنى الثاني: صبر كل شيء هو أعلاه. وأسبار الإناء هو نواحيه وواحده صبر.

أما المعنى الثالث للصبر: فهو الحجارة، وهو ما اشتد وغلظ، والجمع صبار، والصبارة قطعة من حديد أو حجر. والصبر هي الأرض التي فيها حصباء وليست بغليظة. وأم صبار هي للمرأة الحرة. والصبير هو الجبل. والصبير هو السحاب الأبيض المتكاثف. والصبر الماء الجامد الثلج ([1])  

الصبر في القرآن:

ورد جذر الصبر في القرآن 103 في 45 سورة، وهذا يدلل على أهمية هذا الجذر القصوى. ونظراً لخطأ أهل التراث في فهم هذا الجذر، فقد أدى إلى خطأ في فهم الآيات التي ورد فيها، وهذا غير قصد منهم، فجزاهم الله بما عملوا من حسنات وغفر لهم عن السوء الذي لم يقصدونه.

لا نستطيع الحديث عن الصبر دون الرجوع إلى مصطلحات أخرى شرحنا معناها وهي:

اليقين: هو العلم الذي نستمده من الحواس وخاصة البصر، وهو أكثر العلوم موثوقية فليس بعد الرؤية والسماع علم أكيد.

الظن: هو العلم المستمد من الاستدلال والاستنباط والنظر العقلي، فهو شيء لم يقع بعد أو شيء وقع، ولكن لم نره أو نسمعه، ولكن استنبطناه من علامات أخرى. وهو ما نسميه بالجزم بالشيء.

الرضى: هو القبول النفسي بالواقع

اليأس والاستسلام: هو عدم القبول النفسي بالواقع مع التسليم بعدم القدرة على التغيير، وبعدم إرادة الله في تغييره.

 الصبر: هو عدم القبول النفسي بالواقع مع الظن (الجزم) بأن الله سيغيره لصالحنا. فالصبر فيه عنصران: عنصر نفسي يتمثل برفض الواقع لما فيه من ألم أو مشقة، وعنصر عقلي إيماني ويتمثل في جزمنا أن الله سيغيره لصالحنا.

هذا ما يقول به القرآن كما فهمت. وإليك النصوص:

نقص المال والنفس:

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 155]

يوجه المولى المؤمنين بالصبر على نقص المال والولد، وهذا يعني أنه مؤقت، فالصابر يتألم، لكن يجزم أنه حال مؤقت، فهو يتوكل على ربه ويجزم أن الله سيغير حاله تلك.

صبر على طعام واحد:

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة : 61]

أمر موسى قومه أن يصبروا على الطعام الواحد، فهو مؤقت وأن الله سيغير الحال، رفض اليهود الصبر، أي أنهم يعجلون في موسى لكي يدعو ربه كي يتغير الحال سريعاً، فمن الواضح أن غير الصبور غير مؤمن بربه لهذا قالوا له في نفس الآية (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ) فهو رب موسى وليس ربهم. فالله غضب عليهم لعدم إيمانهم والذي أكده عدم صبرهم أي عدم الانتظار على تغيير الحال، بل الشك في قدرة الله على تغييره.

الصبر والصلاة:

{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153]

للصبر والصلاة ارتباط واضح، ذلك أن الصبر هو الاعتقاد وحسن الظن بالله (الجزم بعناية الله بنا) وأنه سيغير حالنا، والصلاة تأكيد على الصبر، فنحن نصلي مع الله أي ندعوه لكي يزيل الضرر عنّا، فالصبر هو البداية والصلاة هو استكمال لذلك الاعتقاد الراسخ في قلوبنا، وكأن الصلاة هو طلب تعجيل الأمر.

الصبر في المعارك والمصائب:

{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة : 177]

{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 249]

{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 250]

{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران : 125]

والصبر حقيقة يظهر وقت المصائب والمصاعب، فوقت الحرب يتبين حقيقة المؤمن، فهو يقر أنه مقبل على كارثة تتمثل في اقترابه من الموت، ومع هذا موقن بأن النصر السماوي حليفه. كذلك في بقية المصائب التي تحدث ثم يوقن الصبور أنها ستتغير لصالحه بأمر الله. ولهذا نجد أن الله يحب الصابرين.

الصبر من الله:

{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف : 126]

حتى لو كان الصبر بفعل الإنسان بداية، فإنه مدد من الله، لمن بذل الجهد، خاصة في وقت الفتنة والابتلاء، لهذا دعا السحرة ربهم كي يفرغ عليهم صبراً أي يقيناً وإيماناً كما نسميه بالخطأ، حتى يستطيعوا تحمل عذاب فرعون.

وقد يكون مقصدهم هو أن نهاية ألمهم هو الجنة، فهم يصبرون أي يجزمون أن الله سيعوضهم عن تضحيتهم تلك بالجنة. أو أن مقصدهم أن ألمهم في الدنيا مؤقت، فالله لن يتركهم بيد فرعون، وهذا نرجحه، فلم يبين القرآن ما حدث لهم وهذا دليل على سلامتهم خاصة وأن الله وعد موسى بأن يحمي كل من يتبعه { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَٰنًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِءَايَٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَٰلِبُونَ }([2])  ولو أن فرعون قرر تعذيبهم وصلبهم لافتضح أمره أمام العامة، فقد كانت تلك الواقعة يوم الزينة، وهي لعلية القوم ولم يحضرها العامة.

شعيب ينصح قومه بالصبر:

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف : 87]

أراد قوم شعيب فتنة المؤمنين، فنصحهم شعيب أن يصبروا أي يوكلوا الأمر لله، مع يقينهم أن الله سيقف معهم، فإذا كانوا حقاً مؤمنين بخالق السماء فيجب أن يصبروا أي يجب أن يوقنوا أن الله سيغير الحال لصالحهم، فينتصر لهم من شعيب، دون الحاجة إلى فتنة المؤمنين، طالما أنهم أهل الحق، وشعيب على الضلال.

الصبر على الزواج:

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء : 25]

يأمر المولى المؤمنين، بالصبر أي باليقين أن حالهم سيتغير ويستطيعون الزواج من الحرائر، وليس من البنات البغايا، اللاتي أجبرتهن الظروف على هذا العمل، فهن في الغالب يصعب عليهن الرجوع عن هذا الطريق، وقد ينحرفن بسهولة، أو أن الشارع يريد أن يبعد المؤمن عن جو الشك والريبة في زوجته التي كان لها ماضٍ في ممارسة البغاء. ولهذا أمرهم بالصبر أي اليقين أنه سيتوفر لهم المال بحيث يستطيعون نكاح الحرائر المحصنات، أو سوف يهاجر الكثير من الحرائر إلى المدينة، وحينها يستطيع المؤمن الزواج بإحداهن.

أمر الرسول بالصبر:

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس : 109]

الكثير من الآيات تأمر الرسول أن يصبر، فهل كان الرسول لا يوقن حقاً؟

بالطبع لا، فهو أعظم الموقنين، ولكن الكلام موجه للمؤمنين وكل قارئ للقرآن، فالرسول من أولي العزم من الرسل، وهو موقن بتغير الحال لصالح الإسلام، فهي آيات للتذكير خاصة للمؤمنين.

نعم كان الرسول يستعجل النصر، لكي ينهار الظلم ويعيش الناس بسلام، لكنه أبداً لم يجزع وييأس وكان صبوراً أي موقن بالنصر ورفع المشقة عنه وعن المؤمنين.

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }  [البقرة: 214].

الصبر الجميل:

{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف : 18]

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف : 83]

لم ندرس لفظة جميل بعد، وسوف ندرسه قريباً بإذن الله، ولكن نرجح أنه يعني (على أحسن صورة وحدث) فيكون الصبر الجميل هو توقع تغير الحال على أحسن صورة وحدث، فيعقوب يجزم أن يوسف وأخاه سيعودان على أحسن صورة وحال. وما يهمنا هنا هو لفظة صبر.

الصبر ابتغاء وجه الله:

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد : 22]

لا تعني هذه العبارة، أن القوم تحملوا المكاره بيأس أو رضى من أجل وجه الله، بل تعني تحملوا المكاره وجزموا بتغييرها ابتغاء وجه الله، وشرحنا معنى وجه الله وقلنا هو طلب اهتمام الله بهم لأن الوجه هو مكان السمع والنظر والكلام، فهم يريدون نظره إليهم وسمعه وكلامه لهم بالهداية، فهم يتحملون المشاق مع علمهم بتغير الحال ابتغاء سماع الله لهم ونظره، لأن الله يحب الصابرين فسوف يسمع لهم.

نعوت الصابر:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران : 146]

تتحدث الصورة عن بعض نعوت الصابر الحقيقي، فهو لا يهن ولا يضعف ولا يستكين، لأنه موقن أن حاله ستتغير، فحتى لو هُزم المؤمن في معركة، فإن النصر حليفه آخر المطاف. ولهذا كان الله يحب الصابرين للقوة القتالية التي لديهم.

الصبار الشكور:

{لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم : 5]

مع أن الصبر عدم قبول المشاق والمكاره، لكن يجب أن يكون صاحبها شكوراً لما عليه من نعم أخرى كثيرة، فالصبر عدم القبول بالمشقة، مع الجزم بأن الله سيغيرها، وفي نفس الوقت يجب أن يكون صاحبها شكوراً لربه لما عليه من نعم كثيرة أخرى.

الصبر على النار:

{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة : 175]

{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور : 16]

{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم : 21]

هذه الآيات الثالث، تبين حالة الكفار في النار، فهم في تيه وضلال، فلا يعلمون هل يصبرون على النار؟ أي هل يتحملون ألمها في انتظار أن يخرجهم الله منها يوما ما، وهذا هو الصبر، أو يجزعون فيها أي يصابون باليأس من الخروج منها، مع كراهيتهم لها.

ولعل بعضهم يجزع ويسلم أنه لن يخرج منها

{ وَنَادَوْا يَٰمَٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ }  [الزخرف: 77].

وبعضهم يصبر وينتظر رحمة ربه والخروج من النار

{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ }  [المؤمنون: 107].

{فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ }  [غافر: 11].

الصبر على الأصنام:

{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان : 42]

{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص : 6]

ورد الصبر على الآلهة مرتان فقط، ونرجح كما هو واضح أن كلام الرسل في الأصنام مؤلم ومؤذ لهم، بل يكاد يسحقهم، ولهذا ينصحون بعضهم بالصبر، أي التريث قليلاً وسوف يتغير الحال، فلن تسكت الآلهة عن ذلك، وسوف تبطش بالرسل الذين يتكلمون فيهم.

وهم يطلبون الصبر، لأنهم عاجزون عن فعل شيء للرسل الذين يحفظهم المولى من شرهم، ولو كان الأمر بيدهم لما تصابروا، بل لبطشوا بالرسل، فهم يصبرون أي ينتظرون عقاب الله أو عقاب الأصنام على أولئك الرسل.

هل يمكن الصبر على الناس؟

{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران : 120]

لا علاقة للبشر بالصبر، فالآية بالأعلى تتكلم عن الصبر على المصائب، فلو حدثت مصيبة ولنقل ظهور وباء في المزروعات، وفرح بذلك الأعداء والمنافقون، فتدعو الآية بالصبر على المصيبة وليس الأعداء، فسوف يغير الحال فهذا هو الصبر.

أما ما يسميه العامة وأهل اللغة بالصبر على الناس، فغير صحيح، وهم يقصدون الحلم عليهم، أو بهم، وسوف نشرح ذلك في مقال جذر الحلم، إلا لو كان مقصدهم أن نصبر على أذى الناس بانتظار عقاب الله بهم، فهذا المعنى صحيح، أم الصبر بمعنى التريث على الناس وتحمل آذاهم لعلهم يتغيرون فهذا ليس الصبر.

الخلاصة:

ظهر لنا مدى الفوضى اللغوية التي وقع فيها أهل التراث، فهم يستخدمون الصبر في غير محله، فوجدنا أن الصبر هو اليقين والجزم بتغير الحال السيء بعون الله ومدده، فهو ليس الرضى والتسليم، بل عكسه، فهو رفض للواقع، وهو ليس يأس وجزع، فالجزع رفض للواقع، ولكن مع استسلام في تغييره. وكلها مرفوضة عند الله الذي يريد من المسلم أن يكون قوياً مقاتلاً، متفائلاً.

وعندما عرفنا ذلك تبينت لنا النصوص بكل وضوح، وزال الغموض الذي ولدته الفوضى التراثية، فالصبر شحنة من الرفض للواقع مع يقين بتغيره على يد المولى، ذلك أنه خارج قدرتنا وسلطتنا، فلولا الله لما حُلت مشكلتنا، ولو كان ضمن قدرتنا لحللنا المشكلة في لحظتها، دون الحاجة للانتظار.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (3/ 329): المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1190)

([2]) [القصص: 35].


ali
ali
تعليقات