أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

خصم في القرآن المكرم


 

خصم في القرآن المكرم

خصم لغة:

خصم أصلان أحدهما المنازعة والثاني جانب وعاء. والخصم الذي يخاصم والخصام مصدر خاصمته مخاصمة وخصاماً. والخصِمُ هو شديد الخصومة ([1])

 الخصام في القرآن

المخاصم هو ذلك الذي يستخدم الحجة لجدال الآخر أي لدفعه ورده بالحجة، وليس بمنطق السلاح، بل بسلاح المنطق، وقد يتفق الطرفان على اللجوء إلى سلطة عليا يحتكمان إليها، لتفصل بينهم وتعطي كل ذي حق حقه.

الاختصام على مريم:

{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }  [آل عمران: 44].

ففي هذه الآية الكريمة تنازع أقارب مريم كلٌ يريد أن يكفلها، ولما لم يكن هناك سلطة عليا يحتكمون إليها، فقد احتكموا إلى القرعة.

اختصام المؤمنين والكفار:

 {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}  [الحج: 19].

تحدثت الآيات التي قبل هذه عن اختلاف وجدال المؤمنين والكفار حول الله

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَٰنٍ مَّرِيدٍ }  [الحج: 3].

ثم ذكرت بعض هذه الأديان وأن الله يفصل بينهم يوم القيامة لوقوع الخصومة في الدنيا

{ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّٰبِءِينَ وَالنَّصَٰرَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }  [الحج: 17].

وبهذا يتبين أن هناك خصمين خصم المؤمنين وخصم الكفار، في كل دين ومذهب.

انقسام ثمود إلى خصمين:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَٰلِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}  [النمل: 45].

وانقسم قوم ثمود إلى فئات، فهناك تسعة رهط يفسدون في الأرض ويريدون التخلص من صالح وأهله لكنهم يخشون وليه، ويبدو أن الخصم الآخر يقف في صف النبي صالح، لهذا كانوا يرتدعون، لكن خططوا للمكيدة ضده أي تصفيته بالاغتيال دون أن يشعر أوليائه.  

 { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }  [النمل: 49].

وهذا يبين أن الكفار كانوا على عداوة مع صالح عليه السلام، لكن كانوا مع خصومة مع عشيرته الذين لم يكونوا مؤمنين ولكن أخذتهم الحمية على ابنهم.

لفظة يخصّمون:

{ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ }  [يس: 49].

يتحدث عن قريش وجدالها مع المؤمنين، وأنهم جادلوا في فكرتين وهما عدم إطعام الفقراء لأن الله أرادهم فقراء، وجدالهم حول يوم القيامة

{أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ }  [يس: 47].

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ }  [يونس: 48].

فهذا جدالهم، وتشير الروايات أن قريش اختصموا إلى الأحبار وسألوهم عن أي عقيدة أفضل عقيدتهم أم عقيدة محمد وأتباعه، لكن نرجح أن جدالهم وخصومتهم كانت حول هاتين الفكرتين اللتان هما أساسيتان في القرآن، وهي الصدقات والإيمان بيوم القيامة، فالآية تقول لهم قد لا تنتهون من الخصام أي الجدال وإلا قد حضرت الساعة.

ولعل يخصّمون تعني يختلقون الخصومات، أي يجادلون ويكثرون الكلام بغير فائدة.

الخصمان وداود:

{ وَهَلْ أَتَىٰكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ }  [ص: 21].

{ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَٰطِ }  [ص: 22].

خصمان تجادلوا في بعض شؤونهم، وحتى لا تكبر الخصومة وتتحول إلى عداوة، احتكموا إلى داود عليه السلام.

اختصام الملائكة والشيطان:

{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }  [ص: 69].

انقسم الملأ الأعلى إلى خصمين، يتجادلان في شأن السجود لأن الله أمرهم أن يسجدوا لآدم عند خلقه، والسجود لا يعني إسقاط الوجه على الأرض كما نفعل في الصلاة، بل يعني الخضوع والتسليم لسلطة آدم، فلما دارت الأيام وخلق الله آدم وجعله الله خليفة يحكم منطقة واسعة، سجد الملائكة إلا إبليس.

وكان الملائكة في جدال وخصام، عن خلق هذا البشري الذي سيحكم ويصبح خليفة بحكم واسع، ففريق اعترض، وقد بين وجهة نظره لله بأنه سيسفك الدماء، وفريق سلم وخضع لربه، وكان إبليس الذي هو من الجن الذين تحولوا إلى الملائكية، قد حن لأصله ورفض السجود لكن باعتبار أنه خير منه أي أكثر فائدة في الحكم من هذا البشري.

فهذه هي الخصومة التي كانت بين الملائكة.

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }  [البقرة: 30].

مترف ومخاصم:

{ أَوَمَن يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }  [الزخرف: 18].

تزعم المرويات أن كثير من المفسرين اتفقوا على أن المقصود به النساء فهن ينشئن في الحلية ولا يستطعن الجدال. باستثناء عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الذي رأى أنها التماثيل التي تصنع من فضة وذهب وهي لا تتكلم ([2])

وهو رأي معقول وممكن، ولكن الراجح عندي أن المقصود هم نخبة الكفار الذين انغمسوا في الترف، حتى وصلوا إلى ارتداء الحلي، ذلك أن الصنم لا يستطيع أن يختصم لعجزه عن الكلام من الأساس، فمرحلة الإبانة بعيدة عنه كثيراً.

ولكن الواضح أن الذي نشأ في الحلية هم المترفون من الكفار ولهذا بينت الآية التالية حججهم الهزيلة

{ وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَٰرِهِم مُّقْتَدُونَ }  [الزخرف: 23].

والمترف دائماً يميل إلى الغباء والكسل، ولا يريد تغيير الواقع لهذا يصبح بليداً، فحججه هزيلة وهو عند الجدال لا يوضح، بل في كلامه غموض لضعفها فلا يستطيع أن يظهرها.

وفي آية تالية من نفس السورة ذكر بعض جدلهم وخصومتهم

{ وَقَالُوا ءَأَٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }  [الزخرف: 58].

فكفار قريش الذين أصروا على أن الملائكة بنات الله، كان دليلهم أن عيسى الذي هو ابن الله، فبما أن عيسى ابن الله فما المانع أن تكون الملائكة كذلك، خاصة وأن هناك بعض الجماعات من أهل الكتاب يظنون أن الملائكة أولاد الله.

ونعتهم بأنهم قوم خصمون، تعني أن القوم لا يبحثون عن الحقيقة بل عن الخصومة، باستخدام الجدل والحجج حتى لو كانت واهية.

الخصام يوم القيامة

وفي الآية {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ}  [الشعراء: 96].

يختصم أصحاب النار إلى ربهم ضد الآخرين الذين أضلوهم وسنبين في الآيات التالية بعض تلك الخصومات

ﵟتَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ 97 إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَﵞ [الشعراء: 97-98] 

في حوار آخر أو لنقل خصام آخر

{ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }  [ص: 64].

فيتجادل أهل النار فيما بينهم، فيتجادل السابقون من الأمم مع اللاحقين

ﵟهَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ 59 قَالُواْ بَلۡ أَنتُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِكُمۡۖ أَنتُمۡ قَدَّمۡتُمُوهُ لَنَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُﵞ [ص: 59-60] 

اختصام الرسول مع الكفار:

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }  [الزمر: 31].

يختصم الرسول والصحابة مع الكفار، فيقدم كل طرف حججه، فيجادل عن نفسه وجماعته، وهذا ليس بمستغرب فذلك اليوم هو يوم القضاء والحكم بين البشر، والرسول سيكون خصماً وسيكون شهيداً علي قومه يوم القيامة.

الخصومة مع القرين:

{ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ }  [ق: 28].

يختصم الإنسان وقرينه الجني الذي أغواه، ذلك أن القرين يقول قبل هذه الآية:

{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلٍ بَعِيدٍ}  [ق: 27].

فيسكتهم المولى ويوقف جدالهم ليدخلهم النار.

الخصيم:

ورد هذا اللفظ ثلاث مرات وكلها تتعلق بأصحاب السلطة والقدرة، فأول آية تكلمت عن الرسول وألا يكون خصيماً للخائنين

{ إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا }  [النساء: 105].

وتؤكد الآية التالية ماذا يعني خصيماً أي مجادلاً عن الآخرين

ﵟوَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗاﵞ [النساء: 107] 

لأن الرسول صاحب مكانة وسلطة وقدرة، بعد أن تحول إلى المدينة وتمكن فيها، ولأنه نبي الرحمة ويكره أن يضر أحداً أو يؤذيه، فإنه أراد التسامح حتى مع الخونة لعلهم يرجعون، لكن الله وجهه ألا يتسامح مهم ولا يدافع عنهم فيكون خصيماً لهم، لأن هؤلاء الخونة لديهم خصوم جاءوا واشتكوا الرسول من هؤلاء الخصوم الخونة، فأراد الرسول أن يصلح بينهم فأمره الله ألا يكون خصيماً أي يقف في صفهم لأنهم وصلوا إلى درجة الخيانة.

أما الإنسان الخصيم كما في الآيتين:

{ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ }  [النحل: 4].

{ أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ }  [يس: 77].

فقد بينّا أن الإنسان مصطلح يعني صاحب المال والسلطة ومن النخبة، لهذا يعتبر خصيماً وليس خصماً، فبما لديه من قدرات فهو يصنف بأنه خصيم وليس خصم، والإنسان دائماً في القرآن كافر جاحد، لهذا سيكون في صف الكفار خصماً ضد المؤمنين، وهو بهذه الحالة وبما يملكه من مال وسلطة سيكون خصيماً، ودعمه للكفر سيكون مؤثراً.

الخلاصة:

الخصومة أقل من العداوة في شدتها وحدتها، وهي النفور بين طرفين، فيكون العراك بينهما بالفكر والجدال، دون الاحتكام إلى السلاح، وفي الغالب يلجأن إلى سلطة عليا لتعطي كل ذي حق حقه، وبعضهم يلتجأ إلى وسائل أخرى كالقرعة، وقد تتطور الخصومة إلى عداوة وكره شديد.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (5/ 1912)«مقاييس اللغة» (2/ 187) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (1/ 566)

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (19/ 627)

ali
ali
تعليقات