عند، ولدى، ولدن، في القرآن الكريم
لدن ولدى وعند في المعاجم:
عند
في المعاجم:
لم أجد في المعاجم شرحاً لهذه المفردة،
وهم يرونها ظرف مكان أو زمان وتأتي بمعنى لدى أو بجانب أو في حوزة. أو في حضرة
الشيء.
لدن
في المعاجم:
لدنُ بمعنى لدى أي عند. لكنها عندية صدور
وامتداد من رقة الباطن، لا عندية مكان وتحيز فيه مثل لدى.
ولدنُ في اللغة هي ظرف مكان أو زمان يدل
على القرن الشديد وغالباُ يعني عند أو من عند.
لدى
في المعاجم:
لدى لغة في لدن. ولدن، ولدى ظرفا مكان
بمعنى عند إلا أنهما لا يستعملان إلا في الحاضر، وقد يستعمل لدى في الزمان ([1]) .
الفرق
بين "عند" و"لدى" و"لدن" عند اللغويين:
يرون أن "عند" تشير إلى القرب
المكاني أو الزماني سواء حضر الشيء أم كان غائباً. أما "لدى" فيرون أنه
دلالة على القرب الشديد والحضور الفعلي للشيء، وفي حوزة المتكلم. أما
"لدن" تدل على القرب الشديد جداً، وتشير إلى بداية أو مصدر الشيء.
عند،
ولدى، ولدُن في القرآن:
هذه الفوضى عند اللغويين تدل على عدم
سبرهم للفروقات التي بين تلك المفردات، فمن الواضح أن هناك فرقاً بينها، فعلى سبيل
المثال { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَٰهُ
رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا
عِلْمًا } [الكهف: 65].
فقد استخدم في الأولى المفردة
"عند" بينما استخدم في الثانية اللفظة "لدُن"، ولو كانت بمعنى
واحد، لاستخدم لفظة واحدة فقط إما عند أو لدُن.
لدى
في القرآن
لم نجد في القرآن معنى لمفردة
"لدى" سوى أنها تعني محيط الشيء وما حوله، وما بجواره، وفي حضور الشيء
ووجوده.
وإليك الآيات:
كنت لديهم:
{ وَمَا كُنتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَٰمَهُمْ}
[آل عمران: 44].
أي لم تكن يا محمد هناك لحظة حضورهم
مجتمعين. ونحن في العامية نستخدم كلمة "عند" فنقول مثلاً: وجدت شجرة
مثمرة عند الوادي، لكن الصواب أن نقول وجدت شجرة لدى الوادي، أي بجواره وحواليه.
لدى الباب:
{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ}
[يوسف: 25].
أي كان العزيز حاضراً بجوار الباب، ولو ألفياه
داخل الغرفة لقال ألفيا سيدها عند الغرفة، لأنها حيز مغلق.
لدينا
مكين:
{قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف: 54].
ملك مصر يقول ليوسف إنك مكين وأمين أي تصبح
متمكناً ومستأمنا بحضورنا وتواجدنا بجوارك لكي نمكن لك ونحن نستأمنك.
كنت
لديهم:
{ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }
[يوسف: 102].
أي لم تكن يا محمد بجوارهم وحاضراً معهم
عندما مكروا بيوسف، بل نحن من قصصنا عليك القصة.
لديه
خُبراً:
{ كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا } [الكهف: 91].
يتكلم المولى عن ذي القرنين، أن الله كان
يحيط علماً بما كان بجواره من أقوام وأناس، فهي أخباره.
لما لديهم:
{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
[المؤمنون: 53].
الآية تتحدث عن الأحزاب الدينية التي
كانت أمة واحدة فتفرقت، وكان كل حزب يفرح بما لديه من مال وقوة أي ما كان حاضراً
بجواره من مال وأولاد، كما تقول الآية التالية ﴿فَذَرۡهُمۡ فِي
غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ 54 أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم
بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ﴾ [المؤمنون:
54-55]
فلو كان فرحهم بمعتقداتهم، لما استخدم
لدى، التي هي للأشياء المادية، ولو كانت معتقدات لقال كل حزب بما يؤمنون به فرحون.
خاصة وأن كثير من تلك المذاهب تعاني من معتقداتها التي غالبها العنت والأغلال.
لدينا
كتاب:
{وَلَدَيْنَا
كِتَٰبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون: 62].
يتكلم النص عن كتاب أعمال البشر، أي أنه
سيكون حاضراً بيد الله جل جلاله يُظهر أعمالهم. ولو قال عندنا لكان يعني أنه في
حيز مغلق ومحفوظ ومصان، بينما هذا الكتاب مشاع يطلع عليه الإنسان وغيره.
لا
يخاف لديّ:
{ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا
يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } [النمل: 10].
أي يا موسى في حضورك بجوار الله لا تخف،
أي لا تتوقع الشر، فأنت من المرسلين والله لا يضر رسله حينما يكونون حاضرين
بجواره.
لدينا
محضرون:
{ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 32].
{ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً
فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
} [يس: 53].
أي جميع البشر لدى الله أي بجواره
وبحضورهم وحضوره سيجمعهم معاً.
لدى
الحناجر:
{إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ
كَٰظِمِينَ} [غافر: 18].
أي ستكون القلوب بجوار وحضور الحناجر، من
شدة الفزع والخوف، سيقترب القلب من الحنجرة، ومع هذا يكظمون خوفهم لأنهم في حضرة
الله. ولو كانت القلوب داخل الحناجر لقال: عند الحناجر.
أم
الكتاب لدينا:
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4].
أم الكتاب هو حاضر دائماً بجوار الله،
وذلك لمكانة أم الكتاب وأهميته. ولو كان أم الكتاب في حيز مغلق لقال: في أم الكتاب
عندنا.
الرسل
بجوار البشر:
{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ
سِرَّهُمْ وَنَجْوَىٰهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80].
{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18].
الرسل لدى البشر، أي بجوارهم حاضرين، وهو
ما يسميه الناس عتيد ورقيب، والصواب أنه كما شرحنا هو الطائر الذي بجوار عنقنا
يسجل أعمالنا وكلامنا، فهو لدينا أي بجوارنا، وبالتحديد بجوار عنقنا.
ما
لدي عتيد:
{ وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ
عَتِيدٌ } [ق: 23].
والجني القرين يقول ها قد أحضرت البشري
الذي كنت قرينه في الدنيا، فهو لدي أي حاضر كما ترى يا مولانا وهو عتيد أي هو من
أعد العدة لأعماله المخزية بذات نفسه، فالقرين يسوق البشري والملك الذي سجل أعماله
هو الشهيد على أعماله، وقد زعم القرين أنه ما جعله طاغية، ولكن كان في ضلال من ذات
نفسه، لكن المولى سيدخل الاثنين النار. ولو كان البشري داخل حيز مغلق لقال قرينه
هذا ما عندي عتيد.
تختصموا
لدي:
{ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ
قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ } [ق:
28].
شرحنا بالأعلى اختصام القرين مع البشري،
فالمولى يقول لهم لا تختصموا لدي أي في حضوري، ولو كانوا في حيز مغلق لقال: لا
تختصموا عندي.
القول
لدي:
{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا
أَنَا بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ق: 29].
أي لا يمكن للقرار أن يبدل في حضور الله،
فمن حكم عليه بالنار سيدخلها حتماً ولن يتغير القرار، فقد كان الله حاضراً للحكم
وهو الحكم يوم القيامة.
لدينا
مزيد:
{ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا
وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35].
أي في حضرتنا وبجوارنا المزيد من النعم
نهبها لأهل الجنة.
أحاط
بما لديهم:
{ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا
رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ
وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } [الجن:
28].
الرسل سيحيط المولى علماً، بما حولهم وما
في حضرتهم من بشر وأموال.
لدينا
أنكال:
{ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا
} [المزمل: 12].
أي سيكون بجوار الله وحضرته وحضرة
الملائكة الأنكال والأغلال والجحيم، يكسبها من كان كافراً، والأنكال والجحيم ليست
في حيز مغلق وإلا لاستخدم عندنا بدلاً من لدينا.
الخلاصة:
يتبين لنا أن "لدى" تشير إلى
الظرف المكاني، فهي في مكان معين، وليست لها علاقة بظرف الزمان كما يزعمون. وحتى
لو كانت هناك علاقة ملكية للشيء المشار إليه، فهي لا تهتم بالحديث عن تلك الملكية،
وسنجد أن "لدى" مثل "عند" يشيران إلى ظرف المكان، ولكن عند
تشير إلى حيز مغلق محفوظ. فكلاهما يشيران إلى مكان معين أحدهما مفتوح والثاني مغلق
للدلالة على حفظه وصونه وأهميته، فعند تشير إلى الحفظ بينما لدى فتشير إلى القرب دون
أن تقصد العناية والحفظ.
عند
في القرآن:
شرحنا أن "لدى" هو ظرف مكان،
أي هو يشير إلى مكان معين، لكنه مفتوح وليس مغلق، لكن في لفظة "عند"
سنجد أنه ظرف مكان أيضاً، ولكنه مغلق ومصون ومحفوظ.
فإذا جاءك الضيوف فهم عندك في المنزل،
وإذا وضعت السيدة جواهرها في صندوق فهي عندها في الصندوق. ويمكن أن نقول إن صالح
عند شعيب مثلاً، ونقصد أنه في منزله، لكن استخدمنا عند لنبين الملكية، ولنبين
الحفظ والصيانة والأهمية.
وفي القرآن يتحدث عن الأشياء المادية وعن
المعلومات، فإن كانت الأشياء مادية فشير إلى أنها عند الله أي في مخازنه جل جلاله،
فإن كانت الأشياء معلومات، فهي عنده في الكتب التي تحفظ المعلومات. والمقصد من ذلك
أنها محفوظة ومصونة.
ففي آية بينت أن الله أعطى العبد الصالح "الخضر" الرحمة
وقال إنها من عنده{ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا
}([2]) ثم يتبين لنا في آية أخرى أن الرحمة موجودة في خزائن الله التي لا
يعلم بها أحدٌ { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ}([3]) فإذا وجدنا آية فيها لفظة "عند" فيقصد بها خزائن أو يقصد
بها كتب تحفظان الشيء المعني.
وإليك الآيات المبجلات:
عند
بارئكم:
{فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ
خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 54].
أي أن قتل النفس من أجل رضى الله هو عند
الله، أي هو معلومة "عقيدة" مسجلة عند الله في كتبه، فليس الفعل هو
الموجود عند الله، بل العقيدة هي المسجلة في كتب الله التي تقول إن من قتل نفسه من
أجل الله فقد تاب عليه الله.
أجرهم
عند ربهم:
{ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالنَّصَٰرَىٰ وَالصَّٰبِءِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62].
كذلك من يعمل الصالحات، حتى لو كان
يهودياً أو نصرانياً، فهو مكتوب أجره عند الله أي في كتبه التي فيها القوانين
الربانية.
ليحاجكم
به عند ربكم:
{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا
قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا
أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة: 76].
الراجح أنهم يقصدون يوم القيامة، وأن
المولى سجل أعمالهم في كتبهم، واستخدموا "عند الله" ليقصدوا أن أعمالهم
وأقوالهم سجلت في تلك الكتب، فهي عنده أي محفوظة ومصونة.
من
عند الله:
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ
الْكِتَٰبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ
اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79].
يختلقون تشريعات ويزعمون أنها من عند
الله، أي أُخذت من كتبه التشريعية التي أنزلها على الأنبياء. فهي عقائد محفوظة
ومصونة في أم الكتاب لهذا قالوا "عند الله" ولم يقولوا لدى الله مثلاً.
العهود
عند الله:
{ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ
} [البقرة: 80].
إذا عهد الله لأحدٍ عهداً، سجله جل جلاله
في الكتب، فهو عنده أي محفوظ ومصون في تلك الكتب.
رسول
من عند الله:
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ
فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ كِتَٰبَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ
كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [البقرة:
101].
كل الرسل يعتني بهم المولى ويحفظهم
يربيهم فهم من "عنده" فلا يرسل الرسول قبل أن يعتني به ويدربه ويمر
باختبارات عديدة، فلا يرسل رسولاً لديه بل من عنده.
مفاتيح
الغيب:
{ وَعِندَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا}
[الأنعام: 59].
لو قال النص لديه مفاتح الغيب، لكان كل
من لديه القدرة على الوصول إلى تلك المفاتح، عالماً بها، لكنه قال عنده، مما يعني
أنها مصونة ومحفوظة فلا يعلمها إلا هو جل جلاله.
القتلى
عند الله:
{ وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ
عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ } [آل عمران: 169].
يذكر القرآن أن كل الموتى في كتاب الله {لَقَدۡ
لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ}([4]) فالقتلى لهم كتاب خاص بهم يُرزقون فيه الطعام، وبما أنهم داخل كتاب
فلهذا استخدم عند ربهم ولم يقل لدى ربهم.
عند
المكانية:
{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } [البقرة: 198].
{وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ
عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }
[البقرة: 191].
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].
{فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ}
[النساء: 81].
{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ
عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29].
{ وَمَا كَانَ
صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ} [الأنفال: 35].
{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ}
[الإسراء: 23].
{وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} [الكهف: 86].
{ وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } [ص: 52].
عند هنا مكانية واضحة فهي ليست في مخازن
ولا في كتب، بل في مكان مادي ظاهر، فصلاة الناس عند البيت مكان مبين، وكبر
الوالدين عند أولادهم، مكان ظاهر. واستخدم "عند" دون أن يستخدم
"لدى" ليؤكد أن هناك عناية، وصيانة وحفظ واهتمام.
الخلاصة:
إذا استخدم القرآن "عند" وليس
لدى فهو يقصد مزيد من الصون والعناية والرعاية والحفظ، فعند هو الظرف المكاني
الأكثر حفظاً وعناية من الظرف المكاني لدى، فعند هو وعاء للحفظ، بينما لدى فهو ليس
وعاء، بل مجرد تجاور فقط.
لدن
في القرآن:
كل كلمات لدن ومشتقاتها لم ترد إلا في حق
الله، فاللدن منسوبة إليه وحده جل جلاله، إلا آية واحدة منسوبة إلى موسى وسوف
نناقشها في حينها
{ وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً }
[آل عمران: 8].
{ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
ذُرِّيَّةً } [آل عمران: 38].
{ وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ
أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 40].
{ وَإِذًا لَّءَاتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 67].
فيتضح لنا أنها من مخازن الله جل جلاله
الخاصة، فلدن أعظم من "عند" أو أخص منها، وهي هبات يهبها الله العزيز
العظيم، لبعض عباده لسبب من الأسباب، كما وهب أصحاب الكهف رحمته بأن ناموا في
الكهف سنوات، لكيلا يتعرضوا للاضطهاد. أو يهب زكريا الولد رغم استحالة الأمر لعقر
زوجته ولشيخوخته، لكن لديه مخزن جل جلاله هو " اللدن" فوهبه النبي يحيى
وهو شخص فريد من نوعه، فلم يجعل له سمياً أي لم يجعل له شبيها من الخلق.
وهكذا
بقية الآيات، فكما قد ينفق الملك من ماله الخاص على شخص ما، لأن القوانين تمنع
الانفاق من المال العام، فكذلك المولى
يعطي من يشاء من لدنه رغم أن القوانين الطبيعية لا تبيح ذلك، لكن المولى جل جلاله يعطي
الصالحين من لدنه الخاص لأنهم يستحقون ذلك رغم مخالفة قوانين الطبيعة المادية
والاجتماعية. وهو إذا أعطى من "اللدن" فهو يعطي شيء مميز وفريد.
والأمثلة كثيرة مثل نومة أصحاب الكهف،
ومثل ولد زكريا وكذلك العبد الصالح "الخضر" فقد أعطاه الرحمن من مخزن
"عند" لكنه أعطاه العلم من مخزن "لدن" فأما الرحمة فهي عند
كثير من البشر، ولكن العلم فقد تميز بعلم فريد لا مثيل له، ذلك أنه نال العلم من
مخزن " اللدن" .
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } [الكهف: 65].
أما
لدن موسى
{ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ
بَعْدَهَا فَلَا تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي
عُذْرًا } [الكهف: 76].
يقول موسى للخضر، قد بلغت عذرك وحجتك في
تركي والارتحال عني، فإن لدُني هي من دفعتك إلى ذلك الفراق، أي أن موسى يقول لو
سألتك مرة ثالثة فهذا يعني أنه لا علاج عندي لنفسي فهي من داخل داخل نفسي، التي لا
أستطيع تغييرها، فهذه "لدني" لا يمكن إصلاحها فلك عذرك في الفراق لو
سألتك مرة ثالثة.
فلدن موسى هو مخزنه الداخلي وبرمجته
الأصلية التي جعلته بهذه الشخصية، فلا يخرج منها إلا ما فيها من سمات، والتي لا
تحب الظلم ولا تطيق مخالفة المنطق. والأمور عندها جلية وواضحة ولا تحب المرونة أو
الميوعة فإذا وجدت انحرافاً وقفت ضده في عجلة ودون تردد وبشجاعة. فهذه "لدن
موسى" وليس عنده غيرها، فهذه بضاعته التي يتعامل بها مع الناس.
الخلاصة:
يمكننا اعتبار اللدن هو المخزن الخاص
جداً، الذي يخص الله به بعض الخلق لسبب من الأسباب، فيعطيهم من ذلك المخزن إما
لصلاحهم أو للفائدة العامة على أمة من الأمم. أما "عند" فهو مخزن عام قد
يناله كثير من الخلق، وليس فيه إعجاز شديد مثل المخزن اللدني الذي جعل أصحاب الكهف
تقر أعينهم بالنوم سنوات عديدة، أو ينجب زكريا بما يشبه المستحيل، بطفل عجيب ليس
له مثيل، ونرجح أن عصا موسى من هذا اللدن وغيرها من المعجزات المبهرة.
خلاصة
البحث:
نجد الألفاظ الثلاثة والتي كلها ظرف مكان
فقط، تشير إلى جانب مادي كما تشير إلى جانب معنوي، فلفظة "لدى" تعني
بجوار وبقرب، كما تعني عدم الحفظ والإحاطة والصيانة، وقد تعني عدم الملكية، بينما
لفظة "عند" فهي تعني وجود الشيء في مكان مغلق مادي كالبيت أو المخزن أو
الكتب، أما المغزى من "عند" فهو يعني الحفظ والعناية والصيانة للشيء،
وعلى مدى أهميته فهو محفوظ في حيز مغلق.
أما لفظة "لدن" فهي تعني مزيد
من الحفظ والعناية وتعني مزيداً من الخصوصية والفرادة، فكل الآيات نزلت في
"لدن الله" وقلنا هو المخزن العظيم الذي منه يعطي المولى البشر الأشياء
المعجزة كالولد العجيب لزكريا أو النوم المعجز لأصحاب الكهف، أو حتى العذاب
للأقوام الكافرة، لأن عذابهم كان معجزاً وفريداً ولم يكن ليتم وفق قوانين الطبيعة
لولا خروجه من المخزن العظيم "اللدن".
وبهذا يتبين أن لكل لفظة خصوصيتها
ومعناها الذي لا يتطابق مع اللفظة الأخرى، فلفظة لدى تعني بجوار وقرب، ولفظة عند
تعني الحيازة والحفظ في مكان كالمخزن، بينما لفظة لدن فتعني مزيد من الحفظ
والصيانة والتي فيها المعجزات التي يعطيها المولى للبشر، بحيث تكون فريدة وعجيبة
عن مخزن "عند".
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك