أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

شرح معنى أراذلنا والأرذلون؟

 


رذل وأراذل في القرآن المكرم

رذل في المعاجم:

الرذل هو الدون من كل شيء. ورذل هو النذل. والرذولة والرذالة هي الخساسة. ورذل أي أذل وأهان وأدان. ورذل أي حقر أو حط من شأنه أو خفض مقامه. والرذال من انتقى جيده وبقي رديئه. والأرذلين أي ضعفاء القدر والقيمة الذين لا يعتد بآرائهم ([1])

الأراذل في القرآن:

لم يرد جذر "رذل" إلا أربع مرات في القرآن المعظم، وقد أُطلق هذا النعت على الطبقة الأقل شأناً عند قوم عاد ونوح وغيرهم من الأمم، ولكن الكفار لما استخدموا هذا الجذر لم يكونوا يقصدون انحطاط هذه الطبقة ودونيتها وهوانها، فلو كانت هذه حجتهم لسقطت، لأن سبب دونيتهم هو الكفار أنفسهم، فهم من أذلهم وأحتقرهم، فلا يوجد علة عرقية بهم، ولكن الكفار من طغى عليهم. ولعل العصبية العرقية لم تظهر إلا في العصور الحديثة، مع النهضة الأوروبية والاستعمار الذي بحث عن شرعية لسفك الدماء والقضاء على الشعوب الأخرى، بحجة أن عرقهم أعظم من الأعراق الأخرى. أما القدماء فكانت هناك عصبية اجتماعية واقتصادية، فالغني يحتقر الفقير، حسب ما فهمنا من التاريخ.

فمن هم الأراذل الذين رأى الكفار أن اتباعهم للرسل حجة في عدم اتباع هود ونوح؟

إنه كما هو ظاهر من النصوص يتعلق بالعقل والفكر

ولهذا قالوا بادئ الرأي

{وَمَا نَرَىٰكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ }  [هود: 27]..

{ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ }  [الشعراء: 111].

 تفرق المفسرون مذاهباً في تفسير " بادئ الرأي " فزعم بعضهم بأن المعنى (فيما يظهر لنا) وذهب آخرون إلى المعنى هو أنه من غير روية ولا فكرة. وذهب ثالثهم إلى أن المقصد هو (بدا لنا أنهم سفلتنا) أما رابعهم فزعم أن المقصد هو رأي العين ([2]) وهذه الآراء غير مقبولة، فلا يعقل أن يقصد ما يظهر لنا، لأن هؤلاء الأتباع ظاهرون ومعلومون تماماً، فهو ليس ظاهر لهم فقط، بل هو حقيقة صارخة، فهم من الطبقة المنخفضة، ولا يعقل أنهم يقصدون بأنه بدا لهم أنهم سفلتهم، فهذا ظاهر وواضح وصارخ، ولا يعقل أنهم يقصدون من غير روية ولا فكرة، لأن ذاك رجم بالغيب، فما أدراهم أنهم لم يفكروا ولا يترووا قبل تصديق نوحٍ.

وبهذا نكاد أن نجزم أن هذه اللفظة تتعلق بالفكر وليس النسب، أي أن حجة قوم نوحٍ أن هؤلاء الضعفاء هم جهلاء وأغبياء ورأيهم ذليل أي منخفض، حتى سلوكهم وأعمالهم مستهجنة، أي يمكن أن نقول إن مقصد النخبة من قوم نوحٍ: إن هؤلاء الذين اتبعوك هم من العامة من أهل المهن والصنائع ورعاة الماشية، وأن سلوكهم (بسبب جهلهم) متدن فلا يرتقون إلى ذكائنا وعلمنا ورأينا.

ولهذا رد عليهم نوح

﴿قَالَ وَمَا عِلۡمِی بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ۝112 إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّیۖ لَوۡ تَشۡعُرُونَ ۝113 وَمَاۤ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الشعراء: 112-114]

 فيقول لهم نوح: أعمالهم السابقة تخصهم ولست مسؤولاً عنها، والله سيحاسبهم عليها، فقوم نوح تعذروا بعذرين عذر أنهم أراذل وعذر أنه سلوكهم دوني ولا يرقى إلى طبقتهم النبيلة. حتى أنهم أضافوا أنه لا فضل لهؤلاء عليهم، أي كما شرحنا في معنى فضل لا زيادة، فهؤلاء أقل منّا علماً، وهذا دليل على بطلان دينك، بل نراك كذّاب. ونشير إلى أن أعمالهم دونية ليس لسبب عرقي، بل لأنهم أصحاب رأي ذليل ضعيف أي جهلة وغير حكماء.

ولهذا نرجح أن أراذل مكونة من كلمتين دمجتا معاً، وهما: رأي، وذل. أي أن هؤلاء الهمل العامة، الذين اشتهروا بالرأي الذليل، والتي دمجت في أراذل، لا دليل إلا على بطلان عقيدتك فهم عامة دهماء لا علم ولا حكمة لديهم. وهم إذا تكلموا لم يسمع لهم أحدٌ ولا يكترث بهم النبلاء والعقلاء، وهذا ما نجده اليوم عند تكلم الجاهل العامي والذي يكون موضع سخرية وإهمال من قبل العالم أو صاحب المنصب، لقلة علمه، فرأيه مذلول أي منخفض القيمة والتقدير.

وهذا هو نفس رأي قوم هودٍ، وهم عاد، فقد لاحظوا أن العامي هو من يتبع النبي هود، ولو كان في دين هود خيراً لما أتبعه هؤلاء الدهماء السفهاء، فهم أرذلون أي رأيهم مذلول أي لا قيمة لكلامهم ولا يُسمع لهم. لماذا؟ لأنهم جهلة ومن العامة الذين لا يعلمون.

أرذل العمر:

{مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْءًا}  [النحل: 70].

{وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْءًا}  [الحج: 5].

نلاحظ بداية أن النصين أشارا إلى أن الشخص يُرد، أي يعود إلى ما كان عليه سابقاً، فماذا كان عليه سابقاً؟

هل كان طفلاً رضيعاً؟

لكنه لم يعد طفلاً

هل عاد شاباً مراهقاً؟

لا، لم يعد شاباً

فما الشيء الذي عاد إليه ذلك الشخص بعد أن كبر؟

لقد عاد إلى الرذل، أي الرأي الذليل، مثلما كان طفلاً، لا يؤبه له، ولا يسمع لرأيه إلا من باب الضحك والفكاهة، فمهما تكلم الطفل قابله من حوله بالضحك والسخرية وفي أحسن الأحوال لا يستمعون إليه.

وهذا هو ما سيعود إليه الشخص إذا كبر أو أصيب بالزهايمر، فلم يعد أحدٌ يستمع إليه إلا من باب الضحك، أو السخرية، فإن كان من حوله يحترم سنه، فإنه يهز رأسه بالموافقة لكي يسكت ويقلع عن ترديد الكلام، كما تتعامل الأم مع طفلها الملحاح لكي يسكت عنها.

فهو العمر الذي كان فيه مرذولاً أي صاحب رأي ذليل، أي منخفض القيمة والتقدير، كذلك إذا عاد إلى نفس العمر، أي عاد بلا عقل مثل الطفل، فإنه يعود مرذولاً، أي لا يؤبه لرأيه.

فأرذل العمر ليس سن معينة، بل هو تلك الفترة من العمر التي لا يأبه الناس فيها لرأي صاحبها، لأن رأيه ذليل أي وضيع لا قيمة له عندهم كما رأي الطفل ورأي المخرف.

هل توجد هذه الظاهرة في العربية؟

توجد في العربية ظاهرة "النحت" وهي اختصار جمل معينة في كلمة مثل البسملة التي هي اختصار لعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" وكذلك الحمدلة والحوقلة والطلبقة "أطال الله بقاءك" وغيرها من النحوت، فلا توجد حالات ملموسة لدمج كلمتين في كلمة واحدة مثل الإنجليزية.

لماذا تختلف العربية عن لغات أخرى في هذا الجانب؟

ويرى أهل اللغة أن السبب في عدم وجود كلمات مركبة من كلمتين إلا في مدن مثل" بعلبك" أو "حضرموت" وقيل منها "معديكرب" ويعود السبب في كون العربية لديها ميزة الجذور واشتقاقها، فيمكن إضافة حرف وتغيير الحركات لاخراج عشرات الكلمات من ذلك الجذر، هذه الظاهرة قللت من الحاجة إلى دمج كلمتين كما في اللغات الأوروبية.

والجواب على هذا الكلام، ميسر بإذن الله، فإن هذه الكلمة لم ترد إلا على لسان قوم نوحٍ وعادٍ، فهم يتحدثون العربية القديمة قبل رسوخها على قواعدها، وأن القوم قد استخدموا نظام تركيب الكلمة من كلمتين لكي يظهر معناً جديداً،  لكن يبدو أن هذا النظام لم يستمر طويلاً، ولم يتمدد وغلبه نظام الجذور والاشتقاق، الأكثر سهولة.

ونرى أن كل الاشتقاقات من كلمة أرذل أو رذل، هي اشتقاقات طبيعية من كلمة مركبة قديمة، فلا دليل لوجود الاشتقاق، على أنها ليست كلمة مركبة، فقد رُكبت الكلمة ثم صار يشتق منها. وحتى كلمة رذيلة نارها من هذا، فالرذيلة هي العمل القبيح، لكن ما سبب هذا العمل؟ إنه ضعف الرأي أو أن صاحب الفعل ذو رأي ذليل، أي منخفض لقلة علمه ونقص حكمته، فلهذا تصدر منه القبائح التي أطلقوا عليها رذائل، لأن سببها هو الرأي الذليل أي أن صاحبها ضعيف العقل كثير الجهل.

وقد وجدت ابن فارس في مقاييسه يذكر بعض النحوت التي تكونت من كلمتين مثل كلمة "رهبلة" التي تكونت من كلمة رهل وربل. ولم استمر في البحث لضيق الوقت، ولكن أرجح وجود ظاهرة تركيب كلمة من كلمتين، لأن العقل البشري واحد، ويريد توفير الوقت والحروف لإنشاء معنى جديد من معنيين، فأترك للباحثين المتخصصين هذا البحث.

الخلاصة:

كلمة أرذل هي كلمة مركبة من رأي وذل، ويقصدون صاحب الرأي الذليل، أي المنخفض القيمة والتقدير، لقلة علمه وضعف تجربته، وهي تأتي عند الإنسان في فترتين، فترة الطفولة، وفترة الكبر والخرف، فيعود كما كان طفلاً لا علم له لهذا الناس يرون رأيه ذليلاً أي منخفض القيمة والفائدة والتقدير.

ولهذا ألصقها كفار نوحٍ وهودٍ على المؤمنين، على اعتبار أنهم مثل الأطفال والمخرفين لا علم لديهم ولا حكمة فهم طوال حياتهم في أرذل العمر، أي أصحاب رأي ذليل. وقد تمسكنا بهذا التفسير وإن لم نتعصب له، لأنه يفسر كل الآيات الأربعة التي ورد فيها هذا الجذر، تفسيرا معقولاً ومقنعاً أكثر من تفسير التراثيين.  

وربما لو تعمقت الأبحاث في اللغات العربية القديمة، قد يجدون شواهد أخرى تؤكد هذا الافتراض، ونسأل الله العلم، والنور، والهداية والصلاح.

والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (2/ 509):  «الغريبين في القرآن والحديث» (3/ 737): «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» (4/ 2485): «النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 217): «تكملة المعاجم العربية» (5/ 125): «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 793):

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 240):

ali
ali
تعليقات