أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

السرابيل في القرآن المكرم

 


السرابيل في القرآن المكرم

 

السرابيل في المعاجم:

عجزت المعاجم عن معرفة السرابيل، فمرة تقول هي الدروع، ومرة تقول هي القمصان، ثم أضافوا من عند أنفسهم أن السرابيل تقيينا الحر وتقينا البرد، بينما النص الكريم يبين أنها تقينا من الحر فقط، ولكن لعدم إدراكهم لحقيقة السرابيل أضافوا لها وظيفة الحماية من البرد، لكي يتفق تصورهم، مع ما وصلوا إليه من معنى وهي أنها القمصان والدروع ([1])

السرابيل في القرآن:

لم يرد السربال إلا في نصين، أولهما:

{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81]

من خلال النص الكريم، يتبين أنه يتحدث عن الظلال أولاً ثم عن الأكنان التي في الجبال يستكن فيها الإنسان، ثم يتحدث عن السرابيل، وكلها تقي الناس الحر، ولو نلاحظ؛ فإن الظلال وهي التي تأتي من الأشجار أو الجدران والأسقف، تقي حر الشمس فهي تحمي رؤوسنا من ذلك الحر، كذلك الأكنان التي في الجبال، وهو الكن الذي يشبه الغار الصغير الذي يجلس فيه الإنسان يتقي حر الشمس عند تنقله وسفره.

 ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن السربال، فمن المنطقي أن يكون له نفس الدور وهو حماية الرأس من حر الشمس، فلهذا من المؤكد أن السرابيل هي ما نسميه اليوم بالعمائم والغتر والطواقي، وكل ما نضعه على الرأس وإن كنت أرجح أنها العمائم، لأنها مسربلة، فهي غطاء للرأس ممتد، حتى يغطي الأذنين والكتفين.

ولهذا فهذه السرابيل تغطي الرأس فتحمينا من حر الشمس، وهي أيضاً تحمينا من ضرب السيوف وسهام إذا صنعت من مادة من حديد أو فولاذ، تمنع بأس الأعداء عن رؤوسنا. وقد كان داود بارعاً في تلك الصنعة، وقد ذكر المولى أنه كان بارعاً في صنعة الدروع التي تصنع من حديد، والدروع تختلف عن السرابيل، في أنها تغطي كافة الجسم فهو لباس ولهذا وصفها بأنها لبوس أي تلبس{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء : 80] أما السرابيل فهي التي توضع على الرأس لنفس الغرض لكنها لا تغطي كافة الجمجمة، فيظل الوجه ظاهراً أمامها.

أما الآية الثانية:

{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 49، 50]

هذا النص الكريم يتحدث بشكل واضح عن منطقة الرأس وما يحيط بها، فيصف حال الكفار يوم القيامة عند منطقة الرأس، فهم مقرنين في الأصفاد وقد شرحنا معنى القرن والقرين، وهو كل ما كان في الرأس مثل قرون الخروف والتيس التي تلاصق رأسه ولا تنفك عنه، مثل الشيطان الذي يقترن بنا في رؤوسنا ولا ينفك عنها.

ثم يتحدث بعد ذلك عن السرابيل ثم عن الوجه، مما يؤكد أن السرابيل شيء متعلق بالرأس والوجه، وما يتعرض صاحبهما من عذاب أليم، فهو أولاً في الأصفاد للتحكم بحركته، ثم هو يغطي رأسه بعمائم من قطران، وقيل أن القطران هو النحاس، والذي اعتقده أنه كل ما سال وذاب فصار يقطر كالماء؛ فلم يحدد النص ماهيته. ([2])  لكن نرجح أنه النفط الثقيل، يضعه الجهنمي على رأسه لتقيه الحرارة الشديدة، لكن مع تلك الحرارة يذوب النفط الذي جعله سربال له أي عمامة تغطي رأسه.

فتلك السرابيل أي العمائم مصنوعة من مادة تذوب مع حر النار، فإذا لفحت النار وجوه الكفار، قامت السرابيل بحماية الرأس من تلك النار، لكنها تذوب بفعل الحرارة فتتساقط على بقية الوجه والرقبة والأكتاف؛ فيزيد من عذاب الكافر؛ فبعد أن يقرن الكفار بالأصفاد، وبعد أن يعذبوا بالعمائم التي تذوب، يتعرض الوجه للفحات من الحرارة الشديدة.

أما الزعم بأن السرابيل هي الملابس كالدروع أو القمصان، فهو عجيب، وأهل المعاجم ينقلون من بعضهم البعض بلا وعي ولا تدبير، فهم لا يُعملون العقل، ولا يتدبرون إلا في القليل النادر، لعله لضيق الوقت لديهم، أو ضيق الحال، أو عدم توفر الأدوات العلمية التي توفرت لدينا؛ فجعلتنا في بحبوحة من الوقت والوفرة.

فأقول: أن السرابيل وصفها القرآن بأنها تقينا الحر، ولو كانت لباساً؛ فمن المستحيل أن تقينا الحر، بل ستزيد من حرنا، حتى لو كانت قطعة قماش رقيقة؛  فهي لهذا تقينا حر الشمس الشديد كما ذكرت بالأعلى وهي لهذا ذُكرت أنها رداء الكفار يوم القيامة، ففي النار الغرائب، فكان من المفروض أن تحميهم تلك السرابيل (العمائم) من لفحة النار، إذ بها تزيد عذابهم فتتحول إلى عمائم ذائبة تحرق الوجوه والرقاب.

وأخيراً نذكر حادثة الانقلاب على الصحابي الجليل عثمان بن عفان، الذي رفض انقلابهم وقال: " لا أخلع "سربالًا سربلنيه" الله " ([3]) مما يدعم أن السربال هو العمامة، فهي علامة الملك لأن العمائم تيجان العرب وإذا قيل: عُمم الرجل.

 فهم يقصدون أنه صار سيدهم وقائدهم ([4]) فعثمان يقول لخصومه لن أخلع عمامتي التي هي تاج حكمي، لأن الله هو من سربلني بهذا التاج. فهو يتحدث مجازاً عن رفضه التنازل عن الخلافة.  ولو كانت السرابيل قمصانا كما يقولون أو ثياباً، لما قال: "أخلع" بل لقال أنزعها أو أضعها. فالخلع هو اللفظ المناسب للعمامة، فهي كما الضرس عندما نخلعه فجزء منه غارق بداخل لثتنا، كذلك العمامة غارقة في جزء منها داخل رؤوسنا.

ولا يمكن أن تكون الدروع أو القمصان أو الثياب علامة ورمز الحكم والملك، فهذا لم يوجد عند أحدٍ من العالمين، أن يكون القميص رمزاً للملك! بل هي التيجان عند الفرس والروم، والعمائم عند العرب. ولو كانت السرابيل هي العباءة لاستخدم العبارة المشهورة.

الخلاصة:

السربال هو ما نسميه بالعمامة أو الشماغ، فهو الذي يقينا الحر، فالعربي يتعرض للشمس كثيراً، وضربة الشمس قاتلة، فصنع العمامة التي يسميها القرآن السربال، فوقته حر الشمس وفتكها، كذلك صنع الجيش سربالاً خاصاً به ليس غرضه الوقاية من الشمس فقط، بل غرضه الوقاية من ضرب السيوف، فيحمي سربال الحرب رؤوس ا لجنود من الفتك.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) العين (7/ 344) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (2/ 260) معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1053) المعجم الوسيط (1/ 425) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 993):

([2]) . مقاييس اللغة (5/ 106)،

([3]) مجمع بحار الأنوار (3/ 56). على أن هناك رواية أخرى يقول فيها عثمان لن أنزل وليس لن أخلع. وهي مروية في الطبقات الكبرى ط العلمية (3/ 49) لكن من المؤكد أن عثمان نطق بهذه الجملة مرة واحدة فإما أنه قال أنزع أو أخلع. ونرجح أنه قال أخلع لتشابه رمي العمامة من الرأس مع الخلع.  

([4]) مختار الصحاح (ص: 219) العين (6/ 170).

ali
ali
تعليقات