البصر في القرآن المكرم
بصر
في المعاجم:
أصلان أحدهما يعني العلم بالشيء ويقال هو
بصير به. والبصيرة هي القطعة من الدم إذا وقعت بالأرض استدارت. والبصيرة هي الترس.
والبصيرة هي البرهان وأصل ذلك وضوح الشيء. وبصرت بالشيء إذا صرت به بصيراً عالماً.
وأبصرته أي رأيته.
وأما الأصل الثاني، فهو بصر الشيء وغلظه،
ومنه البصر. والبصيرة ما بين شقتي البيت. والبصرة هي الحجارة الرخوة. والبصرة هي
الطين العلك الذي فيه حصى. وبصر الجلد أو السماء أو الأرض أي غلظها وسمكها.
والباصر هو الملفق بين شقتين أو خرقتين. وبصره بسيفه أي قطعه ([1])
بصر
في القرآن:
تمهيد:
سوف نفترض رأياً، ونبحث في الآيات عما
يؤكده وكذلك عما ينفيه، فإن وجدنا كل الآيات تؤكد هذا الافتراض فالشكر لله، وإن لم
نجد فالشكر لله أيضاً. وها هو الافتراض:
البصر هو الآلة التي تسمى العين، ولكن
العين أشمل منها، كما سوف نلاحظ، فالبصر هو جزء من العين الذي يلتقط المعلومات
ويرسلها إلى العقل والذي يسميه القرآن القلب، فيقوم القلب بتحليلها، فإن فسد
الإنسان انسد قلبه وغشي بصره، فلم تعد تصله المعلومات الصحيحة، بل مشوهة.
وللعين جزء آخر يلتقط الفنون والعواطف
والمشاعر، ويرسلها إلى الفؤاد، الذي هو مركز المشاعر والعواطف، فلهذا كان البصر هو
أداة الباحث عن الحقيقة، بينما الجزء الآخر من العين فهو المتلقي للمشاعر
والعواطف.
ولهذا فإذا تكلم عن البصر فهو يقصد العين
التي تتلقى المعلومات البصرية، والتي تركز على تحليلها وفهمها لا الاستمتاع بها
والتلذذ بها.
وإليك
الآيات المبجلات:
العين
والبصر:
{وَلَهُمۡ
أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا}
[الأعراف: 179].
العين هي التي تبصر أو جزء منها يبصر أي
يتلقى المعلومات التي يرسلها للعقل، ويسمى هذا الجزء من العين بالبصر.
غشاوة
البصر:
{ وَعَلَىٰٓ
أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ } [البقرة: 7].
يتم سد فتحتي القلب والسمع، فلا تنفذ
المعلومات إليهما، كذلك البصر عليه غشاوة فلا تنفذ المعلومات إليه، رغم توافرها
أمامه، ولهذا لا يمكن الختم على العين أو البصر، لأنه ليس مجوفاً كالقلب والأذن.
الإبصار
بالضوء:
{ وَتَرَكَهُمۡ
فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ }
[البقرة: 17].
{ يَكَادُ
ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ}
[البقرة: 20].
والبصر يستقي المعلومات الضوئية، فإن حل
الظلام أو اضطربت الإضاءة فإن جهاز البصر لا يعمل.
بصير:
{وَٱللَّهُ
بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ } [البقرة:
96].
{إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا } [النساء: 58].
{هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا
تَتَفَكَّرُونَ }
البصير صيغة مبالغة من مبصر، ولا يعني كما يزعمون أن بصير للعقل والفطنة ومبصر للنظر والرؤية، بل هو مبالغة من الابصار فقط، فالمولى بصير أي ليس بعده في الإبصار، كما قارنت الآيات بين الأعمى والبصير، وصحيح أن الآية ترمي في مقاصدها إلى الضلال والنور، ولكنها تشير إلى حقيقة أن الشيطان يعمي الإنسان فلا يبصر، فالأعمى عكس البصير الذي هو حاد البصر، ولهذا قال الكافر يوم القيامة عندما فقد بصره لكثرة البروق وتذبذب الإضاءة هناك{ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا }([2]) فبصير أي شديد الإبصار وليس له علاقة بالتبصر الفكري والعقلي، لكن التبصر هو التقاط المعلومات، فإن كان صمام القلب مغلقاً، فإن المعلومات التي تمر عبر البصر لا فائدة منها، ولا يستوعبها القلب المغلق، فإن كان في البصر غشاوة زاد الضلال، لأن المعلومات التي تصل مشوشة وهو الذي يسميه القرآن أعمى، بل نجد يعقوب يرتد بصيراً وليس مبصراً، ليؤكد النص أن يعقوب عاد بصره أحسن ما يكون {أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ }([3])
أولي
الأبصار:
{إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ }
[آل عمران: 13].
نرجح أن أولي الأبصار، أي الأكثر تبصراً
وبحثا عن الحق، فإن الآيات الكونية هي عبرة لهم، وشرحنا معنى عبرة، وقلنا هي
العبور إلى معرفة الله.
الأبصار
تدرك:
{ لَّا
تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ} [الأنعام: 103].
بغض النظر عن معنى درك بدقة، فإنه يعني
عموماً، الحيازة والاستحواذ واللحاق، فالأبصار لا تستطيع اللحاق بتجليات المولى جل
جلاله، بل هو من يدرك الأبصار. ونرجح الأبصار عندما تدرك الصور فهي تدركها بسرعة
الضوء، فهي لا تدركه جل جلاله وهو يدركها.
بصائر:
{ قَدۡ
جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ
عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ } [الأنعام: 104].
المقصود بها الآيات الكونية والأرضية
التي ينظرون إليها بأبصارهم مباشرة فهي بصائر محسوسة.
تقلب
الأبصار:
{ وَنُقَلِّبُ
أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ
وَنَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ }
[الأنعام: 110].
أي نجعل أبصارهم لا ترى مطلقاً، فتقليب
البصر أشد من وضع غشاوة عليه.
تصريف
البصر:
{ وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ
قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأعراف: 47].
تحركت أبصارهم ناحية أهل النار، فأدركوا
مدى السوء الذي فيه الكفار، ونظرهم ليس لأصحاب النار الأبدية، بل المؤقتة في وقت
الحساب. وتصريف البصر أي تحريكه بلا إرادة من صاحبه.
النظر
بدون إبصار:
{وَتَرَىٰهُمۡ
يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ }
[الأعراف: 198].
وهذا مثال صارخ يبين الفرق بين النظر
والابصار، فالنظر هو توجيه العين ناحية شيء، أما الإبصار فهو استقبال المعلومات
وإرسالها إلى العقل، فالقوم ينظرون إلى الرسول أي يوجهون أعينهم ناحيته، لكن لا
يبصرونه لأنهم في حالة سرحان وذهول وتوهان، ربما بفعل الشيطان لكيلا يستمعوا
للرسول ويستوعبوا كلامه. وهذا ما تؤكد الآية التالية وهي: {مَسَّهُمۡ
طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ }([4]) فحاسة البصر تعمل لديهم، ولكن الشيطان يعطلها.
النهار
مبصر:
{ هُوَ ٱلَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ} [يونس: 67].
أي جعل الأبصار في النهار قادرة على
النظر والرؤية.
بصيرة:
{ قُلۡ هَٰذِهِۦ
سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } [يوسف: 108].
يقول أهل اللغة أن بصيرة على وزن
"فعيلة" وقد يعني هذا الوزن اسم فاعل مؤنث مثل عليمة. أو اسم فاعل
للمبالغة مثل خبيرة. وقد يكون اسم مفعول مثل جريحة. وقد يكون صفة مشبهة مثل كثيرة.
ونرجح أن هذه السبيل مثل النهار المبصر، أي سبيل مضاء كله حتى نهايته، فمن لديه
بصر يجد الطريق إلى الله مضاء أمامه.
إبصار
السامري:
{ قَالَ
بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ
ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي } [طه: 96].
السامري كان في مكان قريب من موسى عندما
جاءه الرسول "الملك"، فقال بصرت ولم يقل رأيت أو نظرت، لأنه شاهد الملك
خطفة، ولمحة ولم يستطيع أن يدقق أو يشاهد حركة للرسول الملك، فقد شاهد خطفة واختفى
الملك بعدها، فأقبل وأخذ أثراً من أثر الملك، والملائكة تتكون من الجسد كما شرحنا،
وهو مادة مجهولة وخطيرة على الإنسان لهذا قال السامري بعد فترة: "لا
مساس" من شدة الألم فعلها سببت خلالاً لجهازه العصبي أو سببت السرطان.
الخلاصة:
البصر جزء من العين، يختص في جمع
المعلومات وإرسالها للعقل لكي يحللها ويفهمها، والنظر هو توجيه البصر ناحية معينة،
والرؤيا هي الإبصار لمشهد متحرك وفعل لفاعل، كما سوف نرى في جذر رأي.
والبصير ليس الحكيم والثاقب، بل هو
الشديد الإبصار، وهو حسي وليس معنوي، فلا يوجد في القرآن اشتقاق معنوي من الإبصار،
فكلها حسية ويقصد بها المشاهدة المباشرة للشيء. والإبصار هو مشاهدة الصورة دون
الحركة، فإن استمر البصر في المشاهدة لشيء يتحرك فقد تحول إلى رؤية.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك