أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الغم والغمة والغمام في القرآن المكرم

الغم والغمة والغمام في القرآن المكرم

الغم لغة:

يقول أهل المعاجم، إن الغم واحد الغموم، وغممت الحمار إذا ألقمت فمه ومنخريه بالغمامة، وغممته أي غطيته، والغمة الكربة، وأمر غمة أي مبهم وملتبس، وغم عليه الخبر أي استعجم، وغم الهلال على الناس إذا ستر عنهم بالغيم، والغمغمة هو أصوات الثيران عند الذعر، وأصوات الأبطال في المعارك، والتغمغم هو الكلام غير الواضح ([1])

الغم في القرآن الكريم:

نلاحظ بداية أن الغم قد أصاب المقاتلين في معركة أحدٍ، كذلك أصاب موسى أثناء هربه، كذلك أصاب يونس وهو في بطن الحوت، فإما أن الغم شيء مادي محسوس، أو أنه شيء معنوي وتقول التفاسير إنه الحزن ([2])

ومن المعقول أنه يكون الغم هو الحزن، لكن الإشكالية أن الحزن ورد في القرآن عشرات المرات، فهل هو حزن خاص، أم يأس؟ أم هو شيء مادي وليس له علاقة بالمشاعر، ولكن نرفض أنه الحزن بسبب إشارة النصوص ذاتها ففي آية غم الصحابة، يذكر أن الله أثابهم غم بغم، والسبب لكيلا يحزنوا، فكيف الغم هو الحزن ثم لكيلا يحزنوا؟

بالطبع الغم ليس الحزن، بل هو شيء حسي يجب أن يكون حاضراً عند كل آية وقصة، فيجب أن يحضر عند الصحابة وموسى ويونس، وأصحاب النار. فما هو الغم؟  

غم موسى:

القرآن يقول أن الله أنجى موسى من الغم

{ فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ}  [طه: 40].

هذا يعني أن الغم مكان، فالنجاة لا تكون إلا في مكان، فهو انتقال من المكان الخطر إلى المكان الآمن كما شرحنا في المعجم، فهذا يعني أن الغم مكان خطر، أو به خطر، وسوف نتكشف أنه ليس مكان الغم هو الخطر، بل ما يرافقه من ظروف.  

إنه نوع من الظلام!

وقد أشارت كتب المعاجم إلى ذلك، فغممته أي غطيته، كما رأينا، وهذا ما حدث لموسى كان في غم أي مكان يستره عن أعين فرعون المطاردين، فكان بهذا في مكان خطر، لأنه في أي لحظة سيقبضون عليه، ولكن توفرت له الأسباب فاتجه نحو مدين، ولكن بتدخل من الله كما ذكر النص، فالغم هو المكان والنجاة هو الانتقال من مكان الخطر إلى مكان السلامة.

ولا يعقل أن يكون الغم هو الحزن، فلو كان ما به هو الحزن، لقال النص أزلنا ما به من حزن، ثم لا وقت لديه للحزن، فهو في خيفة ورعب من المطاردين.

غم الصحابة:

{ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ }  [آل عمران: 153].

{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }  [آل عمران: 154].

شرحنا معنى الثواب والإثابة والمثابة، وقلنا هو الانتقال إلى المكان المطلوب والمرغوب، فالصحابة بعد الارتباك الذي حدث في معركة أحدٍ، كما تسميها المرويات، اتجه جزء منهم إلى أعلى الجبل فالآية تقول "تصعدون" أي هم في صعود بعد أن التف عليهم الفرسان من الخلف، بعد أن تشاغلوا بالغنائم، فاضطر هؤلاء للصعود إلى الجبل، لأن مطاردة الفرسان لهم ستكون صعبة.

والرسول يناديهم لكن استمروا في الهرب.

فأثابهم الله غم بغم

أي أعطاهم المولى المكان الذي يطلبونه وهو الغم؟

والغم كما افترضنا هو المكان الذي يدس من فيه، ربما هناك أشجار أو هناك ظلام في كهف، أو أنه صادف وجود غمام وتراب، فدسهم مع اقتراب المعركة من غروب الشمس.

أما غماً بغم، فنرجح أنه غم مضاعف، أي ظلام شديد، فلعلهم دخلوا كهفاً، وقد قيل أن هناك كثف في جبل أحدٍ، وليس لدينا دليل مؤكد على أن المعركة المقصودة كانت في جبل أحدٍ، لكن ما يهمنا هنا هو أن الغم كان مضاعفاً وهذا له غرض.

هذا الغرض هو إدخالهم في الهدوء والسكينة، وقد شرحنا ذلك من قبل، فإن علم النفس يخبرنا أنه لكي تهدئ من شخص فعليك أن تضعه في مكان مظلم أو تغمض عينيه، لأن المؤثرات الحسية تزيد من خيفته وقلقه.

فالله يمن على هؤلاء -الذين اعترضوا على قتل بعضهم- أن الله هو الذي وجهكم بالإثابة أي بالتوجه للمكان المطلوب المرغوب، ثم جعل المكان غماً أي مظلماً يخفيكم من جهة، ومن جهة يجعل توتركم يزول، ثم تذكر الآية بعد ذلك أنه أنزل عليهم الأمنة التي كانت في شكل نعاس، لا يخشون مطاردة الخيول لهم، والتي يصعب عليها الحركة في قمم الجبال خاصة وأن الجبل ألف متر ارتفاعاً.  

ولا يمكن أن يكون الغم هنا هو الحزن، فكيف يثيبهم المولى بالغم على الغم، ثم يتناقض النص ويقول لكيلا تحزنوا. حاشا لله وحشاه النص المكرم، بل هو دقيق بلغ المنتهى في الدقة. ويزعمون أن إشاعة تقول أن الرسول قد مات، ولا أدري كيف تنتشر الإشاعات وقت المعركة والجميع حاضر فيها.

والرسول لم يصب في معركة أحدٍ، والقوم لم يحزنوا أو كما يزعم أهل التراث "لم يغموا" باعتقادهم أن الرسول قد مات، بل الرسول كان يناديهم كما تقول الآية، وكانوا يسمعون صوته، ولست أدري كيف يتكلم من كسرت أربعة أسنان من فكه، وسالت الدماء من فمه ووجه.

لكن الخيفة دخلت قلوبهم، فهربوا إلى الجبل فهم في صعود، وأثابهم الله أي جعلهم يصلون إلى مكان طيب، فيه غم، أي ظلام وقد يكون منطقة شجرية في أعلى الجبل، وقد يكون فيه كهف فدخلوا في ظلام، ومن خلال هذا الظلام تسلل إلى قلوبهم الأمن، حيث لن يصل إليهم الكفار.

ثم أصاب قوم منهم النعاس بعد شعورهم بالأمن مع هذا الغم أي الظلام، ولكن بعضهم عجز عن النوم لأنه حسب أن الله قد تخلى عنه، لاحظ أن النص يقول أن بعد الغم جاء النعاس، فقد يعني أنه بعد زوال الغم "لعله غبار وسحاب" انقسم الهاربون قسمين، قسم دخلته السكينة والأمن فنام قليلاً، وقسم ظل مرتعباً وزاد رعبه بعد زوال الغم الذي كان يستره.

هذه هي القصة باختصار.

غم يونس:

{ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ }  [الأنبياء: 88].

تقول الآية السابقة أن يونس دعا ربه فاستجاب الله، ونجاه من الغم!

وكما شرحنا في نجاة موسى، وقلنا أن النجاة هو الانتقال من المكان الخطير إلى المكان الآمن، فإن يوسف كان في بطن الحوت، لهذا سماه الغم، فالغم هو المكان المظلم الذي يستر ما فيه، فأنجاه الله أي نقله إلى مكان آمن سبحانه جل جلاله.

غم الكفار:

{ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ }  [الحج: 22].

الكفار يريدون أن يخرجوا من الغم، أي المكان المظلم، بسبب ما في النار من أدخنة وغبار، فكلما أرادوا الخروج، من الظلام، هبت عليهم النيران من كل مكان فأعادتهم إلى ذلك المكان المظلم. وقد شرحنا سابقاً أن أصحاب النار في حركة دائمة لا يتوقفون بين أقسام النار.

ما الغمة؟

{ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ }  [يونس: 71].

وردت لفظة غمة مرة واحدة فقط، في هذه الآية المكرمة، ويستحسن أن نعود لكتب التفسير فقد نجد شيء مفيداً

رأي أهل التراث:

يرون أن غمة يعني سوء، ويرى آخرون أن أجمعوا كيدكم ضدي، ولا تجعلونه بالسر، بل أمراً ظاهراً. وزاد أحدهم أن نوح قال لا تحتاجون إلى السرية في كيدكم ضدي، فلن استطيع الهرب منكم. ويرى آخرون أن نوح يقول لهم لا يكن حالكم عليكم غماً، ولعلهم يقصدون لا تحزنوا عند التخلص مني. ويرى آخرون أن نوح يقول لهم لا يكن حالكم بعد التخلص مني هو الكربة والكرب. ويرى آخرون أنه نوح يقول لهم كيدكم ضدي لا تجعلوه متلبساً مبهما بالنسبة لكم فلا مشكلة عليكم. ويقيل إن نوح يقول لهم لا يضيق صدركم بكيدكم ضدي ([3])

الرأي الصحيح:

نوح يستفزهم ويدعوهم للاجتماع ضده كي يوقعوا بنوحٍ ويتخلصوا منه، ويبدو أن هناك شركاء لهم في هذه الجريمة، كما يبدو أنهم نفذوا الأمر كما تقول آية آخرى { وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا كُبَّارٗا }([4]) أي فعلوا الأمر غُمة أي بالدس والمكر ومخفي عن بقية الناس.

هو نصحهم ألا يكون هذا التآمر غمة عليهم، أي مخفياً بعمل سري لا ينفذه إلا قلة ولا يعلمه البقية الباقية، فاجتمعوا بكل صدق وصراحة، كلكم وليس فرقة، أي ليكن عملاً في رابعة النهار، يعلمه الكل حتى العامة، طالما أنكم ترون أنكم على حق وأنا شيطان مريد.

ومهما كان مقصد نوحٍ فإنه عليه السلام، يشير بالغمة إلى التعمية، والخفاء، والدس، فكما أن الغم وهو المكان المظلم يدس ما فيه، فإن الغمة تدس ما فيها من معنويات وليس ماديات كما الغم.

فالغم هو المكان المظلم الذي يدس ما فيه، أما الغمة فهي الأعمال والأفعال المظلمة أي تخفي ما خلفها من أغراض مكراً وخداعاً. أو هي الأعمال المخفية التي حيكت في الظلام والدس.

 

ما الغمام؟

{ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ}  [البقرة: 57].

{فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ َ }  [الأعراف: 160].

{يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ }  [البقرة: 210].

{ وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا }  [الفرقان: 25].

 

ورد الغمام في أربع آيات مكرمات كما بالأعلى، اثنتان منها تتكلمان عن إحسان الله على اليهود بأشياء كثيرة منها الطعام والغمام واستخراج الماء من الحجر.

وما يهمنا هو أن ندرك أن الغمام كان نعمة عليهم، وأنه ظل، فندرك حينها أن الغمام هو كل شيء يعطيك الظل، فصار المكان غماً، أي يدس ويستر من فيه، وهنا من الواضح أنه كان يحميهم من الشمس، وهو السحاب نفسه، ولكن يبدو أنه كثيف جداً، وليس مجرد سحاب عادي.

وقد يكون الغمام شيء آخر، لأن المولى جل جلاله يوم القيامة، لن يتجلى للبشر والأرض بسبب الغمام الفاصل بين الطرفين، كما تقول الآية بالأعلى، فقد يكون الغمام هو الدخان والأتربة والسحاب، الذي يظهر يوم القيامة بعد انفجار ودمار الأرض، فكل ما يدس ويخفي الشيء فهو غمام، فالغمام ما يؤدي إلى الغم أي المكان المظلم المظلل.

أما تشقق السماء بالغمام، فهي تتكلم عن حضور الله كما في الآية السابقة، ولكن تركز الرؤية على منظر آخر، وهو تشقق السماء بالغمام، والسماء كما قلنا هو الغلاف الجوي للأرض، وتشققه وارد فالغمام من جنس هذا الغلاف، ولكن يبدو أنه بقوة أكبر تجعله قادراً على تشقيق الغلاف.

الخلاصة:

وبهذا نصل إلى أن  الغم هو المكان المظلم الساتر، وقد يكون مكان جيد وقد يكون سيئاً، فموسى كان في الغم أي في مكان ساتر، ولكن مطارديه جعلوه في خيفة ورعب فصار الغم أي مكانه خطير عليه. كذلك يونس كان في الغم أي مكان مظلم لكن خطير عليه، كذلك أصحاب النار. أما الصحابة فكانوا في مكان غم، لكنه حسن بالنسبة لهم، فقد حماهم من المطاردة، وقد أدخل الهدوء إلى أنفسهم لأن الظلام يفعل ذلك بالمرتعب.

أما الغمة فهي الشبيهة بالغم، لكنها معنوية، فالغمة فهي العمل الذي يخفى عن الاخرين أو العمل الذي يخفي غايته وخطته.

أما الغمام فهو ما ينتج الغم، وقد ذُكر في القرآن وقصد به كل ما ينتج الغم أي المكان الذي فيه ظلام يخفي ما فيه، مثل السحاب والغبار والدخان.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 



([1]) «جمهرة اللغة» (٢/ ١٠١٢): «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (٥/ ١٩٩٧): المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1606)

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (5/ 622):

([3]) «تفسير الطبري» (12/ 232):«موسوعة التفسير المأثور» (11/ 116): «تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة» (4/ 348): «التفسير الوسيط - مجمع البحوث» (4/ 120):

([4]) [نوح: 22].

ali
ali
تعليقات