صعد في القرآن المكرم
صعد
لغة:
أصل صحيح يدل على ارتفاع ومشقة. والصعود
خلاف الحدور. والصعود هي العقبة الكؤود. والصعدات هي الطرق وواحدها صعيد. وقيل، بل
الصعيد هو وجه الأرض. الصُعداء هو التنفس بتوجع. والصعود من النوق هي التي يموت
حوارها. وتصعدني الأمر إذا شق علي. وأصعد في البلاد أي ذهب أينما توجه. والصعدة من
النساء المستقيمة القامة. والصعدة هي القناة المستوية التي لا تحتاج إلى تثقيف.
وجبل مصعد أي مرتفع عالٍ. وعنق صاعد أي طويل([1])
الصعد
في القرآن:
نتعجب من أصحاب المعاجم، كيف فاتهم
المعنى الواضح للآيات، فالصعود عكسه الهبوط والهبوط كما شرحنا هو النزول من مرتفع،
بزاوية منحدرة، فالارتفاع ليس عكس الهبوط، بل هو عكس الانخفاض، وهو سقوط رأسي عامودي،
أما الصعود والهبوط فهو حركة بزاوية 45 درجة ميلاً، وبهذا تتضح كل الآيات على معن
واحد وهو الحركة بهذه الزاوية، ونجد كل الآيات التي ذكر فيها هذا الجذر منسجمة
ومتفقة مع هذا المعنى.
الصحابة
يصعدون:
{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا
تَلْوُنَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَىٰكُمْ } [آل عمران: 153].
شرحنا عدة مرات ما حدث في معركة أحدٍ
وقلنا إن الصحابة الرماة كانوا في على جبل عينين أو جبل الرماة، فهبطوا لكي يأخذوا
الغنائم، فانقض عليهم خالد بن الوليد، فهربوا صعوداً إلى الجبل المقابل وهو جبل
أحد. ولأن جبل أحد مائل مثل كل الجبال، فإن القرآن سمى حركتهم بالصعود. لاحظ أن
صعودهم للجبل للنجاة من الفرسان لأن حركة الخيل في الجبل صعبة.
الصعيد
الطيب:
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا
طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43].
{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [المائدة: 6].
اشترط الشارع لصحة التيمم شرطين هما: أن
يكون صعيداً ويكون طيباً، فأما الطيب فهو التربة النظيفة كما يبدو، وأما الصعيد
فهذا يعني ليس كل الأرض تناسب، ونجزم أن الصعيد هي التلة أو الجبل المائل، ذلك لأن
هذا الميلان لا تبقى فيه فضلات الحيوانات، فهي تهبط مع هطول الأمطار، كذلك لأن
العادة في تلك البهائم أنها لا تضع قذارتها هناك لصعوبة الأمر هناك لميلان الأرض.
لهذا نؤكد أنه لا يصح التيمم في الأرض المنبسطة وإن بدت نظيفة، بل يجب أن يكون
التيمم من تلة مائلة، لأنها أكثر قرباً للنظافة كما شرحنا.
يصعد
في السماء:
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ
ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
شبه المولى ضيق صدر الضال كمن يصعد في
السماء، وقد دلت الأبحاث الحالية أنه كلما صعدنا كلما قل الأوكسجين، وقد تكون هذه
الآية إعجازية، وثبتت بعد تطور العلم ومعرفتنا بهذه الحقيقة، ولكن قد يكون الأمر
أبسط من ذلك أو لنقل أن لهذا النص مستوى من المعنى عميق ومعجز، ومستوى بسيط، وهو
يتمثل لو افترضنا أن الإنسان يصعد إلى السماء فإنه سيتعب كثيراً فلو صعد إلى قمة
جبل انقطع نفسه فما بالك لو صعد إلى السماء أي مزيد من الصعود، فهذا حال من يضل عن
الحق، فنفسه مقطوع لصعوده ولقلة الأكسجين.
الأرض
الصعيد:
{ وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } [الكهف: 8].
يقول أهل المعاجم أن جرز يعني القطع.
وجزرت الشيء قطعته. وسيف جراز أي قطاع. وأرض جرز لا نبت بها، وأرض مجروزة هي التي
أكل نباتها ([2]) أما المفسرون فيرون أن الجرز يعني الخراب، وقال آخرون ليس فيها نبات ([3])
ويرى
المفسرون أن الصعيد يعني المستوي أو الأرض المستوية، ويرون أن الصعيد يعني التراب،
وليس أي تراب فالبطحاء الغليظة ليست صعيد والرقيقة كذلك والكثيب الغليظ ليس صعيد. وينقلون
عن الخليل أنه ذكر في كتابه: "تيمم بالصعيد أي خذ من غباره" والعرب تقول
لظاهر الأرض صعيد. ويقولون: ذهب السهم صعداً" . ([4])
نعود إلى شرح الآية، فالآية تشرح منظر من
مناظر يوم القيامة، فالبشر يفيقون على أرض جيدة للحياة، يستمرون فيها لفترة، وهم
لا يدركون حقيقتهم لأنهم فاقدوا الذاكرة، ثم فجأة يتغير كل شيء عند قيام الساعة
وهي كوارث هائلة تسبب أن الأرض تصبح صعيداً جرزاً، وحسب فهمنا لمعنى صعيد، فهي
ستكون أرض مائلة مع عدم وجود زرع وحياة، كما شرح أهل التراث لكلمة جرز، وهو تفسير
معقول، فهم في صعوبتين فالأرض مائلة يجب أن يصعدوا فوقها، لأن الأوامر جاءتهم أن
يتجهوا نحو المحشر، وهم في أرض قفر جرز، لا حياة فيها ولا ماء.
وفي الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم،
قوله: "يجمع الناس في صعيد واحد" ([5]) وزعموا في الشروحات أنها أرض منبسطة، وهذا غير صحيح، فالبشر ليسوا
سواسية عند الله ففيهم المقربون وفيهم السابقون وفيهم العليون، أي أنهم على قمة
جبل هائل وعظيم يحوي كل البشر، قد أنشأ من جديد بعد دمار كثير من جبال الأرض، هذا
الجبل قادر على أن يجمع البشر كلهم، وأعلى هذا الجبل هو الأعراف الذي يسكن فيه المؤمنون
مؤقتاً إلى أن يحين دخولهم الجنة، ولهذا يطلب الكفار منهم أن يعطوهم من الماء
والطعام وهم أسفل منهم.
هذا المنظر أكدته الآيات المبجلات، فصار
المنظر واضحاً، هناك جبل هائل ممتد يحوي كل البشر، سيكون بالأعلى منه العليون
وسيكون الأشرار في أسفله.
الصعيد
الزلق:
{وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا }
[الكهف: 40].
هذا كلام صاحب ذلك الغني الجاحد، الذي له
جنة عظيمة، فحذره من ذلك وقال قد تصبح جنتك صعيداً زلقاً.
فلماذا يحذره من الصعيد، وهي أرض مستوية
حسب كلامهم، إن استواء الأرض يجعلها مناسبة للحرث والزراعة من جديد؟
بل هو يحذره من أن تتحول أرضه إلى تعرجات
جبلية وتلال، فتصبح صعيداً وليست أرضاً مستوية صالحة للزراعة، بالإضافة إلى كونها
تصبح زلقة لا يمكن الوقوف عليها، ولا يحدث الانزلاق إلى مع الميلان خاصة. ونرجح أن
تلك الجنة كان بجوارها أحد الجبال فلما سقط المطر، تم ردمها بانهيارات جبلية
هائلة، فصارت أرض صعيدة مائلة لا تصلح للزراعة.
لماذا
سمي الصعيد بمصر بهذا الاسم؟
ليس لأنها مستوية، بل لأنها مرتفعة وفيها
ميلان، فكلما اتجهنا جنوباً من الإسكندرية مثلاً إلى أسوان، فنحن في صعود، والقاهرة
تبلغ ارتفاعاً 60م من سطح البحر، بينما تبلغ أسوان 200 ارتفاعاً عن سطح البحر،
ولولا هذا الميلان لما جرى نهر النيل. ولهذا فإن العرب الأوائل أطلقوا عليها
الصعيد أي الأرض المائلة بارتفاع. وهذا دليل جغرافي يؤكد معنى الصعيد.
يصعد
الكلم:
{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُ}
[فاطر: 10].
تتحدث الآية عن العزة ومن طلب العزة
فعليه أن يقول الكلم الطيب ويعمل الصالحات، لكن العمل الصالح أسرع في الوصول،
فالله يرفعه والرفع أسرع من الصعود، فالصعود يكون بمشقة كصعود الجبل، لكن العمل
الصالح، فهو يطير في الأعلى، والمقصد أن صاحب العمل الصالح يرفعه الله، وشرحنا
معنى الرفع وهو المكانة والتقدير والتي هي تولد العزة. وفي هذا حث على العمل وليس
مجرد الكلام والنصائح، فهي وإن كانت جيدة فإنها لا ترقى إلى العمل.
الصعود
في النار:
{ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ
رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } [الجن: 17].
{ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا
} [المدثر: 17].
شرحنا سابقاً سورة البروج، وقلنا هي حفرة
طولية ممتدة، يقع فيها الكفار ويريدون الخروج منها، لأن العذاب فيها أشد من بقية
الأماكن. أنظر لتفسيرها في الموقع. وهنا تؤكد الآيتان هذا الحال، فسيرهق الكافر
لكي يصعد ولكما صعد انحدر من جديد.
أما الآية الأولى، فيرى المفسرون "صعدا"
هو جبل في جهنم، ويرى آخرون أنه يعني مشقة من العذاب، ويزعم محمد الكلبي أن المقصد
في آية "سأرهقه صعودا" هو الوليد بن المغيرة، يصعد في النار جبلاً من
صخرة ملساء وكلما بلغ أعلاها يتم سحبه بالسلاسل، فيسقط من جديد ([6])
وهذا
يعني أنها نفس الأخدود المذكور في سورة البروج، فالآية تصور الأخدود وأنهم في حفرة
طويلة ممتدة، وأن الكفار يريدون الخروج وليس أمامهم إلا الصعود، فالحفرة فيها
ميلان وكأنها جبل، فكلما صعدوا انحدروا.
الخلاصة:
الصعود عكس الهبوط، فإذا كان الهبوط هو
النزول بزاوية 45 درجة بوجود وسيط هو الجبل، فإن الصعود هو عكس الاتجاه بنفس
الزاوية. والصعيد هو الأرض المائلة بنفس هذه الزاوية، والجبل، صعيد مثل التلال
الكبيرة وغيرها. والتيمم يكون على أرص صعيد مائلة لأنها أكثر نظافة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك