الدابة في القرآن المكرم
دبب
في المعاجم:
الدبيب أي مشى ولم يسرع. ودب الشيخ أي
مشى مشياً رويداً. ودب القوم إلى العدو أي مشوا ولم يسرعوا. وغلام يدبب أي يدرج في
المشي رويداً. والدبة أي الضرب الذي عليه من الدبيب. ودب الشراب في الجسم أي تغلغل
فيه وسرى ومثله دب السقم. ورجل دبدوب أي نمام. وعقاربه تدب أي يسعى بالنميمة. وكل ماش على الأرض دابة ودبيب. والدابة ما يدب
من الحيوان. وناقة دبوب أي لا تكاد تمشي من كثرة اللحم. والدبوب هو السمين.
والدبّة هو الموضع الكثير الرمل. والدب سمي بذلك لأنه بدين ثقيل الحركة. والدبب هو
الزغب في وجه المرأة. وامرأة دبّاء أي كثيرة الشعر في جبينها. ودب النمل مشى بلا
عجلة ([1])
الدابة
في القرآن:
ذكر جذر الدبب في القرآن 18 مرة، وبعد أن
وضعنا الافتراضات، وجدنا أن الدواب هو كل كائن حي يدب على الأرض، ومن ضمنها
الإنسان، وإليك الأدلة:
الطير
ليس من الدواب:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ
إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام : 38]
لو كان الطير من الدواب لقال دابة
واكتفى، ولكن كما يبدو أن الطير ليس من الدواب، لأن معظم حركته بالطيران، ويبدو
أنه لم يقصد كل الطيور، بل الطير الذي يطير بجناحيه، فهو ليس من الدواب، فأما
الطيور التي لا تطير أو معظم حركتها بالسير على الأقدام، مثل النعام والدجاج
والبطاريق، ليست من تلك الطيور وإن كانت قبل ملايين السنين تطير كما تقول علوم
الحيوان.
وقد يسأل سائل لماذا خص دواب الأرض وطير
السماء بأنهم أمم أمثالنا ماذا عن بقية الدواب؟
نرجح
أن الإنسان يحسب أن تلك الكائنات وهي هنا الحشرات والدود والطيور، لا تنتظم وفق
معيشة أممية، وأنها كائنات منفردة ليس عندها ضابط أممي، كذلك الطيور، فيحسبها تعيش
حياة منفردة إلا فترة التزاوج.
الناس
والدواب والأنعام:
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}
[فاطر : 28]
قد لا يعني هذا أن الناس والأنعام ليسوا
من الدواب، لأنها تمشي على الأرض مثل بقية الدواب، لكن هناك آية تقول أن الأنعام
سماوية
ﵟوَأَنزَلَ
لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ ﵞ [الزمر: 6]
فهل هذا يعني أن الأنعام التي نراها في
الأرض ليس من سلسلة الدواب الحيوانات، وكذلك الإنسان، فهو في أصله سماوي؟ أم أنه من باب ذكر الخاص بعد العام لغرض التنبيه،
لأهمية الخاص وهو الإنسان والأنعام؟
نرجح أن الأنعام والبشر من الدواب، كما
سوف يظهر لنا من الآيات التالية، وذلك لخصوصية معنى الناس ومعنى الأنعام، فالناس
في القرآن-ومفردها إنسان- هم علية البشر ورؤسائهم وكذلك الأنعام فهي من الدواب
المتميزون بالفائدة العظيمة.
حشر
الدواب والوحوش:
{ وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ }
[التكوير: 5].
يرى أهل التراث، أن حشر البهائم يعني
موتها، ويرى آخرون أنها سوف تُحشر، ثم تحاسب ويقضى بينها، ثم تتحول إلى تراب،
وليست أدري لم كل هذا العناء، فلو خيرت تلك البهائم "المظلومة" لما
طالبت بالاقتصاص الذي يليه الموت المباشر. ويرى ابن عباس أن كل شيء سيحشر حتى الذباب.
العجيب أن الغزالي يرى أنها لن تحشر لأنها ليست أهلا للكرامة! ([2])
ونرجح
أن الوحشي في ذلك الزمان هو الإنسان، فالعشار عُطلت أي طبيعة الإنسان العشرية أي
قدرته على المعاشرة مع البشر، تتعطل، فيتحول إلى وحش أي متوحش لا يحب مخالطة
الآخرين، وكذلك بقية الكائنات العشرية، سوف تتعطل فيها هذه السمة.
لكن هذا لا ينفي أن الكائنات الحية ستُحشر
معنا، أو بجوارنا لقوله تعالى:
ﵟوَمَا
مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ
أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ
يُحۡشَرُونَ ﵞ [الأنعام: 38]
ﵟ
وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن
دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞﵞ [الشورى: 29]
فهنا أوحى النص إلى احتمالية كبيرة لحشر
الدواب، وهذا يعني أنها تملك بعض الإرادة والمسؤولية عن أفعالها، أما القضاء عليها
فهذا بعيد. وما يهمنا هنا أن نبين أن الوحوش هم البشر الذين توحشوا أي عُطلت فيهم خاصية
"العشرة" فالوحوش ليست المفترسات، بل البشر الذين يتوحشون يوم القيامة
لفترة، أي يفقدون قدرتهم الاجتماعية ثم تعود بعد دخول الجنة.
وما يهمنا هو أن نبين أن الدواب والطير هم
الذين يحشرون يوم القيامة، وهذا يعني أن البشر من الدواب، وبهذا يتبين لنا كذلك أن
الأنعام من الدواب التي تدب على الأرض، فلا يهم التركيبة الجينية الوراثية، بل المهم
هو طريقة الحياة فهناك من يطير وهناك من يدب على الأرض.
دابة تأكل الخشب:
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ
إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ
أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}
[سبأ : 14]
لا يهمنا ما هي المنسأة، ولكن يبدو أن
سليمان كان يتكأ عليها، أو يجلس، ومن المؤكد أنها مصنوعة من الخشب وليس الحديد فلا
نعلم حشرة تأكل الحديد. وهناك النمل الأبيض وهو ضار جداً بالخشب يتغذى عليه، كذلك
هناك خنافس يطلق عليها سوس الخشب، تقوم يرقاتها بأكل الخشب من الداخل مثل النمل
الأبيض.
وما يهمنا في بحثنا هذا أننا تأكدنا أن
الحشرات من ضمن ما يطلق عليه (الدابة) فالحشرات من الدواب. ونرجح أن القرآن خصها
باسم دابة الأرض، أي الدابة التي تقترب من الأرض، أو تعيش في جوف الأرض، وقد تكون
بقية الحيوانات من الدواب لكنها ليست من دواب الأرض.
دابة
من الأرض:
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل
: 82]
لو قال النص دابة الأرض، لكانت تلك
الدابة معلومة للناس، ولكن يبدو أنها دابة جديدة، وهي دابة من الأرض أي حشرة أو
دودة، وفي كتابنا فسرنا معنى "تكلم" أي تجرح، فهي حشرة تجرحهم، وذلك لتجعلهم
يهربون إلى المحشر للنجاة.
هود
والدابة:
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ
إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود :
56]
يرد النبي الكريم هود على قومه فيقول لهم-كما
فهمنا- إن الله يتحكم بكل الدواب، فيسوقوها حيث شاء ويحميها ويحفظها، وهذا يعني أن
هود نفسه من الدواب، فهو في حفظ الله وحمايته من غدر قومه ونيتهم في قتله.
الدواب
تسجد:
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ
دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل : 49]
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج : 18]
ﵟوَلِلَّهِۤ
يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم
بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ﵞ [الرعد: 15]
تذكر
الآيات سجود كل الكائنات التي في السماء والأرض ومنها الدواب، وفي آية ذكر الدواب
وذكر الناس، وهذا لا يعني إلا التخصيص وذلك لميزة الناس عن بقية الدواب، بل عن
بقية البشر، وهو أنهم رؤساء البشر ونخبتهم، وهذه الفئة لا تحب السجود، بل تريد من
يسجد لها، فذكرهم هنا ليؤكد أن بعضهم يسجد لأن فيه الإيمان، والبقية منهم يسجد
كرهاً.
شر
الدواب:
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ
لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال : 22]
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ} [الأنفال : 55]
ﵟأَمۡ
تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا
كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ﵞ [الفرقان: 44]
في آية الدواب يبين أن بعض البشر هم شر
الدواب، ولم يقل هم كالدواب الشريرة، وذلك لأنهم فعلاً هم دواب مثل بقية الدواب
التي تدب في الأرض، ولكن حين نعتهم بالأنعام، ذكر أنهم كالأنعام ذلك لأن البشر
ليسوا أنعام، بل سلوكهم كالأنعام. وبهذا يتأكد لنا أن البشر من الدواب وقد ذكرهم
بأصلهم، فهم يسقطون ويتحولون إلى أصلهم في السلوك، فهم دواب وليسوا بشراً عقلاء.
الناس
والدابة:
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا
مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل : 61]
يقول النص إن المولى لو استعجل على البشر
حسابهم، وخاصة الناس، لقضى على كل الدواب، أي لأفنى الحياة في الأرض ﵟكُلُّ
مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ ﵞ([3])
لكن المولى يؤخر الظلمة إلى يوم القيامة، وبهذا يتبين لنا أن البشر
ورؤسائهم الناس، من ضمن الدواب التي تدب على الأرض.
كما أنه يعيد أصل البشر إلى كونهم دواب، فيذكرهم
بأصلهم، فهو يقول لهم أنتم ظلمة لأنكم في الأصل دواب(أي كالبهائم) فلو استعجل
القضاء عليكم يا دواب الأرض الظلمة لما بقي أحدٌ من الناس، لأن معظم الناس ظلمة
وهم رؤساء البشر وقادهم.
الدواب
والمستقر:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود : 6]
هذا الآية تشي كذلك أن البشر من الدواب،
فالقرآن تكلم كثيراً عن البشر ورزقهم ومستقرهم ومستودعهم.
الدابة
من الماء:
{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي
عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي
عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ} [النور : 45]
كذلك الدواب مخلوقة من الماء، وكذلك
الإنسان، وهو يمشي مثل بقية الدواب وهو يمشى على قدمين وكذلك بعض الحيوانات
كالكانغر والنعام والدجاج.
دابة
لا تحمل الغذاء:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا
وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت : 60]
الآية لا تنفي عن البشر نعت الدبيب، فهم
من ضمن الدواب، ولكن هناك دواب لا تحمل رزقها، والبشر ممن يحمل الرزق أي الأكل
أثناء تنقلهم.
الخلاصة:
كل الكائنات التي تمشي على الأرض هي من
الدواب، وحتى البشر من الدواب، فهم مجرد دابة تدب على الأرض، لكن البشر لهم
خصوصية، وهي العقل والإرادة العظمى، فإن بدا أن الدواب هي من تدب على الأرض ومن ضمنهم
البشر، فإن للبشري خصوصيته النسبية، وكأنه ليس من الدواب بسبب الإرادة والعقل والقدرة.
وأن هناك دواب خاصة، هي دواب الأرض وهي
الحشرات والدود، ويسميها القرآن “دابة الأرض" وهي التي أكلت الخشب الذي يستند
عليه سليمان فسقط. ومن الدواب دابة جديدة من نوعها، تخرج يوم القيامة تكلم الناس
أي تقرصهم لكي يهربوا منها إلى المحشر.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك