توزيع الأموال في زمن الرسول والخلفاء
تضرر المهاجرون إلى المدينة ضرراً كبيرا
مادياً ومعنوياً بسبب ترك بلادهم وأموالهم، ومن هؤلاء الرسول عليه السلام فقد
استولى على دياره عقيل بن أبي طالب كما تزعم المرويات.
لهذا كان القرآن يقدمهم في الأعطيات
للتعويض عن هذا الضرر، ولأنهم أكثر من شارك في تأسيس الدولة الإسلامية.
{ وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ
مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ} [النساء:
100].
{ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ
ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ } [التوبة: 20].
{ لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن
دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ} [الحشر: 8].
بل تؤكد آية أن أهل المدينة انقسموا قسمين
تجاه سكان المهاجرين
ﵟوَٱلَّذِينَ
تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ
إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ
وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ
شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَﵞ [الحشر: 9]
فئة تحب المهاجرين وتنفق عليهم ولا تغضب
لو زيد لهم في العطاء، وفئة على عكس ذلك وهذا الأمر لا يخص أهل المدينة وحدهم، بل
القبائل التي شاركت في الفتوحات، فترى أن الأعطيات لهؤلاء المهاجرين لا حق لهم
فيها.
وتشير بعض الآيات إلى وجود ما يشبه الحسد
والغل عند بعض المتأخرين في الدخول في الدين الجديد
ﵟوَٱلَّذِينَ
جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا
ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا
لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌﵞ [الحشر: 10]
ومشكلة الأعطيات تبدو قديمة ومن زمن
الرسول عليه السلام، وفي المرويات أن أحد الأعراب اعترض على تقسيم الرسول للغنائم،
فبين الرسول أن هذا المعترض، يخرج من الدين، هو وأتباع له ([1]) وهو ما أطلق عليهم التاريخ
اسم الخوارج. ونحن لا نصدق هذه الرواية ونجزم أن الرسول لن يقول بهذا، ولكن هي
تشير إلى مسألة النزاع حول توزيع الأعطيات
كانت قديمة وقد ذكرها القرآن.
وكانت سياسة الرسول في الأعطيات على حسب
الحاجة، فمن كان متزوجاً أعطي حظين ومن كان أعزباً أعطي حظاً واحداً ([2]) وقد تكون القسمة حسب العمل والإنجاز، فتزعم المرويات أن الرسول كان يرضخ
للنساء المداويات في المعارك ([3]) والرضخ هو العطاء القليل. وكذلك تؤكد الآيات عدم صحة المساواة بين
العامل والخامل.
ﵟلَّا
يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ
وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ ﵞ [النساء: 95]
فلما جاء أبو أبكر ساوى في الأعطيات بين
الجميع، فقيل له في حق المهاجرين والأنصار وسابقتهم في الفتوحات، فقال: " أجر
أولئك على الله، إن هذا المعاش الأسوة فيه خير من الأثرة " ([4]) لكن عمر بن الخطاب رفض هذه الطريقة وقال: " لا أجعل من قاتل رسول
الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه " ([5])
فلما تولى عمر وكتب الدواوين أي قائمة
بأسماء المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن يستحق المال وكم يستحق، فزاد للمهاجرين
والبدريين، وقد اعترض ابنه عبدالله بن عمر، على قسمته التي هي أقل من قسمة بقية
المهاجرين، فرد عليه أنه لم يكن مهاجراً بالفعل، بل سافر مع والديه فقط لصغير سنه،
وفي رواية أنه أصر على أن يتساوى مع المهاجرين فأشار عمر لصاحب الديوان أن يعطي
عبدالله نصيب عمر وأن يأخذ عمر نصيب ولده عبدالله، فرفض عبدالله فأقسم عمر ألا
يأخذ هو وابنه بمقدار واحد مثل المهاجرين.
واستمرت سياسة عمر في خلافة عثمان رضي
الله عنه، ولعله توسع في الأمر، كان يجب إيقاف طريقة عمر رضي الله عنه، لتوقف
الحاجة إليها، فقد ظهرت أجيال جديدة وظهر عمال جدد يعملون ويجاهدون يحق لهم ما يحق
للقدماء.
ونجد علي بن أبي طالب يساوي بين العرب
والموالي، حتى ان امرأة عربية اعترضت أن تتساوى مع الموالية في العطاء، فبين لها
أن القرآن لا يفرق بين البشر، أو كما قال بين بني إسماعيل وبني إسحاق ([6])
وسياسة عمر في التوزيع صائبة وكذلك علي،
ذلك أن عمر يريد تعويض من خسر كثيراً في أثناء الفتوحات والهجرة، وليس لأنها سياسة
دائمة، فلما ذهب جيل المهاجرين أو نالوا ما يكفي من تعويض، أوقف علي بن أبي طالب، هذه
السياسة واستبدلها بالمساواة، حيث الجميع الآن سواسية في العطاء.
هذه ما تقوله المرويات إن صحت، وما يهمنا
أن نقول أن هذه السياسية التي أقرها علي هي الصائبة بعد الاستقرار، وحصول جيل
المهاجرين على حقهم في زمن عمر.
ويبدو أن سياسة عمر استمرت مع عثمان رضي
الله عنه، فلم يشأ أن يوقفها لأنها مؤقتة، فاستمرت قريش تأخذ أكثر من غيرها، وربما
زاد الأمر واستفحل، فسببت نقمة من بعض القبائل القوية التي كانت تشارك بقوة في
الفتوحات، فصار لها حجة شرعية في المساواة مع القدماء أو حتى الزيادة عليهم.
والمقصود من هذا المقال أن نبين أن
التفاوت الطبقي خطير ومدمر، وهو السبب في اقتتال المسلمين الأوائل وتشرذمهم وظهور
الطوائف التي بينها من العداوة ما يعادل العداوة بين فرق أهل الكتاب أو قد يزيد
عليها، ويسيمه القرآن بمصطلح "البغي" أي بالاستيلاء على المال دون وجه
حق. هذا البغي والظلم هو الذي مهد لتشرذم المسلمين إلى فرق متقاتلة، اجترحت عقائد
جديدة نكاية في خصومها.
فعلى الدول الذكية أن تراقب هذا التفاوت
وتحد منه قدر المستطاع، ونلاحظ اليوم أن الغرب يتجه نحو التفاوت، بعد تآكل الطبقة
المتوسطة لديهم مما يؤذن بحروب أهلية بسبب النظام الرأسمالي المتوحش. ولهذا سيجد الإسلام
أرضاً مرحبة به، يدخل كثير منهم في الدين أفواجاً ذلك لضعف دينهم وكذلك نكاية بدين
الرأسمالية الظالم.
وفي الختام نقول: إنه لا يهمنا صحة هذه
المرويات فحتى لو كانت كلها مختلقة فهي تعبر عن وجهات النظر المختلفة في توزيع
الثروة، فهل توزع على حسب القرابة والصلة مع الحاكم أم توزع على حسب العرق والنسب،
أم توزع على حسب الجهد والحاجة؟ فنجد أن أسلم وأصح طريقة هي التوزيع على حسب الجهد
وعلى حسب الحاجة وإلا فإن التشرذم والضعف مصير الدول الظالمة، والقرآن يحذر من
مخالفة ذلك، ولهذا نرى أن الرسول والخلفاء قد طبقوا التوزيع بالجهد والحاجة، وأن
هذه المرويات قد اختلقت عليهم لإضفاء الشرعية على ظلم من جاء بعدهم من أمويين
وعباسيين وبقية الدويلات.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك