أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

صور في القرآن المكرم


 

صور في القرآن المكرم

صور في المعاجم:

صور معاني كثيرة، ليس لها باب قياس أو اشتقاق. وصور يصور إذا مال. وصرت الشيء وأصرته إذا أملته إليك. والصورة هي صورة كل مخلوق، أي هيئة خلقته. ورجل صير إذا كان جميل الصورة. والصور هو جماع النخل. والصوار هو القطيع من البقر. وصوار المسك أي ريحه أو وعاؤه. والصورة هي الحكة تصيب الرأس. وعصفور صوار أي إذا دعي أجاب. والصور هو شعر الناصية من الفرس. والصارة أرض ذات شجر. وصورا النهر أي شطّاه. والصواران هما جانبا الفم. وصار الرجل عنقه إلى الشيء أي أماله. والقرن يطلق عليه الصور لأنه معوج ([1])

الصور في القرآن:

تخلط المعاجم بين الصر والصرصرة وبين الصور، فيرون أنهما شيء واحد، وقد درسنا الصر والصرصرة، وبينا أنه التكرار، تكرار الصوت، وقد كان إبراهيم يصر طيوره أي يكرر نطقه للكلمة عند تغذيتهن مثلاً حتى يعتدن ذلك وفق نظرية التعلم الشرطي المعروفة، فكن يستجبن لصره أي تكراره للكلام.

أما الصور فليس لها علاقة مطلقا بالصر والصرصرة، فما هي الصور بالضبط؟

التصوير يلي الخلق:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف : 11]

{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر : 24]

لا يرد التصوير إلا بعد الخلق، وفي الآية الثانية كان الخلق ثم البري ثم التصوير، وقد شرحنا معنى الخلق وهو تحويل المادة الداخلية تحويلاً جذرياً، ثم بعد ذلك حدث البري، لهذا المتكون الجديد، ولعل البري هو تحديد طول وعرض الشخص، كما يبرى القلم، ثم يليه التصوير، ونرجح أنه تحديد ملامح الوجه والرأس والجمال والوسامة أو القبح، فهي أهم ما في البشري، وهي التي تحدد جماله من قبحه. فإذا كان صورة البشري هي وجهه ورأسه، فهل هناك تأييد للنصوص في ذلك.

الصورة وحسنها:

{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } [غافر : 64]

{ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن : 3]

من البعيد جداً أن تكون الصورة هي أمعاء البشري أو عظامه أو خلافهم، فتلك أجزاء لا جمال فيها، بل فيها النفع والفائدة، ولهذا فإن الحسن يبحث عن الجمال

{وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ}  [الأحزاب: 52].

فالحسن لا يكون إلا في الوجه والرأس، أو هو أعظم ما يبحث عنه الإنسان، فيلفته الوجه الجميل ذو التقاسيم الجميلة. وقد درسنا الحسن وقلنا هو ما تستحسنه النفس البشرية، من أفعال أو أشكال.

تركيب النفس على الصورة:

{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار : 8]

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران : 6]

الكلام هنا موجه إلى الإنسان ودعنا نسرد الآيات للتوضيح

ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ 6 ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ 7 فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ﵞ [الانفطار: 6-8] 

فيخبر هذا الإنسان المغرور، أنه خلقه فسواه فعدله، ثم صور هذا الإنسان، وركب نفسه على هذه الصورة ، أي أنه بعد كل المراحل حتى انتهى من التصوير، قام جل جلاله بتركيب النفس على هذه الصورة، فالصورة هي ختام التكوين المادي للبشري، فإذا اكتمل ركب المولى نفس هذا البشري- وهي تلك المادة المخفية المجهولة- على ذلك الجسم، فبدأ حياته في تلك اللحظة.

وهذا يعني أن النفس موجودة في جمجمة البشري، راكبة عليه ركوباً مثل ركوب السفينة أو الخيل وخلافهما.

وقد يكون المعنى أنه جل جلاله، قام بتركيب صورة الإنسان، طبقة فوق طبقة، فصورة الإنسان قطع مركبة فوق بعضها، فلن يخرج المعنى عن هذين التصورين وإن كنّا نرجح المعنى الأول، لأنه تكرر في آيات النفخ في الصور كما سوف نرى.

النفخ في الصور:

{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه : 102]

وردت عبارة النفخ في الصور، عشر مرات وهي تتعلق بيوم القيامة، فنحن نظل في قبورنا ننمو رويدا رويداً كما ينمو النبات، وهي نفس الطريقة التي خُلقنا بها أول مرة عندما خلقنا الله وأعطانا التعليمات والوصايا ثم خلقنا عن طريق التكاثر في هذه الدنيا، ثم سيخلقنا من جديد كما خلقنا أول مرة عن طريق الإنبات داخل التربة.

{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّة}  [الأنعام: 94].

{لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ}  [الكهف: 48].

فعند اكتمال الجسم إلى أن تتشكل صورة الإنسان، وذلك عن طريق الإنبات، ينفخ فيها النافخ فتعود النفس من جديد إلى وعائها المادي المتمثل في الجمجمة والرأس والوجه، ثم تتولى الملائكة إخراج البشر من قبورهم.

هل يؤيد الطب هذا الكلام:

طبيا وحتى قانونياً لا يعتبر الميت ميتاً إلا إذا مات دماغه، فإن مات استحال الرجوع للحياة مرة أخرى وفق قدرات الطب الحالية، ولو افترضنا أن الحياة ستعود للميت فإنها يجب أن تعود للدماغ أولاً قبل بقية الأجزاء، لأن الدماغ ببساطة هو مركز التحكم وهو المنظم لجميع الوظائف الأخرى، مثل التحكم بالقلب أو التنفس أو ضغط الدم. وبهذا ينجلي لنا معنى النفخ في الصورة والتي قلنا هي الوجه والرأس، فإذا عادت الحياة للصورة – الدماغ- عادت بقية أعضاء الجسم للحياة.

الخلاصة:

الصور في القرآن هي ملامح الوجه والرأس الخارجية الظاهرة للآخرين، التي هي مواطن الحسن والقبح، وهي آخر مرحلة من مراحل تكوين البشري، فتبدأ بالخلق ثم البري ثم التصوير.

وعند الانتهاء من تكوين الصورة، يتم تركيب النفس فوقها، فتبدأ الحياة البشرية حينها، وهو ما يسمى أيضاً بالنفخ في الصورة، ورجحنا أن الصورة هي فقط الجزء العلوي من الإنسان وهو الوجه والرأس.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «معجم مقاييس اللغة» (3/ 319): المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1213)

ali
ali
تعليقات