تقن في القرآن المكرم

 

تقن في القرآن المكرم

تقن لغة:

أصلان إما إحكام الشيء أو تعني الطين والحمأة. فالأصل الأول مثل أتقنت الشيء أي أحكمته. ورجل تقن أي حاذق. وابن تقن هو رجل كان جيد الرمي يضرب به المثل يقولون: "أرمى من ابن تقن" وفي الاصطلاح: معرفة الأدلة وضبط القواعد الكلية بجزئياتها. والتِقنُ هو الطبيعة. يقال: الفصاحة من تِقنه. أي من طبعه. والتِقنُ ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير، مثل الحديد وغيره من جواهر الأرض، فهو تِقنُ. ([1])

تقن عند أهل التراث:

اختلف القدماء في معنى ومقصد أتقن، فذهب ابن عباس إلى أن معناها أحكم كل شيء. وفي رواية أخرى عنه فإن أتقن تعني أحسن كل شيء خلقه وأوثقه. أما مجاهد بن جبر فيرى أنها أترص كل شيء وسوّى. ولمجاهد بن جبر رأي آخر وهو أن معانها أحصى كل شيء. وله رأي ثالث وهو أن معناها أحسن كل شيء.

وللحسن البصري رأي فقد اعتقد أن أتقن تعني أحكم. وله رأي آخر أن المعنى هو أنه هدى كل شيء خلقه لمنفعته. ويرى قتادة بن دعامة أن أتقن تعني أحسن كل شيء.  ويرى مقاتل بن سليمان أن أتقن تعني أحكم. كذلك اتفق معه يحيى بن سلام ([2])

تقن في القرآن:

لم يرد هذا الجذر في القرآن المكرم، إلا مرة واحدة في هذا النص.

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].

فإذا حللنا النص الكريم سنجد أن الآية تتحدث عن الجبال يتخيلها الناظر أنها ثابتة في مكانها، لكنها فعلاً تمر مر السحاب، أي أن سرعة حركتها تساوي حركة السحاب. ثم يبين النص أن ذلك من صنع الله.

وفي المرويات يظن بعض أهل الرواية أن المقصود هو يوم القيامة حيث تمر الجبال مر السحاب، في ذلك اليوم. بل زعموا أنه حديث منسوب إلى الرسول عليه السلام ويرى يحيى بن سلام أن مر السحاب يعني تحولها إلى عهن منفوش ([3]) 

ونحن نتفق مع هذا الكلام، فنرى أنه ليس ذلك اليوم على هذه الدنيا، بل يوم القيامة، ذلك أن النص السابق والتالي لهذا النص يتحدث عن يوم القيامة.

كذلك أننا لو نظرنا اليوم سنجد الأرض ثابتة والجبال ثابتة ولا تمر مر السحاب، حتى في حركتها مع حركة الكرة الأرضية، فسرعة الكرة تختلف عن سرعة وحركة السحاب، فهذا يعني أن النص يتحدث عن يوم القيامة.

ﵟوَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨٤ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٨٦ وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ ٨٧ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَﵞ [النمل: 83-88]

ﵟمَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ ٨٩ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَﵞ [النمل: 89-90]

ومن الواضح أن المولى يتحدث عن الزلازل والبراكين وحركة الصفائح التكتونية، فتلك الجبال التي تحملها تلك الصفائح، تتحرك مع حركتها، فهي في سرعة شديدة مثل سرعة السحاب، ولكن الناظر يوم القيامة لا يشعر بها، فالجميع يظن أنها جامدة، ولكنها تسرع كسرعة السحاب.

والنص الكريم لا يتحدث عن إتقان الصناعة وإلا لقال أتقن كل صناعة، ولكنه قال أتقن كل شيء. فماذا يعني أتقن؟

من المرجح أن أتقن تعني سيطر، أو تحكم أو أدار، فحركة الجبال التي تبدو ساكنة، هي صناعة، ناتجة عن إتقان المولى لأشياء جعلت هذا الحدث ممكناً.

فتلك الجبال التي تمر مر السحاب، وهي حالة هيجان وفوضى خطيرة جداً ذلك اليوم، كان من المفروض أن تزول كل الأرض وتتلاشى أي ينفجر الكوكب، ولولا أن الله يقبض الأرض والغلاف الجوي يوم القيامة، لزالتا.

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }  [الزمر: 67].

فنرجح أن معنى أتقن هو أحكم أو ضبط، فصنع الله سيكون يوم القيامة الذي سيحكم قبضته على كل شيء في الأرض، وهو الإتقان، فلا تزول، أنظر بقية الآيات من السورة.

 

ﵟأَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَﵞ [النمل: 25]

ﵟأَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﵞ [النمل: 61]

  هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (1/ 350) «تاج العروس من جواهر القاموس» (34/ 316)

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (16/ 628)

([3]) «موسوعة التفسير المأثور» (16/ 627)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -