فزع في القرآن المكرم

 


فزع في القرآن المكرم

 فزع لغة:

أصلان أحدهما يعني الذعر، والآخر يعني الإغاثة. فيقال فزع ويعني ذعر. وهذا مفزع القوم، أي المقصد يفزعون إليه فيما يدهمهم. وأما فزعت عنه فمعناه كشفت عنه الفزع. والمفزعة المكان يلتجئ إليه الفزِعُ.

أما الأصل الآخر فهو الإغاثة، يقول الرسول مادحاً الأنصار: إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع. وأفزعته إذا أرعبته، وأفزعته إذا أغثته. فزعت إليه فأفزعني، أي لجأت إليه فزعاً فأغاثني.

يقول المبرد أصل الفزع هو الخوف ثم كني به عن خروج الناس بسرعة لدفع عدو ونحوه إذا جاءهم بغتة. يقول الراغب: الفزع انقباض ونِفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فزعت من الله، بل يقال خفت منه. والفزع الاستغاثة مثل فزع أهل المدينة ليلاً فركب الرسول فرساً فسبق الناس، ورجع وقال: لن تراعوا لن تراعوا ([1])

 الفزع عند أهل التفسير:

هناك رواية عن ابن عباس أن الفزع الأكبر هو النفخة الآخرة، كذلك اتفق معه الحسن البصري. ويرى ابن جريج أن الفزع الأكبر يكون حين يُذبح الموت. ويرى علي بن صالح أنه لن يكون هناك فزع، بل أفزاع.

 ويرى سفيان الثوري أن الفزع الأكبر يعني حين تطبق عليهم جهنم. ولسفيان بن عيينة رأي فالفزع الأكبر هو حين يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح. وهناك حديث للرسول أن المهاجرين لهم منابر من ذهب يجلسون عليها قد أمِنوا من الفزع ([2])

الفزع في القرآن:

سنلاحظ في القرآن الكريم أن الفزع لا يعني الاستغاثة ولا يعني الخوف، فلا علاقة له بهذين المعنيين. وقبل أن ندرس النصوص، يستحسن أن نبين أن فزع لها جذر قريب منها وربما هو أب لها، وهو فزز أو فزّ، والذي يعني عند أهل اللغة بمعنى أزعج أو طير فؤاده أو طرد ([3])

وهذا يشي بمعنى فزع، فسنلاحظ ببساطة أن فزع تعني قام بسرعة وتحرك بسرعة، لسبب من الأسباب، ربما لخوفٍ أو لمساعدة أو حتى لفرح برؤية شخص غاب عنه، أو لأي سبب آخر ممكن.

وبما أن الآيات التي ذُكر فيها جذر الفزع هي ست آيات فسوف ندرسها جميعهاً.

ففي هذا النص

{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ الْمَلَٰئِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }  [الأنبياء: 103].

فعند خروج البشر من قبورهم ومكوثهم بجوارها مدة ما، تحدث الساعة وهي الزلازل والبراكين واللابات والنيازك، فحينها يفزع الناس أي يقومون بسرعة ويهربون، لكن المؤمنين لا يصيبهم الحزن، ذلك أن الملائكة تطمئنهم وتبشرهم. وذلك يؤكده قوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَٰئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}  [فصلت: 30].

 

أما الآية التالية:

{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَٰخِرِينَ }  [النمل: 87]

فتتحدث عن فزع الملائكة أي قيامها بسرعة وتحركها بسرعة نحو الأرض لكي تقوم بأعمال كثيرة، فقد يكون لحظة بعثرة القبور وإخراج البشر من القبور، وقد يكون المقصد لحظة بداية الساعة، فيعيش الناس بعد الخروج من قبورهم فترة، ثم تأتي الساعة فتفزع الملائكة أي تقوم بسرعة وتحرك بسرعة لإنقاذ البشر من الموت مؤمنهم وكافرهم.

أما فزع أهل الأرض فهو فزع الكائنات الحية من ضمنهم البشر، وهو فزع هرب من كوارث الطبيعة ذلك اليوم، فتأتي الملائكة فزعة أي مسرعة لتنقذ البشر لكي ينالوا حسابهم.

وفي الآية التالية:

{ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ }  [النمل: 89].

فهو يؤكد أن الفزع لا يعني الخوف أو الذعر، ولا الاستغاثة، فلو كانوا خائفين، فكيف يكونوا آمنين من الخوف، وقد فزعوا أي خافوا وذعروا حسب تفسير اللغويين الخاطئ؟

بالطبع أن المقصد أن الفزع الذي سيحدث لحظة الساعة، وهو القيام بسرعة والهرب بسرعة، بسبب الكوارث، سيكون المؤمنون وأهل الخير في أمن من شره، لكن الخوف سيصيبهم حتماً في البداية، حتى تأتي الملائكة وتطمئنهم، فيزول خوفهم وذعرهم ويستمر فزعهم أي هربهم من الكوارث.

 

أما الآية التالية:

{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }  [سبأ: 23].

فيقصد به إيقاظ القلب وتحركه، أي يقصد به استعادة الذاكرة، فقد قام القلب من رقاده، واستعاد الذاكرة، حيث نرى أن القلب هو العقل والدماغ وليس الموجود في الصدر، فما يوجد في صدورنا هو الفؤاد كما يشير القرآن إلى ذلك.  

لهذا عندما يستعيدون الذاكرة بفزع الدماغ (القلب) تسألهم الملائكة ماذا قال ربكم سابقاً في الدنيا، فقالوا: قال الحق. فقد استعادوا الذاكرة، أي أن ما جاءت به الرسل من تحذير عن يوم الدينونة صار أمامهم واقعاً.

 

أما الآية المكرمة

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }  [سبأ: 51].

فهي تشير إلى حدوث الساعة، حينها يفزع الكفار، أي ينهضون بسرعة ويهربون بسرعة، مثل غيرهم من البشر، ولكن لا فوت، ويأخذون من مكان قريب، وقريب هنا له احتمالان، فإما أنه قريب من حيث فزعوا من مكانهم الذي كانوا مستقرين فيه أو قريب من المحشر وهو بجوار مكة، ونرجح أن المقصد بالمكان القريب أي قريب من قبورهم أو قريب من محل فزعهم أي قيامهم وهربهم. حيث تأخذهم الملائكة وتقودهم إلى المحشر{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}[ق: 21].

أما الآية المكرمة:

{ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَٰطِ }  [ص: 22].

فداود فزع منهم أي نهض بسرعة وتحرك بسرعة نحو سلاحه، ولم يكن فعله خوفاً فالرسل لا يخافون، ولكنهم ظنوا أن فزعه أي قيامه وتحركه نحو سلاحه بسبب الخوف منهم. وقد كانت حركة داود طبيعية فهو أسس دولة كبرى على حساب إمارات قائمة فكان الحاقدون عليه كثر.

الخلاصة:

إن الفزع لا يعني الذعر والخوف ولا يعني الاستغاثة والإغاثة، بل يعني القيام السريع والحركة السريعة، لأي سبب كان فقد يكون بسبب الخوف أو للإنقاذ، وقد يكون فرحاً برؤية مسافر انقطع خبره، وقد يكون مجرد لعب وتسابق مع آخرين.

فلو ظننا أن الفزع يعني الخوف والذعر أو الإغاثة، لعجزنا عن فهم كثير من النصوص المكرمة، التي شرحت بالأعلى والتي ظهر معناها بكل وضوح فصارت تلك الآيات في غاية البيان.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (4/ 501) «تاج العروس من جواهر القاموس» (21/ 496)

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (14/ 679)

([3]) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1667)

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -